المحرر موضوع: حَمَائم الكاظمية وأعشاش الأعظمية وأوكار الرموز السياسية  (زيارة 797 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح دمّان

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 407
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حَمَائم الكاظمية وأعشاش الأعظمية وأوكار الرموز السياسية
بقلم : صباح دّمان
                      هنالك حكمة تقول بأن فرصة تحقيق أمنيات الحياة في كثير من الأحيان، هي ضربة حظ قد تطرق باب إنسان تافه لا يفقه شيئا ًفي كل شيء، ولا يحمل ثقافة من أي نوع، فتمنحه موقعاً بارزاً ما كان يراوده حتى في أحلامه، أوعندما كان في قمة تفاؤله وهو يطلق عنان خياله وينظر بشغف إلى الأفق البعيد وهو في غربته الموحشة أو صومعته البائسة .
فجأة يمسي الحلم حقيقة والوهم واقعاً، فيجد نفسه على بساط طائر سحري، يهبط به في داخل المنطقة الخضراء، ليتبوء منصباً رفيعاً في وزارة أو مؤسسة، لم يخطر بباله يوماً وهو يشارك في مؤتمرات المعارضة قبل سقوط النظام السابق، أن يكون موظفاً بسيطاً في أحدى دوائرها النائية .
بيد أن سنين الإغتراب إنتزعت من وجدانه مشاعره الإنسانية، وقطَّعت أواصر إرتباطه بأبناء شعبه، فجفت عروقه الوطنية وتساقطت أمامه الشعارات الجوفاء التي كان يرفعها بحماس، وتلاشت من أفكاره المثل العليا التي كان يؤمن بها في سنوات الحرمان، بعد أن جرفته إغراءات الأماكن الموبوءة التي كانت ملاذه الوحيد في تلك الأيام العصيبة، فإنقلب إلى مخلوق غريب لا حواجز تصمد أمام أطماعه وجشعه، ولا محرمات تخمد جشع غرائزه المنفلته.....
بينما غيره كان ذو ثقافة متميزة، وله مكانة علمية مرموقة ومنزلة إجتماعية رفيعة وخبرات متراكمة، ولكن لم تصادفه لمسة حظ واحدة، لا بل أُّغلقت بوجهه كافة أبواب الحياة ولازمه النحس أينما ذهب وحيثما حلّ ومهما حاول، فظل حتى ساعة رحيله يعيش على هامش الأحداث وتحت رحمة سخرية الأقدار، إنطلاقاً من مقولة "قيراط حظٍ يعادل أحياناَ قنطاراً من التجارب والثقافة والعلوم . "
يُروى والعهدة على الراوي، بأن في بغداد كانت تعيش فصيلة من الحَمَائم الجميلة، تقضي معظم أوقاتها في الكاظمية، تاكل من أرزاق المدينة، تشرب من ينابيع مياهها، تمرح بين أروقتها، تستمتع بظلالها، تغرد بين إغصان أشجارها، تتزاوج بين مخابئها، تقذف فضلاتها على قبابها وأسطح بيوتها وعلى مركباتها المتوقفة وأرصفتها النظيفة وحتى على رؤوس بعض المارين، وتتنقل بحرية دون خشية من صيدها...
ولكن حينما تقترب ساعة وضع بيوضها، تنشر أجنحتها وتحلق مسرعة إلى أعشاشها المفضلة في الأعظمية فتضعها هناك، وبعد أن تُكمل العملية، تحتضنها وهي مطمئنة عليها لحين إنتهاء عدتها وخروج فراخها. وكلما تحتاج لتغذيتها، كانت تعود ثانية إلى موطن الخير الدائم، فتجمع ما تجده من غذاء وتعود لإطعامها.
ومع وجود التباين الجوهري في المغزى من هذه المقارنة في السلوك والغرائز، لا بل الهدف من هذه المفارقة النابعة من وفاء تلك الحمائم لأعشاشها القديمة، وخيانة معظم الوزراء وكبار المسؤولين وأصحاب المواقع الخاصة والسياسيين الملثمين ونواب البرلمان الفاسدين لوطنهم، بعد أن شربوا من مياه دجلة والفرات، وإشتد عودهم بين أحضانه، وعاشوا من خيراته، وتعلموا هم وأبناؤهم في مدارسه وتخرجوا من جامعاته. ولكن حين حلّ موعد الوفاء وإعادة الدين الذي في أعناقهم له، نراهم على العكس يستلون خناجرهم ويتلذذون بطعنه غدراً، ثم يرقصون على جثث ضحاياهم طرباً وهم سكارى من ألحان أنين جروحهم .
