هل أشارك في الإنتخابات ؟ ومن أنتخب ؟
د. صباح قيّاساذج من يعتقد أن هنالك قائمة إنفرادية أو إئتلافية , بسيطة أو معقدة , نقية أو هجينة , تمثل الجميع . ومخدوع من يقتنع أن القائمة التي ينوي انتخابها تمثل كافة أبناء المجموعة التي ينتمي إليها . ومخادع من يحاول أن يوحي للآخرين نفس المعنى آنف الذكر .... كل قائمة مهما كانت تسميتها لا تمثل إلا من ينتمي إليها فعلياً أو المتعاطف معها لسبب أو آخر , كأن يكون ذلك التعاطف نتيجة إنتماء ديني أو مذهيي أو قومي أو طائفي وما شاكل , أو أن يكون له علاقة بقرابة الدم أو بدافع الغريزة القروية أو المناطقية , وأحياناً التعارف المصلحي , أو الصداقة التقليدية , السطحية منها أو العميقة ... وما معناه أن كل قائمة لا تمثل إلا البعض ’ وليس بالضرورة أن يكون هذا البعض جزءً من الكل , بل قد يكون جزءً من جزء . هذه الحقيقة معروفة لكل من ينظر إلى الأمور بعين ثاقبة وبصيرة متنورة , ويوزن الأحداث بمعيار العقل الواعي المجرد من غريزة الأنا وبعيداً عن العواطف الضبابية .
وما قيل عن القوائم , ينطبق ايضاً على المرشحين . فالمرشح الذي يحسب الناس جميعاً مغفلين وبالإمكان تمرير إدعائه بأنه المنقذ المنتظر الذي سيدافع عن حقوق كيانه , ولن يغمض له جفن إلا بعد تحقيق ما وعد به في حملته الإنتخابية , ليس إلا هو نفسه مغفل .... لو كان ما تدعيه القوائم صحيحاً , وما يعلن عنه المرشح صائباً , لما كانت هنالك ثمانية قوائم أو أكثر تحتضن ثمانين مرشحا على الأقل تتصارع بأساليب متباينة منها الحضارية أو البدوية , ألعصرية أو المتخلفة , ألنزيهة أو الخسيسة .... إنها مهزلة المهازل أن لا يتعلم أو لا يرغب بالتعلم من يحسب نفسه محسوباً على المسيحية في ظل نظام لا يفهم من الإدارة السياسية غير المحاصصة الطائفية لنيل المكاسب الشخصية أو المذهبية .
مسكين المرشح الذي يتصور نفسه عملاقاً يتمكن من مجابهة مخالب الوحوش الكاسرة داخل قبة أثبتت السنون بأنها بمن فيها لن تتمكن من تحريك مشروعٍ مفيدٍ قيد أنملة . كما أنها تحوي بين أعضائها من بنظرة خاطفة منه يتحول ذلك العملاق الصنديد إلى قزم مرتجف يضطر فيها إلى التوقيع على أي قرار حتى ولو كان على شاكلة ما يسمى بالقانون الجعفري , وإلا التهمته النيران الغادرة التي يستند عليها صاحب النظرة الخاطفة .
ما يثير الشفقة ً أن الهرولة الحثيثة للإمساك بأحد أركان النجمة الخماسية للكوتا المسيحية ليست من أجل الدفاع عن واقع المسيحية المعذبة في وطنها الأصلي أو الحصول على حقوق المسيحي المهمش حسب دستور بلده , وإنما لمجرد إبراز الإنتماء القومي أو الفئوي لهذه المجموعة أو تلك . إنها , بصريح العبارة , صراع بين أطياف الشعب المسيحي المغلوب على أمره ... صراع بين من يدافع عن كلدانيته , و بين من يتشبث بآشوريته , وبين من يحاول إبراز سريانيته , وبين من يبغي احتواء الجميع في تسمية مبتكرة لا علاقة لها لا بالتاريخ القديم أو الحديث ... إنها صراع مستميت بين كل هذه الأطراف التي تعزف على وتر وحدة الشعب المسيحي , أو على أصوله التاريخية الضبابية , او مشاعره المتأرجحة ... وما يؤلم أكثر أن تأخذ الكنائس دوراً ريادياُ وفاعلاً في تأجيج هذا الصراع المر من خلال موقفها المؤيد لقائمة ما دون الاخرى أو لمرشح معين بدل الآخر , رغم كون القائمة أو المرشح من نفس الكنيسة ... ولا بد للتذكير بأن ما يُعرف عن كنيسة المسيح أنها بمثابة خيمة محبة تفرش ظلالها الرعوية على الجميع بالتساوي ومن دون التمييز بين الواحد والآخر لأي سبب كان .... والأمل ان لا تظل هذه العقيدة الإيمانية الحيوية مجرد أقوال تتناثر في الفضاء الفسيح , ويتوهم من يروج لمثل هذا الموقف بأنه يخدم في الإتجاه الصحيح ... كما أن الموقف المنحاز لأية كنيسة قد يجعلها في وضع محرج جدا خصوصاً عند إخفاق من أيدته وسعت لنصرته .... ومثل هذا الإحتمال ليس بالمستحيل , بل بالأحرى هو الأكثر حظاً بما سيحصل في القريب العاجل .
