السيد لوسيان : لقد عدت مرة احرى دون اي توضيح او معنى لمداخلتك ! هل ذكرت بأنني غير مهتم بما كتبته الْيَوْمَ ؟ هل تحولت فيه الى كوكب آخر ؟ ألم اقل فيه بأن ما كتبته الْيَوْمَ اهم بمليون مرة من يونادم وابلحد ! فأين وجدت فيه عدم الاهتمام ؟ عدم الأهتمام الذي ذكرته كان عن الإنتخابات ونتائجها أم إنك تقرأ بالمقلوب !
السيد نيسان تحية
ما ساكتبه سيكون مطول قليلا وسيكون مفيد ان يقرائه اي شخص اذا اراد ايضا معلومات جديدة.
انا قرات ما كتبته انت وقرات ما كتبته كله, وهذه الفقرة التي وضعتها هي ليست الوحيدة التي كتبتها, فانت من ناحية تكتب عن ان القوميات والاديان لا تهمك ومن ثم تتدخل كثيرا فيما لا يهمك وتكتب عنها مرة بضرورة ان يكون الكل اخوة ومرة تعتبر القوميات والاديان جراثيم وسرطان..وانت تعود لتقول بانها كلها لا تهمك وكلها طز فيها ومن ثم تعود لتكتب فقط عن ما لا يهمك, انت عندما اقراء لك فانني اتذكر مقطع فيديو في يوتوب منقول من مسرحية مصرية يستخدم احدهم جملة "انت مبتجمعش". ومن ثم تعود الى نقطة الصفر والتي تعتقد بانها تعطيك الحق بان تصف الاخرين بالمتخلفين وتقوم بالسخرية بكل هؤلاء المهتمين بما انت غير مهتم به ومن ثم تذهب لتتحدث عن العلم وبطريقة غريبة ومن يقراء لك سيظن بان "الكسندر غراهم" عندما اخترع التلفون فانه وجد "ثلاث مكالمات لم يرد عليها" من قبلك.
ونقطة صفرك هذه لم يستطع احد بان يفهمها. هل هي عودة الى العهد الحجري بان نعيش في الكهوف؟ واذا نعم فلماذا سيكون ذلك افضل؟ هل تعتقد بانك اذا عشت في كهف ولدغتك افعى الكوبرا فانه بعد خمسة ايام من الالام فان الكوبرا ستموت؟ او هل تعتقد بان الامور ستصبح اسهل عندما تذهب لصيد السمك حيث سيكون فقط عليك ان تقول للسمك "انت وانت وانت اخرجوا من الماء"؟
ساقول لك شئ اخر: هناك الكثيرين يحبون ان يكونوا "خوش ناس", هناك مثلا من يقول بضرورة ان نعود الى الطبيعة الام الخ, وهؤلاء عندما اقراء لهم بطريقة عاطفية فان عيوني تدمع وقلبي ينبض بالمحبة والحب.. ولكن عندما افكر بشكل منطقي واقعي فانني اعتبر ما يكتبونه من اسخف ما قراته, لان الطبيعة الام هي قاسية جدا ولولا تدخل الانسان للبحث عن مصادر الطاقة مثلا لغرض انشاء معامل وبناء البيوت والتدفئة الخ لكان ثلاث ارباع الذين يتواجدون هنا ميتين. فليس كل شخص يرى نفسه خوش انسان محق او ذكي.
اما انت فلست شخص تابع "لخوش ناس" ولست شخص سئ. انت ببساطة تبدوا كشخص الذي مهما اعطوه الاخرين من افكار فانك ستنضجر منها بعد ساعتين وستقول طز في كل شئ. وستعود لتقول بانك تنتمي الى لا شئ, وبعدها ستنضجر حتى من لا شئ.
الشئ الذي دعاني بان اكتب اول مداخلة لي هو ماكتبته انت ادناه والذي تعيده في عدة مرات.
اخي العزيز كل مشاكل البشرية بعد التاريخ وهبوط الأديان والمستمر هذا الى الآن في الشرق هو تنوع وتضارب المذاهب وتعدد القوميات والعرقيات . إنهما سرطان البشرية وسوف لا ترتاح الشعوب إلا بإستأصال تلك الجراثيم .
قبل ان اعلق على هذه النقطة عليك ان تعرف جيدا, بان ما تؤمن انت به شخصيا هو شئ بالنسبة لي عبارة عن سقوط ورقة من شجرة في احدى الغابات الكثيفة في الصين. فلا تتحدث عن نفسك مطلقا. ولكن انت عندما تقوم بالسخرية من كل الاخرين لاسباب انك ترى مداخلات في هذا المنبر التي انت تكبر حجمها لكونك شخص مدمن على الانترنت, فعليك ايضا ان تعرف بان ليس الكل هكذا, فبين ابناء شعبنا هناك شهداء القومية وشهداء المسيحية الذين يجب احترامهم.
