المحرر موضوع: الموصل بعد كابوس داعش.. تشوهات لم يتمكن التحرير من محوها  (زيارة 1772 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31485
    • مشاهدة الملف الشخصي
الموصل بعد كابوس داعش.. تشوهات لم يتمكن التحرير من محوها
صحافية جريدة لوموند الفرنسية هيلين سالون تروي وتوثق كيفية سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل وتشرح كيف حولها الجهاديون والإسلاميون إلى سجن.

العقول تحتاج إلى تحرير آخر
العرب/ عنكاوا كوم
في كتابها الصادر بباريس “داعش في الموصل” وثقت صحافية جريدة لوموند الفرنسية هيلين سالون، مخلفات مشروع المنظمة الإرهابية الشمولي بتفاصيله كما شرحت بإسهاب الأسباب التي مهدت الطريق أمام الدواعش للسيطرة على ثاني أكبر مدن العراق وإخضاع الموصليين لمدة أكثر من سنتين ونصف السنة. ونقلت الصحافية ظروف انهزام “الدولة الإسلامية” وتحرير المدينة من شر أتباع أبي بكر البغدادي وقد كانت حاضرة تغطي لجريدتها معركة الموصل ومكثت أكثر من 4 أشهر في الميدان تتابع هجوم القوات العراقية ضد المجموعات الجهادية وتحقق في ما فعله الدواعش في المنطقة.

تقدم هيلين سالون للقارئ نظرة مصغرة عن طبيعة دولة الخلافة الإسلامية التي يريد الجهاديون والإسلاميون فرضها على الإنسانية جمعاء من خلال العشرات من شهادات سكان الموصل الذين كانوا يكابدون الشر الداعشي تحت الاحتلال. لقد أماط تحرير الموصل اللثام عن الوجه البشع لمشروع داعش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن أفواه سكانها أنفسهم بتنا نعرف ذلك الواقع المفزع الذي لم يصل إلينا منه سوى النزر اليسير.
سنحاول التركيز على الهيمنة العيانية الفظة والشمولية التي فرضتها المنظمة الإرهابية على المدينة بعيدا عن النظرة المجردة والعامة التي يقدمها الإعلام عن حياة الملايين من العراقيين والسوريين تحت نير الاستعمار الداعشي. ولئن كانت الشهادات التي بين أيدينا وسيلة ثمينة لفهم أولي لحقيقة دولة الخلافة، فقد يتطلب الأمر سنوات من التحقيقات وجمع المزيد من الشهادات ودراسة الألوف من الوثائق التي تركها الغزاة كي نتمكن من فهم هذا الغول بشكل دقيق كما تقول الكاتبة.

تختلط نشوة الحرية المستعادة فجأة بالألم والمعاناة والرعب والخراب وكل الشرور التي خلّفها الجهاديون في الموصل المحررة. ورغم كل شيء يعتبر سكان المدينة أنهم كانوا محبوسين في سجن كبير وهم اليوم طلقاء. وتلاحظ الكاتبة أن المئات من الرجال والنساء باتوا يتجولون في الشوارع المحفورة من أجل المتعة فقط واكتشاف مدينتهم من جديد. فعلاوة على التعسف والظلم والعنف، فرض حكام الموصل الجدد على حوالي مليون ونصف مليون نسمة العيش وراء أبواب مدينة مغلقة والالتزام باحترام قواعد اجتماعية وسياسية ودينية متخلفة لا علاقة لها بحياتهم ولم يتركوا لهم خيارا آخر غير الخضوع أو الموت.
بدأوا في استمالة قلوب الناس وإغوائهم بغية كسب قلوبهم، وكما يفعل كل المحتلين بسطوا سيطرتهم شيئا فشيئا دون صدمهم وإفزاعهم بل أفهموهم أنهم أحرار في فعل ما يريدون وحاولوا إقناع الناس بأن حكمهم ليس حكما ظالما كحكم الحكومة العراقية الشيعية. وكانوا عبر مكبرات الصوت المتنقلة على السيارات ومن المساجد يصيحون مرددين “نحن عبيد المسلمين، جئنا لنحرركم من الظلم”.

