المحرر موضوع: مناجاة يوم اللغة الآشورية  (زيارة 2979 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نوال اسطيفان ممو

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 12
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي


مناجاة يوم اللغة الآشورية

نوال اسطيفان ممو

في هذا اليوم المُطَرّز اسمه بأحرف من نور بصفة يوم اللغة الأم في متاهات ظلمة الديجور من العالم التقني، أحسست متسائلة: ماذا يتسنى لي أن أهديكَ وأبجلك به في هذا اليوم الذي تَعَطّرَ باسم يوم اللغة الآشورية في شهر الربيع، ربيع الأفراح المقدس دينياً وقومياً؟ تلك اللغة التي أنارت الدرب لمن إقتفى مسارها، ولمن إنتهل من ينابيعها، وإستظل بظلالها منذ أن شعّ أريجها وعلى مسار حياتها منذ العهد الأكدى ولحد يومنا هذا.
ما هي أسمى وأرق وأبهج المفردات التي تليق بوصفك ِ يا أيتها اللغة الرصينة؟! ربما أنتقي من العبارات ما لم أستطع أن اوفيك بها حقك، مقارنة بتلك عبارات التقديس من التدوينات اللاهوتية وأئِمة الفلاسفة والمفكرين واللغويين بما خلده التاريخ عنك منذ عهد آشور بانيبال وما حوته الألواح الخالدة الشامخة في أبرز متاحف العالم.
ولكني رغم ذلك سأدع حبر قلمي يجسد عن بعض ما أشعر به تجاهكِ في ذكرى يومك المُستحدث. هل تشعرين بالغربة في هذا البلد الذي ينطق بلغة أخرى مثلما يساورني الشعور في ديار الشتات؟ هذا الشعور يعود بي القهقري لتلك الأيام التي كنت أشنف بها أسماعي في ديار الأصالة من موطني في كل حدب وصوب بين أبناء جلدتنا.
غربتي هي من غربة لغتي بين أناس يملكون ثقافة ولغة مغايرة عما عليه في لغتي، لم أعهدها من قبل، تختلف كل الإختلاف عن هويتي الأصيلة المتجذرة من أرضية بلد الحضارات بلاد ما بين النهرين، رغم كل المحن ومؤشرات التحنيط التي ألمّت بها لتواكب مراحل جديدة من الإنحطاط والإنشطار والمفاسد، وبما لا يشوبها التفنيد لرصانة وجودها.
من جراء هذه الإعتبارات أدركت كم كُنتِ شامخةً يا لغتي في عصورك الأولى، وكم كُنتِ جميلة ومقدسة، وكم كنت غالية معززة على قلوب وأفكار آسلافنا الصالحين من الآباء والأجداد مِمّن خلدوا وجودك على صفحات التاريخ.
لكننا وبمرور الأيام والسنين قلّلنا من قدرك وإستهنّا من شأنك.. فأعذرينا يا لغتنا الأم، وإعذري أطفالنا بغيابكِ عن بالهم، ليزاملوا لغتهم المستحدثة لغة البلدان الأجنبية في ديار سكناهم.
لذلك ومن الواقع المرير الذي نعيشه ونألفه علينا أن نلوم أنفسنا أولاً كأولياء أمور لهم، طالما لا يَعون تلك الجناية اللغوية. ولذلك أيضاً من حقل التجارب وبعد أن يقوى عودهم سيستيقظون من غفلتهم ويعضون أصابع الندم ويدركون بأن لغتهم الأم لا زالت حية لا تنمحي حين تلزمهم الحاجة لذلك، وحين يرون بأنه لا زال يتغنى بها الشعراء والأدباء والفنانون والحكماء في المحافل الأدبية واللغوية والكنسية.
وفي خاتمة المطاف ليس لي إلا أن أخاطب يوم الواحد والعشرين من نيسان يوم اللغة الآشورية بكل فخر واعتزاز لأناجي اللغة الأم بأنك فخر لنا جميعاً كونك عنوان هويتنا وأصالة وجودنا.