المحرر موضوع: التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟  (زيارة 2040 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟
خوشـــابا ســـولاقا
توطئة : في كتابة مقالاتي التاريخية السابقة والتي نشرتها خلال السنوات القليلة الماضية ، عانيت الكثير في كتابتها ، من جملة تلك المعاناة إنتقاء الكلمات والمفردات والعبارات والجمل الرصينة التي تعبر بأكبر قدر ممكن من المصداقية والواقعية والموضوعية التي تجعل مهمة القارئ سهلة وسلسة في فهم ومتابعة الأحداث التاريخية واستيعابها وفق تسلسُلها الزماني والمكاني هذا من جهة ، ومن جهة ثانية كنت حريصاً جداً أن لا يمس ما أكتبه بأي شكل من الأشكال وبأي قدر كان مشاعر القراء الكرام ممن قد لا يتفق  ما أكتبه مع قناعاتهم حول الأحداث التاريخية المعنية لكونها تخص بشكل أو بآخر بصورة مباشرة أو بشكل مبطن بالتلميح والإيحاء أو بالاشارة كيفما يقتضيه سرد الأحداث أناس في إنتماءاتهم الفرعية الذين كان لهم دور في صناعة تلك الأحداث وما آلت إليه أوضاع الأمة من تداعيات وإنتكاسات خطيرة لاحقاً .
في ذات الوقت كنتُ حريصاً كل الحرص على نقل مضمون ما حصل في تلك المراحل من تاريخ أمتنا بأمانة من دون إنحياز لباطل طرف على حساب حق الطرف الآخر . كل تلك المعاناة عانيتها وأردتُ أن أكون حيادياً وناقلاً لأقرب ما هو للحقيقة التاريخية للحدث التاريخي المعني . إلا أنه مع ذلك نلتُ إنتقادات لاذعة ولاسعة أحياناً وبكلمات نابية وجارحة في بعض الأحيان بالرغم من قلتها والتي لا تليق أولاً بقائليها وبأدب وأخلاقيات الكتابة الرصينة وحرية الرأي وإحترام الرأي الآخر مهما كان الأمر حتى في حالة عدم توافق رأي الكاتب مع رأي هذا البعض ثانياً ، ومع ذلك أعتبر كل هؤلاء أخوة لي وأحبائي وإن اختلفنا في الرأي مهما كانت وسائل ولغة التعبير بيننا قاسية فإنها في النهاية سوف لا تفقد بيننا في الود قضية . وبناءً على ذلك قررت كتابة هذا المقال وتحت هذا العنوان الذي يعني الكثير لمن يتعصب في رأيه إن أحسنَ قراءته ، متمنياً أن أوفق في إيصال المطلوب فيه الى أذهان المعنيين به وأن ينال رضا وقبول القراء والكتاب من الباحثين عن الحقيقة التاريخية . وهنا لا أريد أن تفوتني الفرصة لكي أقدم الشكر والتقدير والعرفان بالجميل الى كل من ساهموا في إغناء ما كتبته من المقالات التاريخية من خلال مداخلاتهم وتعقيباتهم الثرة بما لديهم من مزيد المعلومات التاريخية القيّمة التي كنت اجهلها ، والى كل من كتبوا لي كتابات مشجعة ومحفزة لتقديم المزيد من العطاء . وإن دلَ ذلك التشجيع وتلك المشاركات الايجابية على شيء إنما يدل على نبل أخلاقهم وسمو مشاعرهم ومحبتهم لأمتهم ولمن يضحي ويبذل الجهود مهما كانت متواضعة لخدمة قضية الأمة ، وكما أقدم الشكر الجزيل للقراء الكرام الذين شاركونا في قرأتهم لما كتبته ، لمن يوافقنا الرأي أو لمن يخالفنا الرأي على حدٍ سواء . 
