المحرر موضوع: آفاق وجدانية: العطش الروحي والإيمان المسيحي  (زيارة 1823 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
       آفاق وجدانية:
                     العطش الروحي والايمان المسيحي

الأب نويل فرمان السناطي
-----------------

مقدمة خارجة عن النص
----------------------
في أحد أبوابها (أوتار الانجيل)، نشرت لي، مؤخرا، مجلة الافق (اوپقا) الغرّاء، مقالا بعنوان: العطش المسيحاني. وقد رأيت ان أنشر على ضوئه هذا المقال في موقع عنكاوا الأغرّ لما قد يكون فيه من تعميم للفائدة، وهنا أضفت هوامش عن الشخصيات الايمانية التاريخية المذكورة في المقال، والتي من المرتقب ان تشير إليها المجلة في عدد لاحق، في باب التعليقات على المقالات. ومجلة (أوپقا) مجلة فصلية إيمانية ثقافية اجتماعية تصدرها بطريركية الكنيسة الشرقية القديمة في العراق.
إنها محاولة متواضعة أن اكتب في موقع عنكاوا في هذا المضمار الروحي المسيحاني، خصوصا اني لدى عرضي لكتاب د. عبد الله رابي - الرابط أدناه (*) استخلصت من الكتاب أن شعبنا النهريني الذي مزقته التسميات وأثرت عليه اجندات سياسية متضاربة، وتوجهات مذهبية متباينة، فرأيت أن مما قد يجمعه من عناصر متنوعة، اضافة الى العمل المشترك في المجالات الاجتماعية الثقافية والاقتصادية، قد تكون ايضا التطلعات الوجدانية المشتركة الضاربة جذورها في زمن اعتناقه بشرى الانجيل مع فجر المسيحية. فيتسامى شعبنا، بمجمل هذه العناصر المشتركة، على الاجندات السياسية، وينظر بواقعية وانفتاح الى التباينات في تفصيلات مذهبية وعقائدية. وبهذا يبتعد المقال عن دوريات الانضباط في منتديات الموقع، الذين تخالهم كما في العهود الشمولية، يستوقفون الناس/ الكتاب في تدقيقهم المتشابك: (هويتك أخي) وكل منهم يبت من جانبه، عن هوية من هي الحقيقية وهوية من هي المزورة...
وعودة إلى المقال المنشور في مجلة أوپقا يسرني أن أرى في هذه المجلة العزيزة، كواحدة من المجلات الرائدة في المضمار الوحدوي، إذ تقبلت نشر هذا الموضوع مع استشهاداتي بشخصيات روحانية في الكنيسة الجامعة، ربما ليست دائما مطروقة في أوساط هذه المجلة التنويرية الانفتاحية، وشرحتها في الهامش.
وقتا طيبا ارجوه للقارئ الكريم مع هذه الارهاصات الروحية التي قد تشدنا لبعضنا اكثر بكثير مما يسبب فرقتنا.

نص المقال
"إن عطش أحد فليقبل إليّ، ومن آمن بي فليشرب"  (يسوع المسيح)
--------------------------------------------
ضمن سلسلة متواصلة من الأحاديث، يعرض القديس يوحنا الحبيب في انجيله ما قام به يسوع خلال أيام عيد اليهود، وما صار بينه وبين الفريسيين من مواجهة كبيرة للعداء الذي أخذوا يناصبونه. عندما انفرز صفان: صف يسوع الذي جاء ليعلن نفسه مع الشعب ومع الناس العاديين، وصف رؤساء الكهنة والفريسيين، الذين كانوا يتهيأون أكثر فأكثر للانقضاض عليه. في أجواء المواجهة هذه، كشف يسوع بوضوح أوراقه كمخلص منتظر لهذا العالم.

مصدر ماء الحياة ونور العالم
-------------------
فبحركة جماهيرية، أخذ ينادي ويقول: إن عطش أحد فليقبل إليّ، ومن آمن بي فليشرب (يو 7: 37) ويضيف فيما بعد:  أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (يو 8: 12).  إنه يوفر الماء للعطشان، ويسبغ بنوره على كل العالم.
والحال، مع ارتواء العطش ومع النور، تتكلل مسيرة المسيح في كل حياته. لقد كان الجواب الشافي لكل القلقين والضعفاء والخطأة، من العطاشى الحقيقيين إلى الحياة الحقة. هذا كان سبيله في سنوات بشارته، بدأها بتحويل الماء إلى الخمر، كرمز إلى العشاء الافخارستي وفرح العرس السماوي، وكاستجابة لما يسعد الانسان. وكان للماء هذا العنصر الهام، رمزية كبيرة في انجيل يوحنا، إنه يتحدث عن الماء مع السامرية، فإذا بها تكتشف عنده ماء الحياة، الذي لا يعطش من يشرب منه من بعد.

