المحرر موضوع: برزان التكريتي ومذكرته (السنوات الحلوة والسنين المرّة)  (زيارة 3773 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل عبد الأمير الربيعي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 304
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
برزان التكريتي ومذكرته (السنوات الحلوة والسنين المرّة)
نبيل عبد الأمير الربيعي
    عندما يرحل الأفراد مهما كانوا سياسيين أو علماء أو ادباء ترحل مهم ذكريتهم ومذكراتهم, ويذكر الكاتب والباحث عبد الحسين شعبان حول مذكرات الراحل عامر عبد الله, أنه الراحل تحدث له عن وجود ثلاث مسودات كل مسودة تحتوي على (300) صفحة, لكنه تأسف على مذكرات عامر عبد الله المفقودة, أما بخصوص الراحل برزان التكريتي فمسودات مذكراته قد عثرَّ عليها الأمريكان باحتلالهم العراق وتم نشرها على موقع أمريكي, وهي مذكرات رئيس جهاز المخابرات الصدامية الأسبق برزان التكريتي الأخ غير الشقيق على مواقع النت متضمنة ملاحظات برزان بخط يده, ومن ثم قامت (مكتبة المجلة) بنشرها خلال الأيام الماضية مع ملاحظات الراحل برزان, ومن ثمَّ تم طباعتها ونشرها طبعة ثانية دون موافقة ورثة الراحل.
    اصبحت المذكرات تحتل ركناً في قائمة الكتب الأكثر رواجاً والأكثر تداولاً في مجتمعنا, لقد بتنا نطالع شهادة الفاعلين والعاملين في العملية السياسية العراقية, وبهذا المجال يمكن ان نستشهد بمذكرات برزان التكريتي المهمة لفضح النظام وطريقته في إدارة دفة الحكم زهاء أكثر من ثلاثة عقود من الزمن, فقد انتظرنا كثيراً من السنوات لمعرفة حقائق كثيرة طالما كانت غائبة عن المتابعين لهذا النظام الظالم والدكتاتوري, وما زلنا في حاجة إلى الكثير من المعلومات حول هذا النظام لتتشكل الصورة الحقيقية لهذا النظام الذي سقط في ليلة وضحاها على يد القوات الأمريكية دون تدخل فاعل من قبل المعارضة العراقية, ولذلك تعتبر مذكرات برزان التكريتي الذي حكمت عليه المحاكم بعد سنوات الاحتلال بالموت شنقاً إنها شهادات مطلوبة وأساسية للمتابع للعملية السياسية, لإكمال جوانب أخرى من صورة هذا النظام ودعم دول الجوار لهُ والقوى الامبريالية المساندة والقطار الأمريكي الذي حمل هذه الطغمة للتسيّد على ابناء الشعب العراقي منذ عام 1968م.
    لقد اختفى الكثير من المعارضين والعلماء والأدباء أثناء تولي نظام البعث للسلطة, واختفى الكثير من المفكرين واختفت معهم مذكراتهم, وبعد اختفاء هذا النظام بعد عام 2003 لم نعتد على كتابة السير والمذكرات والاطلاع عليها بسبب الخوف والمسؤولية والنقص في الكتابة والتأليف, إلا أنه قد فتحت لنا في الآونة الأخيرة فسحة من الأمل للاطلاع على أغلب المذكرات وتقييم الواقع الذي كنى نعيش فيه.
    الكتاب صادر عن مكتبة المجلة وهو اسم لم اسمع به سابقاً, وقد كتب الناشر مقدمة للمذكرات لاطلاع القراء على مضمون هذا الكتاب, وقد تضمن الكتاب (428 صفحة من القطع الوزيري, وقد تمّ تقسيم الكتاب إلى قسمين, القسم الأول تضمن نبذة تاريخية موجزة عن حياة برزان ومشاركته مع أخيه صدام حسين في العمل السياسي في صفوف حزب البعث وتغيير النظام العارفي, واشغاله لمنصب  مدير المخابرات العامة العراقية, والقسم الثاني مذكرات برزان التكريتي اليومية مع عائلته في جنيف حتى رحيل زوجته أحلام من الحياة, وأسفه على رحيلها.
   ففي صفحة 6 من المذكرات يصف برزان عناصر حكومة البعث في اسلامهم للسلطة عام 1968م قائلاً "كانت علاقتهم ممتازة واستمرت إلى ما بعد استلام السلطة بسنتين تقريباً, وبدأ التنافس على الغنيمة, وهذا أمر طبيعي في عمل الأحزاب الثورية والعصابات, لأن كل الأحزاب الثورية والعصابات يبدأون بتصفية بعضهم بعد سرقة البنك أو بعد الوصول للهدف", هذا الوصف يؤكد برزان بأن حكومة البعث هم مجرد عصابة استحوذت على خيرات العراق, وفي نفس الصفحة يؤكد برزان على أن اعمام صدام قد تبرأوا منه قائلاً "لم تكن لصدام علاقة مع عمامة لأنهم تبرأوا منهُ عندما قام بقتل الحاج سعدون أحد أقربائنا", وهذا تأكيد على اجرامية صدام ودهائه في قتل اقرب الناس إليه.
   أما حال الممتلكات العراقية وكيفية الاستحواذ عليها من قبل حكومة البعث يذكر برزان التكريتي في صفحة 16 قائلاً "ولكن مع الأسف كل هذه الأجواء الجميلة والطبيعية اختفت بعد أن وصلنا إلى القصر الجمهوري وتم استملاك الأراضي والدور, وتم مصادرة المرافق العامة في هذه المنطقة الجميلة وتم تحويلها إلى معسكر مختلف وليس إلى معسكر منظم.... ومنذ ذلك الوقت بدأت نظرية المؤامرة والتي لم يتخلص منها أهل القرار لحد الآن, مع الأسف, وكل شيء يوعزوه لوجود مؤامرة ومتآمرين, ناسين انهم أشد المتآمرين على انفسهم وعلى شعبهم", ولذلك بدأت عمليات الاعدامات بتهم المؤامرة والعمالة لأبناء الشعب العراقي, أما الرتب العسكرية فقد منحت لأقرباء صدام ممن كانوا شرطة أو جنود وبرتب دنيا, ولكن في عهد صدام حصلوا على رتب عليا بدرجة وزير وفريق أول ركن, وأمثال ذلك عبد حمود وعلي حسن المجيد وحسين كامل وصدام كامل, فضلاً عن منح برزان التكريتي في شهر نوفمبر من سنة 1969 رتبة وقتية في الجيش العراقي وهو لم يكمل دراسة الاعدادية.
    كما يذكر برزان التكريتي في مذكراته صفحة 32 حادثة اعدام ناظم كزار مدير الأمن العامة بسبب محاولته اغتيال البكر وقتله لحماد شهاب واصابته البليغة لسعدون غيدان, وكيف ارادت عائلة واقارب سعدون حمادي الاقتصاص من ناظم كزار, ونتيجة الخلافات بين صدام حسين وبرزان التكريتي تم احالة الأخير على التقاعد من المخابرات واحتجازه في داره ومراقبته اليومية لاتهامه بمحاولة قلب النظام واستلام السلطة, وكانت في مخيلة صدام أن برزان بعد أن شكل مؤسسة الأمن القومي وشارك بشكل رئيسي في صناعة الاسلحة الاستراتيجية وبحوث الطاقة الذرية التي تشرف عليها المخابرات, والشروع في مشروع المدفع العملاق وقبله السلاح الكيمياوي والجرثومي, وبعد أن عرف الرئيس صدام هذه الحقيقة اعدم مدير الصنف الكيمياوي في وزارة الدفاع العميد الركن نزار النقشبندي وترك برزان العمل نهاية عام 1983م.
    كان صدام حسين شكوك في اقرب الناس إليه حتى اخيه غير الشقيق برزان, والسبب كما يذكر برزان في صفحة 38 قائلاً "والسبب الذي يدفعه لكي يزعل نفسه لأنه شكوك مثل أي حاكم مشابه له وينتمي لنفس المدرسة, وقبل ذلك لأن ظروف نشأة ابو عدي غير طبيعية ومبنية على حسابات الفرصة والمؤامرة والتخلص من الآخرين اللذين يحضون باحترام اجتماعي أو مهني أو سياسي لأنه يعتقد انهم الخطر الحقيقي عليه؟!", حتى الزيجات التي حصلت داخل العائلة كانت تتم من خلال العقلية العشائرية واجبار البنت على الزواج من ابن عمها دون الرجوع إلى رأيها ورغبتها, وهذا ما يؤكده برزان التكريتي في مذكراته صفحة 40/43.