إن التاريخ دائماً ومنذ اقدم العصور قد كُتب من قبل ثلاثة شرائح من الكتاب والمؤرخين من الناس في المجتمع في أغلب الأحيان ، إلا ما ندر في حالات إستثنائية قليلة دخلت شريحة رابعة على خط تدوين وكتابة التاريخ ولكن هؤلاء قليلون جداً ولم يأخذوا قسطهم من الشهرة والأنتشار لكونهم يتقاطعون ويتعارضون بمنهجهم في تدوينهم للتاريخ مع االشرائح الثلاثة الأخرى لأنهم يضرون بمصالحهم المادية والمعنوية ، ولذلك عملتْ تلك الشرائح الثلاثة على عزلهم ومنعهم من الأنتشار والشهرة وتهميشهم بل وحتى إقصائهم من المجتمع ولذلك كان دورهم في إبراز الحقيقة التاريخية وترسيخها في أذهان المجتمع محدوداً ومحصوراً وغير مؤثراً أو يكاد يكون منسياً لا يذكر وبالتالي بقيت كتاباتهم حبيسة حدود العائلة كمذكرات شخصية من دون ان تنشر .
فالشريحة الأولى
من الكتاب والمؤرخين ممن كتبوا ودونوا التاريخ هم أولائك المؤرخين الذين إنطلقوا في كتاباتهم من ولاءاتهم وانتماءاتهم للخصوصيات الفرعية إبتداءً بالوطن والقومية والدين والمذهب والقبيلة والعشيرة وغيرها من الخصوصيات في البناء الهيكلي للمجتمعات الأنسانية ، والتي تظهر للقارئ أن للتاريخ تأثيراته الواضحة والكبيرة على نهج وأسلوب ورؤية الكاتب والمؤرخ في كتابة وتدوين التاريخ وذلك من خلال انحيازه الواضح للخصوصيات الفرعية على حساب الأمانة التاريخية والحيادية ، وتلك هي أولى الأمراض في كتابة التاريخ الحقيقي للأحداث التاريخية وتشويه وتزييف حقيقتها . وسيلاحظ قارئ التاريخ هذا الأنحياز للخصوصيات الفرعية للكُتاب والمؤرخين واضحاً وجلياً في كل كتاباتهم ، وهذا الأنحياز ليس فقط لدى كتابنا ومؤرخينا فقط بل وهو لدى كتاب ومؤرخين كل الشعوب والأمم وليس حصراً بالبعض منهم دون الأخرين وفي كل العصور والأزمنة ، حيث أن هذه الشريحة من الكتاب والمؤرخين يبالغون بإفراط في إبراز الأيجابيات للطرف الذي هم جزء منه بالأنتماء  الفرعي وينحازون إليه دون أن يذكرون شيئاً عن سلبياته بل بالعكس يسعون الى تحويل السلبيات إلى إنجازات تاريخية عظيمة تستحق الثناء عليها حتى وإن كانت تضر بالمصلحة القومية لأمتهم، ويبالغون في ذات الوقت في إبراز السلبيات للطرف الآخر بمبالغة وبإفراط أيضاً دون أن يذكرون شيئاً عن إيجابياته حتى وإن كانت إنجازات حقيقية وعظيمة لصالح الأمة عندما يكتبون أو يؤرخون لنفس الحدث التاريخي ، لذلك يكون القارئ لتاريخ ذلك الحدث مشوشاً وحائراً في أمره كباحث في التاريخ للوصول الى الحقيقة التاريخية لذات الحدث والوقوف عليها كما يقتضي البحث.
هكذا فتلك النوازع والنواميس الأنسانية الراسخة في كينونة وطبيعة الأنسان وثقافته المجتمعية تجعل الأنحيازات للفرعيات عند هؤلاء تتناقل من جيل الى آخر ، وهذا الشيء أعتبره غريزي عند الانسان ، وطبيعي ان يتطبع به سلوكه في الحياة ويكون ذلك مقبولاً الى حد ما عندما يكون في حدود معينة وفي قضايا محدودة وعندما لا يتجاوز حدود الأضرار بالمصلحة العامة للحلقات الأوسع والأعلى في أولويات بنية هيكل المجتمع ، وكذلك عندما لا يتجاوز حدود الأمانة التاريخية في كتابة التاريخ ، لأنه عندها يتحول الأنحياز من حق ومماسة إنسانية للفرد الى جريمة شنيعة وخيانة عظمى بحق المجتمع والأمانة التاريخية في كتابة وتدوين التاريخ للحدث التاريخي المعني .
