المحرر موضوع: (الأوضاع العامة في العراق 1958-1963 من خلال جريدة الثورة البغدادية ) للدكتور صالح عباس الطائي  (زيارة 859 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
(الأوضاع العامة في العراق 1958-1963 من خلال جريدة الثورة البغدادية )
للدكتور صالح عباس الطائي
بقلم: الدكتور عبد الرضا عوض
ان الاصلاحات التي بدأها عبد الكريم قاسم واغاضت مناوئيه في مستهل حكمه ما زالت نافذة ومهمة ، وبالرغم من كثرة الدراسات والاصدارت إلاّ انها لم تفي ذلك بما طبع عليه من اخلاص ونزاخة ووطنية ، في وقت تنامى الزخم الثوري وراح يتجدد. وقد شجع الالتزام الكبير من جانب الطبقات المتعلمة المتنامية على القيام بعملية التغيير؛ والحركة نحو الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي إذ هيمنت عليها في البدء الرغبة بالتحرر من السيطرة الأجنبية ، السياسية والاقتصادية، وتحقيق السيادة على موارد البلاد. ويتمثل الأمر الثاني في الحث على تحقيق عدالة اجتماعية تركز تركيزاً رئيساً على توزيع أكثر عدلاً للثروة والفوائد الاجتماعية ، ويقيناً أن الصحف – ومنها الثورة – كانت موالية لسياسة الزعيم إلا انها نشرت الحقائق كما هي دون زيف ، من ذلك قد يكون عمل الدكتور صالح الطائي هو الرائد في هذا المجال حينما تناول صحيفة الثورة البغدادية للسنين 1958-1963م  بدراسة تاريخية أقل ما يقال عنها إنها منصفة لذلك العهد إذا ما قورن بالعهود التي تلت شباط 1963م ، وكيفية التفنن في تبديد ثروة العراق بطرق غريبة هي اقرب الى الخيال من الواقع .
 عن دار الفرات للثقافة والإعلام في الحلة صدر كتاب (الأوضاع العامة في العراق 1958-1963 من خلال جريدة الثورة البغدادية ) ، وهو من تأليف الأستاذ الدكتور المساعد صالح عباس الطائي ، يقع الكتاب في (380) صفحة من الحجم الوزيري ضم بين دفتيه تمهيد وأربعة فصول وخاتمة ، فضلاً عن ملاحق بالوثائق والقرارات الرسمية.
ونحن إذ نثمن الجهد العالي الذي بذله المؤلف في كشف الغبار عن احداث نشرت في صحف ذلك الزمان ، لا بد لنا من استعراض هذا المنجز المميز.
في الصفحات الأولى كان الإهداء الى ولده الشهيد سيف الدين الطائي وابن شقيقته مرتضى صابر العكيلي ، وهذه اشارة بفقد فلذة كبده وهو يافع عن هذا الوطن وما تحمله من تداعيات بسبب هذا المصاب .
وفي المقدمة يبين الباحث مدى اندفاع رئيس تحرير صحيفة الثورة يونس الطائي في تأييد سياسة عبد الكريم قاسم ، فقال: (أحدثت تلك الخلافات عدم استقرا في أوضاع العراق فأنعكس ذلك على الصحافة التي تمتعت بالحرية في أيامها الأولى ، وعبرت عن نشاط الأحزاب المتصارعة التي سعت الى جر العراق الى الاتجاه الوحدوي وتحت قيادة الجمهورية العربية المتحدة) من المقدمة.
وجاء التمهيد الذي استعرض فيه الباحث الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية للمدة 1945- 1958 ، وهي المدة الساخنة التي سبقت الثورة ، فيقول : (كانت الأيام التي اعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية ذات أهمية كبرى في تشديد المعارضة ضد التواجد البريطاني والنظام الملكي في العراق ، كما شهدت تلك الحقبة فسحة من الحرية الصحفية...) ص18 .
وتحت عنوان يونس الطائي وجريدة الثورة البغدادية جاء في الفصل الأول في المبحث الثاني بيان قوة علاقة يونس الطائي مع الزعيم عبد الكريم قاسم بعد فتور أصابها بعد اعدام المتآمرين في قضية الشواف، فذكر : (بعد أن ضرب الزعيم في شارع الرشيد واصابته بطلق نقل الى المستشفى فسارعت بالذهاب الى هناك وكان نائماً على فراش على الأرض ، فهنأته بالسلامة، وبعد قليل طلب مرافقوه من الزوار الخروج لفسح المجال لزيارة شقيقة الزعيم لأخيها ، أمر الزعيم قائلاً : يونس الطائي يبقى.).ص82 ، وكان المبحث الثالث منصباً على سعي يونس الطائي للخروج بالزعيم من شرنقة الأحزاب والكتل السياسية بالترويج لتشكيل حزب سياسي جديد يقوده الزعيم.
