المحرر موضوع: هل توجد أزمة في الحزب الشيوعي العراقي؟  (زيارة 1699 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل تحسين المنذري

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 141
    • مشاهدة الملف الشخصي
هل توجد أزمة في الحزب الشيوعي العراقي؟
تحسين المنذري
حزب تجاوز عمره الثمانية عقود، تأريخ حافل بالتضحيات، ثمانية عقود تبدلت خلالها أحوال العراق والناس ولم تتبدل ريادة الحزب للنضال وتبني مطاليب الناس والتصدي ببسالة لتحقيقها.
 ثمانية عقود تغيرت فيها اساليب النضال تبعا للظرف الذي يعيشه الوطن، من مقارعة حكومات عميلة علنا الى مساندة سلطات بها شيئ من بريق الامل الى مناهضة دكتاتوريات قمعية حقيرة.
 يوم كان التخفي ضرورة لمواصلة النضال كان الشيوعيون فنارات تشيع بريق الامل، وهم وإن تستروا عن أعين السلطات إلا إنهم كانوا في أحداق الكادحين ضياءا وفي أفئدتهم دفئا.
 ثمانون وبضع من السنين والامل معقودا بنواصي الشيوعيين أن يقودوا وطنا نحو الخلاص.
 ثمانون عاما والشهداء الشيوعيون يطرزون صدر الوطن ويغورون عميقا في ضمائر الناس ويصيرون مضربا للامثال في الجسارة والتصدي والصمود.
 أكثر من ثمانية عقود كانت كافية كي ينهض الحزب قائدا لمسيرة وطن إبتلى بشتى أشكال الحكومات المتعاقبة عميلة ودكتاتورية وظلامية، وكان رأس حربة النضال في المواجهة مع كل رموز القمع والتخلف تلك.
 ثمانون عاما والحزب يرفد النضال العراقي بتجارب وخبرات تعلم منها الرفيق والصديق بل وحتى العدو.
 عقود ثمانية والثقافة العراقية تستزيد بريقا من فكر الشيوعيين ، وينهض من أوساط الحزب مثقفون ينيرون لاجيال لاحقة طريق الخلاص ويرسمون ملامح المستقبل بعد أن يغورون عميقا في معرفة الواقع والزمن الذي يعيشون ويحللون بعلمية ومهنية كل الظواهر في المجتمع، الغث منها والسمين، الدخيل والاصيل ، وأسباب ماحصل وكيف وأين والى متى،وهم في كل هذا وذاك يقترحون البدائل ويعطون الحلول .
ثمانية عقود وبعض من السنين لم تكن كافية كي يتربع الشيوعيون على دفة السفينة ويقودون البلد نحو الخلاص الابدي وبناء مرتكزاتٍ لمستقبل زاهر، ظاهرة تستدعي التوقف والتعمق فيها تلك هي عدم قدرة الشيوعيين في إيصال ولو نائب واحد الى مقعدٍ تحت قبة التشريع وفي كل مرة تبرر قيادة الحزب لنفسها ماجرى وترمي بأسباب ماحصل على الظروف الموضوعية وقوانين الانتخابات وعمل منظمات الحزب غير المتكامل وشتى أنواع الاسباب الاخرى لكن دون المرور بخطين أحمرين هما دور قيادة الحزب وماهية سياسة الحزب .
 بل إن التردي وصل الى حد إن الحزب لم يتمكن من قيادة بعض من نضالات الطبقات المسحوقة والتي كانت الى الامس القريب سياجه الحامي، وكان فكره منصبا فقط لاجل تبني مصالحها وصياغة شعارات نضالها، بل وفي حالات معينة غاب حتى إسم الشيوعيين حزبا وأفراد عن التواجد في حراكات مطلبية مختلفة.
بعد أكثر من ثمانين عاما بات الحزب غير قادر على تحريك حتى ولا نصف منظمة أساسية من منظماته بعد ماكان شعارٌ واحداً منه فقط يحرك الرأي العام العراقي كله، قيادة الحزب تأتي بثقلها لساحة إعتصام أو مظاهرة ولم يستجب لها ولا عُشر رفاقها في التنظيم، بعد ما كان رفيقان أو ثلاثة من قيادة الحزب يستطيعيون في ظرف ساعات قليلة من ملئ الشارع بمتظاهرين ومحتجين ليسوا رفاقا فقط بل أصدقاء ومؤيدين وأنصارا وحتى من آخرين غير مهتمين بالشأن السياسي .
عقود من الحراكات الفكرية داخل الحزب وحوله وصل بعضها حد الصراعات ، كانت في زمن المركزية الشديدة لا يبرز منها الا القليل ويجري إسكات الصوت المعارض بإسم الوحدة الفكرية وخضوع الاقلية للاكثرية وماشابه ذلك، أما في زمن الانفتاح الديمقراطي داخل الحزب وتعدد المصادر الفكرية صار تعريف الصوت المعارض هو فقط المختلف مع كل او بعض أعضاء قيادة الحزب وخاصة المؤثرين منهم ويجري إسكاته بالتهميش أحيانا أو بالعقوبات بحجة الخروقات التنظيمة!!
عزلة عن الجماهير وإنطواء في مقرات أغلبها لا أكثر من هياكل فارغة ومصاريف غير مبررة ، ورغم الاصوات المنادية بضرورة التغيير في هذا الوضع ، لكن لا من مستمع حتى ننتظر المجيب .
