المحرر موضوع: دولنا العربية و رياح التغيير . . 1 من 2  (زيارة 1094 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
   
دولنا العربية و رياح التغيير .  . 1 من 2
                               د. مهند البراك

لابدّ من القول بداية، ان منطقتنا العربية تمتاز عن غيرها من مناطق العالم النامي ـ الآسيوي، الأميركي اللاتيني . . ـ بكونها الأقرب موقعاً من الغرب وبالتالي الأكثر تفاعلاً وتنافساً وتصادما معه منذ مراحل تأريخية طويلة. وشكّلت جزءاً هاماً من الصراع والتنافس التاريخي بين الشرق والغرب، لقربها وصلاتها البرية مع ابرز مراكز العالم المتمدن الحضاري والفكري والقيمي والصناعي والتجاري من جهة، ولكونها موطن الأنبياء والرسل بتأثيره الفكري والنفسي والروحي، ومهد الحضارات والقيم الحية المستمرة في الفعل والتأثير والتحريض في الظروف العولمية الجديدة، ولكونها اكبر مواطن النفط  .  . القلب النابض للصناعة والتكنولوجيا المتنوعة في عالم اليوم، من جهة اخرى .
اضافة الى الدور الفاعل للقطب العربي والأسلامي في تكوّن " رأس المال المالي العالمي " والدور الفائق الأهمية للبترودولار في العالم في تكوّن ونمو وتشابك البنوك والأحتكارات الكبرى، وفي نشاط اكبر مؤسسات رؤوس الأموال التي تتحكم في تمويل اكبر المشاريع الصناعية والعلمية والبيئية العالمية .  .  موقعها الستراتيجي البشري والجغرافي، الأستهلاكي والعسكري، وبالتالي دورها الهام في تقرير اتجاهات السياسة الدولية .   
من ناحية اخرى وللدخول في موضوع ماهية دولنا،لابد من مناقشة طبيعة ذاتنا وتكويننا وماهية مجتمعاتنا، باعتيار ان الدولة مؤسسة اجتماعية، تنشأ من المجتمع وتتفاعل معه وتقوده لمرحلة تأريخية ما، وبالتالي فهي جزء لايتجزأ من المجتمع، وتتغيّر وتخضع باشكال متنوعة الى حركة تطوره .  .  لتلبية حاجاته وآماله الحية المتجددة، او التي لامفرّ لها من حسابها ومراعاتها، كي تستطيع ان تستمر وان تمارس دورها .
وعلى ذلك، يرى كثير من المؤرخين والباحثين، ان حكم الدولة العثمانية الأقطاعية، شكّل ضربة قوية للشخصية العربية، وبالتالي لذاتنا وكينونتنا، وفرض علينا اضافة الى قيوده الثقيلة التي عرقلت درجات معرفة مجتمعاتنا وتطورها، فأنه فرض محاصرة الثقافة والمعارف العربية بسياسة التتريك، تحت ظلال الراية الأسلامية، بعد ان كانت الشخصية العربية قد وجدت نفسها، سيدة بارزة من سيدات العالم الوسيط، التي تمثّلت بالدولة والكيانات العربية ـ الأسلامية، والتي شكّلت تلازماً يصعب فصله للحضارة العربية ـ الأسلامية .  . الحضارة التي لايمكن الغاء حضورها سواءاً في التاريخ الماضي او في مسيرة الحاضر المتفاعل  لعالم اليوم.
ورغم ما قامت به الأنتفاضات العربية القومية التحررية ضد النير العثماني التي اغرقت بالدم، من ايقاظ للشخصية العربية، الاّ ان امكانات " الثورة العربية " ثم قيامها بالتحالف مع الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) في الحرب العالمية الأولى، التي فيما اسفرت عن سقوط امبراطورية السلطان التركي المسلم وتخلّص اقوام العرب من ظلمه وجوره، واسفرت عن تنكر الحلفاء لوعودهم  .  .  فأن كل ذلك ادىّ الى فشل مشروع " القضية العربية " الذي كان يرمي الى تحقيق حلمها باستعادة دولتها وشخصيّتها بمفاهيم ذلك العصر، وادىّ الى تقسيم اوطان العرب على دول الحلفاء، التي عملت من جهتها اضافة الى تأمين مصالحها، فأنها بدأت تحكمها بمنطقها وبمنظارها، وادى ذلك وغيره الى استخدامها العنف ولجوئها الى حكم المجتمع (المجتمعات)، وبالتالي بناء الدول العربية بمنطق انتصارها العسكري عليها . .  رغم حداثة البناء (1) ورغم تنوع الصيغ .
