المحرر موضوع: رسالة عيد القيامة المجيدة لعام 2018 لغبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان  (زيارة 3223 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Habib Mrad

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 137
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


الرقم: 52/2018
التاريخ: 28/3/2018

رسالة عيد القيامة المجيدة 2018

إلى إخوتنا الأجلاء رؤساء الأساقفة والأساقفة الجزيلي الإحترام
وأولادنا الخوارنة والكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات الأفاضل
وجميع أبنائنا وبناتنا المؤمنين المبارَكين بالرب
اللائذين بالكرسي البطريركي الأنطاكي في لبنان وبلاد الشرق وعالم الإنتشار

نهديكم البركة الرسولية والمحبّة والدعاء والسلام بالرب يسوع، ملتمسين لكم فيض النِّعَم والبركات:
«ܡܳܪܝ ܘܰܐܠܳܗܝ»
"ربّي وإلهي" (يوحنّا 20: 28)
1.   مقدّمة
يخبرنا الإنجيل المقدس عن ظهورات الرب يسوع فادينا للتلاميذ الحيارى الخائفين، كي يثبّت إيمانهم بقيامته. غير أنّ أحدهم، توما الرسول الغائب في ظهور الرب مساء أحد القيامة، لم يكن يصدّق. وإذا بيسوع يظهر لهم ثانيةً وهم مجتمعون، ويتوجّه إلى الرسول المرتاب كي يتقدّم ويلمسه، فما كان من توما إلّا أن أعلن إيمانه بقيامة يسوع هاتفاً: "ربّي وإلهي!" (يو 20: 28). وأضحى هذا الرسول المرتاب بحدث القيامة مثلاً للذين يصرّون على الشك إزاء حقيقةٍ بيّنةٍ تُنقَل إليهم. ونحن الذين قال عنهم الرب المنبعث حيّاً من بين الأموات: "طوبى للذين يؤمنون ولم يروا" (يو 20: 29)، مدعوون كي نجدّد دوماً، وبنوعٍ خاص ومميّز في موسم القيامة المقدسة من كلّ عام، إيماننا الراسخ بأنّ الرب يسوع أبطل الموتَ بانبعاثه من القبر.
ففي عيد القيامة نحتفل بانتصار الحياة على الموت، والنور على الظلمة، والحق على الباطل، والسلام على العنف، والفرح على الحزن. لذا يطيب لنا أن نتقدّم منكم جميعاً، أيّها الإخوة والأبناء والبنات الأعزّاء أينما كنتم، في الشرق أو في عالم الإنتشار، بأجمل التهاني وأصدقها، سائلين الرب يسوع المخلّص أن يهبكم نِعَمَه وسلامه وفيض بركاته وعطاياه، وينعم على بلادنا المعذَّبة بالأمان والإستقرار والسلام العادل والدائم والشامل.



2.   قيامة المسيح أساس إيماننا وغايته
بقيامته، زرع يسوع الفادي السلام والرجاء في القلوب ونشره في العالم بواسطة الكنيسة وكلّ ذوي الإرادات الحسنة، وسلَّمنا إيّاه عطيةً من السماء لكي نرسّخه في الأرض وبين الشعوب. من هنا الدعوة لنا جميعاً لتعزيز الحقيقة بالمحبّة بين الجميع، بروح الوفاق والتضامن، لما فيه خير الناس، كلّ الناس.
إنّ قيامة الرب يسوع من بين الأموات، هذا الحدث التاريخي الذي تيقّنه الرسل والتلاميذ، هو حقيقةٌ أساسيةٌ أضحت محور إيماننا المسيحي: "إن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضاً باطل" (1 كور15: 14). فالقيامة تأكيدٌ على كلّ ما عمل المسيح وعلّم حول ما يختص بالله الواحد والثالوث، وبالإنسان، والتاريخ، والقيامة متلازمةٌ مع تجسُّد ابن الله الذي صار بشراً ليفتدي الإنسان ويخلّصه بموته، ويعيد إليه بقيامته بهاءه الأول، أي صورة الله فيه. فبموته حرّرنا من الخطيئة، وبقيامته منحنا الحياة الجديدة والغلبة على الموت: "المسيح قام من بين الأموات، وصار بكر الراقدين... وكما أنه في آدم يموت جميع الناس، كذلك بالمسيح جميعهم يحيون" (1كور15: 20 و22).
إننا نؤمن بسرّ الفداء الذي تمّمه كلمة الله المتجسّد بآلامه وموته متكلّلاً بالقيامة الممجَّدة، فقد "قام الرب لتبريرنا (روم 4: 25). صالحنا المسيح الفادي مع الآب بسفكه دمه الثمين وبقبوله الموت الطوعي على الصليب فداءً عن خطايا البشرية جمعاء، كي نعيش المصالحة مع الله ومع بعضنا البعض. هذا كلّه يبرز جليّاً في إعلان الملاك للنسوة اللواتي أتينَ ليطيّبنَ جسد يسوع في فجر أحد القيامة: "لا تخفْنَ، أنتنّ تطلبْنَ يسوع الناصري المصلوب، لقد قام وليس هو ههنا" (مر16: 6). ونحن بدورنا نجدّد إعلان هذه البشرى السارّة للعالم أجمع بتحية العيد: "المسيح قام! حقّاً قام!".

