المحرر موضوع: رسالة من تحت الأنقاض  (زيارة 1376 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Abdullah Hirmiz JAJO

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 604
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رسالة من تحت الأنقاض
« في: 21:05 17/04/2007 »
رسالة من تحت الأنقاض
كثيرين مارسوا الكتابة وحاولوا أيصال الحقائق للآخرين وخاصة نحن في زمن صعب ومليء بمالتغيرات والأحداث الجسام، وهكذا فكرت أنا أيضا أيها العزيز الساكن في قلبي وإن كنت بعيدا عني ولا تسمع الأنين الذي يصدر من صدري والآهات التي تنطلق من حنجرتي ولا تشاهد علامات التعجب التي تبرز في وجهي وكيف يمتلي جبيني من الخطوط وتجحظ عيناني وأنا أشاهد وأسمع لما يجري من حولي من دم يراق ومال مباح وعرض يستباح وفوضى عارمة تعصف بكل شيء وما من مستجيب للاستغاثة التي تصدر من مغلوب ولا من يرفع الظلم عن المظلوم ولا نجد من يهرع للمساعدة وتقديم العون.
إنه يا عزيزي زمن ليس كباقي الأزمنة ووقت لا يشبهه وقت آخر، فكيف لي أن أوصل لك التفاصيل وأنا عاجز من الوصول إلى الحقيقة وسط هذا الكم الهائل من الأحداث في كل لحظة ودقيقة، لأنني أجد الموت متربصا بكل شيء ويحاول أن يخنق كل شيء وخاصة في عيون الأطفال لأن البراءة أصبحت هدفا وغير محببة في زمن العنف هذا، وأيضا أقول لك أن المعالم التي تميز عاصمتنا أصبحت هدفا آخر بغية أزالتها، وهل تتذكر كم كنا نتجول في الأزقة الضيقة لشارع المتنبي بحثا عن كتاب قديم ومؤلف نادر أو قصيدة لشاعر نستعين بها كي نغازل محبوبتنا، هذه الأزقة أصبحت هدفا هي الأخرى، والأوراق التي تتضمن لوعة العشاق وفكر المفكرين تم بعثرتها تحت الأقدام ولوثتها مياه الإطفاء وضاع كل شيء هناك وتمزقت الكتب وتبعثرت الرفوف وكأني بزمن لهولاكو جديد وعدو للعلم والمعرفة وناصر للأمية ينتقم من المستنصرية ومن المتنبي وأبي تمام، وكم من مرة سرقت عصا عبد المحسن الكاضمي، هذا العكاز الذي كان يتكيء عليه وهو يلقي بأشعاره في بغداد الثقافة والشعر.
وليس هذا كل شيء أيها العزيز فحتى الجسر الذي عبرنا عليه مرارا ونحن نراقب الغروب ونستلهم الطبيعة في غدنا الذي يفوح بالأمل ونحن نسترق النظرات من خلال مشبك حديدي مرتب بنسق جميل وفي لحظة هوجاء سقط كل هذا وأصبح الحديد المنسق الجميل عبارة عن خردة لا تفيد شيء ولا تسر أي صديق فقد تقطعت أوصال الجسر وتوقفتُ عن المرور والتمتع بالمناظر التي كنا نشاهدها معا، وأصبحت الرصافة بعيدة جدا عن الكرخ وعادت كما بناها المنصور معزولة في هذا الجانب ومن يريد العبور عليه البحث عن جسور أخرى!!!
إنها البلوة الجديد يا صديقي التي ابتلينا بها ولا أمل يلوح في الأفق، فشوارعنا أصبحت مقفرة وسلطة المرور تصرّ على السير وفق نظام الفردي والزوجي، والموت لا يفرق بين هذا أو ذاك ولا أحد يسأل من يغتالهم عن الهوية أو المذهب، فالجميع مستهدفون ولا فرق بين عمر أو علي، بين جورج أو خوشناو أو خديدة، الجميع أصبح وقودا جاهزا وضحية محتملة لحادث جديد، وما أكثرها.
عزيزي أطلب منك أن تصرخ بعالي الصوت لكي تسمع من به صمم، أن شعبك في العراق يموت يوميا بالعشرات،  والوطن يقوده الغرباء والعلماء يدارون من قبل الأغبياء، وبيوت العبادة مرتعا للصوص، والحكماء انزووا جانبا والعقلاء محاربون، والأمناء يغتالون، والصادقين يكذّبون، والمال والعرض جميعهم غير مصانون، فإلى متى تسكت يا عزيزي وأنت ساكن في السويد وصديقنا الآخر يتمتع بمناضر شلالات نياكارا، وثالثنا الذي يتمشى على أرصفة دار الأوبرا في سدني، هل تبقى ساعة بغ بن بدقاتها الرنانة تلهيكم عن سماع أنات المظلومين في الصدرية أو الشورجة أو باب الشيخ والفضل، أم أن شارع الشانزيليزيه أكثر متعة ويسلب الألباب عند مقارنته بالمتنبي أو الرشيد في بغداد المنصور، ألا تلاحظون أن دار السلام أصبحت دارا للحرب والدمار، وحتى في شوارعنا لا نسلم ولا نأخذ الحرية في السير، فرتل عسكري يجعلك تتسمر في مكانك خوفا من وابل من الرصاص يقتل الأمل في صدور أصحابها، ودبابة مسرعة عندنا لا يهمها الصعود فوق السيارات بمن فيها فالمهم أن يسلم من في الدبابة ويصبح آمناً.
أطلب منكم جميعا يا أخوتي ان ترفعوا الصوت وتعطون الحرية الكاملة لأقلامكم لكي تمتليء صفحات الجرائد والانترنيت بمعاناة أخوتكم وعذاباتهم، فالديمقراطية المستوردة بدأت تأكل الأخضر ولا تبقي حتى اليابس في طريقها، إنها تشبه بموجة الجراد الصحراوي الذي يهجم على حقول خضراء محملة بسنابل الخير. ولا تقل أيها العزيز أن صديقي لم يكتب لي بالحقيقة الكاملة لأنني مهما كتبت لن أوفي الحقيقة حقها، لكن أريد منك أن تكون شاهدا أنني قد حاولت وبلغت.     
صديقك الذي ينتظر عبدالله النوفلي
    بغداد في 17 نيسان 2007