الأمر الذي اوقع مجتمعاتنا بعلاقاتها وثقافتها، صراعاتها وخلافاتها (2) وقيمها شبه الأقطاعية، في حالة جديدة من التمزّق والأرتباك ان صحّ التعبير، الذي ووجه بالقسر والعنف . فبعد ان كانت قد فقدت عنصرها المكوّن (القومي العربي)، عادت لتفقد عنصرها المكوّن الثاني، بالوصاية (الغربية المسيحية) اصطلاحاً ـ وفق منطق تلك المرحلة ـ . . التي اعلنت نفسها وصيّة عليها باشكال متنوعة، رغم عدم خلو الأمر من منافع وتحضّر وتفاعل مع الدنيا ومع العالم المتحضّر . .
وفيما يرى باحثون بان مجتمعاتنا فشلت في تحقيق مشروعها، لأسباب تعلّقت بعدم نضج امكاناتها و بظرفها الأقتصادي الأجتماعي الحضاري الذي لم يستطع الوقوف امام ضغوط القوى العظمى وحضارتها وخداعها ، يرى آخرون بانها لو كانت مؤهلة وقادرة (بالحساب النهائي) لوقفت بوجه تلك الضغوط ولما انساقت الى الخداع، في الوقت الذي يعتقد فيه فريق آخر انها كانت قد تخلّفت وكانت تحتاج الى تحديث يفتح لها آفاق الحياة ويطلق طاقاتها من اسر الأنغلاق، وكانت بحاجة الى قوى انتاج ورؤى تحديث تؤديّ الى طاقات وخطاب جديد، وبالتالي الى دولة حديثة تتفاعل مع العالم ومع الحياة المتطوّرة . . دولة تطرح وتعمل على تحشيد شبابها وعلى تفعيل وزيادة تركيز الروح الحية فيها .
ورغم ما جلبت الدول العظمى من علوم وحضارة ومعارف، الاّ انها اصطدمت بمجتمعاتنا العربية التي غلبت عليها الروح البدوية ـ شبه الأقطاعية الحالمة (ان صحّ التعبير)، المستعدة للدفاع عن رؤاها واحلامها حتى النخاع، وفق تربيتها وما نَمَت وعاشت وتعلّمت عليه في مدارسها ومناهجها، من تاريخ مجيد وعاطفة مشبوبة عن وحدتنا وعن دولتنا المعظّمة التي سادت وافَلَت (3)، وعن محاولة اعادة بناء امجادها .  . الذي كانت قد تمسكت به لمواصلة الوجود امام جور آل عثمان وكذخيرة من اجل النهوض، الأمر الذي لم ولاينفي من جهة اخرى استعدادها على تقبّل الجديد وتمثّله بعد مرور الزمان، ولكن على طريقتها ووفق وتائر تطوّر شخصيتها وآفاق امكاناتها ودورها في العالم المتغيّر المتجدد .
وقد اصطدمت بمجتمعاتنا بعد ان افقدتها سلطتها، وبعد تشجيعها ومشاركتها ـ غير المباشرة والمباشرة ـ في قمع محاولات مفكريها وسعي واجتهاد متنوريها الى الأستقلال والواقعية في الرؤيا .  .  بعد ان حورب العمل والسعي لمعرفة ذاتنا، ولصياغة السبل المجدية الواقعية للشروع والسير على طريق عوامل نهضتنا وسبل معرفة وامكانات تمثّل اجتهاد الآخرين .  .  لصياغة حداثتنا نحن، حداثتنا التي لنا، كالآخرين، بعيداً عن القهر والأكراه، بعيداً عن ثقافة العنف وعقوبات الموت المتنوّعة  .  .  وليدة تخلفنا والعسف المسلّط علينا  .
هي او التي انسجمت وفقها، والتي لم تستطع تلبية حاجات وطموحات مجتمعاتنا بالقضاء على الفقر والجهل والمرض، ولم تساعد على تشذيبها وتقريبها الى معرفة حقيقة واقعها، لتحديد مواقع اقدامها للبدء بمسيرة جديدة للتقدم في الزمان والموقع المعيّن . .
الأمر الذي ظهر جلياً بتراكمه لاحقاً، بعد ان استمر الحاكم بل وحتى اقسام كبيرة من المعارضة، بالنفخ في قربة شرف اصل مجتمعاتنا  ونبل محتدها، وبعد ان غُلّب الخطاب السياسي الحماسي دون الأهتمام الضروري بتنويرها، الأمر الذي لم يكن بسبب النقص او العجز عن استشراف الجديد الواقعي لوحده، وانما بسبب انانية ومصالح وضيق أفق القائمين على الدولة، وبسبب المصالح والضغوطات الخارجية، وممارسة القهر والقمع، بحق محاولات نشر المعرفة والتنوير الذي يحتاجه وتلحّ عليه طلائع المجتمع برجاله ونسائه، من اجل التفاعل مع العالم ومن اجل حياة لائقة لمجتمعاتنا نحن كي تستطيع مواجهة التحديات.
