المحرر موضوع: في ضوء بناء المزيد من المدارس الآشورية في أستراليا نتسائل مرة أخرى: هل ستموت هذه الأمة بعد خمسة ألاف سنة؟  (زيارة 1534 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أبرم شبيرا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 395
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في ضوء بناء المزيد من المدارس الآشورية في أستراليا
--------------------------------

نتسائل مرة أخرى: هل ستموت هذه الأمة بعد خمسة ألاف سنة؟
====================================
أبرم شبيرا
كلما أقرا خبر عن المدارس الآشورية في أستراليا، وأخرها خبر زيارة نيافة مار بنيامين إيليا أسقف كنيسة المشرق الآشورية لولاية فكتوريا ودولة نيوزلندا ومعه أعضاء إدارة الكنيسة في مدينة ملبورن للأرض التي سيشيد عليها مدرسة أشورية جديدة، أبدأ بإعادة النظر في الكثير من أرائي التشاؤمية حول مصير هذه الأمة في هذه الظروف الصعبة والمميتة، سواء في بلدان المهجر أم في أرض الوطن، خاصة ما يتعلق بأنقراض لغتنا القومية وأنصهارنا في المجتمعات الغربية. فقد جاء في خبر نشر على الموقع الألكتروني للكنيسة بأنه "تبلغ مساحة قطعة الأرض المخصصة 7 هيكتيارات وتقع في ضاحية Yuroke  التي تبعد مسافة 30 كلم عن مركز الاعمال التجارية (CBD)، لمدينة ملبورن.... وتهدف الكنيسة من وراء تخصيص هذا الأرض الى بناء مدرسة متميزة خاصة في مدينة ملبورن، والانضمام الى عائلة المدارس الآشورية في سيدني، لتقديم خدماتها لأبنائنا الطلبة وتنشئتهم على أسس تربوية وتنمية الروح الدينية والقومية، من خلال دروس اللغة والايمان المسيحي، والوحدات الدراسية المقررة من قبل حكومة ولاية فكتوريا. وستكون هذه المدرسة، الخطوة الأولى في طريق بناء المزيد من المؤسسات التربوية في ولاية فكتوريا" والتي سبقتها مدارس وكلية في مدينة سدني، وهي ثمار الجهود العظيمة والمثمرة التي يبذلها أبناء أمتنا في أستراليا وكنيستهم المشرقية برعاية نيافة مار ميليس زيا مطرابوليت أستراليا ونيوزلندا ولبنان وأعضاء الهيئات الإدارية للكنيسة والداعمين من أبناء أمتنا في أستراليا لهذه المبادرات القومية والكنسية.

 زيارة نيافة الاسقف مار بنيامين إيليا، أسقف كنيسة المشرق الآشورية على ولاية فكتوريا ودولة نيوزلندا، وبصحبة الأعضاء الإداريين للكنيسة في مدينة ملبورن للأرض المخصصة لتشييد أول مدرسة آشورية مسيحية في مدينة ملبورن. الصورة مقتبسة من الموقع الألكتروني للكنيسة.
=========================================================================
بعد خمسة ألاف سنة... هل ستموت هذه الأمة؟... هذا كان عنوان اللقاءات الفكرية التي عقدنا بالتشارك مع الأعلام المعروف ولسن يونان في كل من مدينتي ملبورن وسدني في منتصف شهر كانون الثاني 2018. والمضمون الجوهري لهذا التساؤل "التشاؤمي" كان يرتكز على القلق والمخاوف على مصير لغتنا القومية خاصة في بلدان المهجر والتي هي أس الأساس لهويتنا القومية، فبفقداننا سنفقد أهم وأخطر مقومات وجودنا القومي في هذا الزمن الظالم والمميت. فإذا كانت الظروف المأساوية المفروضة على أمتنا في أرض الوطن تهدد وجودنا وتقلعنا من أرض الأباء والأجداد عوامل قد تكون مؤثرة على الحفاظ أو الإستمرار في تدريس لغتنا القومية في المدارسة السريانية في شمال الوطن وتضع الجهات والمنظمات القومية المعنية بهذا الأمر والداعمة لإستمرار تدريس لغتنا القومية أمام تحديات خطيرة ومميتة تفرض علينا أن نطرح مثل هذا التساؤل "التشاؤمي". أما في بلدان المهجر فالتحديات الخطيرة مختلفة بنوعيتها وحجمها والتي تتمثل في أنصار وذوبان أبناء شعبنا، خاصة الأجيال القادمة، في بوتقة الثقافات واللغات السائدة في هذه البلدان وضياع أهم مقوم من مقومات وجودنا القومي، وهي تحديات تضع مؤسساتنا القومية السياسية والكنسية أمام مهمة خطيرة وصعبة في مواجهة هذه التحديات للتخفيف من حدتنا أن لم نقل أزالتنا من ساحة الصراع الثقافي والفكري والإجتماعي في هذه البلدان التي تشرع أبواها لجميع الثقافات ولكن في نهاية المطاف ستكون وبالحتم وبنتيجة هذا الصراع الغلبة للثقافة السائدة والمهيمنة والمدعومة بعوامل مادية وديموغرافية ونفسية وإجتماعية وحتى سياسية.
