المحرر موضوع: غيوم سوداء في سماء كركوك  (زيارة 1760 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل وردا البيلاتـي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 124
    • مشاهدة الملف الشخصي
غيوم سوداء في سماء كركوك
« في: 01:16 20/02/2018 »
غيوم سوداء في سماء كركوك
استرجاعي لتلك اللحظات الرهيبة من فجر ليلة باردة مازال يشعرني بالخوف والرهبة.كانت شمس الفجر قد كست جدران البيوت، والشوارع بحمرتها الارجوانية، حركة غامضة،وصدى اصوات مسموعة احيانا، وساكنة احيانا اخرى، ساعتئذ كنت انعم بدفأِ الفراش حينما علا ازيز الرصاص، كما لو انه ياتيني من عمق حلم ثقيل. نهضت مسرعاُ لأتبين حقيقة ما اسمعه، فقد ازدادت وتلاحقت زخات الرصاص، فما كان مني الا أن لبست ما يقيني البرد، وانا في طريقي الى الباب لمحت امي وهي توقد المدفأة النفطية، كما تعودت كل صباح. تسللت خارجاٌ للشارع دون أن انبس ببنت شفة، رايت بعض الناس يركضون عائدين الى بيوتهم وسمعت بعضهم يقول ثورة والاخر يقول انقلاب.
بدأ الشعور بالخوف ينمو في اعماقي، لم اتمكن من تبيان سبباُ له وما أن نفذت اشعة الشمس الصباحية شيئا فشيئا معلنة عن  نهارٍ جديدٍ حتى انجلى ما كنت اتوجس منه.لقد حدث انقلاب بعثي على ثورة تموز هذا ما سمعته من المقربين مني. عن مدينتنا الفزع والتوجس من القادم،وتواردت الاخبار عن الاعتقالات والقتل والتي شملت العديد من اصدقائنا واقاربنا،واصبح منظر المسلحين وهم يجوبون الشوارع بزيهم العسكري حاملين اسلحتهم الرشاشة مهددين الناس بالقتل في أي لحظة، منظر يومي وعادي، فيما بعد عرفت انهم الحرس القومي. كما انتشرت مقراتهم بين الأحياء السكنية وتحول قسم البلدي الخامس في محلتنا الى مقر  قاطع لهم.في تلك الاثناء وفي خضم الهلع من الحرس القومي كلفني الصديق يوخنا بايصال نشرة اخبار لبعض اصدقاء الحزب، لم اتوانَ عن ذلك فتوجهت صباحا بعد أن فتح منع التجوال الى العنوان، وعندما دخلت البيت كانوا مايزالون نياماٌ في افرشتهم، فاخرجت النشرة من بين ثيابي قائلا لهم " هذه هديتكم من يوخنا" ارتبكوا وطلبوا مني أن اخبره بعدم ارسال أي شىْ لهم بعد ذلك، وما ان مضت بضعة ايام من تلك الحادثة تم اعتقال يوخنا وزج به في أَحدِ المعتقلات ليواجه التعذيب الوحشي من قبل الحرس القومي، حاله كحال المئات من رفاق الحزب الشيوعي.من الاحداث التي ما زلت اذكرها في تلك الفترة العصيبة التي مررت بها، فقد كان لي صديق يكبرني ببضع سنوات، حينما علم باعتقال يوخنا، اصابه الهلع وكان متوترا جدا، ورغم اني حاولت تهدئته بقولي اننا غير منتمين الى الحزب، إلا أن ذلك لم يرحْهُ او يطمئنه، فاخبر اخوه الاكبر واعترف له، بانه كان يستلم مني بعض منشورات الحزب الشيوعي، والتي كان يحرقها اولا باول، بعد ذلك علمت انه انتقل الى منطقة دشت نهلة في قضاء عقرة، ومكث في ( قرية كشكاوا) لدى اقربائه، وبعد فترة وجيزة علمت بترسيمه كشماس للكنيسة ليبعد عنه أي شبه، ثم انقطعت اخباره.
بالرغم من مرور سنوات طويلة على ذلك الانقلاب المشؤوم، لكني لم انسَ ابدا تلك المشاهد الرهيبة والتي اتسمت بالدموية والعنف الوحشي، حيث الاعدامات بالجملة في مركز مدينة كركوك، نصبت المشانق في ثلاثة مواقع ، شارع جمهورية بداية سوق القورية امام مقهى احمد اغا ثم امام محكمة كركوك مقابل دائرة الانضباط العسكري، وفي  الشورجة قرب القلعة.
لم تمر سوى بضعة اشهر على تسلم البعث السلطة سنة 1963، عندما اخذت احدى السيارات العسكرية التابعة للحرس القومي، تجوب شوارع وازقة كركوك لأعلان ومن خلال مكبرات الصوت المثبتة عليها عن اعدام المجموعة التي قامت بأحداث كركوك،الذين حكم عليهم في عهد قاسم بالسجن الموبد.* حيث لم تتم عملية الاعدام كما اعلنها، انما جلبوا تسع جثث، كانوا تحت التعذيب وقد شدوا الحبل على رقبة كل واحد منهم ليتم تعليقهم امام الناس، وقد كتب اسم كل ضحية على صدرها. لقد شاهدت بام عَيني مجموعتين من النساء الاولى تبكي بصمت على شهدائها، والاخرى ترقص وتزغرد فرحا للاعدامهم، اما المشهد الثاني الذي يتسم بالهمجية فقد كان امام باب المحكمة، فقد تعالت الزغاريد وتم ذبح القرابين فرحا بالاعدام، وقد كان من بينهم رئيس بلدية كركوك معروف البرزنجي** وهو في حالة يرثى لها فقد قلعت عيناه،وكتسى وجهه اللون الأزرق، واثناء تعلقهم لجثث الضحايا تقدم شخص ما وبيده سكين كبير (قامة) فغرزها في جسد احد المعدومين، عندذاك تدخل احد العساكر لمنعه! فما كان منهم الاسراع بانزال الجثث من المشنقة وتم تفريق الجمهور. يومئذ لم اكن اعرف لماذا قادتني قدماي الى تلك المواقع التي شهدت قتل الناس بهمجية ووحشية لم يستطع عقلي ان يتحملها ، مما دفعني بعدم الذهاب للموقع الثالث، فقد فاضت روحي بالحزن والاسى على الضحايا الذين بلغ عددهم في ذلك اليوم فقط 28 شخصاُ، بالرغم اني لم اكن اعرفهم او تربطني بهم أي صلة.
في طريق عودتي للبيت دخلت صالون حلاقة رغبة مني في تبديد الغصة والاستياء اللذان كانا يغليان في داخلي، وبينما كنت انتظر دوري سمعت احاديث بعض الزبائن حيث قال احدهم " اليوم حتى السماء حزينة" !! تكلم رجل اخر وهو يتحسر"  ليست حزينة فحسب بل لقد بكت السماء ايضا  هؤلاء الضحايا"! اما الرجل الثالث الذي كان على ما يبدو يعرف معروف البرزنجي عن كثب فقد قال " اشهد انه شخص نزيه، وليس له أي علاقة باحداث كركوك" يومها ايضا علمت بان احد الخياطين الذي كان محله جار لمحل خالي قد اعتقل، وتهمته المشاركة في احداث كركوك، رغم انه كان وقتئذ في بغداد،لكن السبب الحقيقي اعتقالهِ هوانه كان يخيط ملابس عسكرية منها للمقاومة الشعبية، والذي اعدم مع مجموعة 28 في كركوك. هذه المجزرة التي ارتكبها الحرس القومي لم تكن إلا القليل مِما ما حدث في تلك الايام.
*بعد مجيء حزب البعث تم استئناف المحكمة من قبل اهالي الضحايا من التركمان، ليتم اصدار الحكم بالأعدام شنقاُ تم تنفيذه في كركوك وامام الجماهير.
**(معروف البرزنجي) كان احد ابطال كركوك الذين ماتوا تحت التعذيب بالسجن في 23 حزيران 1963، كما انه كان احد سجناء احداث 59.
وردا البيلاتي
19/2/2018