وكان ان طرق الأتحاد السوفيتي ابواب دولنا ومجتمعاتنا من الشرق، وكان قد انعش طرقه قوى وطنية وقومية، وقوميات واقليات غير عربية ناشطة ليست قليلة، ورأى قسم في اهدافه وآلياته عاملاً مساعداً قد يكون اقرب لآمالنا ولكينونتنا، عاملاً مساعداً لأعادة بناء مجتمعاتنا، بعد ان دعى الى تساوي بني البشر والى حق الفقير بضوء عمله وجهده اينما كان وحقه بالسلطة ايضاً، وبعد ان بنى املا استطاع ان يحققه لنفسه بملايينه البشرية المتنوعة، وصار يُضرب به مثلاً آنذاك . . ً. الاّ انه اصطدم بانغلاقنا وبكياناتنا  حين (قيل لنا) انه اعتبر ان الخيال والحلم والنفس خرافة. في وقت نافقتنا دوائر الغرب فيها وزايدتنا عليها، فدعمت اوهامنا وجمودنا وقوانا (المحافظة)، لمواجهة عملاق الشرق ذلك . . لأجل طموحاتها ومصالحها هي (اي دوائر الغرب) . . وليس من اجل فهم حاجاتنا اوالتفاعل معنا ومساعدتنا على اعادة بنائنا، من اجل خير ورفاه الجميع، ومن اجل المنافع المتبادلة، له ولنا .
ورغم ميراث الفوضى والتخلّف والصراعات والفتن، تكوّنت دولنا بعد الحرب العالمية الأولى، على اساس مصالح الكبار وبيدهم وعلى اساس وجود اقاليم ذات كيانات اجتماعية متجانسة او متقاربة او بامكانها التعايش معاً او رغبت فيه .  .  على اساس الأنتماء الأثني، العشائري، الثقافي والديني، التاريخ المشترك الأقتصادي الحضاري وانماط الحياة في ظل التكوينات الطبيعية المؤثرة التي تفرض نوعها، من صحاري وجبال وسهول، وعلى اساس تقارب او تفاعل لهجات اللغة والعادات والتقاليد والمصالح والرغبة بالعيش معاً .  . التي جمعت (مجتمعات) مناطق ومقاطعات شاسعة تعايشت وتصارعت وتصالحت .  . في قرون مضت .
وقد الحقت بها او فصلت عنها، او جرى ابقاء مناطق متنازع عليها بينها وبين جيرانها، يرى فيها قسم من المتخصصين انها كانت بذاتها سياسة مرسومة بوعي وباساليب رمت الى ابقاء بؤر ومشاكل غير متفق عليها بين الدول الجارة، بحيث بقت وتبقى خيوط حلها بيد القوى العظمى وتكون اساساً للتدخّل المباشر( كالمشاريع التي اشتهرت بها الأدارة البريطانية بشكل خاص آنذاك) .  .
ويرى قسم آخر ان ذلك كان جزءاً من خطط تعامل القوى العظى مع المنطقة وفي تقسيمها وفق حدود واقتسام وآفاق تعود للشركات والأتحادات الأقتصادية العظمى وحسابات ربحها وخسارتها، بلا مبالاة باضرار ذلك على مجتمعات ودول المنطقة، اي ان دولنا بالنتيجة اضافة الى عوامل اخرى كانت قد نُحتت بما تناسب مع حاجات ومطالب القوى العظمى وتوازنها والأحتكارات والمؤسسات الأقتصادية المالية العسكرية النفطية العالمية واتجاهات حركة تحقيق وضمان اعلى الأرباح لها في استثمار ثروات المنطقة.   
وعلى ذلك، ظلّت تعيش على جانبي الحدود علاقات قربى وزواجات، روابط عائلية ووراثات، ثارات وعرفانات،  طالب ومطلوب، وانتماءات، اضافة الى تواجد اجزاء تكوينات عشائرية وعائلية اخذت تمتد بل وتؤثر على مواقف مراكز دولنا مدار البحث. فعشائر الجبور على سبيل المثال كانت ولاتزال تمتد من اليمن وعلى طول الساحل الغربي للجزيرة العربية الى العقبة شمالاً من جهة، وتمتد شمالاً ايضاً على طول العراق الى منطقة جزيرة ابن عمرو في الشمال العراقي وبين الموصل وحلب. وعشائر شمّرالممتدة في اكثر من اربعة دول عربية كبيرة جارة .  .  الأمر الذي ارتبط وتداخل واثّر مع ترابط اجزاء دولة عربية ما بمراكزها.
