المحرر موضوع: حامد فاضل وبلدة في علبة(3)  (زيارة 1366 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حامد فاضل وبلدة في علبة(3)
« في: 21:25 28/02/2018 »
هاتف بشبوش، شاعر و ناقد (عراق/دنمارك)


حامد فاضل وبلدة في علبة(3)


 

الرواية تحدثنا عن السينما وكيف كانت السماوة أنذاك حيث تمتلك صالتين للعرض شتوية وصيفية تعرض فيها اجمل افلام الزمن الجميل ، شارلي شابلن ، عنترة بن شداد العبسي ثم افلام الكاو بوي حيث الفتية كانوا يمثلون الادوار ومسدساتهم من عظام فكوك الخراف .
بينما اليوم يتحسر السماويون على صالة سينما بسيطة لرؤيا ما يدور في العالم من أفلام وثقافة عالمية ناطقة ومصورة .
تدور بنا الكاميرا الروائية الى مقهى النقائض.. ( مقهى عبود ، الرجل العجوز القادم من الحلة هو وزوجته زهرة الحلاوية ، زهرة لم يبق الدهر لها من شذى ، لا تّرى عادة وحدها دون كلبها فوزي، الكلب القزم، فهو إما يتبعها وهي تدب في دروب القشلة أو يسبقها نحو المقهى.
اليوم يعتبر الكلب من المقتنيات الضرورية في عالم الغرب لدى المرأة والرجل على حد سواء أما نحن فمنذ ذلك الوقت يعتبر الكلب من المحرمات نظرا لنجاسته ولذلك نجده عند الأعراب فقط الذين هم أساسا مصنفون مع الكفر في الأعراف والتقاليد الاجتماعية والدينية . فلو قورنت زهرة الحلاوية وهي تسير مع كلبها الأبيض فوزي وبين ( هانا) الدنماركية التي تسير ايضا مع كلبها (بوب) لوجدنا شتان فرق ، فزهرة ينظر لها المجتمع بالمستوى الدوني أما ( هانا) فهي تقف أمام متجر لبيع السجاد بكامل أناقتها فتطلب من صاحب الدكان أن يجد لها سجادة بلون كلبها المرقط وهذه حصلت أمامي أنا كاتب المقال مما دعاني أن اكتب نصا بعنوان ( سجادة بلون الكلب) لأن الموضوع أذهلني لما فيه من احترام للكلب هذا الحيوان المحتقر في بلادي وفي عموم الشرق قاطبة.
مقهى النقائض عامرة بمن يرتادوها من الخمارة والأدباء والسياسيين والعربجية ، وهناك صانع الوشم حسين كسكين ، الوشم هذا يعتبر سابقا للشقاوات فمنهم من يرسم العقرب ومنهم من يكتب ابتعد عني أمتار وهكذا. لكن الوشم اليوم فهو عالم (التاتوو) في الغرب والذي يعتبر من الكماليات الغالية في أجرها ، يعملوه للجمالية والإثارة والإغراء رجالا ونساء . فمنهنّ من توشم في منطقة الفرج أو العجيزة او على الصدر والزيق فيبدو في غاية العجب .

الحب وعالم المرأة في الرواية :

