المحرر موضوع: الموسيقار يوسف إيشو رحل قبل أوانه  (زيارة 1062 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ميخائيل مـمـو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 696
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الموسيقار يوسف إيشو
 
 
رحل قبل أوانه
بقلم: ميخائيل ممو
من المؤسف له اننا تعودنا على نعي من يرحل عنا بجمل وعبارات تأبينية بإسلوب مأساوي  تحفه أقسى مفردات الحزن تقديرا وتبجيلاً لمكانة من له من العطاءات من أبناء شعبنا تخليداً لعصارة أفكاره النيرة وأعماله المجدية بعرض مناقبه وبما إتصف به من الخصال الحميدة والأخلاق النبيلة والأعمال التي تدر بالنفع العام.
هذا ما يحتمه علينا إحساسنا وتولده مشاعرنا تأسفاً لرحيل المبدعين من ادبائنا وشعرائنا وفنانينا  من الميدعين والمتميزين الذين نشير اليهم بالبنان، ولكن هل فكرنا ودفعتنا الحمية بأن نثمن جهودهم ونرفع من شأنهم لنبرز مكانتهم وهم أحياء في قمة العطاء والمفخرة لنا بما هم عليه؟!
نعم اكررها ثانية وأقول حتّام نظل ننظر بعين ناعسة لمن يبهر العقول بنتاجاته التي سيخلدها التاريخ بعد رحيله الأبدي رغم معرفتنا واعجابنا بها، ورغم عزوف منتدياتنا عن الأخذ بيده وتبني ما يَقْدِم عليه بجهد شخصي خالص من أجل إعلاء شأن الآخرين. وما أجمل أن يقول البعض دعني أسير في مسلك حياتي لإثري عطائي، وإن ما يغيظك مني قد يدعك المستقبل تعض بنان الندم. والأجمل من ذلك مقولة امنحني وردة واحدة في حياتي بدلاً من تكدس باقات من الورود على مثواي الأخير.                                                                                              إن ما دعاني لسرد هذه الكلمة التي قد يظن البعض أنها من باب الملاطفة للترويح عن القلوب الكليمة او نفوس من حزت بهم وآلمتهم فاجعة رحيل الموسيقار يوسف إيشو، سواء أكانوا من ذويه ومن أقرب المقربين له أو خلانه الأوفياء، ولربما يجعلها البعض منافية لما أشرت إليه في بدء كلامي. قد يكون الأمر كذلك كما إعتدنا عليه للتخفيف من شدة الحزن، ولكن الحقيقة هي عكس ذلك، كون الذين غفلوا أهمية هكذا شخصيات قد يؤنبهم ضميرهم بما لم يعتادوا عليه، وبأن تلك الشخصيات بإبداعاتهم لم يذهب عملهم سُدى وإنما نقشوا أسمائهم على صخور صلدة لتبقى على مدى التاريخ مثلما نستذكر دوماً من خدم ودون تاريخنا وحافظ على استمرارية وجودنا أدباً وفناً وتراثاً.
إن الصدفة التي أودت بي للتعارف على شخصية الفقيد الراحل المرحوم يوسف إيشو قبل عشرين عاماً في ربوع تل تمر زادت من معرفتي به عن كثب والوقوف على ما نتجه فكره وأبدعته أنامله أي بالأحرى أصابعه. وما أغربها الصدفة الثانية بعد عشرين عاماً وفي صباح العشرين من شباط 2018 حيث كنت منهكاً في أرشفة مجموعة من الأفلام التذكارية القديمة لإعادة تسجيلها وحفظها من التلف والضياع أن أحظي بأحدها لتلك المقابلة التي جمعتني والفقيد مع المطرب المرحوم عمو إسكندر والعازفة المبدعة أمل التي نَعَتُها في حينها بإسم " سَوْرا " باللغة الآشورية، الساكنة حالياً في السويد على ما أظن ذلك. نعم ما أغربها من صدفة بعد انتهائي من إعادة تسجيل تلك المقابلة أن أقوم بتصفح موقع التواصل الإجتماعي ليصيبني الفزع من صورة الفقيد المؤطرة بشارة الحزن مسرعاً على التهام العبارات الحزينة الدالة على رحيله الأبدي في نفس اليوم وهو في العقد السادس من عمره.
حقاً أن مثل هذه المواقف عادة ما تبعث الحيرة والإستغراب وبما لا يُصدق، وكأن الإيحاء ينبئني بأن زميلك رحل في هذا اليوم، فرحت أتصفح صفحات الفيس بوك وإذا بالحدث حقيقة لتهافت الكتابات الـتأبينة الحزينة مؤكدة النعي المحتوم. فإضطررت في تلك الأثناء على استنساخ بعض الصور المرفقة من الفلم كدليل على ما نوهت إليه ونشرها ضمن هذا السرد.