والشريحة الثانية من كتاب التاريخ والمؤرخين هم شريحة  وعاظ السلاطين ومحاميي الشيطان ، هؤلاء كتبوا أحداث التاريخ بحسب وجهة نظر السلطان ورؤيته لأحداث التاريخ مقابل ثمن مدفوع ، أي أنهم كتبوا التاريخ كما أراده الحاكم أن يُكتب وليس كما هو في الحقيقة ، وهؤلاء هم الغالبون وأخذت كتاباتهم القسط الأوفر حظاً من الدعم والشهرة والأنتشار في تدوين أحداث التاريخ مثل أصحاب الموسوعات التاريخية ، ولكون هذه الموسوعات ذات طابع رسمي أو شبه رسمي نالت دعماً مالياً ومعنوياً كبيرأ من لدن الدولة ، لذلك دونت أحداث التاريخ كما يخدم ذلك سمعة ومصالح السلطان الحاكم أي النظام السياسي الحاكم ، وإلقاء المزيد من الظلال المعتمة على الجوانب السلبية والمُخزية من تاريخ السلطان لتضليل الآخرين ومنعهم من الأطلاع على الحقيقة التاريخية وهذا النمط من المؤرخين كانوا هم أهل المصادر التاريخية السائدة والمرجحة لقراء التاريخ .
أما الشريحة  الثالثة من الكُتاب والمؤرخين والتي عدد أعضائها يكون عادة قليل جداً في المجتمع فهم يمثلون أصحاب العقائد والمبادئ الفكرية المستقلة عن تأثيرات السلطان ومن المنسلخين من تأثير الولاءات الفرعية ، فهؤلاء يكتبون عن الحدث التاريخي بحسب مبادئهم ومعتقداتهم الأيديولوجية ورؤآهم الفكرية المستقلة ، وهؤلاء أيضاً لهم إنحيازهم الخاص تحت تأثير تلك المعتقدات والأيديولوجيات التي يحملونها  ويؤمنون بها بمبالغة وديماغوجية مفرطة ، ولكنهم يكونون في كتابتهم وتدوينهم للحدث التاريخي أقرب الى مكمن الحقيقة من الشريحتين الآخرتين . وعليه فإن التاريخ الذي نقرأه يحمل أوجه عديدة متعارضة ومتقاطعة وأحياناً متناقضة وإجتهادات عديدة وتفسيرات كثيرة لا يمكننا من قرأته من خلال الأعتماد على أي كتاب تاريخي معين كمصدر للرسو الى الحقيقة التاريخية للحدث التاريخي المعني والتي يمكن لنا أن نستند عليه ونعتبره نقطة البداية للمسيرة البحثية الحيادية التي نسير بها الى الهدف المنشود من قرأة التاريخ لبناء حاضر مزدهر وبناء جسور متينة الأسس وقوية البنية للعبور من خلالها الى المستقبل بأكبر النتائج الإيجابية وبأقل الخسائر من دون إعادة وتكرار أخطاء الماضي في حاضرنا ومن ثم ترحيلها الى مستقبلنا في عملية إعادة إنتاج التاريخ وتكرار حوادثه المأساوية والأليمة .
لذلك أقول لكتابنا ومؤرخينا والقراء الكرام عندما يقرأؤون التاريخ من مصادر متعددة عليهم الأنتباه الى هذه المؤثرات التي كتبوا السابقين التاريخ تحت تأثيرها وإنعكاساتها السلبية على مدى مصداقية المصادر التاريخية لكي لا يقعون في ذات الأخطاء ويعيدون نفس الكوارث والمأسي في حاضرهم ومستقبلهم ، بل عليهم أن يقرأوا التاريخ بمنهجية الجمع بين المشتركات من مختلف المصادر التاريخية التي تتعارض وتتقاطع مع بعضها البعض في جوانب كثيرة وتلتقي وتتفق في جوانب أخرى عندما كتبوا وأرخوا لنفس الحدث التاريخي للخروج بنتيجة أقرب الى الحقيقة التاريخية . على القارئ والباحث والمحلل للتاريخ أن لا يهمل أي مصدر تاريخي بل علية دراسته ، ومن ثم القيام بالأعتماد على مبدأ المقارنة والأستنباط والأستنتاج الموضوعي والعقلاني والتحرر الكامل من قوقع الخصوصية الفرعية لأعادة صياغة ما كتب من أجل التقرب من قلب الحقيقة التاريخية للحدث التاريخي . هذا هو المنطق العلمي السليم في قرأة التاريخ بحسب رأي المتواضع . وبغير هذا المنطق تكون عملية المحاولة للوصول الى الهدف مجرد عملية عبثية وتضليل للذات وإغراقها في متاهات الأوهام يصنعها الكُتاب لأنفسهم لكي يرون التاريخ بمنظارهم الشخصي وكما يعجبهم وكما يحلمون  به أن يكون وليس كما ينبغي أن يكون أو بالأحرى كما هو عليه واقع الحال للحدث التاريخي .