3.   ظهورات القائم من الموت تثبّت إيمان تلاميذه
منذ قيامته ويسوع يظهر لرسله في أماكن مختلفة وأنواع متعدّدة، واستمرّت هذه الظهورات مرّاتٍ عديدةً حتّى صعوده إلى السماء بعد أربعين يوماً، فبدّد خوفهم، فيما كانوا مجتمعين في البيت والأبواب مغلقة خوفاً من الذين قادوا المعلّم الإلهي للصلب. ظهر يسوع للمجدلية التي لم تعرفه أولاً بل ظنّته البستاني، إلا أنها عرفته حين ناداها باسمها (يو20: 11-18)، ثمّ لبطرس (لو24: 34)، فتلميذَي عمّاوس اللذين لم يعرفاه بعد أن رافقهما وتحدّث معهما طوال الطريق، إنما عرفاه حين كسر الخبز وناولهما (راجع لو 24: 13-49)، وللتلاميذ مجتمعين (لو24: 36-49، يو20: 19-29)، وبعد ذلك ظهر لسبعة من التلاميذ على شاطئ بحيرة طبريّة ولم يعرفوه، أمّا يوحنّا فعرفه بعد معجزة الصيد العجيب (راجع يو 21: 4-7). وبالرغم من ترائيه لهم، لم يعرفه التلاميذ، لأنّهم نظروا إليه بعين البشر وليس بعين الإيمان. لكن في كلّ ظهور، كان يسوع يبادر تلاميذه بتحية: "السلام معكم" (يو 20: 19 و26)، وبهذا السلام كان يهبهم الطمأنينة والراحة، ويثبّت إيمانهم به، ويُجري الآيات الباهرة، ويقوّيهم في رسالتهم.
يتغنّى مار أفرام السرياني بترائي الرب يسوع للتلاميذ في العلّية، فيقول: «ܟܰܕ ܫܠܺܝ̈ܚܶܐ ܟܢܺܝܫܺܝܢ ܟܽܠܗܽܘܢ ܒܥܶܠܺܝܬܳܐ ܡܶܢ ܕܶܚܠܰܬܗܽܘܢ܆ ܥܰܠ ܡܳܪܰܢ ܩܳܡ ܒܰܝܢܳܬܗܽܘܢ ܘܠܰܒܶܒ ܐܶܢܽܘܢ ܒܰܫܠܳܡܶܗ. ܡܫܺܝܚܳܐ ܡܰܠܟܳܐ ܕܰܫܠܳܡܳܐ ܕܰܙܪܰܥ ܫܰܝܢܳܐ ܒܰܒܪܺܝܬܳܐ܆



ܫܰܪܰܪ ܠܥܺܕܬܳܟ ܩܰܕܺܝܫܬܳܐ ܕܬܶܙܡܰܪ ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܛܰܝܒܽܘܬܳܟ». وترجمته: "فيما كان الرسل كلّهم مجتمعين في العلّية وهم مرتعبون، دخل ربّنا وقام في وسطهم وشجّعهم بسلامه. أيّها المسيح ملك السلام الذي زرع الأمان في المسكونة، ثبِّت كنيستك المقدسة كي ترنّم المجد لنعمتك" (من باعوث مار أفرام، صلاة القومة الثانية من ليل الأحد الجديد، كتاب الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد).
لا يمكن للمؤمنين بالرب يسوع أن يتيقّنوا قيامته من خلال معرفته بعين الجسد بل بعين الإيمان، ولا أن يدركوا حقيقته بعين العقل بل بحبّ القلب. قال يسوع لتوما: "لا تكن غير مؤمنٍ، بل كن مؤمناً" (يو20: 27)، فمنحه نعمة الإيمان. ولذا، للحال تفاعل توما مع هذه النعمة، فجاهر: "ربّي وإلهي" (يو 20: 28). فما كان من الرب يسوع إلا أن أكّد أهمّية تسليم القلب كمفتاح للإيمان، واهباً إيّانا نحن المؤمنين به الطوبى والثناء لأنّنا آمنّا دون أن نرى.

