المحرر موضوع: حميد الحريزي ومحطات مظلوم (2)  (زيارة 1798 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل هاتـف بشبـوش

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 201
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
  هاتف بشبوش، شاعر و ناقد (عراق/دنمارك)


حميد الحريزي ومحطات مظلوم (2)


 


في زورتي الأخيرة الى العراق أنا كاتب المقال رأيت من ان العراق تحول الى عبارة عن ماخور كبير يتميز بزواج المتعة والنقاب الذي يعطي انطباع حول الدعارة الغير مرخصة في ظل نظام ثيوقراطي ديني تكاد تكون فيه بيوتات العاهرات صفرا مع إزدياد الجريمة الجنسية، بينما يؤكد علي الوردي على أنه من الضروري أن تتوفر بيوت الدعارة بشكل علني وأمام الأعين وعرضة للفحص الطبي بدلا من التكتم والأمراض الناجمة عن الجنس الهمجي. أكثر الروايات العالمية والأفلام العربية تحدثت عن البغي والغواني مثلما رأيناها في فلم محمود ياسين ونجلاء فتحي والحب العارم بين الطرفين الذي ينتهي تحت مسميات النظرة الدونية للغواني التي جعلت محمود ياسين يبتعد عن نجلاء فتحي رغما عنه في فيلم ( وتمضي الأحزان) وهم في ذروة العشق الحقيقي مما يؤدي بالنتيجة الى موت نجلاء فتحي كمدا وحرقة وعشقا وشوقا لحبيبها الضائع بين أجنحة التقاليد المميتة .
غادة الكاميليا قتلها حبها لشاب أغرمت به وأغرم بها وهي فتاة ماخور بعد ان أصيبت بالسل الرئوي وهي في عمر الشباب نتيجة حكم العشيرة والبيرواقراطية الطاغية أنذاك والتفرقة بين المحبوب الثري والمعشوقة الفقيرة والعكس صحيح .
ينتهي فصل العشق الغنودي ويظل مظلوم تأخذه الحسرات التي تحاكي العقل حول العدل والمساواة لكن دون وعي تام ولاحرية فهو لازال لايعرف غير اللبلبي والفلاحة (اذا لم نستطع التنسيق بين العدل والحرية فقدنا كل شيء ......البيركامو) .
يبدأ مظلوم يدافع عن بوادر المعرفة والتحرر حينما يمنع أهله من تزويج أخته الصغيرة السن كصة بكصة رغماً عنها فتصوّرّ أهله وذويه انّ اللبلبي والباقلاء جعلته مثقفا هكذا لو كان يبيع الذهب لأصبح في مجلس النواب . وللأسف الريف لازال يعيش تحت التخلف في أكثر مناطق العراق .
يتعرف مظلوم أبو كفاح في النجف على المدرس استاذ منير الشيوعي والذي كان يساعده في كل شاردة وواردة ويصبح من أصدقائه المقربين . استاذ ((منير)) الشيوعي يختفي بعد التظاهرات في النجف . حتى تمر الأيام ويصبح مظلوم معروفا في شوارع المدينة ومن قبل الطلاب وعامة الناس من خلال عربته الجوالة على طول النهار حتى يأتي يوم يقوم به أحد أبناء عمومته بقتل شخصا في الريف على حصة الماء في مزارعهم فيتوجب عليه أن يختفي عن الأنظار خوفا من قتله ثأرا بالقتيل . وقد وصلت هذه القضية الى استاذ منير الذي قام بمساعدته في إخراجه من النجف الى بغداد كي ينجو من الثأر ويغادر مظلوم الى بغداد ويترك ابنه كفاح وابنته وزوجته وهنا بدأ نضاله الشيوعي الحقيقي في بغداد .
وفي بغداد يلتقي مظلوم بمنير والذي يتبين فيما بعد من انه سلام عادل الذي سيصبح سكرتير الحزب الشيوعي العراقي في العام 1956 . في بغداد يتغير اسم مظلوم الى غضبان حتى لا يستدل عليه من قبل عشيرته .