ولغرض تبسيط ما أردتُ قوله تحت هذا العنوان (( التاريخ كيف كُتب وكيف يجب أن يُقرأ ... ؟؟ )) نحاول قراءة تاريخنا المعاصر وما حصلت فيه من أحداث دراماتيكية مأساوية وكارثية أليمة أوصلتنا الى ما نحن عليه اليوم من واقع مزري ومهبط للآمال بأي مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة يجسد وجودنا القومي المستهدف من قبل الآخرين في أرض الأباء والأجداد بيث نهرين في كيان سياسي معين يجسد هويتنا القومية والوطنية . المحاولات التي تجري على الساحة العراقية في ظل الهجرة اللعينة لتهميشنا وإقصائنا وخلع جذورنا من أرضنا التاريخية وحصرنا في كيان ديني تابع لهذا الطرف أو ذاك في عملية الصراع الجارية بين تلك الأطراف من أجل الأرض ، كل ذلك يجري بسبب إصرارنا على قراءة التاريخ وإعادة إنتاجه وصناعة أحداثة بإعتمادنا لنفس المنهج الذي اعتمدوه أبائنا وأجدادنا المؤسس والمستنبط من الولاء للخصوصيات الفرعية على حساب الولاء للخصوصية القومية العامة في سلوكنا غير المتحضر ، ومازال الفعل الحاسم الذي يحركنا للعمل هو فعل وعقل القبيلة والعشيرة والمذهب الكنسي وليس الفعل والعقل القومي المتزن والرصين . وهنا أحاول أن أدرج بأكبر قدر ممكن من البساطة بعض الأمثلة القريبة من تاريخنا المعاصر عن التاثير السلبي على المصلحة القومية من وراء الولاءات للآنتماءات الخصوصية الفرعية .
إن مشاكلنا ومصائبنا كانت ولا تزال كامنة في سلوك من يُتاجرون بأسم الأمة والشعارات القومية الرنانة وهذا السلوك المنحرف ضيع علينا كما يقال شعبياً " رأس الشليلة " إن صح التعبير ، يظهرون بمظهر الخراف الوديعة ولكنهم في حقيقتهم من الداخل تراهم ذئاب مفترسة وجائعة لا يشبعون ، وينهشون من دون رحمة بجسد الأمة وتكون الضحية الناس الأبرياء من ذوي النوايا الطيبة والصافية النقية الذين ينخدعون بشعاراتهم القومية البراقة ووعودهم الكاذبة تحت تاثير عواطف الولاء للخصوصيات الفرعية ، وهذا ما حصل في الماضي ويحصل اليوم وكل الذي تغير في الأمر بالرغم من الفارق الزمني الكبير بين الماضي والحاضر وربما المستقبل هو تغير الواجهات الأمامية لشخوص الصورة وآليات عملها وتبقى الضحية ثابتة وهي الشعب المؤمن بقضيته القومية ، والذي من شدة حبه لقوميته وتمسكه بها ينخدع ويخضع بسهولة إنقيادية لأبتزاز واستغلال هؤلاء المرابين المنافقين المتاجرين بالقضية القومية في سوق المزاد العلني لبيع الوعود الكاذبة ، وهكذا تتكرر الأحداث على نفس النسق وبنفس الوتيرة والآليات مع الأسف الشديد .
