المحرر موضوع: المسؤول.. بين النجاح والزعامة أوالفساد والفشل  (زيارة 1474 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل زيا ميخائيل

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 26
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


المسؤول.. بين النجاح والزعامة أوالفساد والفشل
كل انسان يولد في بيئة معينة تحمله مسؤولية ما, اجتماعية كانت ام دينية ام مهنية, واذا كانت بيئة هذا الانسان مثلا, غير ملتزمة دينيا, سينموا هذا الانسان غير ملتزم دينيا, كما اذا كانت العائلة غير منضبطة اجتماعيا, ينمو هذا الشخص منفلت اجتماعيا, اي لا يلتزم بالعرف الاجتماعي للمجتمع المنتمي اليه, وكذلك مهنيا اذا كانت المدرسة غير صارمة بمحاسبة الطالب بالاضافة الى محاسبة العائلة, فسيفشل هذا الطالب بالتعليم. اي نستطيع ان نقول ان كل انسان يولد مسؤولا عن شيء وله مهام ينفذها, ونجاحه من فشله يعتمد على الجهة التي تراقب وتوجه وتحاسب هذا الانسان, بدأ من العائلة والمجتمع وانتهاء بالمدرسة والوضيفة وغيرها من المؤسسات.
تعددت مقاهيم المسؤولية (المهنية) بين الشرق والغرب, او بين العالم المتقدم والمتطور وبين العالم النامي والعالم الثالث, وتراجحت هذه المقاهيم بين المسؤول المرن جدا والدكتاتور, وهذه المفاهيم تدرس قي الكثير من الاكاديميات باعتبار ان المتخرج سيكون مسؤولا في المستقبل, ولكي يكون ناجحا اداريا يجب ان يعرف معنى المسؤولية وكيفية تحمل عواقب الفشل واصلاح الاخطاء الممكن اصلاحها, وان يقود المؤسسة ويكون مثلها الاعلى في الانضباط ليتبعه الاخرون.
وتعرف المسؤولية بانها مهمة مزدوجة يتحملها المسؤول, الاولى بتنفيذ خطة المؤسسة او الهيئة  التي تنصبه مسؤولا, ويمثل هذه الهيئة امام المؤسسات الاخرى, والثانية يكون ملتزم بقوانين مؤسسته ويحاسب من قبل الهيئة التي انتخبته لهذا المنصب.
منذ ان بدات الدول الصناعية بالازدهار والمؤسسات تتوسع, بدأ ظهور نظريات في الادارة وذلك منذ الثلاثينيات من القرن الماضي, وتوصلت الى تطبيقات علمية واكاديمية في الادارة, وعدم اعطاء المجال للاجتهادات الفردية والشخصية لانها تخلق الفساد وسوء الادارة, وبهذه الطرق الاكاديمة في الادارة نستطيع ان نتعرف على اسباب تطور الدول المتقدمة, بالرغم من قلة مواردها الطبيعية, بينما تتراجع الدول الشرق اوسطية رغم ثرواتهم. واليوم تعتمد هذه النظريات في التعليم وفي التطبيق في الحياة المهنية وفي معظم المؤسسات, مالية ام صناعية ام سياسية وحتى دينية.
اما في المجتمعات النامية, فمفاهيم المسؤولية تختلف كثيرا, فمنها من يتبوء المسؤولية بالوراثة والاخر بالانقلاب والقوة, والثالث بالشعارات مع فريق متملق, واخر يستخدم المال الفاسد في انتخابات غير نزيهة, وخصوصا ان شعوبهم فقيرة ومحتاجة وخارجة من كوارث يستغلها الفاسدون للوصول للسلطة. فعلى سبيل المثال في الدول المتطورة يعالج الانسان الذي يتعرض للتعذيب والعنف او هدد بالقتل او قتل احد افراد عائلته, لعلاج نفسي طويل واكثر الحالات يحال الى التقاعد من الوضيفة, لانه متاثر نفسيا ولا يمكن ان ينتج بصورة طبيعية بدون تاثير العقدة او التاثيرات النفسية التي خلفتها تجربته القاسية. اما في الدول النامية, فهذا الشخص بطلا ويعين مسؤولا وقائدا لحزب او لمجموعة يقرر مصيرهم بحرية, وهو يفتخر انه اعطى شهداء من افراد عائلته او مقربين منه, وكانه كان صاحب القرار باعطاء هذه الدماء, لذلك هذا المنصب هو استحقاق له ولا يمكن المنافسة عليه.
كما ان معظم المؤسسات وخاصة السياسية في المجتمعات النامية, اذ لم تكن كلها, لا تملك قدرة المحاسبة لمسؤوليها او قادتها, وكل من يحاول محاسبة او مسائلة مسؤول ما. يخون ويطرد ويسقط ويخرج من الملة, بينما كان افضل شخص حينما كان ولائه جيد للقائد.
