المحرر موضوع: في بيتنا جاسوس للدكتور هادي حسن عليوي  (زيارة 1169 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يوسف الموسوي

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1150
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في بيتنا جاسوس للدكتور هادي حسن عليوي


عصر أحد أيام الخميس العام 1987 ذهبنا الى بيت أخي الكبير (جلسة سهرة).. وقبل تناول العشاء قررنا العودة الى بيتنا.. فقد انتابني قلقُ دون معرفة السبب.. وما أن دخلنا بيتنا حتى وجدنا الباب الخلفي مفتوحة.. وقد كسرت أقفالها وأثاث البيت مقلوباً رأساً على عقب.. طلبتُ من زوجتي وأبنائي عدم لمس أي شيء والخروج الى حديقة البيت.. واتصلتُ هاتفيا بمدير الشرطة العام اللواء سوريان.. الذي كانت ليً معرفة به.. وأبلغته بالحادث.. فأرسلً على الفور ثلاثة من ضباط الجريمة وكشف الدلالة وصوروا كل ألاماكن.. التي يعتقد إن الجناة لامسوها.. ثم طلبوا مني تثبيت ما سرق.. وبعد تفتيش دقيق تبينً إن الجناة لم يسرقوا أي شيء!!
وإزاء ذلك تركت الشرطة الموضوع.. وحاولوا التهرب من القضية بشتى الطرق.. وذكر ليً حارس بيت محافظ اربيل المجاور لبيتي.. إن سيارة نصر المصرية الصنع كانت تسوقها شابة توقفت في المساء أمام بيتي.. ونزلً منها شابان.. وبعد أكثر من ساعة خرجا الشابين من بيتي.. وانطلقت السيارة بسرعة تاركةً المنطقة.. وهو لا يقرأ ولا يكتب لهذا لم يستطع معرفة رقم السيارة..
المهم في اليوم التالي أبلغني جاري عبد المنعم السامرائي مهندس الكترونيات وصوتيات إن مثل هذه العمليات تقوم بها الأجهزة الأمنية لنصب كاميرات (صورة وصوت) غاية في الدقة والصغر وفي أماكن يصعب اكتشافها.. وقد أثار حديثه فزعي (خاصة إنني كنتُ محالاً على التقاعد أوائل العام 1984.. وأنا في عنفوان نضجي الفكري والإنتاجي.. وكنتُ في الأربعينيات من عمري.. وعينتُ بعد ستة أشهر في مركز التوثيق الإعلامي لدول الخليج العربي على الملاك الدائم .. وبعد سنتين فرضوا على مدير عام المركز الدكتور جاسم محمد جرجيس.. إنهاء خدماتي تحت ذريعة إنني غير حزبي.. على الرغم من إن غالبية موظفي المركز غير حزبيين.. لأن هذا المركز منظمة إقليمية وليست عراقية.. عندها قدمتُ شكوى الى وزير الإعلام العراقي لطيف نصيف جاسم باعتباره رئيس مجلس إدارة المركز شارحاً فيه بأن إنهاء خدماتي من المركز مخالف لنظام المركز.. أحال الوزير الطلب الى وكيله نوري ألمرسومي الذي هددني باعتقالي من قبل الأمن العامة.. نظرتُ إليه وقلتُ له: (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق).. فصرخ بوجهي: (تهددني).. قلتُ له: (نعم.. أهددكً بالله وليس بغيره).. تركته ورجعتُ الى مكتب الوزير لأقابل الوزير .. فحدثني المرحوم الصديق طارق القيسي مدير مكتب الوزير بصوت منخفض: (دكتور اترك الموضوع.. والزرق بيد الله وليس بيد غيره).. تركتُ مكتب الوزير وفوضتُ أمري لرب العزةِ..