عزوف عن العمل عند نسبة كبيرة من رفاق لهم باعات طويلة وتأريخ مشرف يؤثرون الصلات الفردية عن العمل في المنظمات ، لم تتوقف قيادة الحزب عند هذه الظاهرة المتزايدة ولم تعطها بالا، فقط تكتفي بالتأكد من أن هذا الرفيق المعزول أو الذي عزل نفسه مازال يدفع الاشتراك الشهري فذلك يكفي !! كل هذا وغيره يستدعي التوقف عنده فقد بلغ السيل الزبى خاصة مع التخبط الشديد في سياسة قيادته وتحولاتها بإتجاهات غريبة عن فكر ونضال وتاريخ الشيوعيين العراقيين حيث كان أخرها التحالف الانتخابي مع قوى دينية لها تاريخ أسود في الجريمة والفساد المالي والاداري . والمراجعة باتت ضرورة حتمية لمعرفة ما يجري وكنه هذه التحولات والتي تؤشر وجود أزمة حقيقية داخل الحزب !
عانت الاحزاب الشيوعية في العالم ومنها الشيوعي العراقي من أزمات متعددة وفي فترات متباينة إلا إن الازمة الاشد كانت مع نهايات ثمانينات وبداية تسعينات القرن المنصرم حيث إنهيار التجربة الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي وبقية دول المنظومة الاشتراكية، ولم يكن الشيوعي العراقي بمعزل عن كل هذا فقد أصابه ما أصاب غيره من إهتزازات عميقة  مثلا بالتأثر بموجة بروز الظاهرة القومية مجددا وبحث القوميات الصغيرة عن تأسيس دول مستقلة مثل الجيك والسلوفاك ودول في البلطيق ويوغسلافيا وغيرها، فما كان من الشيوعي العراقي إلا أن يقرر تحويل منظمة إقليم كردستان الى حزب (شيوعي) يمتلك إستقلالا شبه كاملاً عن الحزب الام إضافة الى إقرارات أخرى لم تقل تراجعا عن هذا إتخذها المؤتمر الخامس للحزب المنعقد أواخر عام 1993 المسمى مؤتمر التغيير والديمقراطية كتسمية الاعمى بالبصير !
فقد أقر المؤتمر بالتخلي عن تمثيل الحزب للطبقة العاملة والفلاحين وأشار الى عمومية أفقدته روافعه الاجتماعية الاساسية  فصار يسير (على نهج يجمع بين النضال الوطني من أجل تحقيق تطلعات وآمال شعبنا بمكوناته جميعا، والنضال في سبيل مصالح الطبقة العاملة والفلاحين وعامة الكادحين من شغيلة الفكر واليد، من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة) وشتان بين هذا النص وأن يكون الحزب الشيوعي حزب الطبقة العاملة والفلاحين وشغيلة اليد والفكر يمثلها ويتبنى مصالحها ، فالنص لم يحدد الروافع الطبقية للحزب وتوسع في التمثيل المجتمعي مما أضاع الهوية الطبقية للحزب. ولم يكتفِ المؤتمر الخامس بهذا فقد الغى إيمان الحزب بالماركسية كنظرية عمل وجعلها مرشدا على قدم المساواة مع إرث الشعوب الاخرى وتواريخ مكونات الشعب العراقي !! حتى جاء المؤتمر الثامن ليضيف لكل ذاك الاسترشاد بالتراث الاسلامي التقدمي!!! وهنا ضاعت تماما الهوية الفكرية للحزب وصار حاله حال أي حزب ديمقراطي يقترب في بعض مفاصل عمله من الليبرالية فكانت الازمة عميقة أدت الى توهان حقيقي في النهج السياسي وتخبط واضح في التحالفات والعلاقات مع القوى السياسية الاخرى!! وكان من شأن هذه الازمة أن تخلق أزمات أخرى داخل الحزب منها مثلا ضعف تربية الكادر فلجأت قيادة الحزب الى معالجة ذلك عن طريق إستحداث نظام الكوتة الانتخابية والذي أتى بمجموعة من الرفاق والرفيقات ممن لا يستحقون المناصب القيادية فتحولوا بدورهم الى توابع لهذا الرفيق أو ذاك من الاقطاب القديمة في قيادة الحزب وصار المتابع يستطيع أن يشخص بسهولة تلك الولاءات ويعرف مسبقا ما الذي سيجري، فهل هذا حال حزب شيوعي مؤهل لتجسيد تاريخ الشيوعيين النضالي المليئ بصور البطولة والبسالة والتحدي.
إن وجود الازمة بات واقع حال لا يستطيع أحد نكرانه، أزمة التمثيل الطبقي والهوية الفكرية في آن واحد، لا تحتاج سوى إعتراف رسمي بوجود الازمة وفتح المجال علنا وبديمقراطية متناهية لطرح الحلول والعلاجات بلا تخوين أو تهميش أو إقصاء، فتاريخ الحزب ونضالاته ليس ملكا لاحد بعينه فهو ملك للشعب، للرواد الاوائل، للشهداء الذين دمغوا تاريخ الوطن بدمائهم الطاهرة ، ملك للامهات اللواتي قدمن فلذات أكبادهن معتقلين وشهداء ومشردين، ملك للابناء الذين حرموا من عطف الوالدين بسبب عسف الانظمة المتلاحقة ومحاربتها للشيوعية والشيوعيين، ملك للشبيبة المتطلعة لغدٍ أفضل، ملك للطفولة التي من أجل سعادتها قدم الاجداد والاباء والامهات أغلى التضحيات. إن الامانة والنزاهة تفرض على الجميع التعامل مع هذا السِفر الخالد بكل موضوعية وإحترام وتفاعل إيجابي.