كما ان ليس هناك مقياس واضح لاختيار المسؤول, بل عند الكثير من الاحزاب المسمية نفسها بالديمقراطية يعين المسؤولين تعيينا, كما يعين مختار القرية من قبل الحكومة, متجاوزة على الانتخابات والتصويت والترشيح التي تمارس في الانظمة الديمقراطية, وهذه الحالات تمارس علنا ويعلن عنها بالاعلام واحيانا باشراف القائد, وليس من يحاسب هذا القائد على فعلته وخرقه للاصول الديمقراطية لهذه المؤسسة.
كما انه ليس هناك ثقافة امكانية خطأ القائد, لكون هذا القائد بالنهاية انسان, يستطيع ان ينجح بشيء وممكن ان يفشل في شيء ثاني, او ان العمر يمكن ان يقلل من امكانية هذا الانسان في قيادة هذه المؤسسة وامكانية ارتكابه للاخطاء ممكن ان تزداد مع التقدم بالعمر, بل بالعكس يبقى القائد الاوحد والمعصوم والبقية مجرد منفذين لاوامر وتوصيات هذا القائد.
والكارثة الاكبر ان بعض القادة للاحزاب غيرو اتجاه واهداف وسياسة الحزب 180 درجة دون ان يحاسبه احد, فنجد حزب مؤسسيه ضحوا بارواحهم من اجل اسم قومهم وشعبهم وتاريخه, ويستلم قائد للقيادة ويحول اتجاه الحزب ومنهجه السياسي الى طائفي, ويفتخر بهؤلاء الشهداء, ثم يتحول الى نضال ديني وحقوق مسيحية (على سبيل المثال) ولا زال يفتختر بهؤلاء الشهداء والمؤسسين, ولا احد يقول ان هذه الدماء لم تسيل من اجل حقوق المسيحيين, بل من اجل حقوق قومية واسم قومي وتاريخ ونضال امة, واذا انحرف هذا الحزب عن طريق المؤسسين وشهدائها, سيفقد الحق بالانتماء لهؤلاء الشهداء. ومع كل هذا نجد تبريرات من القائد والاتباع الذين يدفعون هذا القائد الى المزيد من الاخطاء, وبالتالي يدمرون المؤسسة ويضعفوها وتبقى فقط اسم بهيكل مهترأ لا يقوى على قرارات جريئة تخدم المصلحة العامة.
وبهذا يمكننا ان نوجز موضوعنا عن المسؤول الناجح والفاشل ببضع نقاط, وخصوصا اننا على ابواب الانتخابات وعسى ان تساعد البعض بالتمييز بين الصالح والطالح قبل ان يعطوا صوتهم الثمين والممكن ان يدعم هذا الصوت بالرقي لمؤسسة ما او يساهم هذا الصوت بفساد ومتاجرة بحق شعب ومصيره او مؤسسة او افراد. ونلخص نقاطنا بما يلي:
المسؤول الناجح هو المسؤول الذي يرفع اسم مؤسسته اكثر من اسمه الشخصي, ويحترم ثوابتها ويتمسك بمنهاجها ويضحي من اجلها, وهو الذي لم يورث المسؤولية بالوراثة, وهو الذي يحرص على حق اصغر عضو في هذه المؤسسة وكذلك الذي يحترم الاصول الديمقراطية في نقده واختيار المسؤولين دون ابداء رايه الشخصي وتوزيع التزكيات. بل يكون حريصا على تشكيل لجان للمحاسبة لجميع افراد المؤسسة وبضمنهم الزعيم. لتقويم عملهم ومنع الانفراد بالقرارات.
كما ان المسؤول الناجح هو من يصنع مؤسسة قوية ومؤثرة في محيطها, وتزداد قوة مع الوقت وتكون مركزا لاستقطاب الامكانيات العلمية والسياسية والاجتماعية, وتكون كوادرها ومنتسبيها مفخرة لهذه المؤسسة وللعامة ايضا.
المسؤول الفاشل: هو كل من...
*يستلم المسؤولية بالوراثة او المجاملة بدون امكانيات توئهله تولي تلك المسؤولية.
*لاتوجد امكانية محاسبته او تقويمه من قبل جهة ما داخل المؤسسة.
*تكثر الاستقالات والابعاد داخل مؤسسته في فترة استلامه المسؤولية, ويجعل المؤسسة بؤرة طاردة للطاقات البشرية الجيدة, ويرتكز بعمله على اشخاص لايملكون التاثير في محيطهم بل يفتقرون الى الخبرة وذلك لكي لا يحاسبون المسؤول في حال تقصيره.