انتظارت عطشى
----------
وتبقى مسيرة يسوع مفعمة بهاجس إرواء الناس من العطش إلى الماء الحي، إلى الحقيقة، إلى الشفاء، إلى التحرر من الذنب ومن الخطايا. فيكون هو عندئذ الماء الحقيقي الذي يعالج انواع اخرى من العطش:
العطش إلى جمع المال، فيخلـّص منه الكثيرين من أمثال زكا العشار ومتى الانجيلي، من عطش كان يجعلهما يلهثان وراء المزيد من الماء بدون ارتواء. وإذا بهم يرتوون لديه ارتواء ما بعده ارتواء.
يخلص الخاطئة، التي كانت تحسب أن عطش سعادتها في شبق الخطيئة، فتجد عنده السعادة الحقة، سعادة الغفران والمحبة.
ضمن كل سنواته العلنية، وجدنا يسوع يعالج العطش إلى السعادة لكل بسطاء الناس، العطش إلى سد ما يعوزهم، ليكملوا مسيرتهم في هذه الحياة. استجاب إلى لهفة المقعد، وحسرة الابرص، وشوق الاعمى إلى النور وحنين الارملة إلى ابنها الوحيد الذي فقدته.
وبقي يسوع في كل المعجزات التي يقوم بها يرمز إلى مضامين تلك المعجزات، فيؤكد على أن الشفاء من الخطيئة ليس أقل أهمية من القيام والسير، بموجب ما قاله للمقعد الذي غفر له وقال له أن ينهض.

شرط الارتواء المسيحاني
----------------
على أن يسوع أكد أكثر من مرة، أن الطريق إلى ارواء العطش إلى الماء الحقيقي، له سر ومفتاح: إنه الايمان، فكان دائما يمتدح من يطلب منه بإيمان، فيقول له: إيمانك خلصك. وزاد الانجيلي مرقس (6: 1-6) فقال عن يسوع في موطنه الناصرة إلى الذين لم يؤمنوا به:  ولَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئاً مِنَ المُعجزات، سِوى أَنَّه وَضَعَ يَديَهِ على بَعضِ المَرْضى فَشَفاهم" : عبارة "لَم يَستَطِعْ أَن يُجرِيَ هُناكَ شَيْئاً مِنَ المُعجزات" هي من أكثر عبارات الانجيل جرأة وتُظهر بوضوح ان معجزات يسوع لم تكن أعمالاً سحرية، بل هي أعمالٌ مرتبطة ارتباطاً حيوياً بإيمان الشعب. ان عدم الايمان منع يسوع من ان يجري معجزة. فهناك علاقة بين الايمان والمعجزة ( مرقس 2: 5) . فالله تعالى في سلطانه لا يُجري معجزة اذا ما كان الانسان رافضا وعقوقا حتى النهاية، بما وصفه يسوع بخطيئة ضد الروح القدس. لترتبط المعجزة من ثم بالإيمان الذي هو جواب الانسان على مبادرة الله المجانية. وعليه أصبح إجراء المعجزات مستحيلا بسبب قلة أيمان أهل الناصرة، وليس عن قلة مقدرة يسوع، لأنه من خلال ايمان المرء الحر الواعي، تتحقق المعجزة الربانية القائمة ايضا على احترام حرية الانسان.

عطشك وعطش الاخر
--------------
ويتحدث يسوع عن دور الانسان، في إرواء أخيه الإنسان، في التفاتة المحبة نحوه بكاس ماء بارد. ويضع العطش وارواء العطش، ضمن تطويباته: كنت جائعا فأطعمتوني، كنت عطشان فسقيتموني. فبقي يقرن ما يفعله للأخرين، بما ينبغي لهم، أن يعملوه لغيرهم. ليؤكد في هذا النهج أن هناك سعادة أكثر في العطاء اكثر من الأخذ، وأن النعمة التي يتلقاها كل منا من الرب، يجدر بنا أن نشارك الناس بها، فكما سقانا هو من ماء المعرفة والنعمة والسعادة، يجدر بنا، وكشرط لأن نكون مقبولين في السماء، أن نسقى العطشان الذي يجعله الرب في طريقنا.
وهكذا بقي يسوع يؤكد على حالة متفردة من الارتواء تكمن في ضرورة العطاء إلى الاخر، حتى اعتبر يسوع الاخر مكانه: "كل ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه" إلى درجة أن أقوى عبارة اطلقها بصوت عال من على الصليب كانت: "أنا عطشان" وبها استنهض الاستجابة لعطش الاخرين لتغدو بمثابة الاستجابة لعطشه على الصليب. جاء هذا بحسب تشبيه ساقته لي الام تريزا في بغداد، عندما، في نهاية نهار صيف (حزيران 1991) رافقتها خلاله في زياراتها الرسمية، فأخذتني إلى معبد الصلاة الخاص بهم، ومثله في كل بيوتاتها، إذ وضعوا تحت الصليب، عبارة "أنا عطشان". إنه الشعار الذي وضعته القديسة المؤسسة لمرسلات المحبة، في المعبد الصغير لبيوتهم واديرتهم، لتصبح حياتهم مع المعاقين والمنبوذين من أحبة الرب، بمثابة الاستجابة لعطش ذلك الذي اخلى ذاته من أجل الآخرين.

