المحرر موضوع: حكومة الإقليم وسياسة النأي بالنفس  (زيارة 785 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صبحي ساله يي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 405
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حكومة الإقليم وسياسة النأي بالنفس

صبحي ساله يي

المنطقة تبدو كأنها ميداناً للتصفيات السياسية والاقتصادية، ومأزومة وعلى فوهة بركان. الصراع المعقد والمتشابك بين الكبار من أجل النفوذ والإمتيازات والهيمنة في تزايد مستمر، وسيأخذ منعطفاً خطيراً ينذر بدمار كبير بعد إستغلال الإحتقان بين الأطراف المتناقضة فكرياً وعقائدياً، ودخول أطراف عدة الى ميدان تصفية الحسابات وخط المواجهة في دعم القوات الموالية لها وتزويدها بأسلحة متطورة، لنخر الأجساد وقيادة المنطقة إلى الهاوية، وإشعال حرب لا تبقي ولا تذر.

معطيات الحرب كثيرة وساحاتها واسعة، وأدواتها ووقودها متوفرة وكثيرة. المواجهات الدامية والمدمرة والحاسمة محتملة خلال الأسابيع المقبلة في الخنادق المقابلة أو المتباعدة. والعاقل يتجنب التأثيرات الإقليمية والتوتر والشرر والضرر وينأى بنفسه عن حالة الفوران التي ستلقي بظلالها على الواقع المفتوح على إحتمالات عدة.

في ظل المزاج السياسي المتقلب في المنطقة، وموازين القوى العسكرية والاقتصادية والظروف المعقدة، ينسى البعض أن المسألة أكبر من إسقاط دكتاتور وضمان الحريات الديمقراطية لشعب معين، وتغيير نظام ما، ويتجاهل ما يحدث من الدمار والابادة الجماعية ومن يقف وراءها، من قوى تمتاز بالقدرة على خلق الازمات في سبيل تسويق أسلحتها القديمة والحديثة، وتنشيط وتطوير اقتصادها وتوجيهها لخدمة مشاريعها ومصالحها، ولتوقع صفقات كريمة للتنقيب عن النفط والغاز وتسويقهما لعقود طويلة. ولكن عندما يشاهد التخلي بسرعة في الفترات المقبلة، ضمن إتفاقات سرية وعلنية، عن طرف، وتركه كفريسة أمام طرف آخر، سيعرف أن السيناريوهات المتداولة الكثيرة، أحلاها مر كالعلقم، وأحسنها خدعة تجهض الرؤية وتتعارض مع القيم الأخلاقية والإنسانية السامية، خاصة بعد أن تصبح الأراضي العراقية إحدى ساحات المواجهة بين الصقور المتخاصمين، والحكومة العراقية، للأسف، لاتستطيع أن تنتهج الحياد أوتطبق تعهداتها المتعلقة بإيران وتركيا وأمريكا وروسيا، ولاتستطيع ترتيب الوضع الداخلي المنقسم وضبط الجماعات المسلحة، وكذلك الذين سيلجأون للإستعانة بالآخرين أثناء إشتداد الأزمة.

أكثر من مرة أعلن السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، عن سياسة النأي بالنفس عن الصراعات الجارية بين العواصم الإقليمية والدولية، الجارية بهدف تحجيم النفوذ وتقليم الأظافر وتصفية الخصوم ووقف التدخلات، وفي 28 آذار 2018، وخلال مؤتمر صحفي عقب إجتماع لمجلس الوزراء، قال: (إن المبدأ المتبع من جانب إقليم كوردستان هو أنه لا يجوز بأي شكل إستخدام أرض كوردستان لإثارة القلاقل لجيراننا، وهذا مبدأ ثابت تجاه تركيا وسوريا وإيران وكل الدول، نحن لا نرضى ولا نقبل بأي شكل من الأشكال أن يكون إقليم كوردستان مصدراً للقلاقل في تلك الدول).

هذا يعني، رغم خطر الأزمات ورغم وجود حالة من الإحتقان العالمي، أن السيد بارزاني يريد جدياً تحقيق التوازن في علاقاته مع المحيط الإقليمي، وحمل مفتاح لتوثيق علاقات أمتن مع الجميع ، ومسك العصا من الوسط، وعدم الإنخراط في أي تحالف مع هذه الجهة أو تلك، أو الإنضمام الى ذلك المعسكر، ويريد أن يبقى بعيداً عن الصراعات بين الكبار وتضارب مصالحهم، وعدم السقوط  في مصيدة الصراع المتشابك والمتداخل ودفع الثمن الباهظ وهذه السياسة تصب في مصلحة الكورد والعراق والمنطقة، ولاتشكل تهديداً لأمن أحد. ولن يسمح بأن تكون أراضي كوردستان قاعدة أو ممراً أو جسراً لإستهداف أي دولة، بين الدول، وهذه الرؤية السديدة نابعة بالأساس من قرار وطني يراعي ظروف كوردستان الصعبة التي لا تحتمل التخندق مع جهة ضد أخرى، أو الإنخراط في حرب مدمرة لاناقة لنا فيها ولا جمل، أو أن يدفع الإقليم ثمناً كبيراً، أو يخسر إحترام القوى الإقليمية والدولية وعلاقاته معها.

المواقف التصعيدية المعلنة حتى الآن، والتهديدات والتحديات والتصريحات الكثيرة التي تم تبادلها والإجتماعات الطارئة والإتصالات والتغازلات والتخادعات بين المسؤولين في عواصم القرار،  تشير الى أن كل طرف من الأطراف الكثيرة، يعتبر نفسه لاعباً محترفاً يؤدي اللعبة بثقة وإحتراف، ويحاول التمدد والانتشار السياسي والعسكري والاستراتيجي، وتوسيع رقعة نفوذه على حساب الأطراف الأخرى، ومستعد لفتح الأبواب على وسعها لإغضاب فلان على حساب إرضاء علان. وتشير الى أننا نعيش مرحلة ما قبل الحرب..