المحرر موضوع: رفعت الجادرجي: التخلف لا يعيد إعمار الخراب  (زيارة 1668 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31327
    • مشاهدة الملف الشخصي
رفعت الجادرجي: التخلف لا يعيد إعمار الخراب/
المعمار رفعت الجادرجي عاصر نهوض الدَّولة العراقية بعد تأسيسها ذلك النهوض السريع بزمن قياسي، ارتبط اسمه بتصميم نصب الحرية، بعد ثورة 14 يوليو.

رفعت الجادرجي المعماري العراقي الأنيق يعلق على تدمير بنايته في الموصل
العرب/ عنكاوا كوم
ذات يوم، توجه المعمار العراقي القدير رفعت الجادرجي إلى الموصل بمهمة تصميم دائرة التأمين فيها. كان ذلك عام 1966.  قامت العمارة، بعد أن صنع الجادرجي تلك المواءمة الهارمونية ما بينها وبين العمارة التي تتوسط شارع الرَّشيد. أصبحت معلماً من معالمه، ومصيرها الآن محفوفاً بالمخاطر، حالها حال الشَّارع نفسه الذي غدا مأوى للقطط والكلاب السائبة، ولا أحد يعرف ما سيؤول إليه وضعه.

 بين 1966 و2017 يكون مرَّ واحد وخمسون عاماً على وجود ما صمّمه الجادرجي بالموصل، تلك العمارة الشهيرة التي دُمرت في معارك تحرير الموصل مِن داعش. تُرى بماذا استخدم تنظيم داعش تلك العمارة؟ ربما جعلها ديواناً للجوالي “أي إدارة شؤون أموال الجزية”، أو مقراً لأمير المؤمنين. لا أحد يعلم.

حديث على التايمز
 زرنا الجادرجي في داره الواقعة على نهر التايمز بمنطقة ريتشموند- جنوب لندن. لقد تجاوز التسعين، كان يجلس على كرسي المقعدين، ينظر إلى النَّهر، لم يسمع بما حل بعمارته تلك. التي كنت حذراً مِن إعلامه بمصيرها، لكنني تشجعت بعدما رأيت أنه استوعب ما حلَّ بشارع الرَّشيد نفسه.

أشار الجادرجي إلى كتاب ضم معظم أعماله، ومن بينها تلك العمارة الجميلة، التي أخذ بنظر الاعتبار في تصميمها بيئة الموصل وتاريخها العريق. سألته عن شعوره، ووضعه الصِّحي لا يسمح بالكلام بأكثر من جملة أو جملتين، وبعد مشاهدة العمارة الأصل ثم الخراب الذي حلَّ بها قال “التخلف لا يُبقي على شيء، ولا يُعيد إعمار الخراب، ومِن الأمل أن تعاد العمارة إلى وضعها الأصل”.

كان إلى جانبه مجسم لجائزة “تميز”، التي أطلقتها جامعة كوفنتري 2014، والتي تمنح سنوياً لأحسن معمار مِن العِراق، وقد مُنحت في دورتها الأُولى لمحمد مكية، وفي دورتها الثَّانية مُنحت للجادرجي، وفي الدورة الثَّالثة مُنحت لهشام منير.

كانت هذه الجامعة قد منحت الجادرجي شهادة الدكتوراه الفخرية بالتزامن مع منحه الجائزة. واقترح المسؤول عن جائزة “تميز”المعمار أحمد الملاك أن يكون هناك فرع خاص للجائزة باسم الجادرجي، تمنح لإعادة إعمار ما أصاب المدن العراقية مِن خراب، خلال الحروب والصراعات. وتساهم في هذه الجائزة نحو خمسين دولة، وقد مُنحت، السَّنة الماضية، لإعمار الموصل، وفي هذه السنة منحت لإعادة إعمار بناية القشلة الأثرية وسط بغداد.

واحد وخمسون عاماً ما بين 1966 و2017 تمر على وجود ما صمّمه الجادرجي بالموصل
عاصر الجادرجي نهوض الدَّولة العراقية بعد تأسيسها، ذلك النهوض السريع بزمن قياسي. فمَن يتعرف على بساطة العاصمة والمدن العراقية، والخراب في كل ناحية منها، إثر السيطرة العثمانية ثم الحرب الأولى، وما لحق العراق منها مِن حرب البصرة ثم بغداد، سيُقدر قيمة ذلك النُّهوض في شتى مناحي الحياة.

كان قد ولد نهاية العام 1926، ونشأ في عائلة، يمكن وصفها بالأرستقراطية، فجده وعمه ووالده كانوا من سراة القوم، وللأسرة تقاليد اجتماعية ظلت محافظة عليها، وهذا ما كان يحرص عليه والده كامل الجادرجي، والذي عُرف معارضاً طوال العهد الملكي، ولم يدر بخلده أن نهاية ذلك العهد هي نهايته أيضاً كمعارض، فبعد ثورة 14 يوليو انتهى هامش الديمقراطية وانتهت معه المعارضة نفسها، وكان الأب من مؤيدي الثورة، لكنه لم يتسلم فيها منصباً.

