المحرر موضوع: " يوم الأرض" الفلسطينية في الذاكرة والخاطر  (زيارة 849 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يعقوب أفرام منصور

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 91
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
" يوم الأرض"  الفلسطينية
في الذاكرة والخاطر
                                                                   
يعقوب أفرام منصور

    في أعوام السبعينيات ربطتني علاقة صداقة قلمية بشاب مغربي،  يُدعى محمد البشواري، ومما زوّدني به ثلاثة أعداد سنوية من مجلة (ألمناهل) الموسوعية للأعوام 1977 ـ 1979 وببعض أعداد من جريدة (ألمحرّر) المغربية التي تصدر في الدار البيضاء. في تلك الأعوام كان الحدث المجَلجِل هو مؤتمر ومعاهدة ( كمب ديفيد)، وبطل إخراجه إلى حيّز الوجود وعلى المسرح السياسي هو الرئيس الأمريكي جِمي كارتر؛ ولمّا كنتُ من المهتمين بالقضية الفلسطينية منذ مطلع شبابي في عام 1948 ، وكنتُ قد حررتُ وأرسلتُ تسع رسائل إلى أساطين العالم خلال الفترة 1958 ـ1970، إرتأيتُ أن أحرر وأنشر  رسالة إلى الرئيس كارتر، فأبردتُ نصّها إلى الصديق المغربي المذكور كي يسلّمها إلى إدارة تحرير جريدة ( ألمحرّر) المغربية، فوعدتْهُ هيئة التحرير أن موعد نشرها سيكون يوم 30 آذار 1979 الذي  يصادف مناسبة يوم الأرض الفلسطينية.
       فكان أن صدر العدد 1518 في ذلك اليوم وهو يحمل كلمة العدد تحت عنوان :  أليوم وقفة الشعب التاريخية، وفي قمة صدر الصفحة الأولى من الجريدة إطار مستطيل يحوي هذه الكلمات : ألجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني تدعو الشعب المغربي إلى رفض الأتفاق المنفرد بين مصر وإسرائيل ـ ألتعبير عن تضامنه مع الشعب الفلسطيني والحق العربي يومه الجمعة، يوم الأرض ـ المساهمة بحماس في الإكتتاب لدعم الثورة الفلسطينية من 30 مارس إلى 30 أبريل.
     وعلى الصفحة الثانية من الجريدة نُشر نص رسالتي إلى : السيد ج .كارتر، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، تحت عنوان (من مواطن عربي إلى الرئيس الأمريكي) وعن يسار العنوان ظهرت صورة الرئيس:
       [،غدًا، عندما يُدوّن التاريخ الأحداث والوقائع التي عاصرتَها وعالجتَها، سوف ينبئ أنك لم تكن أفضل من سالفيك، بل ـ لأنك لم تتعظ بأخطائهم، وكنت تعمل بوحي من توشوش الصهيونية في مسمعك، وتخطو الخطوات، وتتخذ المواقف بعد أن تنظر إلى الأمور والقضايا من وراء زجاجات ملوّنة أو عدسات خاصّة وضعتها أمام ناظريك الأطماع اللاهثة النهمة، ورجالات الكونغلرس  المستعبَدين من أقطاب من أقطاب " المفسدين في الأرض" الذين  ستذهب أمريكا ضحية لهم، إن لم تتدارك أمرها، وتكفّ عن الإنسياق الأعمى خلفهم ـ  سوف ينعتك  مدوّنو التاريخ في أرجاء العالم وفي قطرك  بعينه، بانك في طليعة قصيري النظر ضمن رجال الحكم والسياسية في أمريكا وخارجها.
     [  غدًا عندما يسجّل التاريخ أحداثه ووقائعّه، ويكشف الخطل والزيف بعيدًا عن المهابة التي تحيط رؤساء الدول، سيقول إنك لم تفهم منطق التاريخ، فهو عندما كان مشرّقًا ، كنت أنت مغرّبًا مع بِطانتك، وسيقول:  كان على كارتر أن يفقه أن الإتفاقات والمعاهدات الدوَلية التي لا تدعمها إرادات الشعوب، مصيرها الإنهيار السريع والنسف الشنيع. غدًا عندما يسجّل التاريخ تسجيلاً مقرونًا بالتحليل والتعليل،، وكشّافًا للدخائل والبواعث، سيقول أحفادك ومواطنوك: كنا نتمنى أن يكون رئيسنا (كارتر) غير الذي كان، لينتشل أمريكا من وهدة سمعتها المتردّية والسيئة طيلة نصف قرن.