4.   الإيمان بالقيامة عطيّة من الله يتجاوب معها الإنسان
يرتكز الإيمان المسيحي على الإيمان بقيامة يسوع "الربّ والإله"، فالإيمان عطيّة من لدن الله، على ما أكّد الربّ يسوع لسمعان بطرس عندما أعلن إيمانه به في قيصرية فيليبس: "لا لحم ولا دم أظهر لك ذلك، لكنّ أبي الذي في السماوات" (مت 16: 17). الإيمان هو جواب الإنسان إلى الله الذي يكشف له حقيقته، ويهبه ذاته، ويعضد بنورٍ فائضٍ كلّ إنسانٍ يبحث عن المعنى الخفيّ لحياته. إيماننا المسيحي هو دخولٌ في الشركة مع الله بنعمةٍ مجّانيةٍ منه، فيُخضِع الإنسانُ عقلَه وإرادتَه لله، ويقبل ما يوحيه الله إليه ويلتزم به (كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 26 و142-143)، وهذا يُسمّى طاعة الإيمان (المرجع نفسه، 142-143). هكذا يظهر إيمان توما بعد أن رأى في يسوع آثار الصلب، فآمن بألوهيته.
يقترن الإيمان بالرجاء والمحبّة، فهذه ثلاث فضائل تلخّص مسيرة حياة المؤمن (1كور 13: 13). بحسب رسول الأمم مار بولس: "البارّ بالإيمان يحيا" (روم1: 17)، "وإنما القيمة للإيمان العامل بالمحبّة" (غلا 5: 6). ولذا، "الإيمان بلا أعمال ميت" (يعقوب 2: 26). الإيمان، الذي لا يثبت في الرجاء، ولا يُترجَم بأعمال ومواقف محبّة، لا يُدخِل المؤمن في اتّحادٍ كاملٍ مع المسيح، ولا يجعل منه عضواً حيّاً في جسده (راجع كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1814-1815).
من هنا، يختم يوحنّا إنجيله بالدعوة إلى الإيمان: "كُتِبت هذه لتؤمنوا بأنّ يسوع هو المسيح ابن الله، ولتكون لكم إذا آمنتم الحياة باسمه" (يو20: 31). بقبول نعمة الإيمان، ينال المؤمن السعادة ويعيش في فرح دائم ومتجدّد، ويسعى لنشر هذا الإيمان بين الآخرين بالمحبّة الغيورة على خلاص الإنسان. وهذا ما يحمل الكنيسة، بإكليروسها ومؤمنيها ومؤسّساتها، على الكرازة بإنجيل يسوع المسيح، ونقل البشارة السارّة إلى العالم أجمع.
وها هو مار أفرام السرياني يعبّر عن الفرح العظيم الذي يعيشه المؤمنون بقيامة الرب يسوع، فيقول: «ܬܰܠܡܺܝܕ̈ܶܐ ܕܳܨܘ ܐܳܦ ܫܰܒܰܚܘ ܒܣܰܒܪ̈ܳܬܳܐ ܕܡܶܫܬܰܡܥ̈ܳܢ ܗܘ̈ܰܝ܆ ܘܥܺܕܰܬ ܩܽܘܕܫܳܐ ܗܺܝ ܘܝܰܠܕ̈ܶܝܗ̇ ܙܳܡܪܳܐ ܫܽܘܒܚܳܐ ܘܬܰܘܕܺܝܬܳܐ܆ ܠܰܡܫܺܝܚܳܐ ܕܩܳܡ ܡܶܢ ܩܰܒܪܳܐ ܘܚܰܕܺܝ ܠܰܐܪܥܳܐ ܘܠܰܫܡܰܝܳܐ». وترجمته: "فرح التلاميذ مهلّلين ببشائر القيامة التي سمعوا بها، والكنيسة وأولادها يرنّمون المجد والشكر إلى المسيح الذي قام من القبر وأبهج الأرض والسماء" (من باعوث مار أفرام، صلاة الساعة التاسعة من صباح يوم السبت الأول بعد القيامة، كتاب الفنقيث، وهو كتاب صلوات الآحاد والأعياد).