من جهة اخرى، لابد من القول ان مرور بحدود قرن من الزمان على قيام وتحديد دولنا، قد حقق تعايشاً وترابطاً جديداً او حقق ترابطاً امتن مما مضى لمكونات داخل مجتمعاتها وحدود دولتها الوطنية، بعد ان تحقق داخلها عيش مشترك ومواجهات مشتركة في السرّاء والضرّاء وفي نيران المعارك الوطنية ومن اجل الحياة اللائقة والحرية من جهة، اضافة الى تزايد ترابط اجزاء المجتمع الوطني مع مركزه، لتلبية الحاجة الى تحقيق انواع المصالح الحياتية الضرورية، من جهة اخرى.
الأمر الذي انعكس ايضاً في نمط حياة ونشاط، آمال ورغبات ابناء القوميات غير العربية الأصغر والأقليات القومية والعرقية والدينية بروابطها، التي ان لم تتطور في اطار حدود الدولة على اساس الصناعة والرفاه والتحضر، فانها تطورت على اساس الحاجة الى مواجهة واقع قائم (او مفروض) والى ضرورة التفاعل فيه (4) لمواصلة الحياة ولعقود طويلة من السنين، وادىّ الى قيام مصالح مشتركة وتزايد ثبات أخرى، والى تحقيق ثقة واستقرار حياتي ان صحّ التعبير.
ومن جانب آخر، اضافة الى انه صار من المصلحة ان يكون لفرد ما، شخص من اقربائه يعيش في دولة مجاورة، ليكون طرفاً في مصلحة ما كبيع او شراء مثلاً ، لأنه سيكون الأفضل لضمان نجاح تلك المصلحة. فان المثل اخذ يتكرر كل لحظة في مصالح اخذت تزداد تنوعاً وصار قسم منها مصيرياً، كما في حالات التشرد من حرب او دمار، اللذين استمرا متحركين في مجتمعاتنا ودولنا منذ مايقارب نصف قرن  .  . الأمر الذي يلقي اضواءاً على واحد من عشرات الجوانب لمن لايستطيع تصوّر ماهية الترابط والتأثير والتأثر المتبادل بين مجتمعات ودول منطقتنا وماهية روابط المصير المشترك بينها على تفاوته وعلى ايجابياته وسلبياته، وبالتالي لتصوّر  تأثير تلك الروابط المستمرة والمتزايدة على تفكير وثقافة وتفكير مجتمعاتنا وبالتالي ضغط ذلك على نهج وسياسات دولنا . (يتبع)

آذار / 2007 ،  مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قياساً بما مضى .
لم تكن الأوساط العربية متجانسة او موحدة وانما كانت تعيش اختلافات كانت تصل الى حد الصراعات المتنوعة الحدة والدرجات، في تشكيلة اجتماعية ضمّت : البداوة ـ الرعي ـ الزراعة ـ الحرف .  .  الخ ، وكانت الأختلافات متعددة : بين الحكام والشعوب، بين حكومتي ( الأتراك والفرس ) في ذلك الحين، بين العشائر، بين السنة والشيعة، بين علماء الدين والحكومة .  . التي كانت مؤسسة السلطان العثماني تغذيها وتثيرها وتعيش عليها، لتأمين استمرار سلطتها .
حيث يعيش في وعي مجتمعاتنا ودولنا، كون دولتنا هي وريثة الدولة والكيان الأسلامي الذي شكّل احدى القوى العظمى في العالم، الممتدة في والمتفاعلة مع اوروبا . . لحد افول الدولة العثمانية قبل اكثر من ثمانين عاما، اثر الحرب العالمية الأولى .
الأمر الذي لايعني ذوبانها ولا يعني التنكر لحقوقها القومية والدينية والثقافية .



مراجع :
" ونستون تشرشل ـ يوميات " صادرة بجزئين عن مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر والترجمة ـ القاهرة ، 1966  .
" اربعة قرون من تاريخ العراق " / هيمسلي لونكريك.
" صفحات من تاريخ العراق القريب" / المس غيرترود بيل .
" تأريخ حركة القوميين العرب" / محمد جمال باروت.



(*) راجع بحث الكاتب " الخارج ومحطات التغيير في الدول العربية " ، مجلة " الديمقراطية " المصرية العدد 24 / ملف " هل فشلت الدولة الوطنية في العالم العربي ؟ "  .