(وفي بغداد يعمل في مطبعة الحزب و التعرف على معنى ومضمون ((الشيوعية )) من خلال بعض المطبوعات في المطبعة التي يجلبها له اسطه جمال...تعرّف على أسماء ماركس وانجلس ولينين وستالين وفهد ووووو. ديكتاتورية البرولتاريا، الرأسمالية ، الاشتراكية، الأدب الواقعي ، الرواية القصة ، والشعر الثوري وووو،السريالية ، والرومانسية ، والشعر العمودي والشعر الحر ) .
يصبح مظلوم واحدا من المناضلين الكبار في الحزب الذين لهم مشاركات فعالة لما في ثقافته وشخصيته ومعرفته بشخصيات مجتمعية لها وزن كبير ومنهم الدكتور (فريد وزوجته) اللذين اشتغل في بيتهم وفي مزارعهم وكان الدكتور يعتز بشخص مظلوم وتفانيه بعد ان يعلم بشيوعيته السرية وهذا الدكتور من الرجال الطيبين العارفين بأمور السياسة والبلد لكنه شخصية مستقلة تحترم الشيوعيين مما دعاه أن يطرح فكرة لم شمل عائلة مظلوم في بغداد مع زوجته ويتم له ذلك في أن يهبه بيتا كاملا مؤثثا لاينقصه سوى مجيء زوجته .
بالفعل تأتي زوجة مظلوم وتعيش معه في بغداد في فصل حب مدني جديد يختلف عن الريف . وهذا البيت ظنه مظلوم إيجارا وحتى الإيجار لايستطيع دفع تكاليفه ولكن فيما بعد تبين انه هدية من الدكتور فريد مسجلة عقاريا بإسم مظلوم فما أكرم هذا الرجل الذي يعادل ألف معمم ومرجع فلن يفعلها مثله من رجال الدين على الأطلاق لا اليوم ولا غدا . لكنها الشهامة اليسارية وحب الشيوعية والإشتراكية لديه التي حتمت عليه في مساعدة مظلوم في بيت يأوي به عائلته . وفي هذا البيت يبدأ فصل الحب من جديد وفي عمر الشيخوخة بين مظلوم وزوجه ولم لا فالشيوعيين هم أهل الحب كما رسمه لنا المؤلف        ( نيكولاس سباركس) في رائعته التي مثلت في فيلم رومانسي جميل ( دفتر ملاحظات ) ثمثيل الممثلة الكندية( راشل مكدامس) والممثل الكندي أيضا (رايان كوسلن) وهؤلاء قد قدر لي أنا كاتب المقال أن أرى بيوتهم وأزقتهم الطفولية حيث ولدوا في مقاطعة لندن أونتاريو عند زيارة أخي في كندا قبل أشهر . هذا الفلم يحكي الحب في مراحله الأولى حيث المراهقة النزقة حتى عمر الشيخوخة الذي ينتهي بموت الحبيبين سوية متعانقين وهم على فراش الحب الحريري عجوزين طاعنين في السن . وهكذا كان مظلوم يحب زوجه في هذا البيت الأخير الذي شهد موته ونهاية نضاله البطولي .
وفي ذلك الوقت صدر قانون الاصلاح الزراعي الذي انتصر لمظلومية الفلاح العراقي ومما اثار استغراب مظلوم مدى تذمر وسخط القوى الدينية الحوزوية من صدور هذا القانون . في الوقت الذي يفترض فيهم مساندة الفقيراقتداءا بالامام علي عليه السلام وانتصاره للفقراء وهو القائل (( لوكان الفقررجلا لقتلته)). وكذلك الحال بالنسبة لصدور قانون الاحوال الشخصية والداعي للمساواة بين الرجل والمرأة واعطاء المرأة حقوقها المشروعة ، مما دعاهم الى تاسيس ما اسموه ب (( جماعة العلماء )) وكان لها دور تحريضي كبير ضد الشيوعيين وضد الثورة وضد عبد الكريم قاسم ، مستندين الى فتوى (( الشيوعية كفر والحاد ).