كان الأب قبل ذلك مؤيداً لأول انقلاب عسكري، وتولى فيه حقيبة وزارية، في ظل وزارة حكمة سليمان والقيادة العسكرية، وهي الأهم، للضابط بكر صدقي، عُرف الأب بالحزب الوطني وصحيفة الأهالي ومعارضته للفاشية، التي كانت تدب في أوصال المجتمع العراقي تأثراً بإيطاليا أو دول المحور، في الحرب العالمية الثَّانية.

عاش الابن في هذه الأجواء السياسية والفكرية. وتعلم بمدارس بغداد ثم سافر للدراسة في بريطانيا. تأثر باليسار ولكنه لم يكن حزبياً، وعندما يتحدث عن ماركس يصفه بالمفكر الكبير صاحب حلم الاشتراكية من دون ثورة وهدم، ولذلك يقف بيساريته عند ماركس فلا يتعداه إلى ما سميت بالماركسية اللينينية.

على الرغم من فكر الأب الليبرالي، إلا أن التقاليد كانت تحكم العائلة، والجادرجي لم يخرج من إطارها، كالتقيد بمواعيد الطعام على سبيل المثال. ويحكي في كتابه “صورة أب”، الذي أصدره أواسط الثمانينات من القرن الماضي، أن عدم الالتزام بالحضور إلى مائدة الطعام، في الوقت المحدد والجلوس حولها بانتظار الأب، ذنب لا يغتفر، ففي يوم من الأيام نال رفعت عقاب الأولاد وحسب عبارته ضربني “عجل”، وتكني كف باللهجة العراقية.

مستشار في الأوقاف
 عاد إلى بغداد بعد إكمال دراسة الهندسة المعمارية، ليفتح مع زملاء له مكتباً معمارياً، وقام بتصميم العديد من الدور والدوائر، والتي منها مازال شاخصاً وسط شارع الرشيد.

ما ليس على بال الجادرجي، البعيد عن الأجواء الدينية والتقاليد المرتبطة بها أن يكون مستشاراً وعاملاً في دائرة الأوقاف، وما يتعلق ذلك بمسح وإعادة إعمار المساجد وبنايات الأوقاف الأخرى، وكم كان، حينها، يصطدم بعبارة “أموال المسلمين”، وذلك حينما يريد رجال الدين أو موظفو الأوقاف إبعاد مشروع من المشاريع أو الاعتراض على إرساء مقاولة من المقاولات في التصميم والبناء.

ومرة أراد أحد المتنفذين إرساء المقاولة على مكتبه، فعمل المستحيل لأجل تحقيق ذلك، لكن الجادرجي مهندس الأوقاف لم يكن يرى المكتب أهلاً لتنفيذ المشروع، وكان اعتراضه مفصليا، ولكن لجنة الأوقاف والمتنفذين فيها مالوا إلى ذلك المكتب، وأصرّ الجادرجي على رأيه، ولما أسقط بيده، قال “لستُ مسؤولا عما سيحصل” واثبت ذلك في محضر.

إلا أن الخوف من العواقب جعل الأوقاف تخاطب نائب رئيس الوزراء في حينه أحمد مختار، وأقنعته بإرساء المقاولة خلاف ما يريده المهندس المسؤول، فاستدعي الجادرجي لرئاسة الوزراء ومقابلة مختار، وبالتالي سوف يفرض عليه الموافقة، ويُلغي رأيه، إلا أن نائب رئيس الوزراء كان يعرف حدود مسؤوليته، وما يتعلق بالمصلحة العليا قبل غيرها، ولم يكن من المرتشين ولا المنتظرين لنوال ما تأتي به العقود، بل لم يتجاسر أي كان لطرح مثل هذا الموضوع معه.

استعد الجادرجي للرد على ما سيطرحه عليه المسؤول الكبير، الذي يُريد حلّ الموضوع، لصالح المكتب الذي أقنع الأوقاف، والحجة أنه مكتب عراقي وصاحبه قد يتطاول بالقيل والقال، وخلق زوبعة ضد الأوقاف والحكومة، والتهمة بالرشوة كانت حينها أخطر التُهم. ولما فتح نائب رئيس الوزراء الموضوع معه وأعطى المبررات، أقنعه أن ذلك ليس سبباً، فقبل كل شيء معرفة قدرات هذا المكتب على التنفيذ، وانتهى الأمر بما أراده رفعت، وما أن أثيرت الزوبعة ضده حتى هدأت وانتهت.

النبيل خلف القضبان
 اعتقل الجادرجي في العام 1978، بتهمة أخذت من عمره نحو السنتين وراء قضبان سجن أبوغرْيب، كتب خلالها “الأخيضر والقصر البلوري”، والذي منه نقلنا القصة سابقة الذكر، تحدث فيه عن جدلية العمارة، ووصف الأبنية التي صممها وصممها زملاء له، مع أن مَن يلمح عنوان الكتاب سيظن أنه كتاب في الآثار أو الأبنية القديمة، لكنه في الحقيقة عن أعمال معمارية وفنية وتأثيراتها الاجتماعية.