ولكن مع مرور الوقت بدأ الدواعش يظهرون وجه حكمهم الفظيع وفي الحقيقة كانت “وثيقة المدينة” التي أصدرها التنظيم في نينوى يوم 13 يونيو 2014 نذيرا للرعب الذي نشره فيما بعد. وقد طبق الإرهابيون كل ما جاء في تلك الوثيقة المشؤومة على سكان الموصل كتحريم التدخين وتناول الكحول والتمرد، واللجوء إلى تطبيق الحدود كقطع يد السارق وجلد الزاني والزانية وشبه إلزام الناس بأداء الصلوات الخمس في المساجد وارتداء الحجاب وعدم خروج النساء إلا عند الضرورة القصوى.

وقد صدر مرسوم بعد شهرين من استيلاء التتار الجدد على المدينة ليذكرهن بوجوب ارتداء النقاب وأن يكنّ دائما بصحبة محرم عند خروجهن. وتم أمر بائعي الملابس بسحب كل ألبسة النساء المخالفة للشرع المعروضة في متاجرهم.

ولم تمر إلا أيام قلائل على وصولهم حتى حطّموا تمثال الشاعر الكبير أبي تمام وشرعوا في هدم مساجد الشيعة ومزارات دينية وقبور ذات قيمة تاريخية كبرى. وبدأ الأهالي يتنبهون إلى أن جوهرة الشمال مقبلة على أيام حالكات وخاصة بعد ظهور “شرطة الحسبة” في شوارع مدينتهم و“مكاتب التوبة” التي بدأت توزع شهادات التوبة لبعض “المرتدين” مقابل حفنة من الدولارات كما لا تقبل توبة آخرين وتعدمهم دون محاكمة بمجرد أن تحصل على اعتراف بسيط منهم تحت الخوف وأملا في النجاة من العقاب.
الدواعش حطموا تمثال الشاعر الكبير أبي تمام وشرعوا في هدم مساجد الشيعة ومزارات دينية وقبور ذات قيمة تاريخية كبرى
سيطر الغزاة على كل المساجد وأمروا الأئمة ببيعة الدولة الإسلامية وقبضوا على كل من رفض أو تردد، فقتل بعضهم وأطلق بعضهم الآخر مع منعهم من إلقاء الخطب والدروس في أي مكان. أما الذين انخرطوا في التنظيم طواعية أو خوفا فقد عملوا بكل حماس على نشر فكر التنظيم الإرهابي بحذافيره مطالبين بضرورة الانصياع للخليفة ودولته كطريق لفرض الشريعة ومهددين بأن كل من وقف ضد الحاكم فقد وقف ضد الإرادة الإلهية وسيعامل كمرتد.

 وتزامن صدور أوامر المنع الكثيرة مع فتح “محاكم إسلامية” وظهور سيارات تجوب الشوارع تحمل عبارة “شرطة الحسبة”؛ وهي الهيئة التي أرعبت الناس وجعلتهم يعيشون تحت رقابة دائمة كأنهم نزلاء سجن كبير في الهواء الطلق. وكانت نساء الهيئة تتجول بكماشات من حديد تستعملها لقرض أجساد النساء المخالفات للباس الشرعي.

لقد أعلنوا الموصل “مدينة سنية” وهددوا الشيعة واعتبروهم كفارا وملحدين، ووضعوا علامة “ر” على منازلهم وممتلكاتهم للإشارة إلى أنهم “روافض” وهو النعت التحقيري للشيعة. وقد تم في ما بعد تهديم تلك المنازل ونهبها واضطر من بقي من الشيعة إلى مغادرة المدينة.

وهو نفس المصير الذي كان ينتظر المسيحيين إذ طردوا من وظائفهم جماعيا ووجدوا بيوتهم وممتلكاتهم تحمل حرف الـ“ن” للتدليل على أنهم من النصرانيين، ثم خيّروا بين الدخول في الإسلام أو الجزية فغادر معظمهم وقتل الباقي ونهبت ممتلكاتهم.

