المحرر موضوع: أدوار المطاوعة في السعودية تعداها الزمن  (زيارة 1505 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31440
    • مشاهدة الملف الشخصي
أدوار المطاوعة في السعودية تعداها الزمن
الدولة السعودية في مفترق الطرق مع القوى الدينية الصحوية إلى الخلف أو مع القوى المتنورة ومع حركة العالم إلى الأمام.

أدوار خارج التاريخ
العرب/ عنكاوا كوم
الرياض – أطلقت المملكة العربية السعودية سلسلة من التغييرات والإصلاحات منذ الإعلان عن رؤية السعودية 2030، وسنت مجموعة من القوانين والقواعد الجديدة تقطع مع عدد من القوانين والأعراف، التي اعتمدتها البلاد على مدار عقود، والتي انتهت صلاحيتها ولم تعد تتوافق مع المتغيرات الداخلية والخارجية. ورغم أهمية كل منجز وكل خطوة تم اتخاذها، أو يجري العمل على تطبيقها، من توسيع دور المرأة في المجتمع والاقتصاد إلى عودة السينما والعروض الموسيقية والترفيهية والاهتمام بالشباب إلى الطموحات الاقتصادية الكبرى، يعتبر السعوديون أن التغيير الأبرز والأقوى والأكثر تأكيدا على جدية المسعى الإصلاحي في بلادهم هو تقييد دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقليص مدى صلاحيتها ودفعها إلى قلب دائرة المراجعة. وستتضح ملامح قدرة الهيئة على مواكبة الزمن خلال مؤتمرها الذي يعقد بعنوان “منهج السلف الصالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودور المملكة العربية السعودية في تعزيزه”.

أعلن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السّند، رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر في السعودية، والمعروفة بين السعوديين بالهيئة أو المطاوعة، عن موافقة الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود على عقد مؤتمر للهيئة تحت عنوان “منهج السلف الصالح في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودور المملكة في تعزيزه”.

يأتي ذلك في أجواء تراجع دور الهيئة، التي تحمّلها المجتمع السعودي، وعلى وجه الخصوص في المدن الكبرى، كشرطة دينية مستقلة عن وزارة الداخلية، وبعد تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز المُلك أصدر قرارا بتنحية الهيئة عن مباشرة المراقبة على المجتمع، وذلك في العام 2016.

كان هذا القرار تهيئة للتجديد الذي أعلن عنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قبل أن يتولى ولاية العهد، وخطط تنفيذ فعاليات ترفيهية كبرى، فلأول مرة يُعلن عن حفلات غنائية، وحضور مختلط من الرجال والنساء. كان القرار الذي حيّد دور الهيئة يقضي بحصر دور أفرادها على إبلاغ الشرطة إذا عثروا على مخالفات اجتماعية، وأن ينتهي دور (المطاوعة)، والاكتفاء فقط بالمسجلين رسميا لدى الهيئة.

يشبه دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحُسبة والمحتسبين، في تاريخ الدولة الرَّسمية، وعلى وجه الخصوص بما يتعلق بمراقبة الأسواق، لشأن أخلاقي واقتصادي؛ غير أن هذه الطريقة في مراقبة المجتمع لم تعد علامة حضارية. وفي الوقت الذي كانت فيه إيران، قبل الثورة الإسلامية، تنظر إلى المجتمعات التي تسودها رقابة الحُسبة الدينية، بأنها بلدان مازالت تعيش أجواء العصور الغابرة، وخارج التاريخ، فها هي إيران الدينية شرعت تأسيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا كانت مطاوعة السعودية يحملون العصي، فمطاوعة إيران مسلحون بالأسلحة النارية، وبينهم شرطيات يقمن بمهام مراقبة النساء، وأبرز موضوع يُراقب في إيران هو الالتزام بالحجاب من قِبل النساء.

انفتاح أكثر بعد تحجيم دور المطاوعة
هنا تأتي المفارقة بعودة إيران إلى الخلفة في ظل ثورتها الدينية وتقدم السعودية إلى الإمام في التخلص من تراث اشتد على المجتمع السعودي منذ 1979، ذلك العام الذي التقت فيه أحداث كبرى في المنطقة، أدت إلى ظهور الصحوة الدينية، وقويت خلالها شوكة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي: الثورة الإيرانية التي أنعشت الإسلام السياسي بشقيه السُّني والشيعي، وحركة جهيمان العتيبي وحرب الجهاد الديني في أفغانستان.

أكثر من مرة يعلنها الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، الشاب الطموح، للخلاص من تلك الحقبة، وبـ”العودة إلى ما قبل 1979”، ليعود المجتمع السعودي مجتمعا طبيعيا. وبالتأكيد لا يتم ذلك مع وجود “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تجول وتصول في الطرقات ودوائر الدولة. وما أكثر ما كانت تتصادم مع المجتمع الثقافي في أيام معارض الكتب في الرياض وجدة، وكذلك في مواسم مهرجان الجنادرية السنوي.

كانت حقبة الملك فهد بن عبدالعزيز حقبة قلقة وخطيرة، فحكمه الذي استمر أكثر من عشرين عاما (2005-1982)، تخللته حوادث جسام في المنطقة والسعودية، وكان أبرزها وجود المد الديني، وظهور الصحوة بقوة، التي مارست ما كانت جماعة جهيمان العتيبي تريد تطبيقه في المجتمع.