عمارة التأمين الشهيرة التي دُمرت في معارك تحرير الموصل من داعش. خرابها خراب العراق بأسره
ارتبط اسمه بتصميم نصب الحرية، بعد ثورة 14 يوليو، والذي نحته الفنان العراقي البارز وقتذاك جواد سليم، وعندما اقترح البعض أن يكون رسم عبدالكريم قاسم ضمن تفاصيل النصب، أشار الجادرجي، ولعل الفكرة من والده، بأن هذا النصب يُراد له أن يبقى ضمن تُراث بغداد، وإذا وضعت الصورة في داخله فلا يُضمن بقاؤه، بمعنى أن الانقلابات السياسية لم تكن مستبعدة بعد النظام الملكي.

وبالفعل عندما جاء انقلاب العام 1963 وما بعده لم يُمس النصب بسوء، وظل حتى يومنها هذا يمثل وسط بغداد، وإن كان ليس بالأهمية السابقة، إلا أن ظله صار ملاذاً للتظاهرات والاحتجاجات بعد العام 2003 وحتى هذه الساعة، بعد أن كان مكاناً لتجمع التظاهرات المؤيدة في المناسبات إثر ثورة يوليو 1968.

الجمال والفن والعقل
اخترق الجادرجي التقاليد في حياة والده، عندما قرر هو وزوجته بلقيس شرارة الزواج بطريقة غير تقليدية. خطبة ثنائية وسفر إلى مصايف شمال العراق آنذاك، واتفقا، من تلك اللحظة أن لا ينجبا أولاداً، كانت هذه انعطافه صوفية في تفكير الجادرجي وفي موافقة زوجته عليها.

لا يخلو من وقفات احتجاج ضد الدين والتدين، التدين الذي يمارسه الناس بهذا الغلوّ المريع، فحسب ما يرى أن العقل لا يعلا عليه، وما الجمال إلا عطاء الطبيعة، والجمال لديه عمارة وفن وأسلوب حياة.

ربما كانت الردود على الجادرجي بخصوص تصميمه للعلم العراقي، بعد العام 2003 أكثر مما كتبه بخصوص الدين والعقل، وعلى حد اطلاعنا، فإن رجال الدين لم يفتحوا كتب الجادرجي بخصوص الجمال والفن والعقل كي يردوا عليها، لكن صورة تصميم العلم أثارت شجون البعض، على أن اللون الأزرق فيه يُحاكي لون العَلم الإسرائيلي. أما الجادرجي نفسه فيسأل: هل احتكرت إسرائيل اللون الأزرق، أو أنه تكون من أجلها.

فرأيه في التصميم أنه أراد إزاحة اللون الأحمر وطوي صفحة أعلام الماضي بهذا العلم، والعلم مجرد رمز، أوجده الإنسان كعلامة في الحرب، ليتميز الخصوم عن بعضهم بعضاً، وأن دجلة والفرات هما أبوا العراق واللون الأزرق لون مائهما.

كان مجلس الحكم قد طلب تصميم علم جديد، فصمم الجادرجي عدة أعلام اشتهر منها الذي أُنتقد عليه، فلم يأخذ، والكلام له، الموضوع على محمل السياسة، إنما أخذه من الناحية الفنية، وأن البلاد سواء كان فيها مجلس حكم عُين من قِبل الأميركيين أو غيرهم فلا بد من علم. لذا لم يكترث كثيراً للردود التي لم تفهم قصده. لكن الطامة الكبرى، والتي يسخر منها أن شقيقه الأصغر أصبح عضواً في مجلس الحُكم على أساس أنه من أسرة سُنية، وبالتالي فإن مَن يتحدث عن رفعت يتحدث عنه بهذه الصفة.

 أقام الجادرجي شطرا طويلا من حياته بعد بغداد في لندن، متخذاً من ناحية ريتشموند على نهر التايمز مستقراً لشيخوخته، وهو شارف الآن على التسعين، بعد أن أنهى ما يريد كتابته من سيرة وثقافة وأفكار، ونال جائزة الأغا خان بالعمارة، وجائزة الشيخ زايد على كتابه في “سببية وجدلية العمارة”.

 أما عن فترة اعتقاله فغطيت بكتابه مشترك مع زوجته بلقيس نشر تحت عنوان “بين ظلمتين”، لكن أفضل ما وثقت سيرة آل الجادرجي كأسرة وتقاليد هو كتاب زوجته أيضا “هكذا مرت الأيام”، وهو كتاب يحكي قصة أسرة بغدادية عريقة، تابعت المؤلفة فيه، وهي شاهدة عيان، مصائر شخوصها من الأب والأم إلى الأبناء والبنات وفلاح حديقة الدار وسائق العائلة.

غير متصل النوهدري

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 24150
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي

دول الجوار وانظمة عربية حاقدة على العراقيين
وهي معروفة للجميع ، لها يد طولى في بقاء
العراقيين ـ شعب متخلف ،
خدمة لمصالحها في المنطقة ! .