ميلاد المسيح رواية ام حقيقة؟
كل عام في مثل هذا الوقت ينشغل العالم بعيد الميلاد لطفل بمولده قَسَمَ التاريخ شطرين ويهز أركان المعمورة في التحضير لمولده . في الحقيقة حين نقرأ قصة ميلاد المسيح فنحن نقف أمام رواية تاريخية يصعب تصديقها بدءاً بالبشارة والحبل بلا دنس وثم ملائكة وجنود السماء يظهرون لرعاة ثم نقرآ انهم تحلقوا فوق المغارة ينشدون " المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة" ترى بأية لغة إنشدوها ومن سمعهم ليدونها وتصبح جزءاً من هذا الميلاد العجييب. علينا ان نتسائل هنا هل هذه مجرد رواية ام حقيقة وقعت بالفعل. قد يكون من حقنا ان نشك ان كنا ضعفاء الأيمان ولكنه ليس من حقنا ان ننكر وقوعها. وإزاء هذا الألزام من طرفي لا بد ان اتي بالقرائن والادلة لأثبت حجتي.
الكتاب المقدس بعهديه لم ينزل من السماء كما يحسب الأخوة المسلمين ان كتابهم نزل من السماء والبشرية ملزمة بقبوله. الكتاب المقدس كتبه أشخاص عاديون ولم يكونوا كاملين لإن الكمال في الأرض هو للابن الآله المتجسد فقط . ولكن إيمان هؤلاء المدونيين بألوهية الرب جعلهم يكتبون بما يمليه عليهم ضميرهم الإنساني المرتبط روحياً بالخالق الذي هو روحاني ايضاً . كِتاب العهد القديم كُتبَ قبل مجئ المسيح بنحو سبعمائة عام حسب معلوماتي المتواضعة ليس من قبل الأنبياء المعترف بهم بل من قبل أشخاص سمعوا هذه النبوات عن طريق النقل ومن خلال ايمانهم والتزامهم الديني دونوها لنا. والعهد الجديد يؤكد هذه المسألة إذ يذكر ان يسوع المسيح حين كان طفلاً صعد الى الهيكل ليجادل العلماء اليهود في الشريعة والتوراة التي فيها قصص الأنبياء والصالحين المعروفين في العهد القديم مثل موسى وإبراهيم وسليمان وغيرهم كلهم نطق بأسماءهم وذكر أعمالهم الاله المتجسد والذي ذكرى ميلاده في هذه الآيام . وحتى صوم نينوى المذكور في العهد القديم جاء على ذكره الرب يسوع حين قال " رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه لانهم تابوا بمناشدة يونان وهذا اعظم من يونان ههنا " متى ١٢: ٤١. من له فهم وعقل راجح يتسأل ويقول كيف ورد هذا على لسان يسوع لو ان ذلك لم يكن مكتوباً ومتعارفٌ عليه في ذلك الزمان. حالياً نعرف ان يسوع المسيح كان يعرف قصة صوم نينوى من العهد القديم الذي لا بد وانه قرأه او سمع عنه. فإذن العهد القديم هو تدوين قصص بني اسرائيل منذ بدء الخلق وما قاله الأنبياء عن الله الذي كان يكلمهم. فدوّنوا في كتاباتهم عن المسيح الذي سوف يتجسد ويولد من عذراء كما ورد في اشعيا ٧ : ١٤ ، "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل". ويولد في بيت لحم كما ورد في متي حيث يورد ان "هيرودس الملك جمع رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم اين يولد المسيح فقالوا في بيت لحم" متى ٢: ٦. اما من اين استقى رؤساء الكهنة هذه المعلومة فأنه بلا شك من نبؤة ميخا ٥: ٢ التي تقول: " اما انت يا بيت لحم أفراتَة، وانت صغيرة ان تكوني بين ألوف يهوذا ، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على اسرائيل، ومخارجه منذ القديم ، منذ ايام الأزل."
كثيرة هي النبؤات عن ولادة المسيح وردت في العهد القديم وعلى من يريد التأكد عليه قراءة الكتاب المقدس او الآستعانة بالأستاذ گوگل.
ويسهل الأمر في العهد الجديد الذي نعرف قطعاً ان كُتّابه هم من عاصروا المسيح وعرفوا عن كثب الكثير عن حياة المسيح وبالأخص الأنجليين الأربعة وهم كل من متى ومرقس ولوقا ويوحنا. كل كتبَ إنجيله بلغة معينة وفي بلد معين ولكن الأربعة متفقون فيما نقلوه عن حياة يسوع المسيح وثمة احداث مثل الميلاد الذي نحن بصدده مكتوب من قبل متى و لوقا من غير ان نجد اي اختلاف في فحوى القصة. وحسب التقليد وكتابات الرسل وعلماء الدين فان الكتاب المقدس هو موحى به من الروح القدس لأشخاص لهم بعض الدراية في الكتابة.