    [ غدًا، عندما يدوّن التاريخ أصحابُ عقول نيّرة، وأفلام نظيفة، وضمائر حيّة نقيّة، سيقولون:  كانت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد رئيسها (كارتر) نصيرة للتمييز العنصري ولإضطهاد الحريات، وللباطل الصهيوني، داعية للحرب، مؤازرة للدكتاتوريات، عدوّة للحق العربي، وبأسلحتها لقِيَ الملايين حتفَهم، وأُهرقت دماؤهم، دفاعًا عن أوطانهم وكرامتهم ومقدساتهم. فهل من صفة حَسَنة أو خصلة حميدة تبقّت لتغدو بعض رصيدك في التاريخ؟!
     [ نفط بلادك لها ، أما نفط أقطار العالم فمُلك شعوبها، إن شاءت باعته لبلادك، وإن شاءت حجبته. أمّا أن " تبتاعه " بلادك عنوة وتُطلق التهديدات من فمك وأفواه مساعديك باستعمال القوة لضمان تدفّقه إلى بلادك، وتُسَيّر القلاع الحربية العائمة المزوّدة بالصواريخ والطائرات والجنود، فهذا يوحي للسامع أن بلادك ما برحت تحمل عقلية متخلّفة، لا تواكب هذا العصر، ، وكأن هيئة الأمم المتحدة ليست في الوجود، وهي الهيئة التي إرتأت شعوب العالم إقامتها منعًا للإستغلال والقهر والتهديد والتسلّط والإستعباد. فهل أنت حقًا من رجال العقد الثامن من القرن العشرين ؟!ً
       [ هل تملك راسخ الإعتقاد بأن " حَليفك " أنور السادات سيطول به الأمر إلى أمدٍ يُتاح  فيه لك ولبلادك إستخدامه آلة طيّعة لتنفيذ مآرب الإستعماريين في بلادك، والحاقدين على الخلائق بجوار القدس الممتهنة، وتل أبيب المفترِسة الملطّخة أكفّ أشقيائها بالدماء العربية منذ واحد وثلاثين عامًا؟ ألم تُعطِك أحداث إيران، وتبعثر عُرى حلف  " السنتو " صورةً واضحة لِما سيقع في أحوال مماثلة ومغايرة في المستقبل القريب؟
     [ إن الضمانات التي قدّمتَها لحماية إسرائيل ولأمن (المنطقة)، التي عَيّنتَ أنور السادات  شرطيًا لها، ووضعتَ في يديه  هراوة أمريكية ليستخدمها لهذا الغرض، ستعصف بها العواصف العاتية وشيكًا، لتُمسي كعصف مأكول وهباء منثور. ومثلك ومثل هذا "الشرطي" سيكون كإثنين وضَعا على عيونهما حجابًا صفيقًا، وانطلقا بملء الثقة والإطمئنان متكاتفَين متماسكَين في أرض تكتنفها حُفرٌ  عميقة كثيرة، وآبار خانقة غير مسيّجة بعيدة القرار، فلا يلبثان حتي يسقطا في إحداها. وسيكون لسقوطهما ادويٌّ هائل، وخروج مُحال، ومصير مأساوي وهزلي !  فتدبّر وتبصّرر  قبل فوات الأوان.
يعقوب أفرام منصور.]
     كان مصير "السادات" الإغتيال بعد عامين من تاريخ الرسالة، وبعد عام من انتهاء ولاية الرئيس كارتر في عام 1980 ، وبعد ثلا ثة أعوام من منحه جائزة نوبل للسلام في 1978. وها هي الآن أوضاع العالم عمومًا وأوضاع الشرق الأوسط  خصوصًا  مستعِرة برغم انصرام أربعة عقود على إبرام معاهدة (كمب ديفد) ـ سيئة الشهرة والفعل ولنتيجة ، فلسطينيًا وعربيًا وتاريخيًا ! ـ وقد شهد العالم في يوم الأرض الفلسطينية والعربية  في 30 مارس(آذار) هذا العام سقوط 16  شهيدًا في تظاهرة نصفها أطفال وقاصرون ، كان ذنبهم تذكير الرأي العام العربي والعالمي ب ( يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه السليبة)؛  وأعلنت حكومة فلسطين الحِداد العام، ولم يعبأ  مجلس الأمن بالنظر في شكواها !! لا عجب!  ففي غيبوبة الضمائر تُرتكب الجرائر!