المحرر موضوع: يهود العراق والهوية الوطنية.. حقبة العهد العثماني/ الحلقة الرابعة  (زيارة 833 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

يهود العراق والهوية الوطنية.. حقبة العهد العثماني/ الحلقة الرابعة
نبيل عبد الأمير الربيعي
كانت ليهود العراق في العهد العثماني مراكز مالية هامة في الأستانة تجعلهم قادرين على تحقيق طموحاتهم, إذ عدوا في ذلك الوقت همزة الوصل بين ارجاء الدولة العثمانية من خلال اعمالهم التجارية ولا سيما الأمور المالية. عاشوا يهود العراق في هذه الحقبة بشكل طبيعي ومنحوا الحقوق جميعها إلا في عهد الوالي داود باشا الكرجي والي بغداد (1816-1831م)، وهو من أقسى الحكام في معاملته لليهود, وهو آخر المماليك الذين حكموا بغداد بين أعوام (1750-1831)، وأشتهر بواقعة الطوفان العرمرم والطاعون المبيد الذي ضرب بغداد وأحالها إلى ركام بشري، وطئت من جراءه الدرّك الحضاري الأسفل، وعدَّ سكانها حوالي إحدى عشر ألف نسمة لا غير, ويبدو أن تلك النازلة كانت وراء زيادة نسبة اليهود العددية اللاحقة، وذلك من جراء ممارستهم نظام الحجر الصحي (الكرنتينة) بما أوتوا من علم واطلاع صحي، والتي تقتضي عزل المصاب بالوباء عن الأحياء الأخرى، أو الاعتزال خارج المدينة, وهكذا شرع يهود بغداد بعدها بتوطيد نفوذهم بالتجارة.
ذكرت كتب التأريخ أبان الحقبة العثمانية أن يهود العراق تمتعوا بوضع اقتصادي وبحبوحة أملاها سعيهم الحثيث وجديَّتهم المشهود لها وأمانتهم في التعامل، فازدادت طبقة التجار والأثرياء الحرفيين اليهود في العراق, وأصبح لهم مجلسان الأول جسماني والثاني روحاني لتنظيم القضايا الشخصية والدينية والمدارس والمؤسسات الخيرية الخاصة بالطائفة اليهودية.
ويذكر الجميع قصة اليهودي الذي كان يبيع الغلَّة بسعر الجملة، لكنه يتربح من ريع الصناديق، ولهذه القصة دلالات أولها النأي عن الطمع والربح الفاحش على حساب فقراء الناس، والثاني إيمان اليهودي المتجذر بأن حركة رأس المال وتدويره يحفز نماءه وتكاثره، وهو المبدأ الأساس للرأسمالية التي اعتمدتها حضارات العراق منذ سومر وبَنَت على أساسها حضارات أخرى. وحدث أن اقتبسها الغرب ذلك بحثاً وتحليلا ومنهجية علمية، ومازالت شعوبنا لا تستوعب فحوى وتأثير تلك الظاهرة, وتذكر الأخبار أبان العهد العثماني بأنهم استفادوا من كون بغداد محطة للحجيج والقوافل العابرة من خلال طريق الحرير، ليعملوا في مجال الصيرفة، ورئاسة وظيفة الصرافة (الصراف باشي).
بالرغم من التسامح العثماني مع الأقليات إلا أن يهود العراق استفادوا من المرسوم الذي صدر عام 1839م (خط شريف كولخانة), إذ حصل يهود العراق بموجبه على حقوق متساوية مع بقية رعايا الدولة العثمانية, إلا أن هذه الاصلاحات لم تأخذ طريقها في التنفيذ إلا بعد صدور المرسوم الثاني عام 1856م (خط شريف همايون), وفيه جرى التأكيد على حقوق المواطنة المتساوية لليهود والالتحاق بالوظائف الحكومية والمساواة في الضرائب وحرية العبادة والمحاكم الخاصة.
كان لنشاط يهود العراق دور كبير في مجال التجارة الذي تميزوا به ومنافستهم للشركات البريطانية, إلا أن يهود العراق ممن لم يتمكنوا عملوا وكلاء لدى الشركات البريطانية التي بدأت أعمالها بشكل منظم منذُ تأسيس شركة الهند الشرقية, واستفادوا من دور الوسيط في المعاملات التجارية. بعد اعلان الدستور العثماني عام 1876م والذي اتم صياغة بنوده مدحت باشا وبموجب هذا الدستور أعطي الحق للأقليات في التمثيل الكامل في أول مجلس مبعوثات, إذ مثل يهود العراق كل من ساسون حسقيل ومناحيم صالح دانيال, كما عينّ الأخير عضواً في مجلس إدارة ولاية بغداد ما بين (1901-1917م)( ). ومن خلال تمثيلهم هذا اصبح لهم اطلاع أكثر على قضايا المجتمع العراقي.
