المحرر موضوع: من تراث الأجداد ، حانو قريثو  (زيارة 1250 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوزيف إبراهيم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
{ من تراث الأجداد ، حانو قريثو }
بقلم جوزيف إبراهيم
تتمير شعوب العالم عن بعضها البعض بالعادات ،التقاليد والتراث، وقد تتمازج وتختلط بعض الحكايات للأقوام المتجاورة جغرافيا، لكن تبقى الصبغة المميزة لميثولوجية كل قوم مميزة عن غيرها ببعض الاختلافات، وأغلب هذه الحكايات تناقلتها شفهياً ومارستها عملياً الأجيال عبر التاريخ السحيق لغاية هذا اليوم، ومنها ما وصل لعصرنا الحالي متحدياً تقلبات الحياة وتقنيات التكنولوجية الحالية بسبب طابعها الشعبي العفوي البسيط ، لكن الكثير منها اندثر وأصبح في الشعاب المطفية للذاكرة الإنسانية، بسبب الهجرة إلى الدول الغربية حيث التقاليد والعادات المختلفة.
إحدى أجمل تلك القصص والحكايات الشعبية هي قصة ( حانو قريثو )، وهي واحدة من مئات القصص من ميثولوجية وادي الرافدين وسوريا الطبيعية التي تناقلتها الأجيال ، واحتفظ بممارستها لغاية اليوم قسم من أبناء شعبنا ( الكلداني الآشوري السرياني )، وكان لجيلنا الحظ السعيد والفخر بالمشاركة بالاحتفال بهذه الحكاية الحزينة والمفرحة معاً.
فما هي حكاية حانو قريثو ؟ هي قصة شعبية أضحت مناسبة اجتماعية جميلة للتجمع والاحتفال حول المائدة الواحدة ، و تناول طبخة البرغل مع صفار البيض ، لقد مارس هذا الاحتفال معظم أبناء الجزيرة السورية وخاصة القرى المحيطة بمدينة القامشلي ومنطقة طور عابدين ، ومن مختلف شرائحهم الاجتماعية والأثنية ولغاية السنين الأولى للحرب السورية الشرسة ، ويُرجح كبار السن أن جذور هذه الرواية تعود إلى أنها تذكاراً يُحتفى به لابنة احد ملوك ما بين النهرين ، الذي مُني بهزائم متعددة أمام أعدائه في الحروب التي خاضها ، فنذر على نفسه أمام وزرائه انه في حال انتصاره في المعركة القادمة سُيقدم أول إنسان يصادفه من مملكته أثناء عودته قُرباناً للآلهة ، وفعلاً كان النصر حليفه فخرجت جماهير المملكة للقاء ملكها وجيشها ، وكان في مقدمتهم ابنته الوحيدة فعندما دخل موكب الملك قوس النصر كانت ابنته أول المهنئين له ، و استقبلته بالأهازيج والزغاريد والرقص فاحتضنت أبيها مهنئة إياه على النصر، لكن رغم فوز الأب بالمعركة الصعبة إلا أن الحزن غمره حينما شاهد فلذة كبده الوحيدة امامه ، فاخبرها بنذره و لما أنهى حديثه طلبت منه أن يُمهلها أربعين يوماً فكان لها ما أرادت ، أخذت إبنة الملك معها بنات جيلها العذارى إلى قمة إحدى الجبال القريبة محتفلات لمدة أربعون يوما وليلة ، وطلبت منهن أن يقمن لها تذكاراً سنويا بعد موتها إخلاصاً لوفائها ولثبات أبيها على وعده ، وفي صبيحة يوم الواحد والأربعين عدن الفتيات مع أميرتهن بالأغاني الحزينة إلى ساحة النصر والنصب التذكاري للآلهة، وكان الملك والحاشية الملكية والرعية محتشدين بانتظار عودة الأميرة لمشاهدة الحدث الجلل ، وعند وصولهن قام الملك بقطع رأس ابنته أمام الجميع وقدمها قرباناً للآلهة ، ومنذ ذلك اليوم تناقلت الأجيال ذكرى احتفال رحيل الأميرة الشابة التي اعُتبرت بطلة وشهيدة في نظهرهم.