ومضات في الارتواء من العطش المسيحاني
----------------------------
كبار الناس في الحياة المسيحية هم كبار العطاشى الذين لم يرتووا إلا بالكلمة الربانية المحيية. وكبار الناس في المسيحية هم الذي وضعوا امام اعينهم ان يسقوا العطاش. وجاءت منهم ومضات طبعت حياتهم المعجونة بين العطش والارتواء:
اليك يرنو قلبنا يا الله ولن يستريح الا بك، عبارة قالها مار أوغسطينوس (1) عندما اكتشف الحقيقة في المسيح.
"الله يحتاج الينا" نداء رمزي أطلقه منصور ابو الفقراء (2) في اشارة إلى اننا نحن الذين ينبغي ان نكون يد الله امام الاخوة المحتاجين الينا.
"ما اطيبك يا الله، حتى انك قصبة مرضوضة لا تكسر وفتيلا مدخنا لا يطفئ." قالها المهتدي الكبير شارل (3)، نقلا عن سفر اشعيا (42: 3) وهو يتملى في الصحراء الجزائرية مترامية الأطراف، إذ وجد كلام الحياة، بعد كل ضلالته، ووجد السعادة الحقيقية. فكانت صرخته عندما استنار بالايمان بوجود الله: حالما لمست وجوده، وجدت أني لن استطيع ان اعيش لأحد سواه.
ويبقى العطش المسيحاني دعوة للتفكير في العطش الحقيقي، والسبيل إلى ارواء.

___________________________
(*) رابط المقال عن كتاب د. رابي، بعنوان (استخلاصات من كتاب د. عبد الله رابي: قوميات بشعور محبب، وواقع التسويق الستراتيجي):
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=860397.0

هوامش عن الاسماء المذكورة في المقال:
__________________________
(1) القديس اوغسطينوس الكبير (354-430) ابن القديسة مونيكا، الذي عاش في افريقيا الشمالية تونس، وكان فيلسوفا وثنيا، اهتدى الى المسيحية من خلال البحث عن الحكمة القصوى، في بشارة الرب. وكنت اشتركت في اعداد سيرة حياته مع الاب منصور المخلصي، بعنوان: اوغسطينوس الافريقي. وتلك جملة معروفة عنه عالميا، في الأدبيات المسيحية عموما، وهي تعكس البحث الانساني الوجداني، والارتياح الى اقصاه باكتشاف الله.
(2) منصور ابو الفقراء، هو القديس منصور دي پول (1581-1660) المنتشرة جمعياته الخيرية، في لبنان، العراق وبقع كثيرة من العالم.
(3) شارل المهتدي الكبير، هو الطوباوي شارل دي فوكو (1858-1916) الذي عاش العقود الاخيرة من حياته واستشهد في الصحراء الجزائرية، وعلى نهج خطاه تأسست رهبانيتا إخوة و أخوات يسوع الصغيرات. وتلك كانت كلماته عند اهتدائه إلى الايمان، إذ كان غير مؤمن في الجزائر وبعد الاهتداء وتكريس نفسه للرب.الذي كنتُ اعددت سيرة حياته المصورة، وهي متوفرة على ما اعتقد وربما مع الكتاب أعلاه، في مكتبة الناصرة بإدارة الاخت زاهدة الدومنيكية.