*يستلم المسؤولية مرارا وتكرارا وبحجة عدم وجود البديل له, وهوالمسؤول الاول لايجاد وتطوير الاشخاص والكوادر وتقديمهم للمؤسسة لتحمل المسؤوليات.
*يفضل منصبه ومنافعه على مصير مؤسسته او مباديء تاسيسها, او على منع انشقاقات في المؤسسة, تصيبها وتضعفها, او على مصير اعضائها وكوادرها, بل يتكلم بصيغة الانا وليس بصيغة نحن, كانه يملك هذه المؤسسة وتاريخها وبغيره ستنهار.
*يجعل عمل مؤسسته رد فعل على الاحداث, ولا يملك خطة مستقبلية او استراتيجية واضحة. اي تصبح المؤسسة متلقي للضربات دون ان يكون لها تاثير في ردع هذه الانتكاسات.
*يجد نفسه رجل كل المراحل, اي بمعنى ان المؤسسة تمر بمراحل خطرة ومتقلبة ومختلفة وهو يجد نفسه الصالح لكل هذه التغيرات والتقلبات وانه الاوحد. كما انه الحل لكل الملفات السياسية والادارية والمالية والاجتماعية, اي جوكر, وهذه هي اعراض الاصابة بالنرجسية.
*تكون انجازاته شعارات واحتفالات واعلام, ولا تكون هناك علاقة بهذه الفعاليات واهداف وواجبات تلك المؤسسة, ويكون هذا للتغطية على الفشل, له وللمؤسسة المتأكلة داخليا.
*يرتاح لوجود المتملقين والفاشلين من حوله, ويتبنى سياسة جمعهم حوله بل يتبؤون مسؤوليات مهمة ايضا. ليحملهم المسؤولية في حالة الاخفاق والفشل.
*يحول المؤسسة الى مؤسسة عائلية او عشائرية ويقضي على التنوع وتطوير الطاقات والامكانيات في المؤسسة. ويحول المؤسسة من جهة لها اهداف عليا ومنفعة عامة الى بؤرة للمنفعة الشخصية للمقربين والموالين.
*واخيرا من يرضى عليه عدو المؤسسة او منافسيها, لانه يوفر عليهم جهد المنافسة, لانه سيكون الكفيل باضعاف المؤسسة, وسيحاولون الابقاء عليه مسؤولا بكل الوسائل, ويزيحون منافسيه ان امكنهم.
وبهذا نرجوا اننا ساهمنا في المساعدة على فرز المسؤول الفاشل من الناجح, عسى ان يساعد الذي لايعلم بكيفية الفرز بينهم, لان اعطاء الصوت او الثقة لمسؤول فاسد هي مشاركة بالفساد ايضا, بل هي الدفع للفاسد للفساد اكثر واكثر, لان اذا كانت المؤسسة, او المقربين من المسؤول ليس لهم القدرة على المحاسبة, بل المساهمة بزيادة فساد المسؤول فعلى العامة معاقبة وعزل الفاسد والفاشل لتكون الجهة المحاسبة لهذا الفاسد, اذ لم تتوفر مثل هذه الجهة داخل المؤسسة نفسها, وخصوصا ان هناك امكانية للتغيير او المعاقبة بالمقاطعة في المحافل الديمقراطية.
ولكي نعرف اكثر تاثير الفاسد والفاشل على المؤسسات, فقط نحتاج ان نعرف ان اليوم تستخدم دول ومؤسسات ضخمة هذا الاسلوب لتدمير خصومها, لانها اقل كلفة ومضمونة النتائج. اي ان الدمار الذي يصيبه الشخص الفاسد او المسؤول الفاسد على المؤسسة كبير جدا وعلاجه صعب, بالاضافة الى ان لديه عواقبه النفسية, لان الشعوب تفقد الثقة حتى بالجيدين, والاعلام يضخم ويمجد الفاسد ويسقط النزيه وهذا ما يخلق ردة فعل قوية عن الجمهور, وها هو الدليل  الحي العراق وسوريا كمثال, فاستمعوا الى راي الشعوب بمسؤوليهم, لذلك نصيحتي المتواضعة ان لا ادعم شخص لمجرد ان له اعلام واتباع يغنون له, بل اعمل تقييمي الخاص واضع اهتماماتي ومن ثم ابحث عن الذي قدم سابقا ويقدم اليوم ماهو منسجم مع تطلعاتي, لكي لا اشترك مع فاسد بالتجاوز على حق جمهور من اجل ان ينتفع هو ومقربيه.
واسأل الله ان ينير عقول الجميع والانتخابات على الابواب, لكي لا نكون مشاركين في ماسات شعوبنا باختيارنا الفاشل والفاسد, بل نحاسب الفاسد ونكافئه بما يستحقه.






زيا ميخائيل
6.نيسان.2018