الجزء الجميل في أغلب الروايات هو الحب والتراجيديا أو الكوميديا التي تتمخض من خلاله. لابد لأي روائي أن يذكر هذه العلاقة القلبية والجسدية في روايته ، أجمل الروايات العالمية بدون هذه العلاقة تكاد تكون خافتة ينقصها شيء فلا يمكن أن تكتمل جماليات السرد بدون المرور على الجانب الروحي والكشف عن سر المكامن الحقيقية لتواجد الرجل في عالم المرأة وبالعكس . فنرى حامد فاضل كيف يصف بطل الرواية حين تلتقيه إحدى بنات الجيران في زقاقه وعلى الطريقة الرومانسية الهندية القديمة فتدس في يده ورقة مكتوب فيها تعابير الحب والإعجاب بينما هو يقف في ناصية الشارع كجنتلمان أو فتىً غراّ غرير . وفي مرة أخرى يأخذ عهدا من فتاته في أن تعطيه قبلة ، فلو نتصور ماذا تعني القبلة في ذلك الزمن الحرماني والمكبوت فإنها مثل الصاعقة تسري في البدن فتجلس المراهق على الفور . لكن فتاته تريد منه مصروفه اليومي الذي يعطيه له والده مقابل القبلة ، فيصادف أنه في ذلك اليوم يريد ان يرى بهذا المصروف فلم سبارتكوس الذي شاهد إعلانه عن طريق حامل الإعلانات الجوال في المدينة قاسم الأحدب . سبارتكوس هذا الفلم له قصة تاريخية في كيفية إخراجه وانتاجه وكتابته . فكان الممثل القدير كيرك دوغلاس الذي لازال يعيش حتى اليوم لعمره الذي قارب المائة واثنين عام ، قد تعاقد مع الكاتب الشيوعي أنذاك ( ترومبو )Trumbo الخارج من السجن توا والممنوع من الكتابة فكان يكتب باسم مزور لخوفه من البطش أنذاك فكانت أمريكا أسوا بلدان العالم في التعامل مع الشيوعيين ، فإما تنفيهم أو تقتلهم في الحال مثلما قتلت العظيم جون لينون مؤسس فرقة البيتلز للموسيقى والغناء . لكن كيرك دوغلاس أصر على ترومبو أن يكتب سيناريو فلم سبارتكوس باسمه وهذا ما تم بالفعل . وفي عام 2015 تم أعادة الاعتبار لترومبو بعد مماته بسنين طوال كأعظم كاتب سيناريو للقرن العشرين في أمريكا وتم الاحتفاء به ومثلت حياته بفلمٍ حمل اسمه .
ولذلك سبارتكوس هذا الفلم الجميل أدى ببطل روايتنا هذه أن يفضل رؤياه في السينما بمصروفه اليومي على قبلة الفتاة حبيبته التي تتزوج فيما بعد في الكويت ولم يرها بعد ذلك طيلة حياته . نرى هنا حتى في طفولتنا البريئة نريد ان نبادل القبل بالنقود بينما شعوب الأرض المتحضرة تقبّل بعضها في الشوارع العامة المكتظة بالسكان حتى نستطيع أنْ نرى القُبلَ الطّويلة و العناقَ الشّديد و الضمّ الخفيف و لعقَ اللّسانِ المثير ، إنّهم يفعلونها أكثر حميميّة في الشّوارعِ المكتظّة بعابري السّبيل أ و الحاسدين مثلي أنا .
فيظل الفتى المسكين بطل الرواية هنا بحسرته على القبلة التي لم ينلها من حبيبته ويبقى كذاك الذي ينشدُ قهرا دفيناً :


في ذلك الوطنِ القاحلِ
عليكَ يا صاحبي
أنْ تُضاجعَ العجولَ و الحميرَ
إنْ لمْ تُضاجعْ إحداهنّ
من اللّواتي
يمرقنَ في حياتكَ كالرّمح
أو من اللّواتي
أحببتهنّ بشدّة عنيفة !!!

ـــــــــــــــــــــــــــــ
فوتو غراف آخر من علبة حامد يحدثنا عن القطارات القادمة من البصرة وبغداد حيث تلتقي في السماوة وهناك تتم معاكسة البنات من قبل الشبان ثم التخيّل والمباصرة والإستمناء . وهنا استوقفتني كلمة الإستمناء لما فيها من تعذيب نفسي على الشرقي المكبوت والمحروم من أبسط لذائذ المرأة والجنس والحب بشكل عام . هذا الجنس الذي خلقه الرب لكي نتناسل أو نشبع غريزة لا تهدأ حتى في شيخوختها ولذلك راح الغرب ينفتحون على إباحية الجنس كي يبقى العقل حرا مبدعا وبالفعل وصلوا الى ما يريدوه من تطور. أما نحن فبقينا أسيرين تحت قيد هذه الشهوة واستمنائها التي لاتفارق معظم شباب الشرق فأستطيع القول على لسان أحدهم بهذا الشأن :

زمان...
لمّا كُنتُ في العشرين
كُلّما دخلتُ لأستحمّ
و أقفلتُ البابَ بالرتاجِ
يصدحُ اللا يكلّ ما بينَ السّاقيْنِ
و ينفلتْ
قيامًا و احمرارًا لذكراها...
المرأة في بلادي عصيّة المنال و لذا يستوجبُ الأمرُ الإتيان بإبليس كيْ يستمني الفتى المسكين من هذه الشعوب الضاربة في الكبت على شفاهٍ و أثداءٍ و سيقانٍ لا مرئيّة .
أما فريدريكو فلليني المخرج الإيطالي الشهير الذي عاصر في مراهقته فترة إيطاليا المحافظة في مجال العلاقة بين المرأة والرجل في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم، فيقول كنا نتعرّى وننظر في المرآة الى أجسادنا كي نستمني على أنفسنا.
أما صديقي الذي قضى شوطا كبيرا في الحرمان الجنسي إسوة بأغلب رجال الشرق فكان لا يفكر الاّ بأسفله حتى قال ذات يوم:

