أيهما أقرب الى أربيل..باريس أم بغداد؟؟
أوشــانا نيســـانيبدوا أن العراق على موعد مع فصل جديد من الدكتاتورية ولكن بثوب جديد هذه المرة وتحت عباءة ما يسمى بالتجربة الديمقراطية العراقية. حيث مثلما جاءت ولادة الدولة العراقية قبل 100 عام، ولادة عسيرة وبعملية قيصرية لتتفق مع مصالح شريحة عراقية معيّنة وهي العرب السنّة ورغبتها في مسك زمام ألامور والعبث بحقوق ومستقبل جميع المكونات العراقية الاخرى التي حشرت ضمن حدود دولة سميّت بالدولة العراقية منذ عام 1921، كذلك أنتفضت "الضحية" بعد سقوط الصنم الطاغية صدام حسين في عام 2003، ثم حاولت وتحاول خلال 15 عام خلت، أن تتقمص شخصية الجلاد الاخيروتستبد بما تبقى من نسيج وحدة العراق وسيادته الوطنية باسم نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي تعددي هذه المرة، كما ورد في دستور عام 2005.
أذ لو تمعنا النظر جيدا ضمن خلفيات الازمة المفتعلة حاليا بين أربيل وبغداد أثرالاستفتاء الذي جرى في الاقليم الكوردستاني بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول المنصرم، لرأينا انها مجرد زوبعة في فنجان لتحويل الازمة الى ورقة انتخابية رابحة أثرتأجيج حدة الصراع ضمن خريطة التحالفات السياسية والانتخابية التي باتت تخيّم على الابواب، ذلك خلافا للدستورالعراقي وشعارالاخوة والمساواة بين جميع العراقيين تبعا لحقيقتين:
أولهما: صحيح أن قرارالاستفتاء جاء دون التحضيرله وفي زمن تدهورفيه الوضع الاقتصادي في الاقليم والعراق أثر دخول تنظيم داعش الارهابي منتصف عام 2014 ولحد الان. هذا وبالاضافة الى الخلافات المستفحلة في البيت الكوردي، وبالضد من مضمون المادة (109) من الدستور العراقي حيث جاء فيه:
- ( تحافظ السلطات الاتحادية على وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي الاتحادي).
ثانيهما: صحيح أيضا أنه ورد في المادة(20) من الدستور العراقي ما يشرع عملية استطلاع اراء الشعوب العراقية:
المادة (20)/ للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها التصويت والانتخاب والترشح).
بمعنى أخر يحق للسلطات العراقية في كل من بغداد وأربيل طبقا لما ورد في الدستور، أن تستطلع رأي جماهيرالشعوب العراقية بمختلف طوائفها العرقية والمذهبية في كل ما يتعلق بحقوقهم ومستقبلهم ضمن حدودو دولة عراقية موحدة بشرط عدم المساس بوحدة النظام الاتحادي او الفيدرالي الجديد في العراق. أذ طبقا للمادة (115) من الدستور يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لامركزية وادارات محلية.
أي أن الفيدرالية وهي تعني الاتحاد الاختياري أي التعايش المشترك بين الشعوب والاقليات العرقية العراقية الاصيلة وحتى بين الشعب الواحد في أقاليم متعددة، هو أحد الممارسات السياسية التي تسبق حق تقرير المصير المنصوص عليه في المواثيق الدولية لحقوق الانسان والشعوب وميثاق الامم المتحدة. فلماذا يجب أن يكون مجرد اللجوء الى عملية أستطلاع الرأي العام للشعوب العراقية ممنوعا؟
أزمة العراق أكبر من الغلطات المطبعية!!
حقا يحتار المرء كثيرا حين يفكر بما يلف ويدور هذه الايام في أروقة النظام العراقي الجديد وتبعاته على العراقيين الابرياء أولئك الذين لم تضمد جراحاتم بعد، تلك التي زرعها تنظيم داعش الاجرامي في جسد العراق والعراقيين خلال الاعوام الثلاثة الاخيرة. فالقيادات العراقية التي استلمت زمام الحكم بعد زوال الدكتاتورية عام 2003 أتفقت على صياغة بنود دستورعراقي واضح بامكانه حل جميع الخلافات والازمات التي تعصف بالعراق والعراقيين دون نشر غسيلنا على الملا.
حيث يعرف القاصي والداني ان المسافة التي تفصل بين أربيل وفرنسا أو بين بغداد وفرنسا، هي أقل بكثير من المسافة التي تفصل بغداد عن أربيل. فلماذا يفترض برئيس الحكومة في أربيل ورئيس الوزراء العراقي، أن يتحملا مشقة السفر الى باريس ليقول لهم رئيس جمهورية فرنسا السيد ايمانويل ماكرون، أن الحوار هو الحل الاساسي والكفيل في الخروج من عنق الازمة المفتعلة بين أربيل وبغداد. ثم لماذا يؤكد السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي بقوله وعلى هامش مؤتمر باريس للمناخ الاربعاء بتاريخ 13 كانون الاول الجاري" أن البيشمركة هي جزء من القوات وقد حييناها مثل ما حيينا جميع المقاتلين"، مشيرا الى أن البيشمركة قاتلت الى جانب الجيش العراقي وبقية قواتنا في تحرير الموصل". في حين أوضح سعد الحديثي المتحدث بأسم رئيس الوزراء العراقي، أن عدم ذكر اسم البيشمركة في خطاب النصر على تنظيم الدولة الاسلامية"داعش" حدث سهوا نتيجة خطأ مطبعي غير مقصود على الاطلاق"، صوت العراق 13 /12/2017.
الحل الذي أكده رئيس الجمهورية العراقية أيضا خلال أجتماعه مع نائبيه السيد نوري المالكي والسيد أياد علاوي الاربعاء 14 /12/2017. حيث صدر عن الاجتماع عدة قرارات وفي طليعتها:
- الدعوة الى بدء حوار فوري بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كوردستان على أن يكون الحوار برعاية رئاسة الجمهورية والدعم الفني للامم المتحدة، يهدف الى أحلال العلاقات الطبيعية بين الجانبين على أساس الدستور وقرارات المحكمة الاتحادية"، أنتهى الاقتباس.
علما أن السيد رئيس الحكومة في الاقليم ونائبه ذكرا مرارا، باستعداد الحكومة في الاعتراف بقرارات المحكمة الاتحادية ورغبتهما الجدية في ضرورة اطلاق عملية الحوارالحقيقي بين أربيل وبغداد، من دون الحاجة الى حمل ملف الخلافات والازمات العراقية الى باريس.
وفي الختام تتطلب الضرورة توضيح هوية الازمات السياسية وانتماءاتها في العراق واخرها ازمة اليوم بين أربيل وبغداد، بسبب تداعياتها الخطيرة والمثقلة على كاهل الشعوب العراقية ولا القيادات السياسية في العراق. خلال كلمته على هامش مؤتمر باريس للمناخ بالامس، يؤكد السيد العبادي أن " أهم أسباب دخول الارهاب الى العراق هو الفساد ومحاربته جزء أساسي وحيوي". بمعنى أخر، أن ظاهرة الفساد المستشري في جسد العراق ومفاصله طبقا لتقرير منظمة الشفافية الدولية التي تعتبره ضمن الدول العشرالاكثر فسادا في العالم، تتورط في ترسيخها واستمراريتها، معظم القيادات والرموز السياسية الكبرى ضمن العراق الجديد وليس عامة الشعب الذي لا يتحمل غيرالاعباء والتبعات الكارثية.