ولم يسلم أحد من سكان الموصل من دفع الزكاة لبيت مال داعش، إذ مهما كانت وضعيته المالية، كان عليه أن يدفع 2 بالمئة من مدخوله.

في الجامعات أصبحت الحياة جحيما لا يطاق فالطالبات كائنات مكفنة في نقاب أسود باتت تشبه الأشباح والطلاب في عباءات ومن لم يطلق لحيته يكن الجلد عقابه والفصل بين الجنسين صارم والتفتيش دائم. أما التعليم في زمن داعش فلم يعد يحمل سوى اسمه ولا يهدف التنظيم منه سوى إلى تربية أطفال مبرمجين فقهيا برمجة صارمة من أجل خلق جيل لا علاقة له بالتجربة العلمانية وموجه لممارسة العنف. وفي تربيتهم العملية يجبر بعضهم على الالتحاق بالجماعات العسكرية الإرهابية وقد أطلق عليهم اسم “أشبال الدولة الإسلامية ” وهم أطفال لا تتجاوز سنهم الخامسة عشرة عُبئت أرواحهم عنفا وجردت أفئدتهم من كل رحمة. لقد استبدل الدواعش العلوم الإسلامية والتربية البدنية بما أسموه “التدريب الجهادي” وهو تكوين جهادي خاص بالذكور فقط يتعلمون فيه الرمي والقتال والسباحة وركوب الخيل وغيرها من المواد العادية. أما الفنون والموسيقى والتربية المدنية والفلسفة وعلم النفس فقد ألغيت تماما. وبالنسبة للفتيات خصص لهن برنامج يتعلمن فيه التربية المنزلية وكيف يخدمن أزواجهن أحسن خدمة وكيف يربين الأطفال في إطار أيديولوجيا الخلافة ووجوب ارتدائهن للحجاب منذ سن السادسة والنقاب ابتداء من العاشرة. وفي مقررات وبرامج تعليم داعش حرمت مواضيع كثيرة: تعدد الآلهة، الديمقراطية، الوطنية، الداروينية، القرض البنكي الحديث، وكل ما يتعارض مع الفهم الجهادي للعالم. ونجد في الثلاث مئة صفحة تفاصيل مروعة عن ذلك الشتاء الأصولي الحالك الذي ابتليت به أم الربيعين الموصل.

وأنا انهي تحرير المقال اتصلت بصاحبة الكتاب أسألها عن موقف سكان الموصل من الإسلام السياسي بعد التجربة المرة التي عاشوها وعن السبب الرئيسي الذي جعل داعش يسيطر على المدينة كل تلك المدة؟ فأجابت: في شهر يوليو الماضي لاحظت عزوف جزء من السكان عن الإسلام السياسي وحتى عن ممارسة الطقوس الدينية بشكل عام. ولكن بقي الجزء الآخر مستسلما لما فرضه داعش من ممنوعات. ويستمر الوضع حتى الآن إذ ينتقد بعض السكان المحافظين اليوم بعض المشاريع كفتح المسارح ومراكز ثقافية أخرى. أما في ما يخص العوامل التي جعلت داعش يستمر ويقاوم في الموصل فهي التخويف والقمع ومن جهة أخرى بعض الإيمان بالقضاء والقدر لدى الناس.
ما فعله تنظيم داعش الإرهابي في المدن والبلدات التي كان قد سيطر عليها وعاشت تحت حكمه، لا يمكن أن تمحى آثاره بسهولة، ولئن كان الناس قد ابتهجوا وأقبلوا على الحياة بعد التحرير، فإن التنظيم قد نجح في تجنيد وترويض عقول كثيرة كما أنه قد ترك تشوهات أصابت أصحابها باليأس والقنوط والاستسلام لفكرة “هذا قدرنا”، ولعل مدينة الموصل تعطي النموذج الأوضح لما ارتكبه التنظيم من جرائم.


غير متصل النوهدري

  • عضو مميز متقدم
  • *******
  • مشاركة: 24150
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي

تشوهات خطيرة سيعاني من موطني الموصل
تمتـد الى مدى طويل ، ومطلوب من الحكومة العراقي
بذل جهود مكثفة للقضاء على هذه الطاهرة الخطيرة ! .