5.   قيامة الرب حياة متجدّدة
لم يستطع الكثيرون من الناس عبر الأجيال أن يتقبّلوا سرّ الفداء أي صلب الرب يسوع وموته وقيامته من بين الأموات، لأنّ تفكيرهم البشري منعهم عن فهم سرّ هذه القيامة – المعجزة، فلم يحظوا بثمارها الخلاصية. أمّا نحن، فالدعوة لنا جميعاً أن نؤمن بموت الفادي الذي أحبّنا حتى أنه أراق دمه الثمين على الصليب من أجلنا، وأن نعترف بقيامته ونشهد لها بفخر وشجاعة، مجدّدين حياتنا بنعمة مخلّصنا المنبعث حيّاً، ومتجدّدين بالتوبة أي العودة البنوية إلى الآب السماوي الذي ينتظرنا كي نلتمس منه الغفران ونعيد بنوّتنا له. فقيامة المسيح من الموت هي الضمانة الأكيدة لقيامتنا من موت الخطيئة وتحرُّرنا من عبودية الشرّ. المسيح وعدنا أنه حيٌّ وباقٍ معنا كلّ الأيّام وحتّى انقضاء الدهر (مت 28: 20)، وأعطانا عربوناً لحضوره الدائم: كلامه الحيّ، وجسده ودمه في سرّ القربان، ونعمة الأسرار، كلّ ذلك بقوّة روحه الحيّ القدّوس الذي يواكبنا في حياتنا اليومية.
لا يكفي أن يكون إيماننا بالرب يسوع بالفم والكلام فقط، بل يجب أن يكون إيماناً ملء القلب والروح، يتجسّد بالأعمال الصالحة والمبادرات الإيجابية البنّاءة والسيرة الحسنة. ويبلغ الإيمان قمّته بعيش فرح اللقاء الدائم مع الرب الذي يرافقنا على الدوام في حياتنا كما رافق التلاميذ في ظهوراته لهم بعد قيامته، وهكذا ننال نعمة التبرير والتقديس، كما يقول بولس الرسول: "إذا شهدتَ بفمك أن يسوع ربّ، وآمنتَ بقلبك أنَّ الله أقامه من بين الأموات، نلتَ الخلاص. فالإيمان بالقلب يؤدّي إلى البرّ، والشهادة بالفم تؤدّي إلى الخلاص" (روم10: 9-10).

6.   القيامة رجاء السلام لعالمنا اليوم
قام المسيح من الموت، فمنح الحياة للذين في القبور. وفي زمن القيامة نصلّي لتكون قيامة ربّنا ومخلّصنا قيامةً لأوطاننا المعذَّبة والرازحة، إمّا تحت وطأة الحروب والصراعات المدمّرة، وإمّا تحت وطأة الأزمات الإقتصادية الخانقة.
في وطننا الحبيب لبنان، فرحنا كبير لأنّ المواطنين اللبنانيين الأحباء سيتوجّهون بعد حوالي الشهر ونيّف لتجديد الحياة السياسية الديمقراطية فيه، المجمَّدة منذ تسع سنوات، رغم كلّ الملاحظات التي أبديناها ولا نزال، حول قانون الإنتخابات والظلم الذي يُلحقه بأبناء شعبنا السرياني اللبناني الذي بذل ويبذل الغالي والنفيس في سبيل إعلاء شأن هذا الوطن الحبيب.
إننا إذ نهنّئ اللبنانيين بهذا الحدث الديمقراطي المقبل علينا، نسأل الله ألا ينسى النواب الذين سيُنتخَبون الوعودَ التي يطلقونها لناخبيهم والتي، إن التزموا بها، تؤدّي إلى ترسيخ قواعد المواطنة الواحدة، وتخفّف من الصعاب الملقاة على كاهل المواطن اللبناني جراء عدم توفُّر الخدمات الأساسية والبديهية لأيّ مواطنٍ، سيّما ضمان الشيخوخة والحق بالإستشفاء والتعليم المجّانيَّين، وتوفير الكهرباء والمياه لكلّ المواطنين، ودون منّةٍ من أحد.
كما لا يسعنا إلا أن نشكر أهلنا وشعبنا في لبنان على حسن ضيافته للنازحين القادمين إليه من سوريا والعراق، وعلى معاملتهم كإخوة لهم، طالبين من إلهنا المنتصر على الموت أن يحمي عائلاتهم ويبارك خطواتهم ويمنّ عليهم ببركاته.
وسوريا الجريحة، يمرّ عليها العيد الثامن على التوالي ولا تزال الصراعات الدامية فيها تشرّد أهلها، وتهدم أسسها وحضارتها، وتدمّر بنيتها الإجتماعية والثقافية والتربوية. إننا نصلّي كي تؤدّي الخطوات التي تشهدها سوريا على الصعيدين المحلّي والدولي إلى



