المحرر موضوع: التحديات التي تتعرض لها اللغة العربية في دول المهجر وضعية اللغة العربية في فرنسا كَمثال  (زيارة 1420 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. رابحة مجيد الناشئ

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 74
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
التحديات التي تتعرض لها اللغة العربية في دول المهجر
وضعية اللغة العربية في فرنسا كَمثال
د. رابحة مجيد الناشئ
     ان مشاكل المهاجرين في بداية هجرتهم تنتج بشكل اساسي من الانقطاع المفاجيء مع اللغة الأُم، حيث يجدون انفسهم مجبرين على التحدث بلغة البلد المستقبِل والتكيف مع البيئة الجديدة، وهذا بالطبع لا يحدث دائما بغير تصادم، حيث ان لكل مجتمع ثقافته وقيمه وانماط حياته التي قد تختلف أحياناً، بل قد تصل الى حد التناقض مع غيرها...وهذ الامر مشترك عند المهاجرين ومنهم المهاجرين من اصولٍ عربية. فالكلمات والتعابير اللغوية التي قد تكون مرغوبة ومحل تقدير عند شعبٍ من الشعوب، لربما تُعَد منبوذة او انحرافا عن المعيار عند شعوب اخرى. هذه الوضعية تدفع المهاجرين في الغالب لإعادة النظر في سلوكياتهم، وبضمنها بالطبع السلوك اللغوي، لكي يحققوا اندماجهم في المجتمعات الجديدة، وهذا لا يحدث دون صراع وتضحية وتبعات ومشاكل سايكولوجية تؤثر في نفسية هؤلاء المهاجرين وتنعكس على شخصياتهم.
اللغة هذه الوسيلة الانسانية للتواصل، هي ايضاً كالناس تولَد وتنمو وتتطور وتتغير وتشيخ، وقد يدركها الموت لتحل محلها لغات أُخرى اذا تغيرت الظروف الموضوعية لوجودها، كما حدث للغة اللاتينية القديمة، واللغة القبطية وغيرها من اللغات. فاللغة لا يمكن ان تصبح وسيلة للتواصل إ لّا اذا انتقلت عبر الاجيال. وعلى كل حال فإنَ لُغات المهاجرين في دول استقبالهم تكون في الغالب موضوعا للسياسات التي تقودها الى الاختفاء.
ومن اجل فهم وضعية المهاجرين من اصل عربي وموقفهم من لغتهم ومن اللغات الأُخرى، يجب الأخذ في الاعتبار طبيعة التغير الذي تخضع له هذه اللغات المفصولة عن وسطها الأصلي وخاضعة للاحتكاك مع لغة او لُغات أًخرى أكثرَ تقييماً واعتباراً من قبَل المجتمع ومن قبل العوائل المهاجرة نفسها.
لقد اظهرَ البحث الاحصائي  للمعهد الوطني للإحصاء في فرنسا لعام 1999 ، والذي يُعتبَر اول احصاء مهم فيما يتعلق بالممارسات اللغوية للأقليات ، عدم الاحتفاظ بميراث لغوي للمهاجرين. فالبرتغالية والايطالية والاسبانية والعربية...كلها تراجعَت من جيلٍ الى جيل وأُزيحَت بواسطة اللغة الفرنسية، وبأنَ لُغات الأقليات منقولة أو مُحوِّلة بشكلٍ أقَل فأقَل :
1/5 من المبحوثين " البالغين ″ يستعمل في الوقت الحاضر في حديثه مع أقاربه من وقتٍ لآخر، لغة أخرى غير الفرنسية، 3/4 من هؤلاء كانوا يتكلمون الفرنسية فقط مع عوائلهم عندما كانوا في عمر خمس سنوات... وهكذا فان المهاجرين حين تطول اقامتهم، يستخدمون الفرنسية فقط في داخل العائلة وبالتالي لا تصبح العائلة إطاراً لتحويل اللغات.
