المحرر موضوع: تشيخوف في شارع الرشيد ببغداد  (زيارة 822 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ضياء نافع

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 846
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تشيخوف في شارع الرشيد ببغداد
أ.د. ضياء نافع
ياله من خبر جميل ورائع ومثير ! فقد اطلعت على مقالة د. فرحان عمران موسى في جريدة المدى الغراء بعنوان – ( تقاسيم على الحياة .. بين معمارية النص و معمارية التمثيل ) بتاريخ 15/4 /2018 , ثم  على مقالة الاستاذ عبد الجبار العتابي في موقع ايلاف  بعنوان – ( مسرحية تقاسيم عن الحياة .. تهز الوسط المسرحي العراقي ) بتاريخ 16/ 4 / 2018 , وتذكرت رأسا (روح!!!) مقالتي التي نشرتها عن تشيخوف بمجلة الف باء في بغداد قبل اكثر من ربع قرن بعنوان – ( تشيخوف في علاوي الحلة) , واقول (روح مقالتي) , لاني تحدثت عندها عن (احلامي الخيالية !) ليس الاّ حول هذا الموضوع , اما هذا الخبر , فانه يتحدث عن واقع ملموس ومحدد وواقعي, ولهذا فهو خبر رائع , اذ قدّم المخرج المبدع جواد الاسدي مسرحية بعنوان ( تقاسيم عن الحياة ) ( ويا له من عنوان دقيق وذكي ورشيق شكلا ومضمونا ) ,  و المسرحية هذه مأخوذة ( حسب تعبير العتابي ) او ( مستلة) (حسب تعبير د. فرحان)  من قصة تشيخوف الشهيرة ( العنبر رقم 6 ) , كما جاء عنوان هذه القصة في بعض الترجمات العربية , والتي نسميها في العراق ( الردهة رقم 6 ) , اذ ان الطبيب والمحلل النفسي والاجتماعي الكبير تشيخوف رسم ( ولا اقول كتب) احداث قصته تلك عن الحياة في (ردهة ) مستشفى , هذه ال (ردهة ) , التي رأى فيها لينين ( رمزا ) لروسيا القيصرية , ورأت فيها الشاعرة أنّا أخماتوفا ( رمزا ) لروسيا السوفيتية ( انظر مقالتنا بعنوان – تشيخوف و أخماتوفا ), ورأى فيها المخرج العراقي جواد الاسدي الان ( رمزا ) لكل مشاكل العراق الحالي , بعد ان تعامل ابداعيا معها طبعا ( ان تحويل قصة تشيخوف الى مسرحية هو بحد ذاته يعدّ عملا فنيا وابداعيا كبيرا ومتميّزا محليا وعالميا ايضا ) , وهكذا قدّم لنا الاسدي تقاسيم معزوفته عن الحياة العراقية من خلالها , وعلى خشبة منتدى المسرح العريق في شارع الرشيد ببغداد , وعلى مدى خمسة أيام باكملها , وبنجاح كبير لدرجة ان  العتابي قال في عنوان مقالته انها ( تهز الوسط المسرحي العراقي !) , اما د . عمران فقد أشار ايضا الى ذلك النجاح الباهر , رغم انه تكلم عن ذلك بلغة فلسفية معقدة ومتشابكة جدا , لدرجة ان أحد أصدقائي سألني عن معنى بعض جمله , و أردف سؤاله بسؤال آخر , وهو – ( وهل يوافق صديقك تشيخوف نفسه على هذه ( المعمارية !!!) اللغوية المبهمة ؟ فقلت له ان يتوجه بسؤاليه الى تشيخوف نفسه , اذ انني لا استطيع الاجابة عن هذين السؤالين , واعتبرهما ضمن ال ( ترك), وقلت له ايضا , انني استطيع – بشكل او بآخر - ان اساعده بترجمة هذين السؤالين الى لغة تشيخوف وتوضيحهما له, اذا طلب تشيخوف نفسه ذلك , في حالة عدم استيعابه للنص,  فغضب صديقي , وقال لي انك تتهرب من الاجابة لانك لم تفهم معنى تلك الجمل مثلي , ولكنك لا تريد الاعتراف بذلك , فحاولت تهدئة النقاش مبتسما وتغيير مسارالكلام, وبدأت اتحدث معه عن قصة تشيخوف ( الردهة رقم 6 ) واهميتها وقيمتها الفنية في تراث تشيخوف الابداعي و في تاريخ الادب الروسي بشكل عام , وكيف ان تشيخوف سيفرح فرحا شديدا لو عرف , ان المخرج العراقي جواد الاسدي قد وجد في ثنايا قصته تلك جوابا شافيا عن  كل الاسئلة و الاشكالات الفكرية المرتبطة بالوضع القائم الان في بلد عريق مثل العراق , وذلك لان تشيخوف تناول هناك , كما في كل نتاجاته , معاناة الانسان , اي انسان بغض النظر
عن انتمائه القومي ومجتمعه , وسيفرح تشيخوف اكثر , اذا عرف ان المخرج العراقي قد احتفظ حتى باسماء ابطاله كما في النص الروسي رغم التعامل الابداعي التفصيلي مع تلك القصة , اي التعامل الفني الضروري جدا كي تصبح احداث القصة متلائمة مع ما يريد المخرج ان يقوله للمشاهد من افكار وهو يقف في شارع الرشيد في قلب بغداد . وذكرت لصديقي ان هذا الحدث كبير جدا في مسيرة العراق  الثقافية و الفكرية عموما, ويجب علينا ان نشيد بهذا العمل , وان نسانده بكل امكانياتنا , وبدون البحث اللغوي التفصيلي بمفردات مبهمة ومعقدة هنا وهناك ,  وذلك لان هذا العمل الابداعي يعني , من جملة ما يعنيه  , ان العراق يسير بشكل حثيث وصحيح  للخروج من ازمته الفكرية  الرهيبة التي انحدر اليها منذ اواخر القرن العشرين والى حد الان , وان دور المثقفين العراقيين أخذ يبرز اكبر وبصورة اكثر سطوعا  في الوقت الحاضر, وهذه مسألة ضرورية جدا ( اي دور المثقفين ) للمساهمة في عملية انقاذ العراق من ايدي هؤلاء الذين خذلوا الوطن وارادته , فتقديم تشيخوف في شارع الرشيد يجسّد رمزا لاستخدام المثقف العراقي لجواب تشيخوف نفسه على الازمة الفكرية في بلاده انذآك , وهو جواب عميق جدا من كاتب بمستوى تشيخوف , كان يهتّم جدا بمفهوم الحرية الانسانية ويحاول الدفاع عنها و صيانتها والمحافظة عليها بغض النظر عن النظام السياسي السائد في البلاد , وهي مسألة مطروحة الان وبشكل شديد وحاسم امام الانسان العراقي .
تصفيق حاد للمخرج العراقي جواد الاسدي ولكل الفنانين العراقيين الذين ساهموا معه في تنفيذ هذا العمل الابداعي الكبير!