من يراهن على أصوات المهجر للفوز في الإنتخابات يسقط في الفخ الذي نصبه لنفسه ... ألمهجريون لن يجذبهم هذا الجانب أو ذاك .. تطلعاتهم وأهواؤهم في وادٍ آخر بعيداً عن ما يجري في الوطن الجريح . لا يهمهم من سيخسر ومن سيفلح ... شغلهم الشاغل نجاحهم في أعمالهم داخل أوطانهم الجديدة .... أعلى نسبة لمن يشترك منهم في حمى الإنتخابات لن تتجاوز 5% في كافة دول الشتات .... والدافع الأقوى لمشاركتهم هو تعاطفهم مع هذا الجانب أو ذاك , ومعظمهم سيدلي بصوته لصالح القوائم ذات الطابع الآشوري , وكذا الطابع القطاري , والقلة من الاصوات ستصب في النبع الكلداني , والسبب بسيط جداً , ألا وهو أن الكلدان , للأسف الشديد , منقسمون على ذاتهم بعمق , ومن المستبعد أن تفلح قائمة الإئتلاف في بث روح النجاح بينهم رغم دعم الكنيسة الكلدانية الواضح لها , ورغم الإعلام غير المحدود الذي تبثه ألأصوات وتنشره الأقلام الصادرة من الرابطة الكلدانية العالمية .... وقد يكون للقائمة الكلدانية الأخرى باسم " بابليون " حظاً أوفر في النجاح إن لم يخذلها الحشد الشعبي , أو ينكث بها الصدريون ثانية .
يحكى عن أحد الضالَين الذي قابله القديس بطرس بعد مماته مستفسراً منه إن كان يرغب الدخول إلى الجنة أم يفضل جهنم . إلتمس الضال من القديس أن يسمح له بالإطلاع على الأحوال في كل منهما قبل أن يفصح عن أفضليته . وافق القديس على التماسه , وتجول معه في جنة الله الواسعة حيث الهدوء والسكينة والكل منهمك في الصلاة بانعزال . لا صخب ولا ضجيج , بل حياة رتيبة ونمطية , وتبدو كأنها مبرمجة ... وبعد الإنتهاء من زيارة جنة الفردوس , أخذه القديس إلى جهنم . تفاجأ الضال بما شاهد وما كان يجري في جهنم , بعكس ما سمع وقرأ عنها . كان المرح والفرح باد على الجميع , ألكل يرقص ويغني ويأكل ما لذ وطاب من الطعام , ويشرب الحلال والحرام . لا نار ولا سعير , ولا بكاء مرير , ولا يُسمع للأسنان صرير ... أمسك الضال بيد القديس بطرس متوسلاً بشوق ولهفة أن يبقيه في أجواء جهنم حيث الحياة الدنيوية في أحلى مظاهرها . وكان للضال ما اراد .... وما ان اوشك الليل على الإنتهاء حتى عادت جهنم إلى ما هو معروف عنها من عذاب أليم , والكل يتلوى من سعيرها الحارق ... إنطلق الضال ً نحو القديس بطرس وهو يصرخ ويئن من وطء حساب الآخرة . إستفسر منه عن سبب هذا التغيير الفجائي الذي حصل ؟ أجابه القديس بطرس بهدوء , بأنه كانت هنالك حملة انتخابية في الليلة الماضية والليالي القليلة التي سبقتها , وانتهت الحملة صباح اليوم , لذلك عادت جهنم لسابق عهدها ..... والحليم من الإشارة يفهم ...
أسفي لمن يُطالعُ التاريخَ ومن دروسه لا يتعلّمُ