وجاء الفصل الثاني بخمسِ مباحث تكرست في مناقشة الأوضاع العامة من شهر تشرين الثاني 1958- يوم 7 شباط 1963م ، فناقش المحاولات الانقلابية التي سبقت يوم 8 شباط 1963 ، بدءاً من خلافاته مع عبد السلام عارف ومحاولته قتل الزعيم في (قضية المسدس الشهيرة) (1958) وما رافقها من تداعيات ، وتناول موقف وتحركات رشيد عالي الكيلاني وعودته من مصر ، ثم حركة العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل(1959) ، ومطالبة الزعيم بضم الكويت الى العراق (1961) ، مستهلاً البحث بالقول: (كانت الحكومة العراقية السابقة ترنو الى استعادة الكويت منذ عهد الملك غازي ، كما طرح نوري السعيد الموضوع نفسه)،ص164، وأخيراً تناول الباحث تمرد مصطفى البارزاني في شمال العراق.
وسلط الضوء في الفصل الثالث على انجازات ثورة 14 تموز 1958 ، فكانت له وقفة مع (الثورة الكبرى) ألا وهو قانو الاصلاح الزراعي رقم (30) لسنة 1958 ، والخطاب التاريخي للزعيم عبد الكريم يوم أعلان قانون الاصلاح الزراعي قائلاً : (ان الثورة المجيدة التي انبثقت من ارادة الشعب يوم الرابع عشر من تموز 1958، انما هي ثورة سياسية اجتماعية معاً.. وضمان العدالة بين أبناء الشعب كافة...)ص210 . ومن مكتسبات الثورة قانون النفط رقم (80) لسنة 1961م ،وقد كتب يونس الطائي في العدد (600) من جريدته (الثورة) ، حول النفط ولزوم تأمينه والسيطرة على الأماكن التي لم تستثمر بعد أن ذكرت أهم مواد القانون مشيراً الى قول الزعيم : (سيأتي يوم قريب يحتار به العراقيون عن كيفية صرف الأموال التي ستجنى من النفط)،ص233 .
وجاء المبحث الثالث كيفية قيام البنى التحتية الصناعية في العراق من خلال عقد الاتفاقية الشهيرة بين العراق والاتحاد السوفيتي آنذاك التي وقعت في وزارة الخارجية العراقية في نيسان 1959م ، وقدم الباحث قائمة بالمشاريع الصناعية المنتشرة في العراق والتي تم دراستها وطرق تنفيذها ، وبذلك عدها المراقبون بأنها القاعدة الصناعية الكبرى للعراق، ص266 .
وسلط الباحث من خلال قراءته لجريدة الثورة في الفصل الرابع الضوء على مشاريع التطوير الاجتماعي التي حصلت للسنين 1958-1963/ ، منها :
-         مشاريع الإسكان التي نفذت في فترة قياسية في مختلف المدن العراقية ، كذلك توسيع طاقة ميناء البصرة والاهتمام بالسدود التي تحفظ المدن من الغرق وأهمها سديّ (دوكان ودربندخان).ص286 .
-         تطور التعليم عما هو عليه في العهد الملكي من خلال اعادة النظر بالمناهج الدراسية ، والاهتمام بالوضع العام للطلبة وزيادات البعثات للدراسة خارج العراق.
-         وتناول المبحث الرابع التطور الصحي في مراكز المدن والقرى العراقية.
-         وكان المبحث الرابع منصباً على (قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959م) النافذ المفعول والذي لم ينته الجدل عنه حتى أيامنا هذه ، فقد وقفت المرجعية الدينية منه موقف السلب وما زالت تؤكد على الغائه أو اجراء التعديل عليه، وكان من معطياته الغاء المحكمة الجعفرية والعمل بظل هذا القانون.
وانتهى الكتاب بخاتمة قال فيها: (تواصلت وتفاعلت جريدة الثورة مع ما حصل من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية طوال حكم عبد الكريم قاسم بالمقالات الافتتاحية التي يحررها يونس الطائي رئيس تحريرها التي ساندت ودعمت سياسة عبد الكريم قاسم آنذاك.
وعزز الباحث الكتاب بمصادر رصينة وأمينة فضلاً عن حشده لأعداد من الصحيفة.
في الوقت الذي نبارك جهد الدكتور صالح الطائي نؤكد بأن هذا الكتاب وثيقة مهمة طالما غيبت عن الانظار فهو جدير بالقراءة والتمعن لما فيه من معلومات سياسية لم يسلط الضوء عليها.