منذ أن بدأنا في بداية سبعينيات القرن الماضي نحن مجموعة من الشباب المتحمسين لقوميتنا في بغداد على خلفية الأنشقاق الذي حصل في كنيستنا الشرقية  وما كان ينشر في الصحف العراقية آنذاك من كتابات مسيئة لقادة الأنتفاضة الآشورية في سُميل سنة 1933 من بعض بقايا أنصار الكيلاني وما كانوا يوصمون بها قادة الأنتفاضة من نعوت الخيانة للوطن العراقي والعمالة للانكليز كُنا نحترق غيضاً وغضبا على هذا السلوك المارق المشين ونتناقش ونتحاور بعمق وإيمان راسخ هذا الأمر مع بعضنا ونتوصل بعد حين من النقاش الحامي والمكثف الى نفس النتيجة والتي هي من يكون صادق ومخلص ومؤمن بقضيته القومية يكون الضحية وهذا أمر طبيعي في التقاليد النضالية من أجل حرية الأمة وانعتاقها ، ويكون المتاجرين بالشعارات القومية بواجهات قبلية وعشائرية ومذهبية هم الفائزون بثقة العموم من الناس ، وهم الحائزون على حصة الأسد من ولاء الناس لهم تحت تأثير العواطف للانتماءات القبلية والعشائرية والمناطقية والمذهبية الكنسية على حساب الولاء للأنتماء القومي الهش . وما حصل في سُميل عام 1933 وما قبلها وضيَّعنا بسببه فرصتنا الذهبية الآخيرة التي كانت في متناول أيدينا في تأسيس كيان قومي لأمتنا في إقامة منطقة حكم ذاتي ضمن وحدة العراق الجغرافية كان بسبب أن إرادة الولاء للأنتماء إلى القبيلة والعشيرة والمذهب من أجل مجدٍ شخصي لقادة العشائر قد حالت دون تحقيق ذلك لأنها تغلبت على إرادة الولاء للأنتماء القومي . وتكرر الحدث مرة أخرى في عام 1964 مع كنيستنا الشرقية  حيث تشظت وانقسمت الى كنيستين المشرق الآشورية والشرقية القديمة على خلفية ٌقرار أكليروس الكنيسة بالأغلبية الساحقة بإعتماد التقويم الغريغوري في طقوس الكنيسة  بدلا من التقويم اليولياني القديم الذي كان معتمداً في طقوسها  ، إلا أن في الحقيقة كانت أسبابها إمتداداً لأسباب مذبحة سُميل عام 1933 حيث على أثرها إنقسم المقسوم وتجزأ المجزء فانقسمت القبيلة والعشيرة والعائلة بين موالي ومعارض لهذه الكنيسة وتلك وإنتشرت على أثر الأنقسام الكراهية والأحقاد بين أبناء القبيلة الواحدة والعشيرة الواحدة والعائلة الواحدة . كان التغيير الوحيد على الصورة العامة للحدث بين 1933 وعام 1964 فقط في شخوص الواجهة الأمامية للصورة ، وكانت الضحية مرة أخرى هي هي أي كان الشعب .
وإن ما يجري اليوم على الساحة القومية ومنذ سقوط النظام البعثي في عام 2003 هو أيضاً تكرار آلي للماضي بنفس الواجهات السابقة ( القبيلة ، العشيرة ، المذهب الكنسي ) وبإضافة واجهات جديدة ألا وهي ( الأحزاب والحركات السياسية الشمولية الأقصائية ذات القيادات الفردية الأستبدادية وذات التوجهات للولاءات الخصوصية الفرعية ضمناً وممارسةً وللقومية شكلاً ) والنية في السلوك الحقيقي والمتجسد على الأرض اليوم متجهة نحو إعادة إنتاج الماضي بكل تناقضاته وسيئاته وترحيله للمستقبل وكأن الأمر أصبح سُنة حياتية يجب أن تتكرر وفق قانون طبيعي وما علينا إلا قبوله كأمر واقع وحتمي وليس أمامنا من خيار بديل آخر .
هذه هي مصيبتنا يا أعزائي القراء الكرام . لكي نتقدم ونتطور ونحقق أهدافنا القومية علينا أن نكون أقوياء وأن نتحرر من أسر تأثيرات التاريخ وأن نعيش في الحاضر وأن نتفاعل بما نحن عليه ، ولكي نكون أقوياء علينا أن نتغير بتغيير ثقافتنا ونظرتنا للحياة وعلاقاتنا ببعضنا البعض ، ولكي نتمكن من تحقيق ذلك كله علينا أن نغير ولاءاتنا للأنتماء للخصوصيات الفرعية الى ولاءات للأنتماء القومي الموحد ، عندها يتغير كل شيء من حولنا ونجد أن وحدتنا القومية قد تحققت بيُسر دون معوقات التي تطحن إرادتنا القومية وتجعلنا نتقوقع في قوقع خصوصياتنا الفرعية . وأن نتصدى للهجرة العبثية اللعينة التي تزتنزف وجودنا القومي في أرضنا التاريخية أرض الأباء والأجداد " بيث نهرين " أم الحضارة والأمجاد .