غير متصل مهند البراك

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 521
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
   
دولنا العربية ورياح التغيير .  .  2 من 2
                                        د. مهند البراك

لابد من القول ان صراع القوى العظمى القاسي المتنوع على اراضي بلداننا من اجل الأستحواذ والتحكّم بثرواتنا ولا مبالاتها بواقعنا وحقوقنا، وسعيها لتطويعنا اليها والتحكم بدولنا، ادىّ الى تأخّر نظم مجتمعاتنا وتخلفها والى احتقان الطاقات وتوتر المجتمعات وتصاعد مشاعر الظلم والمرارة التي سعى قسم من حكّامنا الى امتصاصها، وبدفع لم يكن عفوياً بل وفق سياسة فرّق تسد .  . 
وبالتالي الى توجيهها نحو تأجيج الروح العدوانية ضد الأصغر منّا قومياً او الأضعف تواجداً ان صحّ التعبير، سواء كان قوماً و تكويناً اجتماعياً، او ديناً وطائفة، او جنساً او فكراً ورأياً مجدداً، وبالتالي الى الضغط عليهم واضطهادهم، الأمر الذي ادىّ الى اشتعال نزاعات وصراعات داخلية متنوعة لعبت على اطرافها قوى كثيرة التنوع وراح ويروح الكثيرون ضحايا لها . . واضاف قيداً جديداً الى قيودنا ولعب ويلعب دوراً غيرَ قليل في  آليات ووجهة بناء دولنا ونشاطها.
وفي الموضوع مجال البحث، لابد من الأشارة الى انه بالرغم من اعتزاز مجتمعاتنا بالقرآن الكريم إلا أن عمل حكّام دولنا بقوانينه كاد ويكاد يكون معدوماً، فالقرآن يأمر بالاتحاد وبنبذ ما يفرّق كما في الآية الكريمة " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولاتفرّقوا "، ويأمر بالمشورة " وامرهم شورى بينهم " ويأمرالأسلام بطلب العلم ففي الحديث الشريف " طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " و " اطلبوا العلم ولو في الصين " ويأمربالنظافة فـ " النظافة من الإيمان " ويأمربالعمران وقوة الاقتصاد وبالنظام .  .  بل ويأمرباكرام المرأة واحترامها " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف "  . ويأمربالمساواة بين الأمم والقوميات " اكرمكم عند الله اتقاكم " و " لافرق بين عربي واعجمي الاّ بالتقوى " .
الذي يعكس عدم الأستفادة من حكمة القرآن الحيّة، في برامج الدولة والحكم نحو رقي المجتمع ورفاهه وانصاف الفقير والضعيف، ويعكس ان استخدامه يجري بشكل انتقائي لتغطية وتبرير الحكم المطلق، ولتهدئة المحكومين والأوساط الفقيرة الواسعة التي غلبت عليها الأمية، ولأسباغ طابع القداسة على الدولة و مؤسسات الحكم، بآليات قد لاتختلف عن آليات استخدام آل عثمان له. الأمر الذي تسبب في تزايد تغرّب الحكام والدولة عن المحكومين وفي زيادة شقة عدم الثقة والخلاف بين الدولة والمواطن الذي  يواجه اعباء حياة قاسية لارحمة فيها، ولايجد فيها من الدولة حماية او جدوى.
من ناحية أخرى، فأن نشوء الدولة العبرية بآليات العنف وباتفاقات سرية فرضتها القوى العظمى من وراء دولنا وكياناتنا بتواطئ قسم من الحكام، وبتجاهل واهمال وغمط حقوق، بل و بتشريد شعب شقيق من ارض الآباء والأجداد، اثار اضافة الى مخاوف وقلق الأشقاء الآخرين من تكرار المحنة عليهم ، اثار اتهامات واسفسارات عن ماهية دولنا التي دعت بصخب لمقاومة مخططات (العدو) ولكن .  .  . بالسلاح الفاسد (1) والأناشيد الحماسية (2) وبكم الأفواه والسجون، التي ادّت الى زيادة عدم الثقة بالدولة وبجدوى سلطتها وخططها وسياساتها، التي اتخذت منها ذريعة لأحكام قبضتها وللتنظير لوجهتها، ولأطلاق الصخب والمشاعر للتعتيم على الحقائق . . من جهة .