إذن هناك جاسوس غير منظور في بيتنا.. يسجل كل كلماتنا وهمساتنا ودقات قلوبنا.. فعشنا في قلق دائم.. ولم نعد نتكلم داخل البيت في أي موضوع (وتصوروا انتم الحالة).. أخفينا الأمر على أبنائي كي لا يرتعبوا.. وينعكس ذلك على دراستهم وحياتهم.. كما لم نبلغ أي أحد من أهلي وأقرباءنا في هذا الموضوع.. فكرنا في بيع البيت وتغيير المكان.. لكنً ذلك لن يحل المشكلة.. فالذي نصب فيه كاميرات يستطيع أن ينصب في غيره أيضاً..
وأخيراً جاء أخي بالحل السحري.. فبعنا كل أثاث البيت وكل شيء.. واشترينا أثاثاٍ بسيطاً.. وقمنا بتغليف أرضية البيت ودرجات السلم بالكاربت.. وتغليف الجدران بالورق اللاصق.. وجدران صالة الضيوف بالخشب الصاج.. وتغليف السقوف جميعها بالفلين.. وكل الحيطان الداخلية للحديقة بالإسمنت.. وبالرغم من كل هذه التغييرات بقيً الخوف يساورنا.. فما زال الجاسوس يعيش في بيتنا.. ولا نعرف مكانه ويلتقط لنا صورة وصوت..
وهكذا انعزلنا عن العالم.. وحاولنا التهرب من زيارات الأهل والأقرباء إلينا.. وكرهنا بيتنا (الجميل وفي أرقى مناطق بغداد).. وكنا نفر منه يومياً الى الحدائق العامة.. أو التجوال في الشوارع والأسواق..
وخوفاً من أن ينعكس هروبنا اليومي سلباً على دراسة أبنائي أجرتُ البيت لشركة مقاولات.. وأجرنا لنا بيت ليس بعيداً عن منطقتنا.. لكن ذلك لم يمنع قلقنا في كل شخص ينظر إلينا.. أو من أية سيارة تسير خلفنا.. وعشنا فترة عصيبة لا يتصورها العقل..
بعد سنتين عدنا الى بيتنا لانتقال شركة المقاولات الى مكان آخر.. وعلى الرغم من التحديثات الكبيرة التي أجرتها شركة المقاولات على البيت بناءً على موافقتي.. لكننا منذ الساعة الأولى لعودتنا الى بيتنا أخذ القلق والخوف ينتابنا من جديد..
زاد قلقي عندما سافرتُ الى ليبيا في أيلول العام 1997 للعمل أستاذاً جامعياً هناك.. وأبقيتُ عائلتي في بغداد لإكمال الأبناء دراساتهم.. فكنتُ كل يوم أتصل في البيت هاتفياً.. لأذكرهم بالجاسوس ويكونوا حذرين في تحركهم..
وفي تموز العام 2001 عدتُ الى العراق كعادتي لقضاء العطلة الصيفية مع الأهل.. لكنني وجدتُ عائلتي في وضع نفسي يفرض بقائي معها.. فلم تعد العائلة تتحمل هذا الوضع البوليسي .. فأنهيتُ عقد عملي في ليبيا وبقيتُ في العراق..
في أيار العام 2002 عينتُ عميداً للمعهد العربي العالي للدراسات التربوية والنفسية في بغداد.. وبعد شهرين أجبرتُ على ترك العمل بأمر من هاشم حسن شقيق علي حسن المجيد..(ابن عم صدام..علي كيمياوي).. الذي كان مسؤول الكليات الأهلية في حزب البعث.. وفرضوا خلف ألدليمي عضو الجمعية التربوية والنفسية بدلاً عني عميداً للمعهد الذي يخرج ماجستير ودكتوراه.. وعميده الجديد لا يحمل لا الماجستير ولا الدكتوراه.. وليس تربوياً أو تدريسياً.. هذا هو الزمن الجميل كما يحلو للبعض تسميته ..
هكذا عشنا في قلق وخوف دائم ثلاثة وعشرون عاما !!.. لنبيع البيت واشترينا بيتاً أصغر منه حجماً.. وننتقل الى بيتنا الجديد قبل سقوط نظام صدام بعشرة أشهر..