الكل يتفق بالتمام والكمال على  أهمية اللغة  بإعتبارها كإحدى  الركائز الأساسية والمهمة في وجود كل أمة من الأمم بحيث اعتبرها البعض من المفكرين كالروح بالنسبة للأمة، فبموتها تموت الأمة أيضاً. واللغة بهذه الأهمية والخطورة في الوجود القومي  واضحة وملموسة في اهتمامات معظم أبناء أمتنا، خاصة المفكرين والأدباء والمثقفين والسياسيين، وفي أفكارهم وفي أهداف جميع مؤسساتنا الاجتماعية والثقافية والدينية وحتى في الأنظمة الداخلية والمناهج السياسية لأحزابنا ومنظماتنا القومية، بحيث لا تخلوا صحيفة أو نشرة أو محاضرة أو ندوة أو حلقة دراسية من التأكيد على الأهمية الحاسمة لدور اللغة في الحفاظ على كياننا القومي. لا بل، لا ينتهي حديث بين أثنين أو أكثر من أبناء أمتنا سواء في مناسباتهم العامة أو الخاصة عن القومية إلا وأكدوا على أهمية اللغة في وجودنا القومي وضرورة صيانتها والمحافظة عليها من الضياع وذلك عن طريق تدريسها لأطفالنا وتعليم القراءة والكتابة بها. وعلى العموم فإن هذه التأكيدات المشددة على أهمية اللغة هي بحد ذاتها  ظاهرة إيجابية في مجتمعنا تنم عن حرص أبنائنا وقلقهم على مستقبل أمتهم. على أن الذي يهمنا في هذه المسألة هو التساؤل القائم على مدى إمكانية  ترجمة هذا الاهتمام والحرص والقلق على مستقبل لغتنا القومية إلى واقع ملموس وحقيقي وفعلي يساهم  في تحقيق ما يأملون من هذا الاهتمام ويزيل قلقهم من فقدان لغتهم. غير أنه من المؤسف له بأننا نلمس بأن هناك فرقاً كبيراً بين الطموح والأماني في الحفاظ على هذه اللغة  وبين الواقع والتطبيق في تعليم هذه اللغة،  فهذا البون أو الفرق هو نتيجة حتمية للواقع المأساوي من تشرد وعدم الاستقرار والمظالم والمذابح التي فرضت على أمتنا والتي حالت إلى تجريدهم من فرص تحقيق طموحاتهم وأمانيهم في حماية وصيانة لغتهم القومية عن طريق تدريسها لأطفالهم أو تأسيس مدارس ومعاهد لتعليم لغة الأمة، وهي الحالة التي سببت عجز أمتنا عن ترجمة طموحاتهم وأمانيهم في تدريس اللغة الى أطفالهم الى وقائع ملموسة ومثمرة خاصة في عصرنا الراهن حيث التحديات المميتة تهاجم أمتنا من جميع الجهات.