ومن جهة ثانية فان استمرار الأجنحة الأكثر تطرفاً في اسرائيل في سياساتها وحروبها العدوانية ، اضافة الى تأجيجه المشاعر الأسلامية اكثر، فأنه لعب دوراً كبيراً في ظهور وانتعاش الحركات الأسلامية المتشددة والأصولية والأرهابية التي تدعو الى ترك الدنيا كلية ً والتعلق بالآخرة والعمل لها وحدها . وادىّ الى الأستنجاد بالماضي ورفعه راية . . هروباً من عجز مراجعنا ودولنا عن مواجهة وصياغة وتوفير متطلبات الحاضر، التي تستدعي تغييرات عميقة لابد منها، في زمن اصبح لايمكن العيش فيه في الماضي ودون التفاعل مع عالم اليوم وحاجاته ومتطلباته.
الأمر الذي اخذ يطرح بشكل اكثر الحاحاً، اضافة الى ضرورة سعي القوى العظمى بامكاناتها لأيجاد حلول واقعية وللتقليل من حدة الأزمات والآلام تلك .  .  ضرورة سعينا الفائق الجدية للتوصل الى حلول لأشكالية مفهوم الدولة بين الدينية والعلمانية اوالمدنية، على اساس " الدين لله والوطن للجميع "، حماية للدين الحنيف وحماية للدولة ومن اجل رفاه المجتمع وازدهاره، كما غذّى ويغذّ السير عليه عدد من الدول الأسلامية باشكال متنوعة تتناسب مع المجتمع، وعلى اساس حاجات الواقع ومصالح وعلاقات اليوم، والنظر بمنظار شرقي  حديث متفتّح لشعوبنا الشرقية وآفاقها الواعدة، حيث لا يمكن النظر اليها بمنظار اوروبي غربي جامد، رغم تزايد تفاعل عالم اليوم.
ويرى باحثون وسياسيون، ان تحالف دوائر الغرب ايّاها مع الأقطاع ومع الفئات المحافظة وليس مع الطبقات والفئات الصاعدة منذ تشكّل دولنا، ووقوفها ضد التصنيع والتحديث بشكل عام والذي اقتصر عليه في المفاصل الضرورية لآلته، طيلة اكثر من نصف قرن بعد تشكلها، جعل دولنا تابعة خاضعة في الجوهر، وادى الى انعدام وضعف البنى التحتية الأقتصادية ـ الأجتماعية الضرورية لتحديثها، الأمر الذي يراه عدد من القادة السياسيين بكونه سياسة مرسومة من تلك الدوائر الغربية لجعل دولتنا تابعة ليس الاّ من جهة ، ثم تصوير القضية بالتالي كما لو انها قضية ثقافة وتمدن لوحدهما دون النظر اليهما بالترابط مع كل الأدوات الضرورية، في زمن الصراع الضاري بين القوى العالمية على دولنا وسعي كل منها لربطها بها، من جهة اخرى .
ورغم التطورات المتفاوتة والكثيرة التناقض والتداخل .  .  سواء بين نمط الدولة ووتائر تطور
المجتمع من جهة، والتطورات والتغييرات العالمية في نتائج الحربين العالميتين، فان المجتمعات العربية تطورت لعوامل متعددة وازدادت معارفها ووعيها لذاتها مقارنة مع بداية القرن الماضي، الأمر الذي تجلى في تغيّرات لم يُسمح لها بسهولة آنذاك فجاءت متفجرة، في بداية النصف الثاني من ذات القرن حين كان العالم ثنائي القطبية وليس وحيدها، وحين كان التنافس بين القطبين تنافساً بين آليات واهداف متضادة جذرياً، فرض على الأحتكارات الدولية تنازلات كانت لصالح الدول النامية .
تغيّرات، عبّرت عنها ثورات وانتفاضات، اجراءات وتحديات واجهت القوى العظمى واسفرت عن تغييرات في انماط الدولة العربية كما حدث في مصر والعراق والجزائر وليبيا واليمن والسودان، اضافة الى افراز تطورات متفاوتة ومتناقضة ايضاً، حيث صار بعض انماط الأنظمة الملكية يحمل طابعا تحديثياً وجمهوريا ان صح التعبير، من حيث بناء مؤسسات الحكم، وصار آخر يحمل طابعا دستوريا مهما اختلفت المسميات من جهة . .  ومن جهة اخرى وبعد مراحل تحولت انظمة جمهورية الى دكتاتوريات قمعية عسكرية او فردية عشائرية .  . لعوامل خارجية وداخلية.
ومن مسيرة غاية في التعقيد والتشابك وبتفاعل الصراعات الدولية والداخلية واصطفافها على محاور اخذت تزداد وضوحاً، استمرت شقة الخلاف بين الدولة وبين المجتمع والمواطن تزايداً، وادّت الى انكماش المجتمع وقواه على ذاتها وتسببت في تغربها وانعزالها على النفس وانحصارها في ضيق الأوضاع والمعاناة في حياة اخذت تزداد صعوبة اكثر فاكثر وخاصة امام الفئات الفقيرة . . حياة ازدادت فيها الريبة من الآخر(3)الذي اخذ يسيّر حياتها في عقر دارها، دون اذنها وموافقتها ودون السعي للعمل معها كتفاً لكتف.   