غير متصل د.عبدالله رابي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1269
  • د.عبدالله مرقس رابي
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاب القدير نوئيل فرمان السناطي المحترم
تحية
شكرا على مقالتك التنويرية التي تعد درساً مهما في الروحانيات التي نحتاجها على الدوام في حياتنا الاجتماعية ، فهي جزء من تفكير الانسان كما يؤكد عليها علماء الاجتماع ، ولا يمكن الاستغناء عنها ، والذي ينكر ذلك من حيث لايدري هي جزء من شعوره وتفكيره في تفاعلاته اليومية ..
قدمت ايها الاب الفاضل درساً واضحاً للتمييز بين العطش الروحي والمادي، فالاول له ابعاده النفسية التي تحول الانسان عند أشباعه من حالة الياس والقنوط والنفور عن المعتاد وعدم التكيف الاجتماعي الى العكس من ذلك لكي يندمج الفرد اجتماعياً في المجتمع ليواصل حياته الاجتماعية اليومية بالرضى النفسي وتقبل الاخر وتفهم للوضع الاجتماعي المحيط به ويتجاوز الصعوبات والعوائق اليومية بيسر. بينما الاشباع المادي للعطش هو لتلبية حاجة فسلجية بايولوجية لجسم الانسان ليتمكن من الاستمرار في الحياة .بمعنى كلاهما اساسيان للانسان ليتمكن للتواصل كالاسوياء وفي تفاعل اجتماعي يقترنه التهذيب من الاشباع الروحي للعطش وتلبية حاجة الجسم ليتمتع بصحة تؤهله للتواصل مع الاخرين.ولعله اجود واعظم ما نرجع اليه لكي نتهذب من اشباع العطش الروحي هو تعاليم الانجيل التي اقرها يسوع المسيح.
لا اريد الاطالة حيث تغطيتك للموضوع كانت مستوفية جدا.
تقبل تحياتي والى المزيد من الدروس.
اخوكم
د. رابي

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي

الاخ الفاضل د. عبد الله رابي المحترم
اود ان اشكرك من الصميم على هذا التعليق الذي تفضلت بالادلاء به على المقال، واقدر تواضعك الجم في أنك لم تشر الى الاستشهاد بكتابك. والحال هذا ما كنت عاهدت نفسي به، بعد تقديم كتابك، ان اكتب في مواضيع وجدانية قد تجمع شعبنا النهريني اكثر من التنظيرات القومية، ما دامت التسمية تفرق، والخصوصية القومية تفرق، وعلى مهب الريح من الاجندات السياسية والتباينات المذهبية، فوددت ان اكتب في الشأن التنويري الروحاني، بعد ان سال الكثير من الحبر الالكتروني، على امور لم تقدم ولم تؤخر بل تخدم بنحو مباشر او غير مباشر هذه الاجنده أو تلك.
وعودة الى تعليقك البناء، فهو بحد ذاته مقال ومادة وموضوع، وكم كنت اتمنى ان كتاب شعبنا الاخصائيين يبادروا الى ان يحتلوا مساحة باتت أحيانا حكرا على الملحدين واللادينين، مع الاحترام لما يتخذه هؤلاء ضميريا من فكر ورأي.
وأتمنى ان يصار الى الكتابة في الشؤون النفسية والاجتماعية والانثروبولجية، الى جانب غير ذلك من شؤون تخدم رقي شعبنا، وما يعانيه مجتمعنا من امراض الاغتراب والهجرة وما يسحلونه معهم من تركات قبلية وتأثرات تعصبية بالمجتمعات الغالبة في ارض الوطن.
مع تقديري واحترامي لحضرتك وللقراء الكرام.


غير متصل بطرس ادم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 849
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حضرة الأب الفاضل نوئيل فرمان المحترم