إنهاء هذا الصراع المدمّر الذي لم يرحم الحجر ولا البشر، حيث أنّ أجيالاً كاملةً وُلدت ونشأت خارج أرضها ولا تعرف عن سوريا
سوى الحرب والدمار. إنّ سوريا بلد الإنفتاح والتعايش، وقد عاش فيها المواطنون منذ آلاف السنين، متوافقين مع شركائهم على محبّة الوطن وازدهاره، لذا نتضرّع إليه تعالى كي تكفّ الأيادي الغريبة عن العبث بسوريا، فتنبعث فيها الحياة من جديد، ويعمّ الأمان بالمصالحة والإستقرار فيها.
ولا بدّ لنا من أن نتوجّه إلى أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا الأربع في سوريا، من دمشق وحمص، إلى حلب والجزيرة، فنؤكّد لهم بأننا نفخر بصمودهم في أرضهم، ونثني على عزم إيمانهم وقوة رجائهم، سائلينه تعالى أن يمنّ على سوريا الحبيبة بالسلام والأمان، وأن يرحم شهداء الوطن من عسكريين ومدنيين أبرياء.
ولا ننسى أن نجدّد المطالبة بالإفراج عن جميع المخطوفين، ضحايا الحروب العبثية في سوريا والمنطقة، من رجال دين ومدنيين وعسكريين، وبخاصة عن مطرانَي حلب مار غريغوريوس يوحنّا ابراهيم وبولس اليازجي، والكهنة باولو داللوليو، واسحق محفوض، وميشال كيّال.
والعراق الغالي، أرض الرافدين، الذي يثبت يوماً بعد يوم انتصار إرادة الحياة على الموت، وانتصار إيمان شعبه بقيمه ومبادئه على أفكار الظلام والتشدّد التي حاول الإرهابيون زرعها لأعوامٍ في شعبه وأرضه. إننا نسأل الله أن يسعى المسؤولون والقيّمون على شؤون البلاد إلى تثبيت مبادئ الديمقراطية وأسس الدولة الحديثة في كلّ محافظات وأقاليم العراق، لا سيّما وأنّ الإنتخابات التشريعية قادمة، فيعود هذا البلد الحبيب حراً ديمقراطياً متطوّراً، ويرجع أبناء شعبنا إلى أرض آبائهم وأجدادهم، ليبنوا مع شركائهم في الوطن دولتَهم الجديدة بالتساوي في الحقوق والواجبات.
كما نجدّد صلاتنا الحارّة، كما فعلنا يوم عيد الشعانين من داخل كنيسة العذراء الطاهرة الكبرى، وكذلك أمام الآلاف من الجموع التي شاركنا معها في المسيرة والتطواف في شوارع قره قوش (بغديده) بعد تحريرها من الإرهابيين، من أجل جميع أبنائنا وبناتنا في أبرشياتنا ورعايانا السريانية، الذين ظلّوا متجذّرين في أرض وطنهم، في بغداد والموصل والبصرة وسهل نينوى وإقليم كوردستان، خاصّين بالذكر الشهداء الذين سقطوا مؤخّراً ضحية غدر العصابات في بغداد، معربين لذويهم عن تضامننا ومشاركتنا في مصابهم الأليم. وإننا نتضرّع إلى الرب القائم من الموت كي تزول المحنة كاملةً عن العراق الحبيب، فيشرق فيه نور القيامة ويعود إليه السلام الذي طال انتظاره.
وإلى فلسطين المحتلّة، التي منها ارتفع ربنا منتصراً على الموت، حاملاً رسالة الحياة إلى العالم أجمع، نصلّي لتتوقّف النزاعات فيها، مجدّدين دعوتنا، بالتوافق مع الأسرة الدولية والمراجع الكنسية، لتكون القدس عاصمةً عالميةً للسلام والحوار ما بين جميع المكوّنات، وكي تبقى المقدَّسات فيها مشرّعةً أبوابها، فتمدّ جسور التلاقي والتآخي كما أرادها الخالق: "قدساً - مدينة للسلام!".
وإلى مصر، نسأل الرب يسوع أن ينشر أمنه وسلامه في ربوعها، وأن يحيا مواطنوها بالمحبّة والوئام، ويتعاضدوا من أجل ازدهار وطنهم، مهما اختلفت انتماءاتهم وتوجّهاتهم.