أمام هذه التحديات الخطيرة خاصة في بلدان المهجر، وتحديداً في أستراليا، برزت أبرشية كنيسة المشرق الآشورية في أستراليا برعاية نيافة المطربوليت مار ميليس زيا ونزلت على ساحة الصراع الثقافي واللغوي وبسلاح فعال تمثل في محاولات الحفاظ على لغتنا القومية وتعزيز مصادر الإنتماء إلى هذه الأمة من خلال تأسيس مؤسسات تربوية كالمدارس والكليات ومعاهد تعليم لغة الأم. هذا الأمر، أي تأسيس مدارس وكلية في بلد من بلدان المهجر يعد وبدون أدنى شك سابقة تاريخية في تاريخنا المعاصر وفريد من نوعها. وبنظرة بسيطة وسريعة إلى العوامل التي ساعدت على هذه المبادرة القومية في الحفاظ على لغتنا نرى بأنها تقوم على عاملين: ذاتي وموضوعي. فالعامل الذاتي، يتمثل في النشاط المحموم لرعية كنيسة المشرق وفي تواصل من دون كلل أو ملل لنيافة المطربوليت مار ميليس وأسقفه وكهنته وأعضاء اللجان الكنسية والخيرين من أبناء أمتنا في ألإستمرار في تحقيق الهدف المراد من تأسيس هذه المدارس والكلية والمعاهد اللغوية. أما العامل الموضوعي، فيتمثل في كون أستراليا بلد يقر قانونيا كدولة متكونة من ثقافات متعددة ومختلفة وبالتالي يفرض على الحكومة مساعدة المجموعات القومية واللغوية للحفاظ على لغتهم وتراثهم وكيانهم القومي أو اللغوي. لا بل هنا يتكامل ويتمازج العامل الذاتي مع العامل الموضوعي من خلال قدرة كنيسة المشرق خاصة المطربوليت مار ميليس زيا على فهم طبيعة المجتمع الأسترالي المتعدد الثقافات والقوانين التي تحكمها وعلى أستيعابها والإستفادة منها في بناء المزيد من المدارس الآشورية وتعميم الوعي اللغوي والقومي بين الأجيال خاصة المعاصرة، لا بل أيضا إستيعاب أبناء شعبنا الجدد المهجرين من أرض الوطن والعمل على إستمرار الحفاظ على مقوماتهم القومية من خلال زجهم في هذه المدارس القومية والدينية رغم تراكم الصعوبات المالية والإدارية على إدارة هذه المدارس.
لا أريد أن أدخل في تفاصيل أكثر في هذا العامل الذاتي لعله قد يفهمه البعض بأنه نوع من المجاملة والمدح لكنيستنا المشرقية ورجالاتها في أستراليا، ولكن للحقيقة أقول بأن ما أذكره هنا هو قليل القليل بحق الإنجاز الكبير في أستراليا بخصوص هذه المدارس التي اعتبرناها بحق وحقيقة بأنها سابقة تاريخية في المهجر... والأكثر من هذا، أرجو قبول فصاحتي بالقول: بأنه كان البعض، قليلا أو كثيرا من أبناء أمتنا لا يتفقون مع نيافة المطربوليت مار ميليس زيا بل يعارضونه في مسائل عدة، ولكن اليوم بعد هذه الإنجازات العظيمة وإنفتاحه على بقية أفرع كنيستنا المشرقية، خاصة الظاهر في المقابلات التي أجراها الإعلامي ولسن يونان مع نيافته، قد تغير رأيهم وأصبحوا من المؤيدين لنيافته، علنا أو ضمنا، وهذا دليل على صحة ما نقوله بخصوص هذه السابقة التاريخية في مجتمعنا في المهجر.
ولو حاولنا مقارنة هذه العوامل الذاتية والموضوعية الموجودة في أستراليا مع بلدان المهجر الأخرى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية، نرى بأن العامل الذاتي متوفر والمتمثل في وجود أبرشيات لكنيسة المشرقية وعلى رأسها أساقفة نالوا شهادات عالية سواء في اللاهوت أو التاريخ أو غيرهما من الحقول العلمية، غير أنه مع الأسف الشديد لم يخطوا ولا خطوة واحدة في سياق بناء مدارس آشورية ومعاهد لغوية، كما هو الحال في أستراليا. فنحن نعرف بأن الكنيسة كانت ولا زالت هي المؤسسة الرائدة والراسخة في مجتمعنا في المهجر وكانت منذ قديم الزمان وحتى السنوات القليلة الماضية هي الرائدة في تدريس لغتنا القومية لا بل يمكن أعتبارها كطوق النجاة لإنفاذ هذه اللغة من الإنقراض.  وهذا الأمر، أي الحفاظ على لغتنا القومية من خلال بناء مدارس في بلدان المهجر، أمر يهمني جدا أنا وغيري من القوميين من أبناء أمتنا أكثر من أمر بناء كنائس جديدة والوعض عن التوراة وعن الحوت الذي بلع يونان وعن أساطير النبي داود، ولكن مع هذا فأن هذا الأمر القومي المهم جداً لي ولغيري لا يهز أو يزعزع إيماننا المسيحي وإحترامنا السامي لكنيستنا المشرقية ورجالاتها الأفاضل... نعم يهمي جدا أن يكون الأسقف ورعاً ومؤمناً وصادقا في إيمانه ولكن أيضا يهمني جداً أن يكون أداري بالدرجة الأولى، أو كما سبق وقلنا أن يكون (Managing Director or COE) في إدارته لكنيسته وأبناءها وتحقيق جانبها القومي المتمثل في لغة الكنيسة والأمة معا. فزوال الجانب القومي من كنيستنا هو في الحقيقة زوال الصفة المشرقية لكنيستنا كمؤسسة تاريخية وتراثية وبالتالي إنفصام الجسد عن الروح وحينذاك سيلجأ أبناء الأمة إلى البحث عن هذا الروح، أي الإيمان المسيحي، وسيجده سواء في جنوب أفريقيا أو في الفيلبين أو في الولايات المتحدة أو في أي بلد أوروبي مسيحي ولكن من المستحيل أن يجد لغته في هذه البلدان البعيدة عن أرض الأباء والأجداد.