تشترك هذه الأسطورة الشعبية بالتطابق شبه التام مع قصة ابنة يفتاح ملك جلعاد وحربه مع ملك العمونين ( بني عمون ) في الكتاب المقدس بالعهد القديم ، الوارد ذكرها في سفر القضاة الإصحاح الحادي عشر الآية 30 ولغاية الآية 40 ، وما زالت العذارى من بنات إسرائيل لتاريخ هذا اليوم تنحن أربعة أيام متتالية من كل عام حدادًا على الملك يفتاح الجلعادي وابنته.
بيد أن هذه الرواية أخذت منحى مسيحي باستبدال الملك بالكاهن بعد اعتناق شعوب الهلال الخصيب ووادي الرافدين المسيحية ، وذلك للتخلص من الإرث والموروث الوثني للحكاية فكانت الاحتفالات تُقام بهذه المناسبة في يوم الأحد الذي يسبق أول يوم من أيام الصوم الكبير الأربعيني وما زالت بعض الكنائس تحتفل بهذه المناسبة بعد الصلاة الصباحية في باحتها أو صالة الحفلات .
وتربط بعض الآراء هذه الأسطورة بجفاف الأرض ، وعدم هطول الأمطار على المحاصيل الزراعية وخاصة القمح الذي كان وما يزال العنصر الرئيسي للتغذية الإنسانية ، لكن جوهر ويوم هذه المناسبة لم يتغير كثيراً ، إذ كانت العذارى من كل قرية وحي تزرن كل منزل حاملات على أكتافهن دُمية خشبية على شكل صليب ( تيمناً بحانو ) مُرتدية ثياباً مطرزة جميلة ، هاتفات بصوت واحد ( عروستنا تُريد منكم برغلاً ونطلب من الله لكم مطراً )، وقبل الغروب كان رجال القرية يقومون بمراسم دفن الدمية مع قليل من الأكل المطبوخ على روحها ، كقربان للإله كي يترحم عليهم و يرسل لهم المطر ، بينما كانت النساء تقمن بطبخ البرغل مع صفار البيض فيجتمع الكل حول المائدة ، و يغنون لحانو ( حنان ، حواء ) الشهيدة ،و يستمرون بالرقص فيما بينهم لساعة متأخرة من الليل ويتم توزيع الأكل المتبقي على منازل القرية.
وقد تأثر بهذه الأسطورة التاريخية الجميلة الشاعر المتألق جورج شمعون ، وتفاعل معها وجدانياً فأضاف للأبيات الأربعة الأساسية التي تناقلتها الأجيال ، فجسدها بقصيدة عشق شعرية رائعة، خلط الأسطورة مع عدة قصص من العهد القديم ، كقصة يعقوب الراعي لمواشي وإبل حماه لابان لمدة سبع سنوات من أجل أن يتزوج من حبيبته راحيل ، وأيضا ًقصة عشق بين راع القرية وابنة كاهن ، وتم تحويل هذه القصيدة الشعرية إلى أغنية رائعة غناها بصوته المتميز الفنان والمطرب الكبير القدير ( نينيب لحدو ) ، مُستمداً اللحن من التراث والفلكلور السرياني لمنطقة طور عابدين ، وهي إحدى الأغنيات الفلكلورية التراثية الجميلة جداً ، التي لاقت استحساناً ورواجاً واسعاً منذ العام 1995 ، ونالت محبة وإعجاب جماهير شعبنا من مختلف أعمارهم وما زالت إحدى الأغاني المُفضلة بالأعراس والمناسبات ، وخاصة في يوم الاحتفال بيوم حانو الأسطورة الجميلة الذي صادف البارحة.
جوزيف إبراهيم في /19/2/2018/


غير متصل اخيقر يوخنا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 4981
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: من تراث الأجداد ، حانو قريثو
« رد #1 في: 04:07 20/02/2018 »
رابي جوزيف ابراهيم
شلاما
قصة تراثية ممتعة ، احسنتم في الكتابه عنها
واعتقد ان قصة كشرا دلالاه ، جسر دلالاه ،تدور في نفس المعنى
ولا ادرى ان كانت هذة القصة معروفة في بقية القرى في شمال العراق ،والذي عنده معلومات عنها يرجى اعلامنا
تشكر
الفديو غناءي يشرح القصة
https://m.youtube.com/watch?v=ZrlAQSbYesA