المحرر موضوع: القديس ما أفرام السرياني في سطور  (زيارة 1208 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل جوزيف إبراهيم

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 79
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
( القديس ما أفرام السرياني في سطور )
بقلم جوزيف إبراهيم.
الكتابة عن حياة عظماء التاريخ قد تحتاج إلى مجلدات، ويعجز القلم عن وصفهم وإعطائهم حقهم، نظراً لجودة و عظمة ما قدموه لخير وسعادة البشرية، وأمثال هؤلاء العظماء قلائل جداً بين شعوب الأرض، في كل مائة عام تنجب كل أمة عظيماً، وعظيم القرن الرابع الميلادي هو موضوعنا لهذه المقالة، القديس المتواضع والعظيم بنفس الوقت مار أفرام السرياني، فمن هو هذا الرجل المؤهل لتصدر أعلى درجات الكهنوت و مع ذلك يرفض أن يُرسم كاهناً،
قديسنا رُفع شأنه عالياً ونُعت بأجمل الألقاب التي يتمنى المرء أن يحظى بها لإنه يستحقها وبجدارة، فلُقب بقيثارة الروح القدس نظراً للكم الهائل من الأشعار والميامر والمزامير التي فاقت مزامير داوود عدداً وجمالاً، مع اللحن العذب الذي يدخل القلب و ثنايا الروح، حيث باتت أشعاره تُتلى وتُرنم في معظم كنائس العالم، إنه أيضا شمس ونبي السريان، الذين كان لهم الفخر في أن يُشارك في المجمع المسيحي المسكوني المُنعقد في نيقية، عام 350 ميلادية مع معلمه مار يعقوب النصيبني إذ لم يكن قد تجاوز الثامنة عشر ربيعاً.
أبصر العلامة أفرام النور من أبوين مسيحيين في عام 306 ميلادية، في مدينة نصيبين العريقة توأم زالين القامشلي، ذات الإدارة والغالبية السريانية و الواقعة تحت الحكم الروماني، حيث كانت في السنوات الأخيرة من مجدها، وتتلمذ على يد الأسقف يعقوب النصيبيني أحد جهابذة الكنيسة السريانية، و سرعان ما تدرج في العلم وفُتحت قريحته الكتابية، فتسلم رئاسة جامعة نصيبين التي كانت واحدة من أشهر جامعات الشرق، لكن سرعان ما أفل نجمها و خبت عراقتها بعد حصار الفرس للمدينة ودخولهم لها عام 363 م ، مما دفع بالغالبية العظمى من المسيحين للهجرة القسرية إلى الرها آديسا أورفة.
يذكر أنه حين دخوله للرها التقى بفتاة بجانب البئر، و كانت تحدق به كثيراً فقال لها: ما بالك يا أختاه تحدقين بي هكذا؟ فأجابته: لكل إمرأة الحق في أن تحدق بالرجل الذي أُخذت من ضلعه، أما الرجل فعليه بالنظر إلى التراب لإنه قد جبل منه، فقال في نفسه إذا كانت نساء هذه المدينة بهذه الحكمة والمعرفة فكيف يكون رجالها. وسرعان ما بزغ نجمه في مدينة العلم والأدب الجديدة، وكان مدافعاً مغواراً للمعتقد المسيحي و مناظراً للمهرطقين ويقارعهم بالبراهين والحجج، وفي هذا المجال رد على أحد الملحدين الذي حاول تفنيد الإيمان المسيحي بقصيدة من 150 بيتاً، فرد عليه بقصيدة مماثلة بالوزن والتفعيلة أيضاً من 150 بيتاً!
بيد أن هذا المتنسك لم يسلم من مكائد إبليس، فأتهمته إحدى الفتيات بأنها حبلت منه، لكنه لم ينكر واعترف أمام الجميع بذنب لم يقترفه حرصاً وخوفاً على سلامتها، وعندما ولد الطفل حمله أمام مذبح الرب وصرخ قائلاً: أيها الطفل أناشدك أمام مذبح الرب، قل لي الحق من هو أبوك ؟فنطق الطفل إنه أفرام قندلت أي الذي يُشعل القناديل، فبكى الشعب وطلبوا منه السماح.