ادات وتقاليد دينية مقرفة يتبعها شيوخنا وأكثر مراجعنا في الزواج من القاصرات منذ تلك العهود الغابرة والمتخلفة. واليوم قرر مجلس النواب من هذا العام 2017 قانونا يسمح للزواج من القاصرات . وحتى الإمام الخميني في كتابه تحرير الوسيلة أقرّ الزواج من الرضيعة حيث تتم مفاخذتها فقط حتى تكبر وتصبح قادرة على تحمل الولوج. فأي شعوب هذه وأي حكومات . كازانوفا العاشق الإيطالي الشهير في عصر النهضة أو عصر الولادة الجديدة أو مايسمى يالرينايسانس Renaissance هذا العاشق عشق أكثر من سبعة آلاف إمرأة وآخرها فتاة لما التقى أمها لكي يعقد عليها تبين انها عشيقته قبل عشرين عام وهذه التي عشقها الآن هي إبنته. كازانوفا في فترة من حياته التي عاشها قبل أربعمئة عام إتهمه القضاء بالجرم لكونه مارس الجنس مع فتاة قاصر . بينما رعاع العراق في القرن الحادي والعشرين يريدون تشريع قانون الزواج بالقاصر . فأي حكومة ٍهذه التي تريد إرجاعنا الى ماقبل ألف وأربعمئة عام ؟ إنها حكومة أولاد قراد الخيل .
إنها سلطة الأكليروس التي تقف مع الظالم بكل الأحوال مثلما كان يحصل في إيطاليا وكيف وقفت سلطة الكنيسة مع موسوليني الذي أغرق إيطاليا بالقتل والدمار .
في العام 1963 يتم تصفية قيادات الحزب برصاص الحرس القومي المسعور أو الموت تحت التعذيب ، فاشتشهد العديد من الأبطال ، سلام عادل( استاذ منير) ، ابو العيس ، عبد القادر اسماعيل ، حسن عوينه ، جمال الحيدري وووو. فتنتهي صفحة نضالية يبقى صداها حتى اليوم لكنها تشكل المحطة الحزينة لمظلوم لوجعه على رفيق دربه وصديقه الذي ساعده في تدبير أمور حياته الرفيق الخالد سلام عادل ( استاذ منير) الذي تقطع أوصاله ويسحق بالحادلة فأي حقدٍ هذا الذي حمله جلاوزة البعث .
يختفي مظلوم عن الأنظار قليلا ويبتعد عن الحزب وبعدها يلتقي العريف (( حسن سريع)) مرة أخرى حيث جمعته به علاقة صداقة ورفقة حميمة حينما كان يعمل في المطبعة ، وكان لهم آراء واحلام وتطلعات مشتركة ، وقد نشأت وتطورت بينهما علاقات عائلية على مستوى الأسرتين آنذاك ، فيجد له حسن سريع عملا في البساتين في بغداد وبعض حدائق البيوت .
كان امر اعادة الصلة بقيادة الحزب هو جل مايشغل مظلوم أبو كفاح أو شمران حاليا، بينما كانت ((غزاله)) الشغالة في نفس الدارالتي يشتغل بها مظلوم ، سمراء مربوعة ، تفيض ملاحة ولطفا وعذوبة ، تستلطف مظلوم ، وغالبا ما ترهف السمع له وهو يدندن بصوته العذب احد أغانيه الريفية المثيرة للطرب والشجن . مظلوم كان يقول الشعر ويغنيه فأصبح محبوبا بين أقرانه ، فالغناء هذا فن يبهج النفس التي تؤديه كما يبهج المستمعين ، الغناء تلحين الشعرالموزون بتقطيع الأصوات على نسب منتظمة فتكوّن نغمة ثم تتشكل تلك النغمات بعضها الى بعض على نسب متقاربة فيلذ سماعها ومن المغنين الأوائل زرياب الموصلي .
