الزعيم الهندي جواهر لال نهرو قال حكمة ان (كلمات اللغة الإنكليزية تأخذ معنى مختلفاً حين تعبر قنال السويس) لكن اليوم يمكننا القول (ان كلمات اللغة الروسية باتت تأخذ معنى آخر حين تعبر الأجواء السورية). لم يتفق مؤرخون وباحثون وسياسيون على قضية، كما اتفقوا على توصيف احتلال العراق ب (الخديعة الكبرى). مع اختلاف الرؤى وتباين زوايا النظر، إلا ان غالبية المبحرين في مستنقع الحرب على العراق عام 2003 بذريعة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، يشعرون بمرارة الدم النازف في بلد تحول من دولة واعدة الى مسرح للعبث والانتهاكات والفساد. (شارك في حرب الخليج الثالثة 26 دولة دولية واقليمية وعربية وخليجية). قبل 2003 كال مفكرون وخبراء روس الاتهامات للرئيس بوتين على وقفه السلبي تجاه دول التحالف والناتو. الخديعة البوتينية كشفت عام 2004، بطلب امريكي باشراك قوات روسية في العراق، (ليس هناك ما يضطر موسكو لقبوله). ولمح بوتين حينما طلب منه ذلك فقال: (هكذا هي الحياة: أناس يطلقون النار، واناس ينهبون، واناس يدفعون الثمن). ان الروس مع الأسف لم يفوا بتعهداتهم، فباعوا العراق وصوتوا على قرار استخدام القوة ضد وقف البند 7 من ميثاق الأمم المتحدة عام 1991 لقاء 4 مليارات $ من دول الخليج ل (غورباتشوف) ووزير خارجيته آنذاك (ادوارد شيفرنادزة) وقد انفضح الامر. هذا ما اعترف به (فيكتور غيراتشينكو) رئيس البنك المرزي الروسي الذي ذكر ذلك في كتابه (رحلة مع الذاكرة). وأوضح ان وفداً سعودياً اماراتياً زار موسكو وطلبوا من الروس التمسك بالحياد وعدم التدخل لقاء 4مليار$. وان بريماكوف والوفد المشارك معه زاروا السعودية وانهوا الصفقة حول تحويل المبلغ. الخيانة والخديعة الروسية حصلت مع يوغسلافية عام 1999 وأدى الى تشظيها الى عدة دول. الخديعة كحقيقة جوهرية مارسها الغرب ضد روسيا على مراحل: خديعة غورباتشوف، للسيطرة على معظم أوربا الشرقية والقوقاز وآسيا الوسطى ومحاصرة روسيا. خديعة روسيا في استخدام الديمقراطية كأداة لإضعاف الداخل الروسي. الخديعة في استخدام الصحوة الديمقراطية في الشرق الاوسط (العالم العربي ولا سيما سوريا). الخديعة في تجديد استخدام الإسلام السياسي والاصولي واستنزاف روسيا داخلياً وخارجياً. الخديعة السياسية استخدمت في ليبيا باعتماد التدخل العسكري لطرد نظام معمر القذافي ومعه الروس. الخديعة السياسية في العالم العربي (الربيع العربي) ولا سيما مصر التي تخوض حرباً ضد الارهاب (الإخوانية). الخديعة من تقارب بوتين مع تركيا مع تصاعد الحركة الانفصالية الكردية. السؤال التقليدي المؤرق على ضوء تجربة الاتحاد السوفيتي، هو هل تملك البوتينية على المستوى الدولي إمكان مواصلة سياسة هجومية ديبلوماسية وجيوسياسية في حين يعاني الاقتصاد الروسي عجزا وضعفاً بنيوياً مما يفصل بين القوة العسكرية والطاقة الاقتصادية؟ والسؤال الأخير، كشفته البوتينية بسكوته على الضربة العسكرية لدول أمريكا وبريطانيا وفرنسا على سوريا والتزم بوتين فقط بالتنديد للعملية، سكوته وكان واضحاً ومكشوفاً خاصةً دعوة روسيا مجلس الامن الدولي وقرار المجلس المخيب لبوتين. وما مغزى القوات البرية والبحرية والجوية والاساطيل الروسية في سوريا؟ وأين تهديدات بوتين قبل الضربة. نهاية المطاف ليس لدى بوتين سوى الخروج من سوريا. لا عيب في ان نعترف باننا نعاني من إدراك مشوش في متابعة الموقف الروسي في أزمات الشرق الأوسط. وعلينا ان ننتبه الى ان روسيا التي عاشت عقوداً طويلة في استاتيكية رتيبة قد أحدثت تغييراً مذهلاً في علاقاتها الدولية. لكن الذي يستمر كتحدٍ هو سؤال، هل البوتينية ستواجه الديمقراطية ك (نهاية التاريخ) ام كمشروع نموذج لما بعد التاريخ؟
الباحث/ ســــمير عســــكر