لكثرةِ حرماني جنسيًّا في السماوة
أصبحتُ لا أطيقُ مِنْ جمالاتِ هذا الكونِ
غير عضو امرأة وقبر


كلمة أخيرة بحق الرواية والروائي حامد فاضل:

ما لاحظته من خلال الرواية من أنها بدأت صفحاتها الأولى برائحة الحرب والجوع وانتهت صفحاتها الأخيرة بالحرب والجوع أيضا هذا يعني من انّ الروائي حامد أراد إيصال رسالة مفادها أن السماوة سليلة الوركاء تعكس الواقع العراقي بشكل عام لهذا البلد الذي لم يستقر حتى الآن فمنذ القدم جوع وهلاك ، انتكاسات وانتصارات في معارك الزمن السحيق للسومريين والبابليين والعباسيين والأمويين ثم العصملية والإنكليز وبطولات للرجال على غرار شعلان ابو الجون قائد ثورة العشرين التي انتهت آخر معاركها على جسر السوير في السماوة.
ولكن لو اردنا المفاضلة بين هذا العصر الحالي المدمر لبني جنسه والدهور السحيقة الماضية فانّ الأخيرة أفضل بكثير . على الأقل كان هناك مجلس الآلهة السماوي وما يعرف ( الأنانوكي) في الأساطير السومرية الذي رعى شؤون شعب سومر ومنحه المعارف والعلوم والمهن والتعاليم كلها .
وما استوقفني كثيرا في الرواية هو السرد الخلاّب الحزين والمبكي الذي اختزل اهم رسالة أراد لها الروائي حامد أن تصل الى القارئ عن طبيعة العراق الدموية والعنيفة من خلال مدينة السماوة .
فلنقرأ هذه الأسطر في الصفحات الأخيرة من الرواية على لسان أحد المشايخ والذي يقول:
(اربعة قرون من الوجوه ، الأقنعة ، العمائم ، السدارات ، الطرابيش ، السراويل ، الخوذ ، الأجساد ، الجلود ، الجلد ، الخنق ، الجوع ، العري ، الاغتراب ، الوباء ، الفيضان ، القتل ، الموت ، هذا يعني أن الأنسان أخطر وحش على هذه الأرض ، أتدري أن الأنسان المقتدر على تدجين الوحوش يعجز عن تدجين النفس الأمارة بالسوء . )
من خلال هذا السرد أستطيع أن أنقل للقارئ من انّه حتى عندما جاء الإسلام يُفترض أن يكون رحيما ناهياً لكل أشكال العنف والقتل لكنه للأسف أهواء السلطة ومغرياتها جعل أول تطهيرعرقي ومذهبي في تأريخ الجزيرة العربية كان على يهود بني قريضة وقينقاع فتم قتلهم بشكل جماعي فكانت أول مقبرة جماعية في ذلك الزمن . وحتى بالنسبة للمسيح وانطلاقا من المقولة الشائعة ( لا يجتمع دينان في أرض العرب) تم تصفيتهم أو تهجيرهم القسري ولذلك لم نرى أي مسيحي في أرض الحجاز . تأريخ حافل بالمقابر الجماعية كان آخرها في بادية السماوة حيث المقبرة الجماعية للكرد التي اكتشفت بعد سقوط البعث .
أما الجانب ألاخر فأن حامد كان محدثا واضحا مع ما هو جديد يتوافق وروح العصر انطلاقاً من موسومية الرواية وإنتاجه سردا مختلفا على أكثر من مستوى ، ثم تبنيه المقولة التي مفادها( الإبداع ليس نقل حرفي لما هو موجود في الطبيعة بل يجب الإتيان بما هو خارج المألوف) وهذه هي الحداثة التي جعلت من تنقلات حامد المختلفة في أكثر من محور أن تكون جنسا أدبيا مستقلا يختلف كثيرا عما يكتبه الآخرون .