المحرر موضوع: العصفورة مضللة الراعي  (زيارة 1803 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل شمعون كوسا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 200
    • مشاهدة الملف الشخصي
العصفورة مضللة الراعي
« في: 00:03 26/02/2018 »
العصفورة مضللة الراعي
شمعون كوسا

في ظهيرة احد هذه الايام الاخيرة ، لمحتُ عصفورة صغيرة جميلة استرعت انتباهي بصورة خاصة لأن رؤياها اعادني الى سنِيّ صباي . كنا نسمي هذه العصفورة بـ (خادعة الراعي). انها عصفورة صغيرة الحجم ، رشيقة ، تتحرك بسرعة ولمسافات قصيرة ، ثم تتوقف وتستأنف عَدْوَها من جديد. كان يطلِق عليها الناس في ذلك الزمان باللغة الكردية اسم  (شوان طرّين) الذي يعني مضللة الراعي لأنها كانت تتحايل على  الراعي وتبعده عن قطيعه . لم أشأ إضاعة فرصة تواجد هذا الضيف العزيز دون التمتع بلقائه.  فتحركتُ مع أول حركة للعصفورة، كانت تطير قليلا، وتقفز، ومن ثمّ تتوقف. عند توّجهي نحوها ، كانت تلجأ الى المراوغة والتمويه  ، تتوقف وكأنها قررت عدم التحرك ، وحال دنوّي منها تستأنف نفس حركاتها ،  كانت تبدو وكأنها  دليلي في موقع سياحي ، حريصة جدا على عدم الابتعاد عني ، او موظف تشريفات يتقدمني بخطى بطيئة ليقودني الى موعد مهم .
لقد اعجبتُ بها كثيرا وتابعتها بحماس وانشراح ، كانت تقودني بخطى قصيرة ،  تسير قُدُماً ، وتنعطف من  اتجاه الى أتجاه ، وتدخل فرعاً لتخرج من آخر. بقيتُ سائرا  وراءَها على هذا المنوال لمدة ساعة كاملة. لم أملّ ولم أحسّ بتعب لأني كنت منشغلا بها  ومولعا بملاحقتها ، الى ان أفضت بيّ الى بقعة منقطعة تماما  ، خالية من أية علامة أو مؤشر يدلّني  على الموضع الذي انا فيه . كان هذا دَورُ العصفورة الخادعة المضللة، سير يطول كثيرا، ومنعطفات تزداد وتتنوع. 
في خضمّ حماسي هذا ، رفعتُ رأسي قليلا فوجدتُني وسط  بقعة  لم تتقاطع اي زاوية منها مع معلوماتي الجغرافية . لم اترك القلق يسيطر عليُ ، قررت ايقاف سيري لاتخاذ قسط من الراحة ، فاخترت شجرة قريبة من هناك مُتّكاً استند اليه ، وكان المتّكأ شجرةَ صفصافٍ باكٍ . حال جلوسي  تخيلت الشجرة وقد ازداد نحيبها ، لم اعرف هل كانت الشجرة ، هي ايضاً بدورها ، ضحية هذه العصفورة في احد ايام حياتها ، أم انها  خُلقت باكية ولا سبيل لجبر خاطرها  وتقويم اغصانها المتدلية  حزناً !!. 
قلت في نفسي ، بما اني قد اضعت طريقي ، في هذا المكان الهادئ جدا ، لماذا لا أخلد الى القليل من التفكير لا سميا  وانّي كنت توّاقا لذلك منذ اشهر . فبدأت استعرض الحياة ، وعندما أقول الحياة ، اعني بها الانسان لأنه  لا وجود للحياة دون الانسان . والحياة هي عقل واحساس وتصرف ، وهي تعامل الانسان مع المصاعب ، وسلوكه  مع الغير ، وردود افعاله ازاء كل طارئ. إنه موضوع بسيط في عنوانه ، غير انه كان الشغل الشاغل منذ الازل ، لله أولا ، ومن بعده  للأنبياء والرسل ، ومن بعدهم للفلاسفة والمفكرين والكتّاب والمصلحين وغيرهم. كان الهدف دوما محاولة الفرز بين  نزعتي الخير والشر ،  وانماء نزعة الخير الفطرية الموجودة  داخل الانسان وتغليبها على قابلية الجنوح السهل نحو الشر ، كي يغدوَ الخيرُ معيارا يعود اليه الانسان في كل ما يقوم به .
استعرضتُ الايام  المظلمة التي مررنا به ، ولا زلنا لحدّ الان نحلم  بشمس  قوية تُنسينا ذاك الليل الطويل وتزيل آثاره .  وفكرت أيضا بشؤون الساعة والحروب والتجاوزات التي ما برحت  أمم اخرى ترزح تحت نيرها . أليست كل هذه من صنع الانسان ؟ أليست نتيجة تعنّت مجموعةٍ من الاشخاص او لربما شخص واحد فقط أحياناً ؟  أليست انانية الانسان هي التي تقود الى عذاب وموت الالاف من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب ؟
وعندما ارى جليّاً ، بأنه مجرد تغيير بسيط  في التفكير والارادة ، كافيان لقلب المعادلة . وعندما ارى متسقناً بان القليل من نكران الذات والابتعاد عن  الانانية ، والتسلح باستعداد معنوي حازم ، من شأنه  وضعَ حدّ للويلات  وإراحة المعذبين ، وزرع المحبة والسلام داخل نفس الشخص ذاته ،  والناس المجاورين له ، وكافة مواطني بلده ،  وفي العالم اجمع . انا أرى بأنه استعداد نفسي محض ،  سهل جدا بحدّ ذاته ، لأنه لا يكلف لا مالا ،  ولا عتادا ، ولا قوّات ، باستثناء قدر من الارادة . كم كانت تغدو الحياة جميلة  والعالم هادئا وهانئا ،  لو كان كل انسان يتخذ هذا القرار المعنوي. لو كان كل شخص يحبّ ويسامح ويعفو، لكنّا نبدأ نهارنا  كلّ يوم بجار يبتسم ، ونلتقي الناس  والسعادة سيماء كل وجه بينهم .  أليس حقاً هذا الشيء البسيط ، وبكل بساطة أقولها ، هو سرّ نهاية المشاكل بين الناس وحلّ جذري لكافة  الخلافات والخصومات والحروب بين الدول ؟
وانا في خضمّ تفكيري هذا، عُدتُ الى رشدي قليلا وقلت ، اشكر الله بانه لم يسمعني احد ، وأحمده لأني كنتُ في خلوة مع نفسي ولم ارفع صوتي ولم اكتب الكلام ، وإلا لكنت اصبحتُ هدفا لسهام الكثيرين  الذين كانوا سيقذفونني بحجارة ويقولون وبازدراء :  ألا يكفينا ما نسمعه من ارشاد ونصح وتوجيهات ووصايا ، كي يأتي هذا المتفلسف الجديد  ويعظَ علينا بما سمعناه لملايين المرات ؟ ألا يعي هذا الاخ باننا  لو اقتنعنا بكلامه ، سنخسر كل شيء وسوف تتضرر  مصالحنا ؟ وهل تفكيره البسيط هذا سيعوضنا بشيء ، نحن الذين لم نعتد على التعويض !! ؟ 
لم أنتبه للوقت الذي امضيتُه في تأملي ، ولكني ولحسن الحظ ، كنت يقظا عند عودة نفس عصفورتي ومرورها امامي . تنفست الصعداء لقدومها، وحملت نفسي للحال وتبعتها. كانت العصفورة معتقدةً بانها ستضللني من جديد ، ولكني احسست بالاطمئنان عندما رأيتها تسلك طريق العودة . تبعتها بنفس شغفي الاول ، كانت تقفز وتطير قليلا وتتوقف وتغير مسارها ، الى ان ابصرت من بعيد الشارع الذي يقود الى دارنا ، فودعتها بالرغم من دعوتها الملحّة لي بملاحقتها وإشباع رغبتها في مزيد من الخداع والمراوغة .
هكذا اذن انخدعت من قبل العصفورة المضللة ، وخدعتُ أنا نفسي بالخوض في خواطر كافرة، لو كانت انقلبت  كلاماً وظهرت للعيان ، لكانت قد كلفتني حياتي . 