فيما يتعلق باللغة العربية، أظهر هذا الإحصاء عدم نقل وتحويل هذه اللغة ، وفقدانها الكثير من قِبَل ثلاث جاليات مغربية : فنسبة الفقدان بالنسبة للجالية  الجزائرية  65 % ، للتونسية  60 %، وللمغربية  30%. لقد تطابقت هذه النتائج تماماً مع نتائج  بحثي الميداني الذي اجريته في فرنسا عام  2006 والموسوم ″ مكانة اللغة العربية في فرنسا " والذي كانَ جزءاً من اطروحتي للدكتوراه، حيثُ اظهر هذا البحث أنَ الغالبية من الأطفال والشباب المنحدرين من اصول عربية وعلى الأخص من اصلٍ مغربي    " من الذين خضعوا للبحث ″، يستخدمون اللغة الفرنسية فقط في حياتهم اليومية ولا يشعرون بالحاجة لدراسة اللغة العربية، لا من اجل التواصل، ولا من اجل النجاح والارتقاء الاجتماعي. ان هذه الوضعية اللغوية للمهاجرين تَنوَجِد في باقي دول المهجر، كما أنها تنطبق على المهاجرين من دول عربية اخرى كالعراق وسوريا ومصر والاردن... وهي تختلف بالدرجة لا بالنوع. اما التركيز على المغاربة هنا ، فهو يعود الى انهم  يشكلون اكبر الجاليات العربية في فرنسا، وأَنَ خاصية هجرة هؤلاء الى فرنسا تختلفُ عن غيرهم من الجاليات العربية ، وفي الحقيقة هم الاغلبية من الاجانب الذين يترددون على المؤسسات المدرسية الفرنسية، وفي الغالب النقاشات تدور حولهم. المغاربة يُظهرون تجمعا واضحا لثلاثة دول عربية ″الجزائر، المغرب و تونس "، وهي قريبة التجانُس من حيث الجوار والظروف المشتركة للهجرة والتشابه الحضاري والمشاعر الدينية...، وللثلاثة وضعيتهم الخاصة المرتبطة بالعامل التاريخي والسياسي، حيث ترتبط وضعيتهم اللغوية بالعلاقة مع الاستعمار وسيطرة اللغة الفرنسية بمواجهة لغتهم الام، اللغة العربية. أما الجماعات العربية الأُخرى، فأسباب وجودها مختلفة وليست بالضرورة لسببٍ اقتصادي او لعلاقةٍ تاريخية، فمنهم الطلاب ومنهم اصحاب الشركات ومنه طلبة اللجوء السياسي واللاجئين الذين أُجبروا على تركِ بلدانهم هرباً من الأخطار، كالحروب والاضطهاد والمجاعة والتمييز الديني والطائفي والكوارث الطبيعية وغيرها.
       إنَ اللغة العربية تجتاز اليوم وضعية صعبة في دول المهجر، بسبب علاقات القوة ما بين اللغات المتواجدة في هذه البلدان، وبسبب الصورة المُقولَبة والتي لا تستند الى أُسسٍ موضوعية عن هذه اللغة. فاللغة العربية لا تجد استقبالا حاراً في الوسط المدرسي الفرنسي، ويُترَك التكفُل بتعليمها في الغالب للمنظمات التابعة للمهاجرين فقط، وهذا ما يُساهم في عُزلتها وفي تهميشِها والحكمِ عليها بعدَم النفع للمستقبَل الدراسي والمهني، ليس من قبل بلد الهجرة فحسب، بل من قبل العوائل المهاجرة نفسها. وكل هذا يقود الكثير من أبناء  المهاجرين الى استدخال عدم التقييم للغة العربية، لغة الآباء والاجداد ولغة البلد الأصلي لهم، ومُحاولة البحث عن وسيلة للتخلص من هوية غير مُقَيَّمة، بتصريحهِ مثلا بأن اللغة الفرنسية هي لغته الأُم وليس العربية،  كما اظهرت ذلك جلياً  نتائج بحثنا الميداني. وفي نفسِ هذا السياق اظهرت نتائج هذا البحث، بأنَ الكثير من هؤلاء الأطفال لا يتردَد بإخفاء اسمه الحقيقي ويصرح باسم آخَر، وحين يُسأل عن السبب يعطي اسبابا لذلك، ومن هذه الاسباب على سبيل المثال ″ من أجل الحصول على اصدقاء ،  من أجل الشعور بأنه طفل سوي كالآخرين، من اجل ان يكون محترما ،  من اجل الحصول على وضيفة في المستقبل وغير ذلك من الأسباب والتي توضح الحالة النفسية لهؤلاء المبحوثين الذين يشعرون جيدا بعدم التقييم للغتهم ، اللغة العربية.   وهكذا تصبح نادية " نادَج ″، وليد يصبحَ وِلي، مُراد يصبحَ موس ، ومنعِم يصبحَ ميشَل، وكريمة تصبحَ  كرستين...الخ.  ولتوضيح الصورة اكثر طرحنا بعض الاسئلة على  آباء هؤلاء الأطفال والشباب الذين خضعوا للبحث ، منها :
- اذا استُحدثَ صف لتدريس اللغة العربية في مدرسة ابناءك، هل تفضل ان يدرس اللغة العربية كلغة ثانية او ثالثة، ام تفضل ان يدرس لغات أُخَرى ؟
      أظهرَ الآباء بأجوبتهم  مشاعر مزدوجة، فهم يتمنون ان يتكلم معهم ابنائهم اللغة العربية  ولكنهم بنفس الوقت لا يرغبون باختيارها، ويتحدثون عن ذلك بمرارة بالغة، وفيما يلي بعض اجوبة الآباء :
- أُريدُ لأولادي النجاح في حياتهم ، اختيار العربية لا يجلب النجاح في هذا البلد.