وكما عودتنا في جميع كتاباتك ، جئت لنا بهذا المقال الرائع الذي بحق نحن قراء هذا الموقع بحاجة شديدة له ولأمثاله من الكتابات التي تبني وتجمع وتدعو الى الأيمان والمحبة والرجاء التي دعانا اليها مار بولس في رسالته الأولى الى كورنثوس ( 13 : 13 ) ولتعيد اللحمة والألفة بين قراء هذا الموقع التي بددتها بعض الكتابات فيه مع الأسف ، فعلا (( نحن بحاجة الى هكذا مقالات لترسخ فينا الروحانيات التي نحتاجها اليوم في حياتنا الأجتماعية )) كما تفضل أخي وصديقي الدكتور عبدالله رابي في تعليقه أعلاه .
أبتِ الفاضل
لعل مشكلة الأنسان الأساسية في أيمانه هي التناقض بين عقله والمعجزة ، طبيعة عقل الأنسان لا يعترف بحدث لا يستطيع فهمه ، أما الأيمان فيعرّفه الكتاب المقدس بأنه الثقة بما يرجى ، والأيقان بأمور لا تُرى " عبرانيين 11 : 1 " أي تحقق أعمال هي خارج ادراك العقل البشري لا يعترف بها الا المؤمن الذي قد وضع الله في داخله قدرا من الأيمان " كما يقول الكتاب المقدس " في داخل كل انسان قدرا من الأيمان سواء شعر به أم لم يشعر وهو لا يظهر الا وقت الحاجة ، وهو مستعد للأستخدام ، أنه يشبه الذراعين اللذَان لا يحتاج الأنسان أن يشعر بهما الا وقت الحاجة لأستخدامهما ، ولكن لدى الأنسان ثقة كاملة بأنهما موجودتان ومستعدتان للأستخدام .
والكتاب المقدس يقدم لنا أمثلة كثيرة حول العقل والأيمان منها أيمان أبراهيم بما بشره الملاك من ولادة أبن له من أمرأته سرّة العاقر وتكاثر نسله وكلاهما قد عبرا العمر الطبيعي للأنجاب الذي يتمسك به العقل ويؤكد أستحالة تحققه ، وأيمان أبراهيم جعله يأخذ أبنه أسحاق ليقدمه ذبيحة بناء على أمر من الله ، ولم يستمع الى صوت عقله الذي ظل يسأله كيف يحصل ذلك وأن الله سبق وأن وعده بنسل من أسحق ، والأيمان هو الذي جعل التلميذ أندراوس يطيع أمر الرب يسوع المسيح بتهيأة طعام لخمسة آلاف انسان من خمسة أرغفة خبز وبعض السمك ، ولم يسمع عقله الذي يؤكد أستحالة أشباع خمسة آلاف انسان بخمسة أرغفة خبز ، وهكذا حادثة سير مار بطرس على المياه الذي بدأ بالغرق حالما تدخل عقله وأقنعه بأستحالة سير الأنسان على المياه على قدميه دون أن يغرق  .
شكرا أبتِ الفاضل ثانية على هكذا مواضيع تعمق الأيمان وتزرع بذور المحبة والألفة والأحترام عوضا عن المواضيع التي تنشر التعصب والأنقسام والخلافات التي يزخر بها هذا الموقع مع الأسف .


مع التقدير

غير متصل الأب نويل فرمان السناطي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 169
    • مشاهدة الملف الشخصي
الاخ الفاضل الاستاذ بطرس آدم المحترم
أود أن أشكرك  جزيل الشكر على تعليقك المستفيض المحب. وكان طرحك فيه موضوع تأمل وتفكير معمق، في اليومين المنصرمين. كما أسعدني ان أجد في حضرتك وحضرة د. رابي، رائدين من رواد هذا الموقع وهو الواحد من بضع عشرات المواقع الاكثر انتشارا في العالم، تشجعان نهجا بقي الموقع مفتوحا له، وهو مخاطبة قارئ اليوم بالسعي لتقديم بشرى الخلاص التي شكلت انعطافا في التاريخ البشري, وذلك ضمن واجهة علمانية (في موقع ليس لسان حال جهة دينية) وفي خطاب معاصر. ازاء عدد ممن يفيدون من المنبر عينه لبث افكار مناوئة للبشرى اياها، عندما بقي الخطاب عنها مقولبا وتقليديا.
أذعن ان ثمة توجهات تسعى لتقديم معطيات انجيلية في منظور رمزي يدخلونه ضمن جنس ادبي ابن زمانه، مما له اساسه، ولكنه قد يوحي بالتقليل من شأن ما حدث من تحولات عجائبية في زمن الرب، توبة بطرس، وبعد صعوده: اهتداء شاول بولس، وكأنها تحصيل حاصل، بدون الانبهار بما جرى من تحول ايماني، انساني جذري لديهما وما حققاه  في حياتهما، الى جانب ما اجترحه يسوع المسيح من معجزات للمؤمنين به.
فأرى من المنطلق إياه ان ننظر الى ما يحدث في زمننا من معجزات مبعثها الايمان وباسم يسوع عينه، سواء في تطويب القديسين، مما تتطلبه الكنيسة في اعلان قداستهم، من معجزات يذعن العلم ان لا تفسير له بشأنها، ولكن ايضا ما يمكن ان تراه، مثلا،، في مزار سان جوزيف في مونتريال من مجاميع عكازات لمعوقين شفي عوقهم بإيمانهم بالشفاء، باسم يسوع اياه. على ان ما ذكرته لي متطوعة في لورد، هو دهشتها من معجزات اهتداء أناس جاؤوا المزار غير مؤمنين، وتركوه على غير ما كانوا، وكذا ما نجده من اهتداءات في المسيحية واليها.
مع اعتزازي الدائم.