وانت كلامي هذا لن يفيد معك لانك مؤمن بنقطة صفرك التي انت تطلب من القراء ان يصلوا اليها بانفسهم وبان يحاولوا توقعها, وانا سافعل ما تطلبه. فاذا كان الاقتباس عبارة عن اشارة لنقطة صفرك فانا ساوضح لك مدى سخرية نقطة صفرك بطريقة منطقية وعلمية جدا, وساقسمها حول القومية وبعدها الدين:
القوميات: لو انت ارجعت الزمن الى الوراء وبدات البشرية من نقطة الصفر فانت قد لا تجد نفس اسماء القوميات التي يمتلكها البشر الان في كوكب الارض ولكن بكل تاكيد ستجد اسماء اخرى لقوميات. الانسان والبشر سيعيشون مجددا في مجموعات وسيمتلكون لغات مختلفة وعادات وتقاليد وثقافات مختلفة وهذه سيسموها قوميات. لن يكون هناك كرة ارضية تحوي مجموعة واحدة ويستخدمون لغة واحدة التي لا تنتمي الى اية هوية ولا تنتمي الى اي انتماء ولا تنتمي الى اي ثقافة.. وعليك ان تعرف بان هناك
فرق هائل بين القومية وتسيس القومية بمعنى ادلجتها. فالفرنسين اليوم يمتلكون قومية وهوية ولا يملكون تسيس للقومية ولكن اذا قام الالمان في يومنا هذا بغزو فرنسا وحاولوا اجراء تغيير ديموغرافي وفرض اللغة الالمانية عليهم فان الفرنسين الذين يمتلكون اليوم اصلا قومية وهوية فانهم سيقومون بتسيسها.
وانا شخصيا ارفض تسيس القومية وادلجتها واعتبرها مضرة و تعلمت ضرورة رفض تسيس القومية وادلجتها من الاشوريين الذين كتبوا كثيرا وحاولوا كثيرا بالوقوف ضد تسيس القومية العربجية والكردجية الذين قاموا باجراء تغيرات ديموغرافية في مناطقنا بالاضافة الى سياسة التعريب. اما البقية فانهم غير مهتمين بها, غير مهتمين بالوقوف ضد تسيس القومية العربية والكردية وادلجتها. اذ المفترض ان لا يكون هناك تسيس للقومية وادلجتها وبان يكون هناك حرية وحقوق يعيش كل شخص بامان في منطقته ويمارس لغته وثقافته بحرية. ولهذا فاذا كان هناك شخص يريد ان يقف ضد تسيس القومية وادلجتها فهو مرحب به, ولكني طرحت سؤال لمئة مرة حول لماذا لم يمتلك منتسبي الكنيسة الكلدانية اي رد فعل على التعريب وتسيس القومية العربية والكردية وادلجتها وهم لحد الان لا احد يريد الاجابة, هناك فقط من يتحدث بشكل معكوس ويريد حتى من الاشورين ان يتقبلوا بادلجة القومية العربجية والكردجية. وهؤلاء يسمون انفسهم "بخوش ناس".
الدين: الاديان فعلت الكثير من الاخطاء الفضيعة وهذا لانها تؤمن بوجود حياة بعد الموت وبان هناك جنة وجهنم التي ادت الى استغلال كل ذلك, فكانت الكنيسة في العصور الوسطى تقوم بعدة تصرفات غير اخلاقية الخ.. ولو اننا عدنا الى نقطة الصفر وارجعنا الزمن الى الوراء وبدائنا من جديد وامتلكنا مجتمع خالي من هكذا اديان فان كل شئ سيكون افضل فالبشر سيهتمون فقط بالحياة على الارض؟ هل هذه ايضا نقطة صفرك؟
اذا نعم فليس عليك ان تعيد الزمن الى الوراء وتبداء من نقطة الصفر. فهذه الاديان لم تكن منتشرة على كل الكرة الارضية. هناك مثلا منظور للحياة في اليابان الذي يسمى بمنظور "الشنتو" وهو منظور يهتم فقط بالحياة على الارض ولا يتحدث اطلاقا بما سيحدث بعد الموت وليس هناك لا جنة ولا جهنم. واذا بحثت في جوجل عن shinto atheism ستجد المئات من اللادينين من يراه منظور مطابق لللادينية بالضبط. وهذا المنظور الذي يهتم فقط بالحياة على الارض هو الذي تم استخدامه لخلق وتوسيع فكرة "الفداء والتضحية بالنفس من اجل الامبراطور" في اليابان. فاليابانين كانوا لا يهتمون بالحياة اطلاقا وكانوا يعتبرون حياتهم مثل ورقة شجرة تصفر وتشيخ وتقع على الارض او مثل صراصير تنتهي حياتها, ولهذا فانهم بحثوا في الحياة عن معنى اخر لحياتهم. وكان هذا المنظور الشنتو هو الذي توج الاستعداد للموت والفرح بالموت. ولم يقتصر الامر على التربية الاخلاقية وانما ايضا تعداه ليشمل مادة التاريخ حيث كان هناك تقديس للمحاربيين وبطولاتهم. كل هذا كان جزء من كتب التعليم. وهكذا تحولت الحياة (التي لا اهمية لها لانها فانية حتما على الارض ولا حياة اخرى بعد الموت) من التضحية بالنفس والفداء الى اختراع العمليات الانتحارية التي ظهرت لاول مرة في تاريخ الكرة الارضية في ثقافة اليابان.