كُتب عنه أنه زار الكرسي المرقسي بمصر بعد حلم متكرر ولقائه بالقديس باسيليوس، وأتُهم هناك بتقليده الشيوخ لاتكائه على عصاه، فعلم بأفكارهم و قام بغرز عصاه في الأرض فأورقت في الحال، ويقال أنها ما زالت تورق لغاية هذا اليوم في الدير الذي سُمي باسمه تيمناً بمعجزته.
يُحتفى بهذا النابغة المحبوب في جميع الكنائس في العالم ، وقصائده وألحانه تصدح بحناجر الملايين فهو القاسم المشترك الوحيد للطوائف المسيحية الشرقية، وخاصة السريانية الآشورية الكلدانية التي تكن له كل الاحترام والتقدير وتنسبه لنفسها، ولا غضاضة في ذلك ففي ذلك العصر كانت الكنيسة واحدة.
أما في مجال الأدب فله أكثر من ثلاثة ملايين سطر، دون فيها كتب ، رسائل ، مقالات ، ميامر، تسابيح وغيرها، ويُعد وصفه وتخيله البديع للفردوس الإلهي من أكثر الأشعار تأثيراً في النفس البشرية، مما حدا بكثير من الأدباء والشعراء من بعده بأن يستلهموا ويقتبسوا من أفكاره وأشعاره، إذ يعتقد الكثيرين أن هناك تشابه بين جنة أفرام الروحية وبين جنة الإسلام في القرآن ، ولا غرابة في ذلك لإن شاعر نبي الإسلام حسان بن ثابت كان يتقن السريانية، و تشير المصادر التاريخية الإسلامية إنه تعلم السريانية بناءً على طلب من رسول الإسلام نفسه، أيضاً تأثر بهذا الفردوس الأفرامي الجميل الشاعر والفيلسوف السوري الكبير أبو العلاء المعري الغنوصي، إذ كان مصدر إلهام له فجسده في كتابه الشهير رسالة الغفران، وعن هذه الرسالة النفيسة أقتبس الشاعر والفيلسوف الإيطالي الشهير دانتي أليغيري Dante Alighieri ملحمته الشعرية ( الكوميديا الإلهية ) الذائعة الصيت، والتي تُعد إحدى أبرز الملاحم الشعرية في الأدب الإيطالي .
هذا الأديب ، الفيلسوف ، الشاعر ، الموسيقي والقديس العظيم، لم يدع للكبرياء أن يأخذ منه مكاناً حتى الرمق الأخير حيث أنتقل إلى جوار ربه في التاسع من حزيران عام 373 م بمدينة الرها، لا بل تواضعه الشديد ظهر في وصيته قائلاً : لا تضعوني تحت مذبح الرب لإنه لا يليق أن توضع جيفة نتنة في مكان مقدس، ولا مع الشهداء لإني خاطئ ولا أن تعطروني، أريد منكم أن تسندونني بصلواتكم وأن تدفنونني مع الغرباء لإني غريب مثلهم، وكل طير يحب جنسه ضعوني مع منكسري القلوب كي يأتي ربنا يسوع ويضمني إليه ويقيمني معه.
من أقوله المأثورة ، الحسد سهم نافذ يقضي على راميه ، كن في شبابك متواضعاً لترتفع في شيخوختك ، من يمتلك ذهباً صافياً لا يخشى من امتحانه بالنار ، أقتن الذهب بمقدار أما العلم فأكتسبه بلاحد لإن الذهب يكثر الآفات وأما العلم فيورث الراحة والنعيم ، الحكمة أفضل من الزينة والعلم خير من الأموال ، فتىً حكيماً خير من ملك مُسن جاهل ، ليس بكثرة البنين تكون الحياة للآباء ، إذا شاء رب البرايا قام الولد الواحد مقام الكثيرين . في /23/02/2018/



غير متصل متي كلـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 373
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الكثير من الكنائس السريانية تحمل اسم هذا الملفونو.. ولكن كم كنيسة من تلك، احتفلت في ذكراه بما يليق به.. شيئ يحزن!!