لقد ادّت التغييرات العالمية العاصفة في العقدين الماضيين اثر: الثورة العلمية التكنيكية المعلوماتية، الرابوتات، العولمة وحرية انتقال واستثمار رأس المال عبر الحدود السياسية للدول، وانتهاء الحرب الباردة الى تفاؤل  اوساط واسعة بهبوب رياح منعشة من الحرية والديمقراطية، وببداية مراحل عالمية وبالتالي اقليمية ووطنية افضل، بعيداً عن العنف والأستبداد .
الاّ ان الأحتكارات الصناعية العسكرية الدولية اخذت تستمر وبطرق ازدادت تنوعاً، في سعيها الى فرض عقود ترمي الى تبديد العائدات المالية الضخمة للدول العربية النفطية في  .  .  بحوث وتطوير الصناعات العسكرية، وفي الصرف على التوريدات الضخمة لأحدث واغلى الأسلحة والمعدات العسكرية التي تشغّل معامل ومؤسسات الأحتكارات التي كان يهددها العجز المالي والفساد  .  . حيث تحترق تلك العوائد العملاقة في السياسات الثابتة للمجمعات الصناعية العسكرية في اشعال الحروب والفتن في دول المنطقة وبين بعضها البعض او بينها وبين دول الجوار، بعد ان ازداد منطق العنف في العالم، الذي يغذيّه الأرهاب من جهة وتغذيّه ردود افعال المجمعات الصناعية العسكرية المتغطرسة .
في ظروف تستنزف فيها زيادة تخصيصات الأنفاق العسكري خزينة الدولة (الدول) من جهة، وتؤدي الى زيادة استهلاك السلاح ( قطع، ناقلات، طائرات، سمتيات، منظومات صواريخ .  . ) وبالتالي زيادة تشغيل مصانع الأسلحة ومختبراتها وزيادة ارباح اصحاب المجمعات الصناعية ـ العسكرية، التي تسعى الى ادامة وتوسيع حرائق الحروب التي تحقق اعلى الأرباح واسرعها حصداً، بالفتن والدسائس .  .  . واهمال الأزمات الأجتماعية ـ الأقتصادية التي تعانيها اوسع الأوساط الفقيرة، والى الأتباع اللامجدي للأساليب العسكرية فقط في مواجهة الأرهاب، من جهة .
فيما تزداد اعمال الفرق الأرهابية المتنوعة التي لاتبالي بسقوط جحافل المدنيين العزّل، نساءاً واطفالاً وشيوخاً اضافة الى الشباب .  .  والتي لاتقدم مشاريعاً بديلة واقعية لتحسين حياة الملايين بل تؤدي الى تشويه النضالات المطلبية والنقابية والى عزل النضالات الشعبية والسياسية والى شلّ الحياة اليومية بكل مرافقها ( مدارس، جامعات، معامل، مزارع، مؤسسات .  . )  باشاعة الرعب والخوف والدعوة الى الآخرة، الذي لايؤدي الاّ الى زيادة البطالة والضائقة المعيشية، وتفاقم الجهل والفقر والمرض .  . من جهة اخرى .
الأمر الذي يحرم دولنا العربية الوطنية من استثمارعوائدها ومواردها في تطورها الأقتصادي والصناعي، الثقافي والحضاري، ويعيق من سعيها للتطور وللتعاون بعضها مع بعض من اجل التطوير والتكامل الأقتصادي، بل ويهددها اكثر بجعلها تابعة ومسلوبة الأرادة في اختيار طريقها الذي تختاره للتطور .  .  بقدر ما يفرض عليها العسكرة وسوق ابناءها الى بناء الجيوش والوحدات الخاصة للأمن والحراسة والرقابة بكل انواعها .
ويتسبب في اشتعال حروب وازمات سياسية واقتصادية تؤدي الى تزايد شقة الخلاف والأغتراب بين الحاكم والمحكوم، وبين مكونات المجتمع بعد ان يضيع الأمان ويصبح هو الحلقة المركزية لمواصلة الحياة البشرية في حياة كحياة الغاب .  .  واخذ يترك تأثيرات وازمات هائلة في المسيرات السياسية لدولنا الوطنية بل وصار يهدد وحدة كياناتها ووحدة تنوعها الديني والقومي، الثقافي والفكري والحضاري، في وقت ازدادت فيه دولنا وشعوبنا نضجاً وتطلعاً الى رفاه والى حياة افضل، رغم كل مآسيها، وفي زمان تستمر فيه الضغوطات بل وتزداد وتتنوّع على دورها، لجعله دوراً ووعياً شائهاً يسير في طريق يدعو الى اثبات الوجود مهما كان شكل ونوع ذلك الوجود ؟!   