فجذور العمليات الانتحارية لا تبدأ مع العملية الانتحارية في 11 سبتمبر 2001 التي حدثت في امريكا وانما هي تمتد الى العمليات الانتحارية التي كانت منهج متبع في اليابان. الكل يعلم بهجمات الكاميكاز اليابانيين، وهي لم تقتصر على الطيارين الانتحارين وانما شملت ايضا قوارب انتحارية وجنود مشاة انتحارين.
كانت هذه الافكار قد انتقلت الى كوريا وفي تلك الفترة كان هناك ايضا تعاون بين المانيا النازية واليابان. النازيين اصدروا التكنولوجيا لليابان واستوردوا منهم افكار اليابانيين وثقافة اليابانين التي تدور حول التضحية , الولاء , الواجب والشرف. وبالفعل نشاءت محاولات تقليد لليابان لتشكيل فرق انتحارية (اقراء عن Hanna Reitsch ) وكان هناك تلقيين لما يعرف بشباب هتلر بشكل مشابه لليابان (ابحث عن شباب وفدائي هتلر) وهي افكار انتقلت الى الشرق بعدها لنرى صدام حسين يستعملها ايضا كدروس لتربية العراقيين وليشكل فرق فدائي صدام. ففرق فدائي صدام لم يخترعها شخص بدوي احمق اسمه صدام وانما اصلها من اليابان بعد ان انتقلت الى المانيا.
وهذه المقدمة كلها كتبتها لاقول بانها ليست مصادفة اطلاقا بان اول عملية انتحارية تم تنفيذها في الشرق الاوسط قام بها يابانيين وتحدديدا الجيش الاحمر الياباني وهي منظمة إرهابية ماركسية لينينية حيث قامت باول عملية انتحارية في 30 ماي عام 1972 في مطار اللد في تلب ابيب / اسرائيل خلف 26 قتيلا واكثر من 80 جريح وكلهم من المدنيين.
نلاحظ هنا ان الايديولوجية الماركسية اللينينية اللادينية الالحادية كانت الوسيلة التي انتقلت عن طريقها الثقافة اليابانية الى الشرق الاوسط والتي امتلكت منظور الشنتو وهو منظور مطابق جدا للادينية. ومن المعروف ايضا أن التيار اليساري في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي كانوا معروفيين بعنفهم المسلح والاغتيالات والتفجيرات التي شملت عدة مدن اوربية. ومن المعروف ايضا حديث معمر القذافي في تلك الفترة حيث ابدى فرحته بالعملية الانتحارية للجيش الاحمر الياباني اللذي كان يعتبرهم كمنظمة صديقة له وكان ايضا يدعمها. النقطة الاهم هنا كانت سخريته من الفلسطينين حيث كان قد تحدث وقال ان من الصحيح ان هناك فدائيين فلسطينيين ولكنهم جبناء وغير قادريين على تنفيذ عمليات مثل تلك التي فعلها الجيش الاحمر الياباني, وكان قد قال ان الفلسطينين والعرب والمسلمين كان عليهم انتظار اجانب من اجل ان يضحوا من اجل قضيتهم وبأن هذا يمثل عار على الفلسطينين والعرب.
وهكذا تبنى بعدها الفلسطينين هذه الثقافة, ثقافة العمليات الانتحارية التي جاءت من منظور شنتو (اي منظور مطابق للادينية) وتطورت بعدها لتنتشر في العراق وسوريا.
اذا كانت هذه النقطة الصفر التي تدعو اليها فعليك الان ان تعرف كم هي مثيرة للسخرية.
البشر لا يمكنهم ان يبدوا في كل مرة من الصفر وانما امامهم فقط التعلم من اخطاء الماضي. والتعلم من اخطاء الماضي يحتاج الى ثقافة ومعتقدات تخلق هكذا قيم, والثقافة والمعتقدات تحتاج الى مصدر. فبعد الحرب على اليابان وتنفيذ العدالة الانتقالية كان اليابانين يتعجبون من سماعهم لمصطلحات يستعملها الغربين ويفرضونها عليهم مثل "الاعتراف بالاخطاء" لكون ذلك لم يسمعوه مطلقا في ثقافتهم, فبروز مفاهيم مثل "الاعتراف بالاخطاء ومحاول عدم اعادتها" ظهرت في الغرب لكون كان هناك مصدر لها وهي المسيحية التي كانت قد نشرت ثقافة تمتد ل 2000 سنة تتحدث عن سر التوبة وسر الاعتراف بالخطيئة.
انا الان حاولت بان اتخيل نقطة الصفر كما طلبت انت بان نتصورها بانفسنا. فاذا كانت كما شرحتها انا فانت الان تعرف جيدا كم هي مثيرة للسخرية. اما اذا كنت تتحدث عن شئ اخر فهذا سيكون شأن اخر.
تحياتي