تجَديد موعظة الكاهن الكلداني
أكاد أجزم أن عزوف الكثير من المؤمنين واخص بالذكر الكلدان منهم عن الذهاب الى الكنيسة وأرتماء العوائل وألتجائهم الى كنائس أخرى كالكنيسة الإنجيلية بفروعها الكثيرة والكنائس المارونية اللبنانية والقبطية المصرية، مع أحترامي لكل المذاهب والطوائف، هو موعظة وكرازة الكاهن الكلداني المكررةْ والمّملة في قداس يوم الأحد.
لقد تغيرت الكثير من المفاهيم والأفكار والوعيَّ، سواء على الصعيد الفردي للجماعة، أو على الصعيد التفكير الجمعيْ لهم. فخلال الثلاثين والاربعين السنة الاخيرة، لم تعد تلك الأفكار والتي كان من خلالها يوعظ الكاهن في القرى والبلدات النائية في شمال الوطن تصلحْ وتنفع مع روح هذا العصر، لقد كان التعليم آنذك محدود، ومتطلبات الوعي بالذات والحياة ذاتها محدودة وبالتالي يكون الفهم هو إيضاً محدود مُتماشياً مع الوضع العام للجوّ السائد. فمثلاً نجد كاهن (وَيَا للغرابة) في يومنا هذا وفي دول كبرى كامريكا وأستراليا وكندا، يُعيد الموعظة ذاتها مئات المرات وبنفس الصيغة وبنفس الكلمات وبنفس الرتابة المملة للحضور ، متناسياً هذا الكاهن أن الأحساس بالوقت والزمان قد تغير ،واصبته الحداثة وما بعدها بمقتل، وليس كما كان عليه في ذلك الوقت، حيث كان الزمان والساعة البيولوجية منضبطة ومرتبطة بالزراعة والحّصاد وتربية المشية، آيّ الوقت مفتوح ومُتناغم مع الطبيعة والمكان لتنسجم ككل مع الواقع الُمعاش، في دائرة شبه مغلقة، اليوم كل هذا تغير، وتغير بسرعة كبيرة جداً، حيث أصبح الانتظار صعب، وإيقاع الحياة أسرع وبوتيرة أكبر من السابق بشكل مذهل، وأصبح معه شدّ أنتباه الفرد نحو شيئاً ما أمر بالغ الصعوبة ليس فقط مع الطرح الديني أو المواعظ، وأنما مع كل شيئ حولنا، من له متسع من الوقت كي يسمع أغنية لإم كلثوم ثلاث ساعات، أو يقرأ رواية الإخوة كرامازوف في مجلدين كبيرين، أو يُشاهد مسلسل مكسيكي مدبلج للعربية من ثلاثة الأف حلقة. كل هذا يبدو غريب الأن مع أنه كان معمول به قبل سنوات قليلة. تحديات المعلوماتية أو منظومة الصفر واحد أطفتْ بُعد أخر على الحياة برمتها، وأصبح بأمكان أي شخص كان يملك المعلومة بسهولة تفوق الوصف والخيال ، من خلال الهاتف الجوال، الشبكة العنكبوتية، محرك البحث كوكل، وهذا بدوره مع كل الإيجابيات التي به كرّس لمفهوم السهولة في التعامل مع الموضوع أو الحالة المطروحة للسمَاع أو المناقشة، وهذا بدوره قادّ الى صيغة أكثر مُعمقة هو السرعة مع المُعطى ذاته؛ فمثلاً كاهن يتحدث في موعظته عن المَُرائين، ولم يستطيع توصيل فكرته خلال خمسة عشر دقيقة أو عشرون دقيقة وهو الزمن الافتراضي للموعظة ، فيُصاب هذا الشخص بالملل ويفضل البحث والتقصي عن الكلمة بنفسه وبالتالي يفسرها كحسب هواه هو أو من خلال معلومة قد تكون خاطئة في الشبكة الدولية للنيت أو عن طريق اخر.
اليوم باتَّ من الضروري على الواعظ الكاهن أن يدرس ويقرأ ويستخلص الجمُل والعبارات التي تنفع في هذا الطقس وهذا الوقت، وهذا لن يحصل دون تعب وقراءات مُعمقة للنصوص الدينية واللاهوتية والتراث والتاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع ، لأن كل هذا يُشكل رأس مال الكاهن الحقيقي، ويبلور مزيداً من الأفكار والاطروحات ، كيما يستفاد المؤمنون من الوعظة والكرازة التي هي جزء أساسي من القداس الإلهي، وأن تصل كلمة الرب بشكل صحيح ومباشر للسَامع ويقتنع به ويعمل به إيضاً، وهنا يكون قد توصل هذا القس الى الطرح الجيد والكلمة النافذة والجوهرية.