ما يمكنني الذكر هنا وعلى ضوء معرفتي بأن الموسيقار الفقيد منذ مطلع شبابه وهو بعد فتى يافع سحرته الموسيقى ليزوجها مع سحر طبيعة مرابع الخابور ونسيمها العليل، مجسداً أياها وَرِقّة أوتار عوده الذي تيتم، وتلك آلاته الموسيقية الراكنة في أرجاء غرفته التي تحفزه وتلهمه بنغمات لمسات تراثية ومَسحات دينية مؤثرة لتصدح من خلالها أصوات العديد من المطربين الآشوريين والجوقات بإداء غنائي أو دور تمثيلي على ما تترنم به الفرق الموسيقية كترنم الطائر في هديره بدقته ولطفه.
من جراء هذه المشاعر راوده الحلم أن يشغف بفن الموسيقى، ومن أجل أن يحقق حلمه بعد دراسته في المرحلة الثانوية في تل تمر، التحق بمعهد الموسيقى في دمشق ليتخرج عام 1980 وهو على مشارف الثانية والعشرين من العمر الزمني وأكبر من ذلك في مرحلة العمر العقلي في المجال النغمي. ومن ثم إرتقى به الإصرار ليوسع من آفاق طموحه وأحلامه في مجالات أخرى شملت تأليف المقطوعات الموسيقية وعملية التوزيع الموسيقي بإسلوب يماشي التطور الزمني وفق الآلات المستحدثة. ولكي نثبت تألقه في مجال عمله ننقل مقتطفات هامة مما دونه موقع هلمون.نت بالإشارة إلى أنه مارس مهنة التدريس الموسيقي لمدة عشرين عاماً، وإلى جانب ذلك قضى وقت فراغه في حقل التأليف الموسيقي بألحان متميزة للعديد من المسرحيات التراثية التي منها " الطوفان " ، " كلكامش " ، " موسيقى أورمي " ، موسيقى العرس الجماعي في إحتفال أكيدو " ، " موسيقى السلام " ، " الخليقة " وغيرها الخاصة بمسرحيات الأطفال أيضاً. والجدير ذكره أنه أقدم على تأسيس ستوديو "أثرا " أي الوطن كمركز فني للموسيقى محتضناً العديد من المهتمين بما كان يسعى إليه لتحقيق مآربهم. ومن خلال لقاء إذاعي أفاد بأنه قد لَحّنَ أربعمائة لحناً وأربعين مقطوعة موسيقية.
ومما هو متعارف عليه أنه وضع من بين تلك الألحان ما يقارب 250 لحناً لمشاهير المطربين الآشوريين والأغاني العربية أيضاً. وبما أن الفقيد كان قد كرس ونذر حياته من أجل الفن الموسيقي بدلالة ما أقام من الأمسيات الغنائية وشارك في المهرجانات الخاصة بذلك مزيداً عليها بمحاضراته القيمة ذات الطابع التراثي الأصيل وتعامله مع شعراء النص الغنائي إلى جانب تربية الأجيال الناشئة وتدريبهم على العديد من الآلات الموسيقية في دورات خاصة. وإننا مهما كتبنا عنه بعد رحيله حتماً لا نوفيه حقه، حيث كان الأحرى بالمحيطين به وعلى مقربة منه من هيئات ومنتديات ومؤسسات رسمية وشبه رسمية وعلى وفق خاص الآشورية منها أن يقلدوه وسام الشرف وهو على قيد الحياة إسوة بالعديد من شعوب العالم، وعلى أقل تقدير تيمنا بمقولته الإيمانية الصادقة ( لا شيء يجعلني أفكر بالتوقف عن التلحين ما دمت أؤمن بالشعب الذي أنتمي إليه). وإعترافه بمقولة (أصعب قرار اتخذته في مجال الفن هو بناء شخصية خاصة للموسيقى والأغنية الآشورية والإستعانة بتراثنا الآشوري لتطويرها).
رغم الثقافة الفنية التي تسلح بها الموسيقار يوسف ايشو فإن مطالعاته وتبحرة في استقصاء منابت الموسيقى الآشورية ارتقت به ليوسع من مداركه كمثقف ضليع في مناقشاته ومداخلاته عن التاريخ الحضاري للوجود الآشوري. هذا ما تجلى لي عن كثب من خلال لقائي معه في تل تمر أثناء زياراتي الميدانية. فما أجمله وأروعه حين يقول: (نحن شعب حي وأصحاب حضارة عريقة، أجدادنا كانوا السباقين في جميع الميادين في العلوم والمعرفة والفنون والموسيقا، ولن نكون أحفاد أولئك العباقرة إلا بالعلم والعمل والمثابرة والجهد المتواصل في كافة المجالات). من هذا المنطلق المنطقي أثبت وجوداً متميزاً ومكانة عالية وأضحى ضحية تلك الحنجرة التي أتعبها بمتابعاته لتكون هي الأخرى في آخر أيام حياته سبباً لرحيلة الأبدي في الأخدار السماوية.
كفى أن نقول: لقد أدى رسالته القومية بفخر وإعتزاز وبإيمان صادق على أكمل وجه بما خلفه من آثار تنطق بوفائه لتاريخ أمته ولغتها وديمومة وجودها. وسيبقى اسمه راية ترفرف في كل أغنية صاغ لحنها، وفي كل مقطوعة موسيقية تشنف آذان سامعيها ومنها معزوفة "أورمي" معقل الفن والأدب الآشوري الحديث التي كان يعتز بها ولها مكانة في قلبه.           
ألف رحمة على روحه الطاهرة.