وبالرغم من مرور عقد ونصف على سقوط النظام السابق، فما زال حيتان الفساد يحكمون قبضتهم على كافة وزارات ومفاصل الدولة، ينهبون أموالاً فلكية تعادل موارد دول أفريقية وعربية مجتمعة، بأساليب لصوصية محترفة، لتعيش عائلانهم في المهجر بترف فاحش وبذخ خرافي، بعد أن جعلوا مقراتهم الرئيسية في دول غربية يحملون جنسياتها، ويهربون إليها كلما إفتضح أمرهم وإقترب الخطر من مواقعهم، وأخرون يحملون مناصبهم كحقائب مسافرين وهم يتجولون في دهاليز مظلمة لعقد صفقات تجارية مشبوهة بعمولات خيالية وشعبهم يعاني من الفقر والبطالة والجوع وشظف العيش .
إن دماء الشهداء وأنين الأرامل ودموع اليتامى وصراخ المفجوعين ومأسي المشردين في الخيام والمهجَّرين على أرصفة الغربة وأمام بوابات الأمم المتحدة، ستبقى سياطاً تلهب أجسادهم، وكوابيس تقضُّ مضاجعهم في منامهم، وما إقترفوه بحق وطنهم ستبقى وصمة عار على أجبانهم، وتأنيب ضميرهم ( لو بقي لديهم شيئا منه) سينتزع السلام من نفوسهم، ولعنة العراق تطاردهم طيلة حياتهم .
والسؤال الذي يؤرِق الجميع اليوم: هل سيتمكن العبادي من الإيفاء بتعهداته وتنفيذ وعوده التي طال إنتظارها وبهت بريقها، وكان ختامها فخ "إئتلاف النصر"، فيستجمع شجاعته وقواه ويخوض غمار معركة إنتحارية فاصلة مع مافيات السرقات الذين ينخرون بهياكل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية (كما يفعل النمل الأبيض في بيت جميل) وكثير منهم من قادة حزبه وإئتلافه، فيحيلهم مع الهاربين إلى محكمة خاصة برئاسة قاض شجاع نزيه، ليصدر حكمه العادل بمعجزة إلاهية ودعم قوى عالمية، ويستعيد منهم أموال الشعب المنهوبة!!
 أم أن الداء الخبيث قد إستفحل في كافة أنحاء جسد المريض، "وسيعجز العطار أن يُصلح ما أفسده الدهر"، فينطبق عليه المثل الشعبي القائل " الشكْ جِبير والرِكْعة زْغَيرة " فتُطوى صفحته بطريقة ما، ويتسلل الإخطبوط إلى مركز القيادة ومعه دواعش الفساد بحلة زاهية، أو يخرج من الأزقة الخلفية ممثل بارع يدعي الوطنية والأمانة والبطولة والوفاء للوطن، فيتصدر المشهد السياسي بعد إنتخابات يجري فيها إستغفال البسطاء وإغراء الفقراء وإستغلال مشاعر المتدينين وجهل الأميين وتوزيع النذورعلى المحتاجين، الذين جميعهم يتناسون دوماً القول المأثور: " إن خدعتني مرة  فعار عليك ، وإن خدعتني مرتان، فعار عليَّ ".
 ومن ملامح عملية خلط أوراق الإنتخابات بإستخدام خدع بصرية لتشتيت إنتباه الناخب، وإطلاق شعارات مضلِله لإرباكه، تبدو الأجواء ضبابية معتمة ومدى الرؤية للخارطة السياسية المقبلة شبه معدومة، وساحة المعركة ستكون حبلى بالمفاجئاة والغدر والتناقضات، وكما تعودنا ستدور بنا من جديد عجلة الإحباطات.
لقد أثبتت تجارب الحياة بأن أفظع انواع الخيانة هي: هروب الضابط من ساحة المعركة دون عِلم جنوده، مبادلة القاضي الفاسد بالإغراءات نزاهة مهنته، نكول الوزير من أجل دراهم فضة بقَسَم منصبه، مساومة سياسي من أجل موقع مرموق بكرامته، تلوين الكاتب الإنتهازي لمداد قلمه، وأبشعها التي تترك مرارة بالنفس وغصة في القلب، حينما يصادر الحاكم  المستبد إرادة شعبه، فيغتال طموحاته ويسرق مستقبله وإبتسامة أطفاله، ويشوه مرتكزاته الإجتماعية والثقافية والأخلاقية، بتوزيع المكارم والمناصب والهدايا على أعضاء حزبه والمقربين منه، وإغداق الأموال على معارضيه لتكميم أفواههم، وشراء ذمم المرتزقة والإنتهازيين والسفهاء لكسب تأييدهم، من أجل بقائه ملتصقاً بعرشه .                                                                2 / 2 / 2018