في عهد الحكم العثماني لبغداد أتيحت فرصة بناء مدرسة الأليانس عام 1864م, كما قام السير البرت ديفيد ساسون ببناء مدرسة يهودية في بغداد للمساعدة في تعليم أكبر عدد ممكن من ابناء الديانة اليهودية فضلاً للسير إيلي خضوري الذي ساهم كذلك بمشاريع خيرية في بغدادً وبناء مدرسة ليهود بغداد. لقد ساهم يهود العراق في النوادي الاجتماعية منها نادي لورا خضوري ونادي الزوراء ونادي الرشيد, وأسس المحسن الكبير السيد مير الياس مستشفى تحمل اسمه في سنة 1910, وأسس البير خضوري مستشفى ريما خضوري لأمراض العيون, كان اسمها على اسم والدته, كما ساهم اليهود في الميدان السياسي من خلال عملهم كممثلين في البرلمان وكموظفين حكوميين مدنيين, وساهموا في الاقتصاد والحسابات والتعليم والثقافة والصحافة والموسيقى, وفي المجال التجاري والصناعي والمالي.
مَثلَّ يهود العراق اكبر طائفة دينية ضمن سكان المدينة, فكان عددهم اكثر من (50000) نسمة من بين سكان العراق الذي يقدر بحوالي (202000) نسمة, ولهذا العدد الكبير والذي مثل فيه يهود بغداد ثلث السكان تطورت الطائفة اليهودية في مجال التجارة المزدهرة عبرّ آسيا, وتطورت في جميع المجالات التعليمية والصحية والاقتصادية والأدبية.
تمتعوا يهود العراق في ظل التسامح الإسلامي في تحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية, ففي المجال الاقتصادي اشتهرت أسرة آل دانيال التي امتلكت عقارات وأراضي زراعية واسعة في الديوانية وحول الحلة ومنطقة الناصرية وعلى الغراف, كما ساهم مناحيم دانيال في تطوير الزراعة في العراق, عام 1878م سافر إلى أوروبا ثم عاد إلى العراق عام 1908م, واستقدم معهُ مهندساً نمساوياً, كما جلب احدث الآلات الزراعية وانشأ مزرعة نموذجية في اراضيه في قضاء الهندية في مدينة الحلة, أما أسرة ناحوم سلمان نجمو واسحق موشي فامتلكت أراضٍ شاسعة في ناحية الحمدانية التابعة للواء الموصل, كما امتلكت أسرة حسقيل عزرا واسحق الياهو وداود اسحق أراضٍ في منطقتي خانقين ومندلي في ديالى, وحصلت أسرة آل عقيرب على مركز مهم في امتلاكها للأراضي الزراعية في مدينة الحلة والمحاويل والهندية والمسيب, فضلاً عن أسرة خلاصجي التي امتلكت أراضٍ في الشامية والحمزة الشرقي في الديوانية, وقامت بزراعة الرز واشتهرت به ( ), لكن اصاب اثرياء يهود العراق خسارة فادحة في المال قبل الاحتلال البريطاني للعراق منها صدور (النوط) العثماني وهي عملة ورقية اصدرتها الدولة العثمانية لتحل محل العملة الذهبية والفضية, انخفضت قيمة تلك النقود, مما ادى إلى حدوث هزة عنيفة في الحياة الاقتصادية العراقية آنذاك, خسر اليهود من تلك الخطوة الكثير لأن اكثر الصرافين في بغداد هم من اليهود, أتهمتهم الدولة العثمانية حينها في هبوط قيمة النوط, فألقت القبض على عدد منهم وزجتهم في السجون, بعد دخول قوات الاحتلال البريطاني بدأ النمو في ثروات يهود العراق وتعويضهم للخسارة التي حصلت بعد الخسارة التي حصلت في العهد العثماني.
أما في النشاط المصرفي فكان ليهود العراق أثراً كبيراً فيه, فكان هناك مصرف عبود زلخة الذي تأسس في بغداد عام 1889م, ومصرف ادور عبودي والبنك الذي اسسه الياهو صالح جوري. فضلاً عن دور يهود العراق في المجال الاجتماعي والثقافي والصحفي, فكان اول صحيفة يهودية باللغة العبرية هي صحيفة هلدوبير(1863-1871م), وصحيفة هامجيد عام 1864م, وصحيفة الزهور عام 1909م التي صدرت باللغة العربية وهي سياسية واسسها نسيم يوسف سوميخ, وصحيفة بين النهرين عام 1909م باللغة العربية, وصحيفة تفكر بالغتين العربية والتركية عام 1912م, وأول مطبعة تأسست عام 1863م من قبل موسى باروخ مزراحي, ومن ثم مطبعة حمايم ومطبعة بيخور عام 1884م واستمر عملها حتى عام 1908م, ومطبعة إليشاع لصاحبها إليشاع شوحيط, والمطبعة الوطنية لصيون عزرا, ومطبعة جديدة لصاحبها باخور هزين أسست عام 1888م, حيث استمرت حتى عام 1913 وقد ادار هذه المطبعة من بعد وفاة صاحبها ابنه هزين, ومطبعة دنكور التي أسست عام 1904م.