 أما العامل الموضوعي، فمن المعروف بأنه تقريباً معظم البلدان الديموقراطية التي يتواجد شعبنا فيها لها برامج خاصة في مساعدة الأقليات من النواحي الثقافية والفنية وحتى الإجتماعية وأن كانت أقل "كرماً" من دولة أستراليا إلا أنه مع الأسف الشديد أما أسيئ أستخدام هذه المساعدات أو أستخدمت لأغراض أخرى لا تصب في مصلحة أبناء شعبنا في هذه البلدان أو عجز أو أختلف أو تخاصمون "زعماء" الأمة والكنيسة ودخلوا في متاهات عن كيفية الإستخدام والإنتفاع من هذه التخصيصات وبالتالي ذهبت أدراج الرياح.
من هنا وإنطلاقا مما ذكرناه، فأن نموذج أبرشية أستراليا ونيوزلنده في بناء المدارس الآشورية وكلية ومعاهد لتعليم لغة الأمة يجب أن يحتدى بها الأبرشيات الأخرى للكنيسة في المهجر، لا بل وأقترح على المجمع السنهدوسي لكنيسة المشرق القادم أن يقر قراراً يفرض على الأساقفة في المهجر أن يأخذوا مسألة بناء مدارس آشورية ومسيحية والإهتمام بلغة الأمة بنظر الأعتبار كوسيلة للخلاص أو التخفيف من التحديات التي تهدد مصير أمتنا وكنيستنا في المهجر.
وأخيراً، حتى أكون أكثر واقعياً وموضوعياً، أقول: صحيح هو أن إنحدار الخط البياني حاد وسريع نحو زوال لغتنا وإمحاء وجودنا القومي في المهجر وفق المعطيات الحالية والظروف المأساوية المحيطة بأبناء أمتنا ومن المؤكد بأن المؤسسات التربية من مدارس وكلية في إستراليا لا يمكن التصدي لها وتحويل مسار الخط البياني أو إيقافه عند حده والحيلولة دون إنقراض لغتنا وزوال وجودنا القومي، إلا أنه من جانب آخر أقول بأنه إذا كانت لغتنا القومية وفق المنظور المتوسط معرضة للزوال خلال عقدين أو ثلا ثة من الزمن فإن الموسسات التربوية لأمتنا في أستراليا ستكون عاملاً للتخفيف من حدة إنحدار الخط البياني وزخماً فاعلا ومطولا لفترة إنقراض لغتنا. وبعبارة أوضح، إذا كان من المحتمل أن تنقرض لغتنا القومية في المهجر خلال عقدين أو ثلاثة من الزمن، فأنه بوجود المدارس الآشورية في المهجر كأستراليا سيكون إحتمال إنقراض لغتنا خلال خمسة أو ستة عقود وربما أكثر. وإحتمال ظهور عوامل تساعد على إنقاذ أمتنا والوقوف مرة أخرى على قدميها خلال خمسة أو ستة عقود من الزمن يكون أكثر ممكنناً ومنطقياً من عقدين أو ثلاثة عقود. فالزمن الطويل قد يكون كفيلاً بإيجاد حل لمسألة إنقراض لغتنا في المهجر.
مرة أخرى هنا لا يسعنا إلا أن نرفع قبعاتنا وننحني أمام مثل هذه المبادرات والإنجازات القومية في أستراليا، ونرفع أبهامنا عالية ومشددة  تأييدا وتثميناً وإعجاباً لمثل هذه الإنجازات القومية في هذا الزمن الصعب والقاسي والمجدب بحق أمتنا.
 
============================================================