خوشـــابا ســـولاقا
بغداد في 5 / آذار / 2018 م




غير متصل نذار عناي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 607
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاستاذ القدير خوشابا سولاقا المحترم, تحيه طيبه ونتمنى ان تكون والعائله بخير
مقالكم هذا يحمل في طياته الخطاب التعليمي المعتدل البناء.
ولا يسعنا ان نضيف عليه سوى القول ان هناك من يكتب كيفما يشاء معللا ذلك بحرية الكتابه والرأي متناسيا انه قد يكون الانطباع او التأثير سلبيا سواء على القاريء او الكاتب.
وهنالك من يحاول ان يعطي لما يكتبه ثقلا كتابيا فتراهم يقتبسون ويقصون ويلصقون من اينما ارادوا او شاءت الصدفه دون التفكير فيما اذا كان ما يقتبسون منه يمكن اعتباره مصدر وفيما اذا كان هنالك ما يثبت موثوقيته.
وان اكثر المصادر التي تفتقر الى الموثوقيه او من الصعوبه التأكد من موثوقيتها او بطلانها هي المدونات التاريخيه لأختلاف منطلقات من كتبها وكما وضحت حضرتك. فلذلك سمحت الحريه التي منحتها التقنيه الاعلاميه الحديثه من ان يمتلأ الفضاء الالكتروني ب(السفاهه الالكترونيه) اي بكثرة مليء النت بكتابات (تاريخيه) او كتابات مستنده على المدونات التاريخيه العديمة الفائده والتي لها مردودات سلبيه. وهذه الظاهره بدت غالبا لدى المتقاعدين لقضاء وقت فراغهم في كتابات لا تحتاج الكثير من الجهد الفكري بل تكتفي بالقص واللصق لأي شيء يجدونه على النت ويسكبون عليه من عصارة اهوائهم ويطلقونها من لوحة مفاتيح حاسباتهم متناسين اخلاق الكتابه وصون اللسان.
نعم استاذنا العزيز, نتفق معكم بضرورة تجاوز الماضي والعمل في سبيل المستقبل فهذا هو المنطق السليم ويكون من المهم ايضا ان نغلق هفوات الماضي بنظره مستقبليه ورجاحة عقل مستندين على اسس علميه حديثه وليس هلوسة التاريخ.

مع الاحترام والمحبه
اخوكم, نذار

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الكاتب ذي القلم الهادئ الأستاذ نذار عناي المحترم
تقبلوا محبتنا الصادقة مع أطيب وأرق تحياتنا الأخوية
أسعدنا وشرفنا مروركم الكريم بهذه المداخلة الثرة بمقالنا والتي جاءت مكملة له .... وليس بوسعنا إلا أن نقدم لشخصكم الكريم جزيل شكرنا وفائق تقديرنا ووافر أمتناننا .
أستاذنا العزيز .... كما هو معلوم للجميع أن التاريخ الذي نقرأه والذي ورثه لنا الماضي بكل مراحله قد كتبه الأقوياء من أصحاب السلطة المنتصرين من خلال وعاظهم بحسب ما يشتهون حيث حولوا أباطيلهم وجرائمهم الى بطولات وإنجازات تاريخية وما أنجزوه خصومهم هو باطل وعليه كما نرى شخصياً لا يمكن الوثوق بمصداقية المصادر التاريخية بأي حال من الأحوال ، أي أن الحقيقة التي يجب أن تُقال تبقى مجهولة ومفقودة الى حدٍ ما في أي مصدر تاريخي ، لأن كل كتاب التاريخ ( وعاظ السلاطين ) كتبوه بحسب ما ملتْ عليهم مصالحهم الوطنية ومقتضيات حكامهم على حساب الأمانة التاريخية ..... عليه وجدنا أنه من الضروري جداً أن يكون لنا منهج علمي لقرأة التاريخ ليس كما كُتب بل كما يجب أن يقرأ لمقاربة ما كتب من قبل كل الأطراف المعنية لتنباط واستنتاج ما هو أقرب للحقيقة .... مثالاً ليس للحصر .... اين هي الحقيقة التاريخية في الصراع العربي الأسرائيلي ؟ من هو صاحب الأرض الحقيقي بحسب المدلولات التاريخية ؟ لماذ احتلال العرب المسلمين للبلدان الأخرى هو فتح للبلدان وليس احتلالاً لها ؟ واحتلال الآخرين لبلدانهم الحالية التي أغتصبوها بقوة السيف من سكانها الأصليين هو استعمار واغتصاب ؟؟ لماذا كل هذه الأزدواجية في تحليل التاريخ ؟؟ لماذا لا تسمى كل الأشياء بمسمياتها الحقيقية ؟؟ .... والأمثلة كثيرة في التاريخ من قبيل هذا النموذج الذي يفتقر الى العدالة والموضوعية ..... دمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام .
                    محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد   

غير متصل Gabriel Gabriel

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 306
  • الجنس: ذكر
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الاستاذ خوشابا سولاقا المحترم
تحية طيبة
لا شك ان كتابة التاريخ دائما تصطدم بالمعوقات التي ذكرتها في مقالتك، فعلى سبيل المثال، كان صدام يوما بطل الامة العربية، وسيف العرب، والقائد الضرورة وووو الخ من الالقاب، وفي ليل وضحاه صار بطل الحفرة، وجرذ الحفرة، والدكتاتور، وووو الخ. لكن الذي عاش الحقبتين اي قبل وبعد السقوط، سيكون حائراً ما بين اشياء كثيرة وحقائق على ارض الواقع، ما بين الزمنين. فمنهم من يصر على ان زمن صدام كان قاسيا، واخرين يصرون على انه زمن جميل، والاسباب معروفة.
 تخيل استاذ خوشابا، الرجل الذي حمل المطرقة وصار يضرب بها تمثال صدام محاولا تحطيمه، يعرب عن اسفه لعمله هذا بعد عدة سنين، وبعد ان عاش حقبة ما بعد السقوط. لقد ندم على تاريخه، تاريخ عملية تحطيم التمثال، ندم ليس حبا بصدام، بل بالمآسي التي جاء بها حكام ما بعد صدام. إذا التاريخ هو دائما وجهة نظر ورد فعل يختلفان باختلاف الفعل.
شخصيا عندما اقرأ كتب التاريخ اقرأها بعين الشك، لهذا اختار الكتب التي كتابها اجانب، وتكون مترجمة، وحتى هذه الكتب ارى فيها بعض الانحياز الى الشخصية، والمقصود بالشخصية هو: قومية الكاتب ودينه ومذهبه.
لذا تراني لا اقرأ اي كتاب تاريخي يبدأ بالبسملة، ويسترسل في مدح الدين والانبياء وكافة ملحقاتهم، لانه بالتاكيد ستحمل كتاباته نزعاته الدينية والمذهبية.
لكن في تقديري لا يزال هنالك من كتب التاريخ بصورة حيادية. فالذي اخرج الاثار الآشورية والبابلة الى العالم، وكتب عنها، كانوا يريدون اكتشاف التاريخ، وكتبوا ما شاهدوه على الحجر، وفسروه حسب قناعتهم بعيدا عن اي شخصنة، فلا مجال للشخصنة عند الحجر الاثري، لان الحجر في هذه الحالة هو الذي يتكلم.
موضوع شيق ومعقد في الكثير من الجوانب للنقاش والمحادثة.
وتقبل تحياتي وتقديري

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ   Gabriel Gabriel المحترم
تقبلوا محبتنا الصادقة مع خالص تحياتنا الأخوية
أسعدنا مروركم الكريم بهذه المداخلة الواقعية بمقالنا وكانت تعزيزاً ودعماً لما عرضناه في المقال نشكر لكم جهودكم ومشاركتكم ، هكذا كُتبَ التاريخ عبر كل العصور في أي زمان ومكان بانحيازية مفرطة ومبالغ بها تجاه الأنتماءآت الخصوصية للمؤرخ وولائه للسلطان في أغلبه وهذا ما لا نستطيع تغييره والعودة الى الوراء ، بل علينا أن نعرف كيف يجب أن نقرأه وهذا هو المهم والأهم لكي نعرف كيف نبني حاضرنا من دون ملابسات وتشويهات للأنتقال السليم والسلس الى المستقبل .... نحن مثلكم ثقتنا بُكتاب أجانب أكثر من ثقتنا بكتابنا الذين يحملون ثقافة الخصوصيات المتجذرة في عقليتهم وطريقة تفكيرهم والمتحكمة بسلوكهم وقراءآتهم للتاريخ ... نكرر لكم شكرنا الجزيل وفائق تقديرنا علىهذا المرور الرائع .... ودمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام .

                             محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد