من أمراض مسؤولي منتدياتنا
ميخائيل ممومن المتعارف عليه في دول الشرق الأوسط، وما يتم ضمه إلى ذات القائمة من دول شمال افريقيا إضافة لعالم الغرب عن التزامها بالعادات والتقاليد الموروثة والمناسبات المعتمدة سنوياً في الإطار الديني والقومي، وعلى وفق خاص ومتميز الأعياد الدينية منها بحيث تعم الأفراح على استقبالها والابتهاج بها بتزيين المدن والمساكن واعتماد الزيارات المتتالية لدى غالبية عوائل المذاهب الدينية المختلفة من شعوب العالم وحتى الرسمية منها. وبذات المنحى ما يخص المناسبات القومية التي تتوالى على مدار السنة لدى الشعوب بغية الإحتفاء بها من وحي الإلتزام بمآثرها الموروثة من أقدم العصور، أو بما تفرضه الأحداث التاريخية لواقعة ما إن كانت سلبية يكللها الحزن والأسى أو إيجابية الفرح والإبتهاج. وعادة ما تنبع ذكرى إحياء تلك المناسبات من إيمان الطليعة الواعية أو الجهات الرسمية كالحكومية وغير الرسمية كالمنتديات الأدبية والثقافية والإجتماعية والسياسية.
وبما أن الشعب الآشوري الذي ذاق الأمرين بكافة تسمياته في تاريخه القديم والحديث المعاصر لم يتوانى في الحفاظ على هويته الأصلية ومواصلة مسيرته الحياتية بالرغم من كل المصائب التي حلت به، والمصاعب التي جعلته مرفوع الرأس ليثبت وجوده، وبشكل متميز من خلال إعادة مآثر تاريخه بمواقف عتيدة مجسداً أيّاها في كل عام، والتي منها أعياد أكيتو رأس السنة الآشورية الجديدة وذكرى الشهداء الآشوريين ويوم اللغة الآشورية والدينية منها العديدة في التقويم السنوي. لكن المؤسف له أن نجد اليوم وفي عصر بلغ العالم فيه قمة التطور الحضاري والعلمي والتثقيفي أن تتصارع مؤسساتنا التي تأسست في ديار الغربة وحتى في الوطن الأم، أن تنحاز في مواقفها من بعضها لتدير ظهرها عن المؤسسات الشبيهة لها والأكثر عراقة وقِدَماً في تواجدها، إن كانت اجتماعية ثقافية أو سياسية. الأهم والأدهى من ذلك في ديار الغربة التي يتواجد فيها أبناء شعبنا بإقدامهم على تأسيس منتديات مستحدثة لأسباب لم تكن مجهولة طالما يتم تأطيرها وتزيينها بصبغة طائفية أو إقليمية أو نفعية رغم تواجد ذات المنتديات في ذات المناطق ومن أبناء ذات الأرومة. وكأن من أقدموا على ذلك قد هبطوا من المريخ أو قارة أخرى لإستحداث ما لم يُستَحدث. بهذا ومن دون أي شك فأن الواقع المؤسف يؤكد ذلك حين يتضح الأمر من ضعفاء النفوس بأن " فلان وعلان وفلتان" من أبناء جلدتي، أو من أبناء قريتي، أو من أبناء عشيرتي دون تحسسهم بأنهم يزيدون النار اشتعالاً بتكثيف لهيبها لتلتهم الأخضر واليابس، بزرع التفرقة والانشقاقات التي تزيد الطين بلة. هذا ما ينجلي أمام أنظارنا، وما يتكرر في بلدان الإغتراب ويطرق أسماعنا من كل حدب وصوب في أوربا وحتى في الولايات الأمريكية.
لذا فمن حقنا التساؤل: أليس الأولى بها أن تتباحث وتستشير الأقدم منها في تجاربها ومواقفها طالما هي في دور الحداثة؟! ومن ثم أوليس أيضاً أن تقترب جميعها في دائرة واحدة لتؤكد لحمتها من بعضها؟! وعلى أقل ما يمكن طلب الإستشارة أو المشورة بإيضاح صفاء النية لبيان صيغة الأصلح والأنفع. علماً بأن الإقدام على فرز وتبديد وبعثرة القوة هو إضعاف تلك القوة. فالويل لأبناء شعب يكيلون بمكيال عنجهية الرأي في مواقفهم الخاصة بتبريرات سلبية وتأويلات لا تمت للواقع بصلة. وقد صدق وأبدع جبران خليل جبران (1883 ـ 1931) في عصر الإضطرابات الفكرية حين دَوّن دُرَراً من الحِكَم في مقالته الشهيرة "ويل لأمة" التي إختتمها بمقولة " ويلٌ لأمة مقسمة إلى أجزاء، وكل جزء يحسب نفسه فيها أمة".
فإن كان الجواب سلباً مما أشرنا إليه، فمن المحتم أن تكون النتائج أكثر سلبية مما هو عليه. لكون دساتير منتدياتنا هي ذاتها في موادها القانونية وفي عملها القومي، ولكون من يتمنطق بإيمانه القومي هو ذاته لدى الآخرين أيضاً.
على أية حال هناك العديد من الأمثلة للنتائج السلبية المستشرية في أوساط مجتمعنا الكبير، سواء في الحقل القومي أو الديني. لذا ينبغي ويتحتم على كل من يحاول قطع صلات الثقة أن يعي بأنه يتلولب في دوامة ضبابية ليكون بالتالي يائساً من نفسه ومن يحيط به ليستدرك من أخطائه ما هو الأصلح والأجدى لإثبات الوجود والأهداف التي يسعى لتحقيقها والآمال التي يبني عليها الأحلام في مبادئه.
وفي الختام دعوني استثني كيان منتدياتنا من صفات العلل، وبمحاشاة من يعي إيمانه الحقيقي وصدقه الناصع بصراحة منطقية. وأن ينفض عن كتفه من يشعر وجود ذرات الغبار، عسى ولعل أن يعود إلى رشده ويعترف بالحقيقة رغم مرارتها. وللحديث صلة لإستيعاب ما نرمي إليه بشكل أوسع عن واقع منتدياتنا.