المحرر موضوع: من حكايات جدتي ... التاسعة والستين الملك والسجادة  (زيارة 1052 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل بدري نوئيل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 136
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من حكايات جدتي ... التاسعة والستين
الملك والسجادة
بدري نوئيل يوسف
حدثتنا جدتي: كان لجدي صديق يعمل نقار للحجر، وهذه مهنة حرفية تحتاج إلى عضلات وقوة لقطع وحفر الحجر والنقش عليه، قبل ظهور الالات الحديثة، كان هذا الصديق الاخ الرابع لسبعة أخوة، وكانت امه كلما  طبخت دجاجة تضعها أمام حماتها وهي الجدة له. بدورها الجدة هي مسئولة عن توزيع الدجاجة، لأنها حقانية و تخاف الله وقد ذهبت للحج مرتين و اربع مرات للعمرة، وملتزمة بالصلاة في كل أوقاتها .
المهم  تأخذ الجدة الدجاجة وتغطيها بالخبز حتى لا يراها الاخوة، وكانت تأخذ رغيف خبز وتملئه خضروات وتمد يدها للدجاجة وتثلم قطعة من الجلد وتلفها بالرغيف، وتكبره بالخضروات من خيار وطماطم وبصل حتى تكبر اللفه، وتعطي لكل واحد من الاخوة، وتقول ابتعد عن اخوانك حتى لا يعرفوا ماذا تحوي اللفة، ولا تسمح لإخوانك يرون ما بداخلها، وكان كل اخ ينحشر في زاوية وحده ويأكل لفته، وتبقى الجدة وحدها تأكل الدجاجة كلها الى أن ماتت الجدة عرفوا الاخوة  ان الدجاجه تحوي على افخاذ وصدر وأجنحة، وأمهم تخاف تحكي لان زوجها يسمع كلام أمه، الرحمة على جدته التي كانت تضحك على الاخوة بالجلد أي (تقشمرهم).
رباطة السالفة ان صديق جدي كان يعمل باجرة يومية ويستلم الاسبوعية كل يوم خميس، لكن رب العمل كان يؤخر دفع الاجرة الاسبوعية بحجة أنه مسافر، أو ما عنده سيولة نقدية، ويقول لهم ان شاء الله الاسبوع القادم، وتمر اسابيع ولم يستلم أي نقار الاجرة وتضيع عليهم اجرة كم اسبوع مطلوب رب العمل دفعها، ومرات لم يستلموا لان الحسبة تاهت وضاع دفتر الميزانية، والله في عون النقارين، وكان صديق جدتي يقول الله يرحمك جدتي كنتِ مقشمرينا بالجلد، أنتِ ارحم من رب العمل الذي ضيع دفتر الميزانية وضاعت أجورنا (أي رواتبهم وكان الله في عون الذين لم يستلموا اجرتهم لحد الان).
في هذا المساء سألنا جدتي لماذا شاكر جارنا تزوج عدة مرات,
أجابت جدتي: جارنا شاكر موظف في دائرة البرق البريد وشغله يرسل برقيات اكثرها تعازي وربما بعض البرقيات تحمل تهاني بمناسبة زواج او تخرج من الجامعة، ميسور الحال يملك سيارة موسكوفيج موديل تسعة وستين تزوج ابنة عمه وهي مدرسة في إحدى مدارس للبنات، وكان دائما يوصلها للمدرسة وعندما يصل أمام باب المدرسة ينزل مباشرة ويفتح باب السيارة حتى تنزل زوجته، وأصبحت حديث المدرسة بأكملها بأن زوج المٌدرسة الفلانية رجل رومانسي لطيف يتعامل مع النساء بلطف واحترام، ودائما يفتح لزوجته باب السيارة، وكانت المدرسات يَغُرْنَ منها ويعلقن ما هذه الرومانسية وما هذا الاحترام، هنيئا لكِ بهذا الزوج الرومانسي ويا ليتنا لنا زوج مثل زوجك، بل حتى الطالبات يَغُرْنَ منها، والجميع لا يعلم بأن باب السيارة معطل ولا يفتح إلا من الخارج، والزجاج ايضا لا ينزل. المهم وربط السالفة ... الان شاكر متزوج من ثلاث مدرسات وطالبة، وهذا الباب العاطل أصبح مصدر رزق له لان اصبح يستلم ثلاثة رواتب مع راتبه ، الله يرزقه.
