المحرر موضوع: عندما بكى المطران جرجس في فرنسا  (زيارة 1167 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يعقوب أفرام منصور

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 91
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عندما بكى المطران جرجس في فرنسا
                                                   
يعقوب أفرام منصور
    إبّان التجمّع العالمي للشبيبة المسيحية في مدريد العاصمة الإسبانية عام 2011، إستغرب المطران جرجس القس موسى رؤية مظاهرات مناوئة للتجمّع المذكور،التي  قام بها عَلمانيو إسبانيا ضدّ إسهام الحكومة الإسبانية في مجال تحمّلها تكاليف هذا التجمّع، فذكّرته هذه المظاهرات الإسبانية بمظاهرات مماثلة سابقة، بإسم العَلمانية  الفرنسية التي جرت في فرنسا عام 1997، فكانت تلك المظاهرات الأولى مدعاة لبكاء المطران،لأنها دلّت على ضعف أو شبه انعدام الشعور بقوام أو روح الإيمان المسيحي، وبالتالي عدم التعاطف مع قضايا وهموم مسيحيي الشرق من قِبَل المتظاهرين  ومَن يمثّلونهم في هذا القطر الغربي؛ وها هي المظاهرات المناوئة عينها  تسير بعد 14 عامًا في شوارع مدريد، وهذه ليست مصادفة، بل تنمّ على تغلغل الأفكار والقيَم والنزعات المتماثلة في مجال العَلمانية، وثمة إحتمال كبير أنْ سوف تتكرر هذه المظاهرات  المناوئة بعد أعوام في مدن الغرب الأخرى وبشكل أوسع وأشدّ حيالَ روح الإيمان المسيحي الشرقي الذي شقّ سبيلَه الصعب المصحوب بالإضطهادات والتضحيات الجِسام بالأرواح نحو أعماق القارّة الأوربية، بدءًا من روما القياصرة، وحلّ ذلك الروح الإيماني الحار بين ظهراني شعوبها في جميع الأقطار، ووسمهم بميسم المسيحية.
    ومن الجدير بالذكر، في هذا الصدد، هو استياء الكهنة والأساقفة الشرقيين من اوربا حين لمسوا ـ في العقود الثلاثة الأخيرة ـ من قسم من مواطنيها رفصَهم الإعتراف بالجذور المسيحية لقارّتهم (أنظر ص 41 من كتاب " حتى التهاية .. أحاديث " بقلم المطران جرجس القس موسى ـ 2014) في حين أن الغالبية المسلمة العربية وغير العربية ترى أن الطابع المسيحي هو السمة الدينية الغالبة على شعوب أوربا خصوصًا وعلى شعوب الأقطار الغربية عمومًا. فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن مسيحيي الشرق العرب وغير العرب، كثيرًا ما يقاسون من نظرة المسلمين هذه الواهمة الي تتمثّل بسوء ظن  وطوية غالبية المسلمين في مسيحيي الشرق، إذ يعدّون هؤلاء المسيحيين الشرقيين نسخة مماثلة للشعوب الأوربية والغربية قاطبةً الذين تتمثّل فيهم جميع سلبيات  وعيوب ونقائص الغربيين عمومًا، وخصوصا جفاف العاطفة الدينية ، وهذه نظرة خاطئة ومتجنّية يحملها الرأي العام الإسلامي العربي وغير العربي إزاء المسيحيين الشرقيين. كما أن النظرة هذه تؤذي ونضرّ الطرفين المؤمنَين في تعايش الحاضر والمستقبل القريب والبعيد، وأعداء الإسلام والمسيحية يستغلّون هذه النظرة الخاطئة المتجنّية أبشع إستغلال لبلوغ مآربهم الشرّيرة المخرّبة من خلال إشعال الفِتَن والإصطياد في الماء العكِر، وبث الكراهية والأحقاد. هذا فضلاً عن حقيقة أنّ غالبية شعوب الغرب ما عادت تستحق عدّها مسيحية بعد أن سرت العَلمانية  وتفشّى الإلحاد في كياناتها ومكوّناتها، واعتناق البوذية ونبذ المسيحية.
     بعد أن نشأت غالبية الشعوب الغربية من قرابة سبعة عقود على النظام الَعَلماني الذي يغلب عليه عدم المبالاة بالمشاعر الدينية والإيمانية التوحيدية، لأن العلمانية تعتنق قِيَمًا واعتبارات وآراء تغلب عليهاالصفات المادية والعلمية البحتة وجفاف الروحانية، أضحى من العسير على الغربيين في القارّتين أوربا وأمريكا، بل من المستحيل أن يدركوا حيوية الدور الفاعل الذي يؤدّيه الدين والتُقى في المجتمعات العربية والإسلامية عمومًا، وفي العراق خصوصًا لدى المسيحيين والمسلمين والمؤمنين الآخرين؛ ففي حين تشيع في البيئة العَلمانية معتقدات الإلحاد واللاأدرية والزندقة والإنكار، وتقل فيها أو تنعدم دُور العِبادة، أو عدم حضورها إلا بأعداد قليلة جدًا من كبار السن فقط،     يشيع في الشرق العربي والأوسطي ذكر إسم الجلالة بين خلائق الشرقين في مجالات الحياة اليومية، وتبدو بجلاء دلائل الحضور الدائم للديانة في الكنيسة والجامع والكنيس والمعبد والهيكل والكاهن والإمام والساجد والصائم والقِباب والمآذن، في حين يندر أو ينعدم وجود هذه المواضع التقوية والرموز الشخصية والعلامات الإيمانية والمذهبية، والمعالم الروحية والتعبّدية في الغرب الأوربي والأمريكي، ما خلا بعض القرى النائية، وقليلاً جدًا في الحواضر الكبرى والعواصم.
     فلا عجبَ أن نرى في الآونة الأخيرة كثيرًا من الكنائس في الغرب قد خلت منذ أعوام من المصلّين والقسس، وستُمسي بعد عقد دُورًا سياحية ومعالم آثارية، كما حدث في دُوَل اوربا الشرقية أيام هيمنة الإتحاد السوفياتي عليها، وشاهدنا بعضها في بلغاريا عام 1979 غاصّة بالسيّاح الأجانب، وهم ينظرون إلى بعض شموعها المضيئة أو يشعلون بعضها، وكما شاهدنا كنائس خاوية في برن وزوريخ السويسريتين في عامَي 1982 و 2005، وفي فرنسا وهولندة عام 1975.
    لكنني أرى لوائح مشاهدة قريبة لندرة الإقبال على حضور دُور العبادة في عراقنا وفي كل أقطار الشرق العربي والأوسطي كنتيجة لانتشار المفاهيم والمبادئ العَلمانية فيها، لتغدو بعد عقود شواهد إيمانية وشواخص عهود مضت كانت أفضل إجتماعيًا ونفسيًا وروحيًا، وقد تحوّل بعضها إلى فنادق ومقرّات إدارية وعسكرية ومستودعات !