المحرر موضوع: الديمقراطية - حكم القانون والدستور ولا حكم الاشخاص!!  (زيارة 813 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أوشانا نيسان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 322
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الديمقراطية - حكم القانون والدستور ولا حكم الاشخاص!!
أوشـــانا نيســـان
تعودت شعوب الشرق الاوسط عموما والشعب العراقي على وجه الخصوص، أن يختار بين السئ والاسوأ، حين يحلم بالدولة العصرية التي تحترم مبادئ العدالة والحرية والمساواة، بدلا من الاختياربين الجيد والاسوأ. ففي العراق من يحن الى عهد الملكية التي تم سحل رموزه في شوارع بغداد وفيه من يحن الى عصرالجمهوريات وزمن الانفلات الامني وتنفيذ الاعدامات بالجملة، بدلا من الحلم بدولة عراقية ديمقراطية يحكمها دستور دائم ونزيه !!
الحقيقة التي تبرز في قول المواطنة العراقية ( مريم يوخنا ) لمراسل جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 31 يناير 2005  " لقد توجه العراقييون الى مراكز الاقتراع مشيا على الاقدام وهذا اكبر دليل على اصرارهم على المشاركة ولاتوجد هناك مقاطعة بل خوف من الاوضاع الامنية غير المستقرة...وأضافت، كنا نتمنى ان يشهد العراق مثل هذه الممارسات الديمقراطية من أجل مستقبل أطفالنا وأنا هنا لاشارك في أول عرس ديمقراطي يشهده العراق الذي يقام وسط وابل الرصاص الذي تحداه العراقي الاصيل لقول كلمته في هذا الظرف الحرج من حياة العراق".
الكل يتذكر نضال الشعوب العراقية ودور المعارضة العراقية ضد النظم المركزية الجائرة وأخرها نظام
الطاغية صدام حسين وأنا واحدا منهم، ولكن نادرا ما نتجرأ في الكشف عن دور المعارضة الحقيقية او
المعارضة التي استلمت السلطة بعد غياب الدكتاتورية لاسباب منها حزبية أوطائفية أو حتى شخصية.
لان الديمقراطية في العراق تحولت للاسف الشديد الى مجرد شعارات تسبق الحملات الانتخابات النيابية بهدف تحقيق الاغلبية تحت سقف البرلمان، ولا العمل على ضرورة اجراء التغييرالسياسي وتحسين نوعية
المستوى المعيشي للمواطن العراقي. لآن الحاكم العراقي المستقوي بالاكثرية في العراق يحاول قهرالاقلية
السياسية وابعاد دورها من المشاركة الحقيقية في الحكم. رغم أن المطلع على ثقافة الديمقراطية باعتبارها
أفضل مشروع سياسي مشترك لادارة شؤون البلاد  يعرف جيدا، أن ضمان أو حماية حقوق الاقليات
ضمن التجربة الديمقراطية " النزيهة"، هو المحك الحقيقي للديمقراطية الناجحة. وأن المحك الحقيقي
للديمقراطية ليس كما يقال ويدون ضمن فقرات الدستور وبنوده المدونة على الورق، وانما في الكيفية
التي يطبق أو يسري بها الدستور على أرض الواقع.

أذ في الواقع يمكن حصر الازمة السياسية في العراقين القديم منه والجديد ضمن نهج السلطة في " عدم اشراك النخبة العراقية المثقفة والطامحة ايديولوجيا نحو ترسيخ دعائم الدولة الديمقراطية – المدنية في ثرى العراق". رغم أن المطلع على مضمون الخطاب السياسي للمعارضة العراقية وبجميع مشاربها السياسية والمذهبية خلال ما يقارب من نصف قرن يعرف، ان الباعث أو الخلل الرئيسي وراء غياب العدالة والديمقراطية ضمن النظم المركزية المتعاقبة في بغداد العاصمة، كان أصرارحكامها على وجوب تهميش النخبة العراقية المثقفة واستبعادها قدر الامكان عن عملية صناعة القرارات السياسية المصيرية بعدما باتت حكرا على طوائف وأحزاب معينة.
ومن الواقع هذا يمكن القول، أن ما جرى ويجري بأنتظام في عراق ديمقراطي وفيدرالي من العمليات الارهابية وغياب الامن والاستقرار في معظم المدن العراقية الكبيرة، أنما هو أمتداد حقيقي  لسياسات التهميش ونهج الاقصاء المتبع قبل السقوط. لذلك علينا القول أنه حان الوقت للحاكم العراقي الجديد أن يقّر، أن التعددية العرقية والمذهبية التي يتصف بها الشعب العراقي، تتطلب نظام سياسي متميز تشارك فيه النخبة السياسية والثقافية العراقية بجميع مشاربها السياسية والمذهبية والايديولوجيا من دون تمييز. ولاسيما بعدما أثبت النظام السياسي العراقي تحت ظل نظام الحزب الواحد والمذهب الواحد فشله خلال 82 عام متواصل، فلماذا يجب أن نكرر الخطأ التاريخي مرة أخرى.
حيث يعرف المتابع أن قرار التهميش الذي أتخذته شريحة عراقية معينة وهي "السنّة" العراقية، تلك التي مسكت زمام الامور السياسية في العراق منذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921 وحتى سقوط الطاغية صدام حسين عام 2003 بيد من النار والحديد، كان ولايزال السبب الرئيسي وراء جميع التعقيدات السياسية التي تواجه مسيرة التوجه نحو ترسيخ دعائم النظام السياسي الديمقراطي ضمن العراق الجديد. لآن تهميش الاكثرية في العراق وهي " العرب الشيعة" خلال 82 عام من عمر النظام السياسي "السني"، مثلما كان على راس التحديات التي واجهته جميع النظم المركزية في بغداد، بالقدر نفسه سيظل قرارتهميش العرب السنة وغيرها من المكونات العرقية العراقية في العراق الجديد، باعثا وراء التعقيدات والتحديات التي تخيم على وجود ومستقبل النظام السياسي الجديد منذ عام 2003 ولحد الان. وأن تنامي جميع أنواع التيارات الارهابية والمجاميع الاصولية الاسلامية والسلفية وأخرها منظمة داعش الدموية في العراق وسوريا خلال السنوات العشرالاخيرة، هي نتاج أخطر الاخفاقات السياسية وعنوانها ثقافة التهميش والاستبعاد والتي تعني بحق ابعاد المعارضة وتجاهل دورها قدر الامكان.
صحيح أن بنيّة النظام السياسي العراقي تغيير كثيرا منذ عام 2005، ولكن سوء أستغلال نهج التغيير في النظام نفسه شّرع تدخلات الدول الاقليمية والعالمية في الشؤون الداخلية العراقية بوضوح. هذا بقدر ما يتعلق الامر بالنظام السياسي للاكثرية " الشيعية" الحاكمة، أما بقدر ما يتعلق ببقية المكونات العراقية المحكومة وعلى راسها الشعب الكوردي، فأنه لم يتم أستقبال وفد الحركة التحررية الكوردستانية علنا ورسميا خلال ما يقارب من نصف قرن من الزمان، مثلما تم أستقبال وفد الاقليم برئاسة البارزاني ونائبه قوباد الطالباني من قبل رئيس الجمهورية الفرنسية ايمانويل ماكرون في قصرالرئاسة  (الاليزيه) بتاريخ 1كانون الاول 2017. التحّول الذي اشار أليه الدكتور ماجد السامرائي بدوره ضمن مقال منشور له في صحيفة العرب بتاريخ 22/اب/2017 بقوله أن " الاكراد كسبوا جولتهم الاولى وخسرها سياسيو العرب".

والسبب بأعتقادي هو العودة الى المربع الاول من جديد وحصر القرارات المصيرية في العراق بيد الاشخاص بدلا من اللجان الدستورية. أذ حتى لو سلمنا جدلا أن منصب رئيس الجمهورية في العراق الجديد هو منصب رمزي وبروتوكولي كما يقال ويكتب في الصحافة العراقية، فان السلطة التنفيذية الاتحادية في العراق طبقا للمادة(66) تتكون من " رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء تمارس صلاحياتها وفقا للدستور".
وفي المادة (67) من الدستور ورد ما يللي:
"رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز الوطن يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على أستقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة ارضه وفقا لاحكام الدستور".
البنود التي تم تهميش مضمونها منذ تفاقم الازمة السياسية بين بغداد وأربيل واستفحالها حتى اللحظة هذه، رغم المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية العراقية في سبيل حلحلة العقدة المستعصية، بالاضافة الى توسط عدد من القادة العراقيين بحجم رئيس البرلمان الدكتور سليم الجبوري ونواب رئيس الجمهورية الثلاثة السادة أياد علاوي، نوري المالكي وأسامة النجيفي.
أما الحل الجذري للازمة السياسية المستعصية في تركيبة النظام السياسي في عراق ديمقراطي وفيدرالي، هو باعتقادي وجوب العودة الى فقرات الدستوربهدف حل النزاعات بالطرق السلمية. لآن الدستور هو الاساس لكل الخلافات والاصلاحات. حيث لا توجد مشكلة أو أزمة سياسية لايمكن حلها من خلال العودة الى بنود وفقرات الدستور العراقي الذي وافق عليه العراقيون في استفتاء شعبي في أكتوبر/ تشرين الاول 2005 بنسبة تجاوزت 78% من الاصوات.
وبهذه الطريقة وحدها يمكن للنظام العراقي اشراك جميع اطياف المجتمع العراقي ضمن التجربة الديمقراطية النزيهة مشاركة فعّالة، بهدف تحقيق المصالحة الوطنية وضمان الشراكة الحقيقية في صنع جميع القرارات المصيرية. لآن مشكلة العراق الحالية ليست في ترجمة مضمون الدستور وحده كما نسمع بين الحين والاخر، بقدرانتماءها والخلافات التي تشكلها الحملات الانتخابية ونتائجها.