غير متصل زيد ميشو

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #1 في: 06:48 26/02/2018 »
الأستاذ المحترم شمعون كوسا
لماذا عدت!!؟؟ كانت فرصة رائعة وأضعتها...وفرص مراجعة الذات نادرة او مفقودة عند الكثيرين
بكل الأحوال ... رحلة حلوة وممتعة ومهمة، حتماً ستكرر وطالما نجحت وستنجح
فالحياة (الأنسان) مليئة بالرحلات، وصعوبتها بالرضوخ إلى إغراء العودة
كنت قد كتبت خاطرة بنفس الفكرة لكنها لا ترتقي إلى اسلوبك ومادتك، حاولت ان أرفقها مع الرد ولم اتمكن كونها على ملف بي دي اف ونسحة أخرى صورة.
إحترامي ...ولا تبخل علينا بنتاجاتك الأدبية من هذا النوع وباستمرار

مشكلة المشاكل بـ ... مسؤول فاسد .. ومدافع عنه
والخلل...كل الخلل يظهر جلياً بطبعة قدم على الظهور المنحنية

غير متصل زيد ميشو

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 3454
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #2 في: 06:49 26/02/2018 »
يبدو انني نجحت برفق الصورة ولم أكن اعرف
مشكلة المشاكل بـ ... مسؤول فاسد .. ومدافع عنه
والخلل...كل الخلل يظهر جلياً بطبعة قدم على الظهور المنحنية

غير متصل سامي ديشو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 941
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #3 في: 14:07 26/02/2018 »
الاخ شمعون كوسا المحترم

قصة شيّقة للتأمل في الحياة ومغزاها. تبدو فيها العصفورة مضللة، لكنها بالحقيقة مرشدة ودليلة للإنسان، المخلوق الأسمى.