نعود لحكايتنا الاسبوعية
وأخيرا قرر الملك ان يتزوج، ونادى قائد الشرطة بأن يجمع بنات المملكة اللواتي لم يتزوجن بعد، حتى يختار منهن واحدة، وعلى ان تكون من أصل طيب ومعروف. فأحضر قائد الشرطة في اليوم التالي فتيات المملكة اللاتي يرغبن بالزواج من الملك سأله الملك:
ـ هل احضرتهن جميعاً؟
أجاب قائد الشرطة: نعم يا مولاي! احضرتهم جميعاً، ولكن إلا واحدة منهن، رفضت الزواج منك، وهي ابنة (حايك السجاد) برغم التهديد لها فأبت المجيء مع الفتيات. فأمر الملك بأن يَأْتَى بها بالقوة، وبالفعل حضرت ووقفت امام الملك فسألها: لماذا لا تريدين الزواج مني؟ وأنتِ تعرفين انك ستكونين اميرة القصر إذا تزوجت منكِ، والكل سيكونون في خدمتك، أجابت اني ارغب بالزواج من رجل له صنعة تحميه من العوز والمستقبل الغامض، واني لأراك يا ملك في أي لحظة يثور الشعب عليك وتصبح لا شيء ولا صنعة ولا مهنة، تعينك مستقبلاً. قال الملك اني املك كل شيء .قالت اني ارغب الزواج منك بشرط!
أن تتعلم مهنة او صنعة، قال لها أي صنعة اتعلمها، قالت له صناعة البسط والسجاد، فخضع الملك لشرطها وطلب منها أن تعلمه المهنة، بعد سنتين مرت علمته صناعة السجاد حتى اتقنها وكأنه قد مارسها من زمن بعيد حتى نسى نفسه انه ملك في ادارة المملكة وبعدها تزوج من بنت الحايك.
مرت الايام وإذا بالملك احب ان يتجول بين مدن المملكة وأطراف البلاد وأقاليمها. فخرجت عليه عصابة سلب ونهب فقضت على حراسه واقتادته الى مكان مجهول. اراد اللصوص ان يتخذوا منه سلعة للبيع والربح، قال لهم أني امتهن صنعة السجاد ويمكن من خلالها ان تجنوا ربحاً وفيراً. أحضروا لي الخيط وبعض الالات البسيطة وسوف انتج لكم سجاد يمكن بيعها في السوق، فأحضروا له، وبدأ ينتج لهم سجادة واحدة صغيرة وجميلة باليوم، ووجدوا ان السوق اسرع في شرائها.
وفي يوم من الايام انتج سجادة كبيرة وطعمها بالنقوش الجميلة الزاهية، وسيكون بيعها بثمن غال عند عرضها. وقال لهم خذوها هدية إلى قصر الملك، وسوف يكافئكم مكافأة كبيرة، علماً بأن الملك المخطوف عند نسجه السجادة  كتب اسمه وعنوانه وأمر بأن يسجن حاملي السجادة. ذهبوا بها الى زوجة الملك وقدموا لها السجادة، رأت السجادة الزوجة (بنت الحائك) وعرفت بأنها صنعت بأيدي زوجها المخطوف، فأمرت من قائد الشرطة وحراس القصر بإلقاء القبض على هؤلاء الاشخاص. ولولا هذه المهنة لكن حظ الملك في عالم النسيان.