إنّنا نستنكر بأشدّ العبارات كلّ أعمال الإرهاب من قتل وتفجير وترويع للناس وبثّ الفوضى والفتن في أماكن وبلدان عديدة، شرقاً وغرباً، متوجّهين بالقلب والصلاة من أجل جميع الذين يكابدون آلام الإقتلاع من أرض الآباء والأجداد في العراق وسوريا، وأُرغِموا على النزوح والهجرة إلى لبنان والأردن وتركيا، وإلى ما وراء البحار والمحيطات، مؤكّدين لهم تضامننا الأبوي واستعدادنا الدائم لتأمين حاجاتهم ومساعدتهم بكلّ الإمكانات المتاحة. كما نؤكّد على صلاتنا من أجل العائلات التي امتُحِنت بفقدان أحد أفرادها، ومن أجل الذين يغيب عنهم فرح العيد، من فقراء ومعوَزين ومهمَّشين ومستضعَفين، سائلين لهم فيض النعم والبركات والتعزيات السماوية.
وإننا نحثّ جميع إخوتنا وأبنائنا وبناتنا السريان، سواء كانوا مقيمين في لبنان وسوريا والعراق والأراضي المقدّسة والأردن ومصر وتركيا، أو متغرّبين في أوروبا وأميركا وأستراليا، على التمسّك بالإيمان والرجاء كي يعيشوا المحبّة الحقيقية، وعلى التعلّق بكنيستهم وأوطانهم والإخلاص لها، حتّى يكونوا على الدوام شهوداً للرب، حاملين بشرى قيامته المجيدة أينما حلّوا.

7.   خاتمة
نمجّدك أيّها المسيح القائم من بين الأموات، إذ بقيامتك جدّدتَنا وثبَّتَّ إيماننا بك. شدِّدْنا في وجه المصاعب وأسباب الشّك، كما فعلتَ مع الرسل، فأزلتَ خوفهم وحوّلتَه إلى اطمئنان، ليبشّروا العالم ويشهدوا لإنجيل السلام ويستشهدوا من أجلك.
أقِم قلوبنا وامنحنا حياةً جديدةً، وقوِّنا بنعمتك وتعاليم الإنجيل والكنيسة، لنكون شهوداً لك في مجتمعاتنا وأوطاننا. ولتكن حياتنا مرضيّةً أمامك، فنسبّحك بغير انقطاع وعلى الدوام، آمين.

وفي الختام، نمنحكم أيّها الإخوة والأبناء والبنات الروحيون الأعزّاء، بركتنا الرسولية عربون محبّتنا الأبوية. ولتشملكم جميعاً نعمة الثالوث الأقدس وبركته: الآب والإبن والروح القدس، الإله الواحد، آمين.
    كلّ عام وأنتم بألف خير.
ܡܫܺܝܚܳܐ ܩܳܡ ܡܶܢ ܒܶܝܬ ܡܺܝ̈ܬܶܐ... ܫܰܪܺܝܪܳܐܺܝܬ ܩܳܡ            المسيح قام من بين الأموات... حقّاً قام

صدر عن كرسينا البطريركي في بيروت - لبنان
في اليوم الثامن والعشرين من شهر آذار سنة 2018
وهي السنة العاشرة لبطريركيتنا
 
                                                         اغناطيوس يوسف الثالث يونان
                                                                 بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي

غير متصل albert masho

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2017
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
المسيح قام حقا قام وغلب الموت بالموت ويعطي الذين يؤمنون الحياة الابدية مع الله في السماء .