بيت القصيد من مما ورد اعلاه ان مجيء المسيح وولادته قبل مايزيد من الفيّتين وبالطريقة المعروفة هو قصة واقعية لا مجرد رواية من تأليف احد البشر رغم الذي أسلفنا ان بعض حوادثها هي صعبة التصديق. لكن النبؤات وتحقيقها كما يخبرنا الأنجيل يزيل كل الشكوك بوقوعها. شخصياً ثمة نبؤات في العهد القديم تثير انتباهي وأحسبها قد تحققت وألمسها في معرفتي ومنها ما قيل عن ابراهيم انه سيكون أباً لأمم عديدة وحالياً فان الأديان السماوية الثلاث تعتبره هكذا.. العهد القديم ايضاً يذكر عن نسل اسماعيل ( المسلمين ) ان عدده سيكون مثل رمل البحر وهو في رؤيتي هو هكذا الآن.. نبؤة اخرى من العهد القديم وهي في اشعيا ١٩؛ ٢٣ وتذكر ثلاث اقوام أو دول وهي اسرائيل، مصر، وآشور نراها اليوم حقيقة واقعة؛ بعد تشتت الآسرائليون في المعمورة ؛ ونشأت اسرائيل عام 1948، وتحولت مصر الى الجمهورية العربية المتحدة لترجع الى الأسم الحقيقي قبل بضع عقود ؛ وتلاشت آشور ليكتشفها الغربيون وها هو اسمها يدوي من جديد. نبؤة اخرى تحققت ولكن ليس في زماننا هذا، هي نبوة ناحوم عن سقط نينوى... لم أسهب في هذه النبؤات كثيرا وكذلك ثمة نبؤات اخر حصلت ولا اريد ذكرها كي لا أخرج عن موضوع الميلاد. لكن بإختصار ان نبؤات العهد القديم ليست حبراً على ورق.
في الحقيقة فان الميلاد يكشف لنا سراً من اسرار الكون والسر هو ان هذا الكون له خالق ومدبر، ليس نظرياً فقط لكن بالبرهان تماماً مثلما جاء العلماء بنظرية الجاذبية نحو مركز الأرض وتطبيقها ان التفاحة تسقط باتجاه مركز الأرض. هنا نتأكد من الجاذبية من خلال سقوط التفاحة ، وهكذا ايضاً نتأكد من الآب الخالق عبر الأبن المتجسد. اي ان الخالق كان نظرياً حتى مجيء المسيح ليخبرنا عنه وعن الروح القدس لتكتمل معرفتنا عن الثالوث المقدس . أزيد هنا وأقول ان قرآن الأسلام يتكلم عن الله الذي لا اله غيره ، ولكن من حق الفرد ان يسأل ويقول وما هو البرهان المادي عن هذا الله !! وهكذا ايضاً اليهودية آمنت ولا زالت تؤمن بمجئ منقذ او مخلص آتٍ من السماء لأثبات ان دينهم هو دين الخلاص، هذه الفٌ رابعة بعد النبؤات وكل مسلتزات النبؤة زالت وهم لا زالوا في طور نظرية المجئ!! الرب أراد الخلاص للجنس البشري وكان بامكانه ان يقول ليكن الخلاص فيكون ولكن الرب أراد ان يكون الخلاص عملياً وعبر التجسد والموت على الصليب كي يدركه عقل الأنسان . الميلاد الذي حلّ قبل أثر من الفين سنة والذي نحتفل به هذه الأيام هو التجسد بعينه وهو تطبيق للخلاص الذي أعده الرب لنا نحن البشر.
بقي الآن ان نسأل أنفسنا هل ثمة حدث في التاريخ له وقع على البشرية مثل الميلاد؟ . أساطير كُتبتْ او قيلتْ قبل آلاف السنين او أشخاص ولدوا وكأنوا عظماء في أعمالهم ولذلك حفظ التاريخ لنا انجازاتهم ولكن نادراً ما نتذكرهم ، اما ميلاد المسيح المتواضع جداً فلَهُ يوم مخصص وتكاد الكرة الأرضية تهتز له فرحاً لذكراه.
لنا ان نقول ونعيد هنا ان حدث الميلاد في مغزاه هو الربط بين السماء و الأرض : أنشودة الملائكة.. هو تطبيق لنظرية: ثمة خالق لهذا الكون (الآب ) ويسوع المسيح ( الأبن ) جاء الى الارض ليخبرنا عنه.. والميلاد ايضاً رواية حقيقية عجيبة حدثت بالفعل قبل ٢٠١٧ سنة ومنذ ذلك الحين يحتفل العالم به احتفالاً لا يضاهيه آخر.
وفي الختام وفي ذكرى الميلاد لا بد لنا ان نقف بإعجاب وخشوع لهذا الوليد منشدين مع الملائكة :
"هليلويا المجد لله في العُلى وعلى الارض السلام هليلويا"
حنا شمعون / شيكاغو