- نحنُ مجبرون على اختيار لغات اخرى لمستقبلهم  فلسنا في بلدنا.
- نحب ان يتكلم اولادنا العربية ولكن نخاف عليهم من الفشل في الدراسة.
- احب ان يختار اولادي لغات عالمية تنفعهم .
- العربية جيدة للعطل حتى يتحدثوا مع اجدادهم، للمستقبل لا...لا.
- جئتُ الى فرنسا حتى يكون لأولادي مستقبل وليس لدراسة العربية.
- دراسة العربية لا تنفع اولادنا، لا هنا في فرنسا، ولا في أوربا ولا حتى في البلد.
هذه بعض الأجوبة... فاذا كان المهاجرون انفسهم وابنائهم، يشعرون بعدم التقييم للغتهم العربية، واذا كانت الممارسة للغة الفرنسية تتميز بالاستعمال الواسع في داخل وفي خارج المحيط العائلي، وأنَ المهاجرين العرب لا يختارون دراستها حتى وأن وُجدَت ضمن لُغات اخرى في المدرسة...فكيف يكون الرد الحاسم على مستقبل هذه اللغة،  واذا كانت وضعيتها تبدو الآن هكذا، فعلى اي شكل سوف تكون في المستقبَل ؟
هؤلاء الأطفال والشباب ابناء المهاجرين، هل يستطيعون نقل وتحويل هذه اللغة الى الجيل او الاجيال القادمة ؟
أعتقدُ بأنَ الجواب على هذه الأسئلة سيكون فيه الكثير من الإحراج. فمثل هذه المعطيات ستؤثر حتما على مستقبل هذه اللغة، اللغة العربية، وتضعف وجودها، حيثُ لا يمكن لأية لغة أن تحيا وتستمر إلّا اذا مارسها واستمر على ممارستها كلاماً وقراءةً وكتابة الشعب الذي اختارها لغة له.
 اكتفي بهذا القدر من التوضيح لوضعية اللغة العربية في دول المهجر واترك المجال للمختصين في هذا المجال.

   


رابحة مجيد سبهان الناشئ
http://uploads.ankawa.com/uploads/141891940271.pdf

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 695
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
د. رابحة مجيد الناشئ المحترمة
بوركتِ على ما تفضلت به، وهذه حقيقة واضحة للعيان، لا يمكن نكرانها أبداً، طالما نلمسها يومياً في مجتمعاتنا بتكويناتهم المتفاوتة ومن حيت تفاوت اللغة الأم والعادات والتقاليد التي يحتمون تحت ظلالها. نعم، هذا ما أثبتته التجارب والمعايشات لدى أبناء الأجيال الأولى من الجاليات ومن ثم إندماجهم وانصهارهم في مجتمعات البلدان التي احتضنتهم ليكونوا غرباء على لغتهم الأم. ومن حيث الإجابات التي توصلتِ إليها يمكنني القول بأن خللها وأسبابها ضعف الوعي القومي والمواطنة الأصلية، بالرغم من أن البعض من أولياء الأمور يفكرون عكس ما نصت اليه الإجابات، ولكن مشكلتهم موقف أبنائهم السلبي من مطالبهم. علماً بأن الدراسات التربوية والنفسية أثبتت بأن التلاميذ من مزدوجي أو ثنائي اللغة أثبتوا تفوقهم في الحقول الدراسية، شريطة أن يكونوا على مقدرة من استيعاب لغتهم الأم لإثبات ذلك. ومن طرف آخر اثبتت البحوث أيضاً بأن الذين واصلوا تعلم لغتهم سواء من خلال الجمعيات والمؤسسات الخاصة بهم وحتى في البلدان التي توفر لهم تعلمها بشكل رسمي تظهر الإحصائيات بنسب غير مرضية من حيث الإقبال، ونادراً ما نجد من يحرص على مواصلة التعلم بشكل منتظم وبرغبة شديدة.
إن مداخلتي هذه مستمدة من سعة تجربتي على مدى أربعين عاماً في تعليم اللغتين العربية والآشورية في المدارس الرسمية السويدية، وحصيلتها كانت مشابهة لما أشرتِ إليه، وبالنتيجة دعاني الأمر لوضع مؤلفي بعنوان " أسباب تدني مستوى التلاميذ في تعلم اللغة العربية في المدارس السويدية" إضافة لمقالات بهذا الشأن.
ميخائيل ممو
mammoo20@hotmail.com