كانت((غزاله)) تختلق الاعذار لتكون بالقرب منه في حديقة الدار، ، بينما وهو العليم بما تريده هذه الغزالة ولكن يردد مع نفسه (( خايبه آني وين وانتِ وين )) ...لكنه الحب وعالم النساء المثير مهما حاولت النفس التواقة الإبتعاد عنه (انّ من الاغراءات الكبيرة ان تكون معشوقا ، واذا كانت الروح سخية فمن السهل إغرائها... راسين). . لكن مظلوم يشكر حسن رعايتها له ، متابعا مشيتها المتبخترة وهي تجر عجيزتها الرجراجة المشتهاة ، وضفيرتها التي تنساب على ظهرها . منذ ذلك الوقت و الفلاّحة العراقية لاترتدي الحجاب فهذا يعني من ان العراق رغم كل الظروف الطغيانية لكنه أكثر تحضرا وتمدنا من اليوم وساسة اليوم الذين أرجعواالعراق الى قرون وقرون . حتى الجوع لم يثني هذه الفلاحة غزالة في أن تكون حاسرة الرأس ، لم يثنها في أن تقول لمظلوم من انّ عبد الكريم قاسم قد شاهدوه في القمر . انه الجوع الذي يحرك هذه الفتاة اتجاه عبد الكريم قاسم لأن عبد الكريم هو الوحيد الذي بنى مساكنا للفقراء في مدينة الثورة بعد ان كانت بيوتهم أكواخا وواحدة من هؤلاء بيتا لهذه الفتاة وعائلتها ولذلك كان القمر جميلا بالنسبة لهذه الجائعة الفقيرة التي تبحث عن رغيف الخبز لعائلتها...ولذلك يقول الشاعر :

القمر جميل
لكن رغيف الخبز أجمل ...
ومافائدة القمر الجميل ورومانسيته بالنسبة لجان فالجان بطل البؤساء في رائعة فيكتور هيجو ، الذي اعتقل خمسة وعشرين عام من اجل رغيف الخبز ، حيث الأنظمة الدينية أنذاك وسلطة الكنيسة التي تسن قوانينها ضد الضعيف وتترك عصابات السرقة المنظمة ومافياتها .
افائدة القمرالجميل اذا ما أطلّ فوق ديار شارع الألف طفل حافي في حي الشعب أيام البعث ولا أدري ان كان موجودا حتى الآن .فاعتقد من انّ الحالة الوحيدة التي يكون فيها رغيف الخبز والقمر سيان في الجمال هو ماحصل بالنسبة لغزالة أو لأولئك الجياع في مدينة الثورة الذين تراءى لهم وجه عبدالكريم قاسم في القمر .
يتفق الرفاق على القيام بإنقلاب عسكري في عام 1964 بقيادة العريف حسن سريع ومعهم مظلوم ويبدأ الأنقلاب من معسكرالرشيد وبعض الفصائل في بغداد وشارك فيها العديد من الضباط وضباط الصف. لكن الإنقلاب يفشل ويلقى القبض على المشاركين في الإنقلاب وتقام لهم محاكمة صورية يعدم فيها أكثر الإنقلابيين بينما مظلوم يستطيع الهرب عبر النهر ويخفي بندقيته .
يتقدم حسن سريع قبل رفاقه اُثناء الأعدام وهو يهتف (( يحيا الحزب يحيا الشعب)) (( السجن الي مرتبه والقيد الي خلخال / والمشنقة ياشعب مرجوحة الأبطال )) وتعلق جثته على عامود الكهرباء في مدينة الثورة لعدة أيام لترهيب الناس..تحزن النساء في مدينة الثورة وترتدي الأسود على مقتل حسن سريع ورفاقه . ثم تشن حملة ضد المثقفين والثقافة في ظل الفاشية ، حيث يبصق المجرم الملازم ((غازي عبد الصمد بوجه عالم الفيزياء ورئيس جامعة بغداد الدكتور عبد الجبار عبدالله)).



يُتبــــع فــي الجزء الثالـــث