من السهولة جداً ان نربّي الحيوان الأليف، غير العاقل، فيُطيعنا دون تذمر ولا عنتكة، والاهم: لا يمانع ولا يعارض ما نطلبه منه اطلاقا. لكن من الصعب ان تقود الانسان العاقل دائماً نحو الافضل ، او التفكير بالافضل لخير البشرية، كما أوضحتَ في بطن مقالتك. وهنا تكمن المشكلة.، على عكس العصفورة، مضللة الراعي، لكنها بالحقيقة مرشدة الانسان. تقبّل تحياتي

سامي ديشو- استراليا


غير متصل افسر بابكة حنا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 495
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #4 في: 22:21 26/02/2018 »
الاخ العزيز شمعون المحترم
تحية وتقدير
مضللة الراعي جعلتك تتأمل وتفكر وقادتك الى ابعد الحدود فتأملت بالخير والشر
وتطرقت الى نرجسية الانسان ولولا هذه الصفة القبيحة  اَي الانانية لما كانت كل هذه
الكوارث و المصاعب  لكنها اخي الفاضل انها فلسفة الحياة لولا الشر لما كان الخير
لكن على المرء ان يتقبل الصالح و الطالح معا كي تستمر الحياة  وتستمر معها تاملاتك
الجميلة
تحياتي

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #5 في: 23:09 26/02/2018 »
اخي زيد ميشو

اشكرك لمداخلتك التي اعتز بها ، كوني اعرف ما يعتلج في داخلك . لقد عدت انا من خلوتي لان العصفورة عادت بسرعة وقطعت علي افكارا زرعت الطمأنينة في قلبي ولكن صعب الافصاح بها في هذا العصر الذي يزدري بقيم المحبة والتسامح والعفو ونكران الذات ، التي هي المفتاح لكي يعيش العالم بامن وسلام . كلام بسيط وصحيح جدا ، ولكن لا يجب تكراره كثيرا لانه يضر بمصالح من بيدهم القوة . رأيتُ صورة مقالك رحلة مع الذات ورحلتك القطارية . اشكرك وانا ايضا اقول لك الى امام في كتاباتك وفقك الله

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #6 في: 11:50 27/02/2018 »
الاخ سامي ديشو
اشكرك على اطلالتك واؤيد كلامك تماما . العصفورة جبلت اصلا لكي تقفز وتتوقف وتطير وتتوقف من جديدوهذه الحركات من شأنها اسعاد الشاهد اما اذا هو انخدع وسار وراءها مهملا واجباته فهذا يعزى الى عدم مسؤوليته . الطير يتصرف كما برمجته الطبيعة اما الانسان فانه يجنح للشر بارادته ، يعرف تماما اين هو الخير ، ولكن الاسهل هو اهماله ، او تجنبه لانه يمس بمكاسبه والى آخره . اشكرك وارجو ان تكون بصحة جيدة

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #7 في: 11:57 27/02/2018 »
اخي افسر
ان كلامك اذا اخذناه بصورة عامة هو صحيح لان الخير والشر وجدا منذ الازل ، ولكن اليس الاجدر بالانسان ان يحاول ولو بجهود ، او بحرمان او نكران ذات ان يختار الخير لا سيما في مواقف عصيبة تجنب الناس الويلات ، باعتقادي هناك الكثير من الحالات يصر الشخص على اختيار موقف عدائي في حين كان يستطيع بقليل من حسن النية ان يختار مايصالح ويوفق . ولكن الكلام بهذا المجال لا بد منه على الاقل للتذكير ، لان الانسان فعلا لم يتغير كثيرا . اشكرك يا شاعرنا العزيز

غير متصل albert masho

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2017
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #8 في: 21:59 27/02/2018 »
الاخ العزيز شمعون : من الجميل ان نتبع عصفور وهو يعزف لحن الحب وان نقوم برحلة في الطبيعة نتأمل عظمة الخالق والابداع الجميل الذي خلق من اجلنا وان نشعر بيد الحب والحنان والسلام التي ترفعنا فوق الصعاب وتعبر بنا الى حيث مكان الراحة مع الله . ليس هناك الكثير من الذين يبحثون عن هذه الامور لان الكثير من الناس تبحث عن المال الذي يعتقد انه المصباح السحري لتحقيق كل الاماني . تقبل محبتي .

غير متصل شمعون كوسـا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 219
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رد: العصفورة مضللة الراعي
« رد #9 في: 11:55 28/02/2018 »
الاخ البير ماشو

لقد صدقت ، ما اجمل العصافير والطيور باشكالها المختلفة ، التي تشنف آذاننا والتي تكحل عيوننا بالوانها والتي تأخذنا نحلق معها في الجو . حتى هذه العصفورة التي سميناها مضللة ، كم هي جميلة بسيرها وقفزها وحجمها الصغير المحبوب ، اصلا هي مخلوقة هكذا ولكن الانسان ينجر وراءها فينسى نفسه ويتهم العصفورة. هذه الطبيعة الجميلة تدعونا الى التفكير وتنقية الضمير والابتعاد عن ترهات الدنيا ، ولكن هيهات ، كما قلت انت ، والحديث يطول . اشكرك على مصاحبتك لي في نزهة العصفورة