أما في مجال التعليم فقد أسست جمعية الأليانس الاسرائيلية العالمية عام 1864م أول مدرسة في بغداد على غرار المدارس الاوروبية, وادخلت اللغات الفرنسية والانكليزية والعبرية والتركية, تخرج منها معظم الشخصيات اليهودية المهمة في المجتمع العراقي, كما اسست المدرسة الابتدائية للبنين عام 1886م, والمدرسة التي اسسها مناحيم صالح دانيال عام 1887م, ومدرسة لورا خضوري اسست عام 1893م كانت ابتدائية ومتوسطة للبنات, وهي اول مدرسة لتعليم الفتيات في العراق, عام 1811م شيدها إيلي خضوري تخليداً لذكرى زوجته, ومدرسة رفقة نورائيل الابتدائية للبنات عام 1902م, ومدرسة مدراش مندلي للبنين عام 1907م وهي مدرسة دينية, ومدرسة راحيل شحمون الابتدائية للبنين عام 1909م التي اسستها جمعية التعاون, وكان يديرها شمعون معلم نسيم, ومدرسة البنات الاسرائيلية في البصرة عام 1903م, ومدارس الاليانس في البصرة عام 1903, وفي الموصل عام 1907م, وفي الحلة عام 1907م, وفي العمارة عام 1910م وفي خانقين عام 1913م.
ومن الشخصيات التي شغلت مناصب الشؤون الدينية ليهود العراق ودرايتهم وتبحرهم بعلوم الدين والشريعة منهم الحاخام يوسف حاييم وهو حفيد الحاخام موشي حاييم الذي تم انتخابه عام 1859م وعدَّ زعيماً روحياً ودينياً لأكثر الزعامات اليهودية, ظلّ في المنصب حتى عام 1909م, واستطاع أن يكرس وقته للعمل الديني وتقديم الخدمة الدينية للطائفة اليهودية, كما شغل هذا المنصب الياهو سموحة الصايغ حاخام باشي عام 1909م, وإبراهام هليل واصبح حاخاماً أكبر عام 1911م.

المصادر /

1- نصير محمود شكر الجبوري وعامر حسين حسن التميمي. المدارس اليهودية في العراق (1864-1952). بحث مقدم إلى معهد اعداد المعلمات / الرصافة. 2011. ص15؛ نقلاً عن ازهار عبد علي حسين الربيعي. النخبة اليهودية في العراق والهوية العراقية 1920-1952م. ط1. 2016.
دراسات. وزارة الثقافة العراقية. مطابع دار الشؤون الثقافية العامة. ص24
2- مير بصري. اعلام يهود العراق الحديث. ط1. لندن. دار الوراق للنشر. . ص100/106؛ يعقوب يوسف كوريه, يهود العراق (تاريخهم, احوالهم, هجرتهم) ط1. عمان. الاهلية للنشر والتوزيع 1998م. ص27.
3- ازهار عبد علي حسين الربيعي. النخبة اليهودية في العراق والهوية العراقية 1920-1952م. ط1. 2016. دراسات. وزارة الثقافة العراقية. مطابع دار الشؤون الثقافية العامة. ص21.
4- خلدون ناجي معروف. اليهود والصهيونية في فترة الاحتلال البريطاني المباشر للعراق. مجلة آفاق عربية. العدد11. 1976. ص75.
5- فاتن محيي محسن. مير بصري سيرة وتراث. ط1. بغداد. دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر. 2010. ص45.
6- غادة حمدي. اليهود في العراق 1856-1920م. القاهرة. مطبعة مدبولي. ط1. 2008. . ص307.
7- خلدون ناجي معروف. الأقلية اليهودية في العراق بن سنة 1921-1952. مصدر سابق. ص66/67.
8- سعد سلمان المشهداني. تاريخ الطائفة اليهودية في العراق. مجلة مسارات العراقية. العدد 13. لسنة 2009. ص32.
9- حنا بطاطو. العراق. الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية. ترجمة عفيف الرزاز. ج1. الكويت. منشورات دار القبس. 2003. ص284.
10- عدنان محمد قاسم. داود باشا واصلاحاته في العراق 1816-1831م. بغداد. دار جيا للطباعة والنشر. ط1. 2007. ص128.