   
 
ولكي نثبت ما ذهبنا إليه تشهد مداخلات وتعليقات ما لا يحصى عددها بحق الموسيقار الراحل بالإشارة لمآثره المتنوعة، ومن تلك الكتابات على سبيل المثال لا الحصر، نذكر ما وصف به الشاعر فهد اسحق مكانة الفقيد بقولة: ( يوسف إيشو... لم يمُـتْ ولن يموت أبداً .!سـوريا تشهَـدُ بذلك ، والفراتُ ودجلة والخابور يشهدون بذلك .حقول سنابل الحِنطـةِ على ضفافِ مجرى الدّمع وكروم كلّ القلوب الصادقة المُحبّة تنتظر منه لمسات اللحن الأخير لتتمكّن أسـرابُ الطيور من التغريد بحريّةٍ في فضاء الخلود والنّقـاء .. وداعـاً أيّها القلب الممتلئ ألحاناً وتراتيلاً وقصـائد .تخجـلُ حروفنـا أمام عظمة عطائك ....وداعـاً ...يوسف إيشو).

وكذلك ما دونه الأستاذ نينوس أيشو عن الحزب الآشوري بقوله: (الحزب الآشوري الديمقراطي يتقدم بتعازيه القلبية لعائلة الفقيد و لكل الأمة الآشورية برحيل موسيقار كرس وقته و جهده لفنه الملتزم و الذي تمكن من تأسيس مدرسة فنية ستبقى خالدة في تاريخ الفن الآشوري. ستبقى حيا في ضمير الأمة ابد الدهر).

إضافة ما أشار إليه المكتب الإعلامي للمنظمة الآثورية الديمقراطية بمقولة (ببالغ الحزن والأسى تلقينا نبأ وفاة الموسيقار الآشوري المبدع الأستاذ يوسف إيشو اليوم الثلاثاء 20 شباط 2018 في إحدى مشافي دمشق بعد صراع طويل مع المرض. وبوفاته تفقد الأمة الآشورية أحد أهم المبدعين في مجال التلحين والتأليف والتوزيع الموسيقي. نعزي أنفسنا وأبناء شعبنا السرياني الآشوري بفقدان هذه القامة الفنية، ونتقدم بالتعازي من أهله وذويه، راجين من الله أن يتغمده برحمته، وليبقى ذكره طيبا مخلدا).
ناهيكم عن المشاركات التي لا حصر لها من أبناء شعبنا ، ومن له معرفة بشخصية الفقيد من قريب وبعيد.

ومما كتبه الأستاذ داديشو بطرس نقتطف قوله: (بقلب يعتصره الألم والحزن الشديد والأسف العميق تلقينا نبأ الرحيل الصادم والمبكر جداً للأخ العزيز أمير الموسيقى الآشورية الأستاذ يوسف أبو فريد وارتقائه الى الملكوت السماوي لتستقر روحه في أحضان الخلود السرمدي. وبرحيله تفقد الأمة الآشورية أحد أهم مبدعيها في مجال التلحين والتأليف والتوزيع الموسيقي، لذلك ترك رحيله في أعماقنا جرحاً بليغاً لن يندمل أبداً , فقد كان الراحل كالموسيقى الهادئة تتغلغل الى القلوب بصمت وعمق واستمرار).
ومن العراق دون المهندس والكاتب خوشابا سولاقا من العراق (له الرحمة والراحة الأبدية والذكر الطيب. أرقد بسلام قرير العين مع شهداء الأمة الآشورية إنك قاتلت بأوتار عودك وقيثارتك خير قتال ونلت شهادة الشرف من الدرجة الأولى يا موسيقار الأمة الآشورية يوسف إيشو. تعزينا الحارة لأهله ومحبيه).
 .