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: غيوم سوداء في سماء كركوك
« رد #1 في: 17:47 20/02/2018 »
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ وردة البيلاتي المحترم
تقبلوا محبتنا الصادقة مع أطيب وأرق تحياتنا الأخوية
مقالكم أو بالأحرى روايتكم رائعة جداً حيث وصفتم ورويتم أحداث ما جرى في كركوك بعد الأنقلاب البعثي الدموي الفاشي الذي أودى بحياة الآلاف من العراقيين الوطنيين الشرفاء وتحديداً قيادات وكوادر وأعضاء وأصدقاء الحزب الشيوعي العراقي وأتباع الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم ، فعلاً كان الثامن من شباط 1963 م يوماً دموياً مشؤوماً عمت غيومه السوداء كل أجواء العراق وليس أجواء مدينة كركوك لوحدها ، وسيظل هذا اليوم وصمة عار في تاريخ هذا الحزب وسيبقى رمزاً للهمجية في ذاكرة التاريخ العراقي ، وقد عايشنا أحداث مماثلة لما جرى في كركوك في مدينة الموصل ونحن طلاب في الصف الأول متوسطة وكنا نستمع الى محاكمات التي كانت تنقل عبر مكبرات الصوت في حديقة الشهداء في الموصل ومنها محاكمة الشهيد عدنان جلميران والشهيد بنيامين يوسف وغيرهما.... حقيقة ما شهدناه في الموصل ولد في داخلنا مشاعر الحقد والكراهية على هذا الحزب الفاشي والتعاطف مع ضحاياه بالرغم من أننا لا تربطنا أية صلة بالضحايا ولكن الطبيعة الانسانية تدفع بالانسان الى التعاطف مع المظلوم والحقد على الظالم ، وأخيراً أحييك على هذا المقال يا خورزة وردة العزيز ..... دمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام .

                            محبكم أخوكم وصديقكم خالو : خوشابا سولاقا - بغداد

غير متصل وردا البيلاتـي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 124
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: غيوم سوداء في سماء كركوك
« رد #2 في: 14:11 21/02/2018 »
الخال العزيز الكاتب الاشوري خوشابا سولاقا المحترم
تحيات حارة املي انكم بخير
اسعدني جدا مروركم الرائع، وخاصة اضافاتكم التاريخية حول احداث الموصل من قبل الزمرة الشوفينية والبعثية في شباط 1963 التي قد يجهلها الجيل الجديد. وللأسف ما زالت تلك العقول الطائفية والشوفينية تبث سمومها القاتلة بين ابناء شعبنا العراقي، خاصة في الاونة الاخيرة بالتدخل الاقليمي السافر من خلال عملائهم الموالين لأيران للتاثير على الوضع السياسي ضد القوى الوطنية والديمقراطية ، وضد الشيوعيين والليبراليين. وكما يقول ماركس إن التاريخ يعيد نفسه مرتين. مرة على شكل مأساة، ومرة على شكل مهزلة. وما نراه الان هو المهزلة.
محبكم وصديقكم وردا البلاتي

غير متصل Dr. Simon Shamoun

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 302
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: غيوم سوداء في سماء كركوك
« رد #3 في: 01:14 22/02/2018 »
Khona azeza Kirkukli Qardash Warda

Indeed I remember those days and specifically February , 1963.. I was a young person in junior high school in Kirkuk. My Kurdish friend Kameran Al-Salihi was a our neighbour in "Shaterlo Mahallasee". Now you remember "Casino Zuhair" where our house. So, in the day when these  Fascist Baath Party executed so many people in Kirkuk, Myself and my friend Kameran were together near Al-Enthba6 Al-Askari location. So we went and saw bodes of 5-6 people hanged with their names on their chests. I looked at of them and his last name was "Al-Salihi". So, I turned to my friend Kameran and I told him that person looks like you and has same name as you do!!! Guess what, he was Kameran's brother who was hanged..
Well, it was very sad moments ands as a young person I was shocked and terrified to see people hanged in front of my eyes.. At any rate, after more than 50 years now, I saw Dr. Kameran Al-Salihi (my old friend from our youth days) was in a picture posted on Facebook by our dearest friend Dr. Muna Yaku. I was not sure whether he was Kamern or not, but I double checked with Muna. She confirmed that he was Kameran and she studied under his supervision for her Ph.D. degree.. What a small world..

Hope all is well with you and your lovely family my khona mokhibba men m'deetee khleeta Kirkuk..

Best wishes and regards,

Shimun
 

غير متصل وردا البيلاتـي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 124
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: غيوم سوداء في سماء كركوك
« رد #4 في: 02:18 22/02/2018 »
اخي  وصديق دكتور شمعون المحترم
تحيات حارة مع باقة ورد عطرة
تمنباتي لكم وللعائلة الكريمة الصحة والسلامة الحق يقال مروركم اسعدني وافرحي وللذكريات المحزنة لتلك المرحلة التي عشناها من القرن المرتحل، وما زالت الماساة تتكرر لأبنا شعبنا العراقي من تدخل سافر من قبل الدول الاقليمة ، والاحتلال الامريكي والشعب العراقي يدفع ضريبة الدم.
محبكم من ايام الصبا والشباب وردا البيلاتي