    يذكر برزان التكريتي في مذكراته صفحة 45 حالات المضايقات والاغتيالات والاختطاف للعناصر المقربة من برزان امثال السيد فؤاد الوتار والمهندس فاضل عجينة والمهندس المقاول واركيس درزي, ومحاولات انتحار عدي صدام ومحاولة قتل والده بسبب الاختلاف حول سلوكية عدي وقتله لكامل حنا الطباخ الخاص لصدام, فيذكر برزان التكريتي في صفحة 58 عندما حاول عدي طلب اللجوء إلى امريكا من خلال الاتصال بالسفارة الامريكية وطلبه تسهيلات للذهاب اليها قائلاً "فيبدو أنه (صدام) اتفق مع حسين وصدام كامل على اعتقال عدي, ففي هذه الاثناء هجم الأخوين على عدي واعتقلوه ووضعوا الوثاق بيديه (الكلبجة) أخذوه إلى الرضوانية".
     كان برزان التكريتي متوجساً من صدام وعائلته, ورغبته بالخروج من العراق بأي شكل, وقد ذكر قائلاً لزوجته التي يلقبها بشجرة الدر في صفحة 61 "قررنا شجرة الدر وأنا أن لا مستقبل لنا في هذا البلد وفي ظل هذا الحكم وهذه العقلية.. لأن أهم شيء غير متوفر لتنفيذ قرارنا إلا وهو المال لأننا لا نستطيع العيش خارج العراق بأمكانيات شبه معدومة... مضاف لذلك منع السفر الذي فرض عليَّ وعلى عائلتي", وعند مرافقة برزان لعدي في سفره إلى جنيف بسبب مقتل كامل حنا على يد عدي, وما سببه عدي لبرزان من مشاكل ففي صفحة 67 يذكر برزان من مشاكل عدي قائلاً " حقائب سفر عدي التي ملأت بالدولارات مع صديقه عبد الوهاب, وجلب عدي سفرته هذه اكثر من خمسين بدلة واكثر من عشرة معاطف فرو مع الشفقات التي تجلب الانتباه ... تصور كان يذهب للنوادي الليلية ويأخذ معه النركيلة فيصبح فرجة للناس وقسم من الناس يعتقدون أنه يدخين الحشيش".
    أما ما يذكره برزان حول تصرفات قصي صدام في بون في صفحة 73 قائلاً "لقد زارني هوشنك في بداية الشهر الاول من سنة 1989 في جنيف, واخبرني بأن قصي كان في بون وكان معه شلّة من رجال الاعمال العراقيين منهم اسعد طعيمة وآخرين يترددون على العراق وآخرين لم يزوروا العراق منذ وقت طويل, وقال عندما كانوا في الفندق قال احدهم لهوشنك هل تستطيع احضار شيء لنا (لنشمه) وكان واضح انه يسأل عن نوع من انواع المخدرات, فقال له هوشنك بعصبية, ما هذا الكلام انه لا يتعاطى هذه الامور وحذره من ان يسمع قصي, فرد عليه قائلاً لا تخاف اننا دائماً نقوم بالشم... فكتبت رسالة للرئيس بهذا الخصوص انبهه على ضرورة الانتباه لأولاده... بعد ان انتهينا من العشاء خرجنا وكانت سيارة تنتظر السيد هوشنك ولكن ليس لأخذه إلى بيته وانما أخذته إلى الاستخبارات العسكرية وكلف الاخ سبعاوي بالتحقيق معه واعدم بعد ايام", حتى حادثة سقوط طائرة وزير الدفاع عدنان خير الله طلفاح يشك برزان التكريتي من خلال ما ذكره في مذكراته أن حسين كامل هو المدبر لمقتله كي يستلم وزارة الدفاع من بعده, كما يذكر برزان حالة خيانة حسين وصدام كامل وهروبهما إلى عمان للالتحاق بالمعارضة, وكيفية عودتهما إلى العراق ومقتلهما على يد علي حسن المجيد وأفراد العائلة.
هذا ما ذكره برزان التكريتي عن عائلة صدام حسين التي حكمت العراق بالحديد والنار والحروب والحصار, عائلة متخلفة ساقطة متفككة تتعاطى المخدرات وتتمسك بالسقوط الاخلاقي, ولكن استعراض هذا الكتاب من خلال هذه الاوراق القليلة من الصعب تغطية جميع مذكرات برزان التكريتي والحقائق التي ذكرها فهي كثيرة وكبيرة لا تتسع هذه الوريقات القليلة, فارجوا كل من لا يعرف هذا النظام أن يطلّع على مذكرات برزان التكريتي ليعرف الحقيقة كاملة.