سايرت الدولة آنذاك تلك الصحوة بتنشيط الجانب الديني والإكثار من تشييد المساجد ودعم حرب الجهاد في أفغانستان، ثم جاءت حرب تحرير الكويت (1991)، التي تصاعد فيها المد الديني السياسي وتعاظم دور الحركة السرورية، الرافض للاستعانة بالقوات الأجنبية، مقابل السلفية التقليدية التي أفتت برخصة الاستعانة، اعتمادا على أن الرسول قد استعان في حربه ضد المشركين بكافر.

كل هذا فسح المجال واسعا أمام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتعاظم دورها، وفرض تدين المجتمع اعتمادا على دعم الصحويين، وجلهم من الإخوان السروريين، باستغلال سكوت السلطة.

كانت قضية سياقة المرأة فاصلة بالنسبة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان لهم دور في التصدي للنساء السبع والأربعين، اللواتي خرجن يقدن سياراتهن (6 نوفمبر 1990)، في وقت كانت فيه الهيئة في أوج قوتها، وإذا الدولة نفسها تُطفئ دورها، وتطلق للنساء حرية السياسة، بعد صدور قرار ملكي بهذا الخصوص.

ما يخص المملكة العربية السعودية لا يبدو وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طارئا، أو نتيجة لأزمة أو ثورة، مثلما هو الحال في إيران، والمدن التي سيطرت عليها الجماعات الدينية في العراق وسوريا، إنما كان وجودها بوجود المملكة نفسها، لذا يُعد أمر تحجيمها ومن ثم إلغاء المحتوم، وإطلاق الحرية الاجتماعية التي كانت تراقبها كوظيفة رئيسية لها، أمرا صعبا للغاية، بحاجة إلى سلطة قوية، فقد صارت الدولة السعودية في مفترق الطرق مع القوى الدينية الصحوية إلى الخلف أو مع القوى المتنورة ومع حركة العالم إلى الأمام.

السعوديون يعتبرون أن التغيير الأبرز والأقوى والأكثر تأكيدا على جدية المسعى الإصلاحي في بلادهم هو تقييد دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقليص مدى صلاحيتها

عانى الملك المؤسس عبدالعزيز بن سعود من جماعة الإخوان (إخوان من طاع الله)، وكانوا يمثلون عائقا أمام تأسيس الدولة. وانطلقت جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خارج الدولة، وعانى منها المجتمع النجدي والحجازي.

وكانت مدن الحجاز وفي مقدمتها جدة أو المتضررون من تلك الجماعات، لذا أشار حافظ وهبة، الشخصية المصرية المعروفة والذي عمل موظفا كبيرا مع الملك عبدالعزيز في الحجاز، وكان رصد تصرفات الإخوان وإيذاءهم للحجاج والمواطنين، إلى تقنين تلك الجماعات في إطار رسمي كي تسهل السيطرة عليها، فتحقق ذلك. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الهيئة رسمية، أي ضمن كيان الدولة تجول في الطرقات وتُذكر الناس بأوقات الصلاة، وتمنع التماس بين النساء والرجال، وتراقب ثياب المارة وحركاتهم وصفناتهم.

لكن قبل 1979 كانت الهيئة نفسها في وضع أقل كثيرا في تشددها منها بعد هذا التاريخ، ففي مدن سعودية توجد آنذاك صالات سينما، ويقدم التلفزيون والإذاعة أصواتا نسائية وغنائية وموسيقية، بلا اعتراض ملحوظ من الهيئة آنذاك، مع عدم نسيان الهجوم على بناية التلفزيون، الذي افتتح في منتصف الستينات من القرن الماضي في الرياض، وسط مواجهة بين الشباب المطاوعة الرافضين والشرطة السعودية، وقد قُتل حينها أحد الأمراء الشباب المتشددين.

خلال شهور عقبت تجميد دور الهيئة شعر السعوديون، وعلى وجه الخصوص النساء بزوال الرقيب عليهم في الطرقات والأسواق، من أصحاب (المشالح) والغتر على الرؤوس، وكانوا يتحركون مجموعات مجموعات في سياراتهم وسيرا على الأقدام، تجدهم في كل مكان. وأول المستفيدات من هذا الإجراء الملكي هنَّ النساء، حيث كان جانب كبير من الاضطهاد يقع على رؤوسهنّ.

تصور ثقل المراقبة عندما يُطلب من زوج وزوجته أن يحملا معهما عقد الزواج، وزيادة على ذلك، يدقق في التحقيق بينهما، ويُسألان عن لون أثاث الدار، والأشياء التي تحويها ثلاجتهما في البيت، لتأكيد زواجهما، وإلا فإن العقوبة تنتظرهما.

سيعقد مؤتمر للهيئة، وحسب ما تناقلته الصحف السعودية، أنها طلبت نيل موافقة الملك، وقد تم ذلك. لكن السؤال: هل هذا المؤتمر هو إعلان عن نهاية دور هذه المؤسسة الدينية رسميا؟ بعد أن قررت الدولة الاستغناء عنها، لأنها غدت تُذكر بأفعال إخوان من طاع الله في العشرينات من القرن الماضي، حتى أن أحد الكُتاب السعوديين، كتب في صحيفة الجزيرة السعودية، بضرورة الحاجة لـ“سبلة” ثانية، من المعلوم أن سبلة الأولى (1930-1929) تلك المعركة الفاصلة التي خاض غمارها الملك المؤسس ضد إخوان من طاع الله، وهذه الثانية لمواجهة آثار الصحوة الدينية، وإحدى علاماتها نشاط هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي لا تقبلها المرحلة بشكل من الأشكال.