هل سقطّ الديكتاتور فعلاً
بقلم/ سلوان ساكو
مرت زهاءَ ثلاثين عامً على سقوط الدكتاتور نيكولاي تشاوتشيسكو، رئيس جمهورية رومانيا الاشتراكية ، وزوجته إلينا، في العاصمة بوخارست بعد ان اشتعلت المظاهرات في تيميشوارا في ديسمبر 1989 ؛ واعدامهم بعد ايّام قليلة في محاكمة شكلية صورية. كان هذا الدرس القاسي البليغ يشاهده العالم بأسره من خلال شاشات التلفاز لديكتاتور سقط بشكل دراماتيكي مثير، بعدَ ان حكم 25 عام. كانت سنوات يأس وجوع وحرمان من ابسط متطلبات الحَيَاة، عانا خلالها الفرد الروماني ويلات وغرور وحماقة فرد مُصاب بانفصام الشخصية أراد ان يُخلد نفسه من خلال قصر كبير في وسط العاصمة والشعب يعاني الامرين ، إلى أن اتجه هذا الشعب الحر المغلوب على أمره إلى تحقيق العدالة بطريقته هو، وكانت النتائج مرعبة بحق الديكتاتور ستظل عالقة في الاذهان الى ما لا نِهاية.
ما كان السقوط للصنم في 2003 ألا كنتيجة حتمية لأحداث غزو دولة الكويت عام 1990. فهي كانت المبرر والحافز والشرعية الدولية لتدخل أكثر من 30 دولة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية لتحطيم إرادة شعب بأكمله وتغير مساره التاريخي والانساني والفكري والاخلاقي، وتشتيته وبعثرته في زواية الارض الأربعة، فخلال شهر واحد أنزلت وزارة الدفاع الامريكية البنتاغون 750 الف جندي من كل الصنوف وشتى المعدات في الخليج العربي. وحّل انشقاق وتشرذم ونزاعات في صفوف الدول العربية، لم ولن تحدث في التاريخ، ارتدداتها متواصلة الى حد السّاعة والمستقبل كفيل بتمزيقها اكثر من قبل مادامت الشمس تشرق. بعد الخسائر الهائلة والمذلة للجيش والشعب والخزينة، يظهر لنا الديكتاتور ويقول اننا انتصرنا وخسئ العدو مع عدة إطلاقات نارية من سلاحه المبارك، فنفرح ونهتف ونبكي ، وبتنا ما نحن عليه الان وما بات عليه العراق.
معا كل هذا الاخفاق والفشل الكبير ، تترصد في المجتمع أو في شبكات الإنترنيت من يمتدح الديكتاتور ويآلهه ويترحم على إيامه الماضية في لوعة وحسرة نادرتين، وان عارضه شخص ما لا يتوانى عن إنزال جام غضبه عليه، فهو، أي هذا الشخص قد تطاول على الذات الآلهة ويجب رده. من هنا نفهم سيكولوجية هذا الفرد الفرد العراقي طبعاً ، ووقوعه تحت نير العبودية، آي عبودية الديكتاتور، وتقوقعه حول تلك الذات مما مسحت ومحت الكثير من الشخصيات فباتت اسيرة الماضي والايام الخوالي، لا مقدرة لها على تمزيق تلك الشرنقة القديمة والخلاص منها والانطلاق الى المستقبل في بناء الانسان وتحريره من سلاسل الأسر الفكرية التي أسسها الديكتاتور خلال ايّام حكمه الطويلة، وانعتاقه من كل ما يكبله من قيود وأصفاد أصبحت تضيق مع الوقت حولَ عنقه الى أن قطعت النفس.
الاوطان لا تبنيها الديكتاتوريات فهي ساقطة لا محالة مهما طال الأمد، ولا الأفكار الماضوية ولا الانعزال ولا الأيدلوجيات ولا حتى الدين بمعنى اخر، بل بالفكر الحر والأمل والحلم.