وفيما يدعو واقع اليوم في منطقتنا التي تعاني من جرّ عدد من دولنا المؤثرة الى حياة الحروب والدمار والتشريد . . الى ان لاينتشر الى دولنا الأخرى .  . فان ذلك الواقع يدعو الى تحمّل الجهات الأقوى المسؤولية الأكبر في اطفاء حرائق الحروب والأرهاب والدماروتخفيف حدة التوتر، والتوصل الى حلول توافقية على اساس السلم والأمان، ويدعو الى الكف عن تقسيم الأمم والدول على اساس " امم شريرة " و " امم خيّرة " ، والى الكف عن تحويل الحروب الى صراعات عرقية ودينية وطائفية يذهب فيها الأخضر واليابس بين ابناء البلد الواحد،  والكف عن اشعال حروب الأحتلال والأجتياح واثارة العداء بين الدول والشعوب .  . 
بعد ان ازداد عدد دولنا التي تشارك في الحروب، وبعد ان انتقلت عدوى تقسيم الأمم على اساس (الخير والشر) من القطب الأعظم الى اقطاب أخرى والى اطراف اقليمية ووطنية في منطقتنا وفي جوارها، واخذت شعوب وفئات وطنية واقليمية تروح ضحايا جماعية لها، بعد ان تصاعدت الغطرسة العسكرية وصارت تؤدي الى غطرسة وتعنت مقابلين، وصارت لاتزهق بسببها الاّ ارواح آلاف المدنيين والأطفال دورياً وبشكل يستمر.
ان واقع اليوم يدعو الى تعاون جميع الأسرة الدولية ودولنا (دولتنا)، الى مكافحة الفقر والبطالة، المخدرات والأمراض والأيدز، الفساد الأداري والجريمة والأرهاب الذي يهددنا ويهدد العالم، ومن اجل تحرير واطلاق المرأة نصفنا الآخر وحماية الطفولة، واحترام حقوق القوميات الأصغر والأقليات وبناء دولة المؤسسات على اساس الهوية الوطنية وتساوي مواطني الدولة بغض النظر عن انتماءاتهم القومية والفكرية والدينية، بعيداً عن حزب حاكم اوحد وبعيداً عن الفردية والدكتاتورية والعنف والأستبداد والتمزق، وللقضاء على الأمية ومكافحة الجهل . .
ومن اجل اطلاق ثقافتنا وتفاعلها مع ثقافة الآخر المتنوّع ، الذي لن يزيدها الاّ نضارة وشباباً وبأساً، لمواصلة جوهرها الأنساني النبيل ورحمتها، لتمكّننا من التفاعل والعيش في تيار الحياة الصاخب الذي لاينتظر . . والى ان على الآخر ان يحترمنا كما نحترمه وان يحاول ان يفهمنا كما نحاول ان نفهمه، ويعاملنا كبشر، بعيداً عن الغرور الفارغ والغطرسة المدمّرة . . وكبشر مثله هو الآخر. في ظروف العولمة وتزايد احتكاك البشر، ظروف الثورة التكنولوجية المعلوماتية وتساقط (الحدود القديمة) (4) ونشوء مفاهيم جديدة عنها، وما يحمّله من آمال ومخاطر.(انتهى)


آذار / 2007 ، مهند البراك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قضية الأسلحة الفاسدة الشهيرة في الحرب العربية ـ الأسرائيلية عام 1948 .
تعبير عن الحرب الأسرائيلية ـ العربية عام 1967 .
الآخر، تعبير يستخدم كناية عن : القوى الكبرى او المشاريع وما يأتي من خارج البلاد .
يرى عدد من الخبراء ان هجرة رأس المال، قد لايتهدد الحدود السياسية المرسومة والموجودة في الواقع القائمة للدولة  الوطنية بشكل كبير، وانما يهدد بتمزيق الدولة الوطنية الى كيانات


مراجع :
" ونستون تشرشل ـ يوميات " صادرة بجزئين عن مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر والترجمة ـ القاهرة ، 1966  .
ارشيف " جامعة الدول العربية " / الموسوعة الحرة ويكبيديا.
" تاريخ الأقطار العربية " / لوتسكي .
" تأريخ حركة القوميين العرب" / محمد جمال باروت.