المحرر موضوع: ضرورة الأصلاح والتغيير في فكر ونهج الأحزاب السياسية في العراق  (زيارة 1368 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
ضرورة الأصلاح والتغيير في فكر ونهج الأحزاب السياسية في العراق
خوشابا سولاقا
بعد السنوات الطويلة التي عاشها شعبنا العراقي بكل مكوناته القومية والدينية والمذهبية وهو سجين القمع والظلم والقهر والديكتاتورية المقيتة وعانى ما عاناه من مظالم واضطهاد قومي وديني ومذهبي وكم الأفواه وكبت الحريات وإسكات الأصوات الحرة ومنع الناس من الكلام عن ما كان يجري لهم في بلدهم إلا ما كان منه يمجد ويمتدح شخص الديكتاتور المتغطرس والحزب القائد والتفاخر بهزائم الحروب العبثية القذرة التي إفتعلها وشنها الديكتاتور ونظامه خلال فترة حكمه الأسود على إنها انتصارات باهرة وناجزة على القوى الظلامية التي تهدد وجود العراق من الشرق والغرب والشمال والجنوب ، ومن كل صوب وحدب وكذلك من أجل إرجاع الأجزاء السليبة من الأرض العراقية التاريخية ،  ومن أجل محاربة القوى الأمبريالية العالمية الشريرة الطامعة بخيرات وثروات العراق ، ومحاربة الأعداء التارخيين للعرب والعروبة من الصهاينة والفرس المجوس كما كان يدعي النظام ، وكذلك أراد النظام أن يصور تلك الحروب التي شنها ظلماً وعدواناً على الآخرين والتي لا يمتلك فيها الشعب العراقي لا ناقة ولا جمل على إنها حروب وطنية مقدسة وحروب بين الخير المتمثل بالنظام والشر المتمثل بالأعداء المفترضين من غير القوى الموالية للنظام والقوى المتحالفة معه والساندة والداعمة له ، وعلى أنها حروب بين القوى المؤيدة للحق العربي المغتصب في فلسطين وبين الصهيونية العالمية والقوى الأمبريالية العالمية الداعمة لها ولمشاريعها التوسعية على حساب العرب والأمة العربية لأقامة دولة إسرائيل الكبرى التي تمتد حدودها من نهر النيل الى نهر الفرات تحقيقاً للحلم التوراتي لقادة الصهيونية العالمية ، وكذلك على إنها حروب بين جبهة الحق وجبهة الباطل ، جبهة الأيمان كله ضد جبهة الكفر كله ، مما يقتضي من الشعب العراقي والعرب الحقيقيين والشرفاء في العالم المشاركة والمساهمة بما يمليه عليهم ضميرهم وبقيادة النظام الصدامي قائد جيش السبعة ملايين باسم " جيش القدس " لتحرير بيت المقدس من براثن إسرائيل والصهيونية ليدخل صلاح الدين العصر على صهوة جواده الأبيض على رأس جيش المنتصرين حاملاً راية العروبة والأسلام الى القدس من جديد ، ولقد دفع الشعب العراقي ثمناً باهضاً من دماء أبنائه جراء هذا الحلم القيصري الأخرق . كل هذه الأحلام الفارغة والخاوية قادت النظام وأزلامه الى إرتكاب حماقات وجرائم بحق العراق والعراقيين يندى لها الجبين وجلبت لهما الويلات والكوارث والنكسات والمأسي المريرة ، حيث لا تخلو عائلة عراقية من ضحية وفقدت عزيز لها من أب أو إبن او زوج أو اخ أو غير هؤلاء من الأعزاء المقربين والأصدقاء ، وتركت الملايين من الثكالى والأرامل واليتامى تجوب الشوارع والأزقة بحثاً وراء لقمة العيش ، إضافة الى ما عانته كل عائلة عراقية من شضف العيش والحرمان والبؤس والشقاء في كل قطاعات الحياة وعانت الأمرين من سياسات النظام الحمقاء والغبية والعقيمة ، سياسات الويلات والنكسات والكوارث والمأسي ، وخرجت البلاد من تلك الحروب العبثية عشية القرن الواحد والعشرين مدمرة الأقتصاد والبنى التحتية والخدماتية وهي غارقة بالديون الثقيلة والتي تزيد عن مائة وخمسون مليار من الدولارات ترهق كاحلها ، ومرهونة الثروات وفاقدة للسيادة الوطنية ، والشعب المثخن بالجراح يلعق جراحه ويئن تحت وطأة الحصار الأقتصادي الجائر المفروض على العراق بموجب القرارات الدولية على أثر إحتلال جيش النظام لدولة الكويت في الثاني من آب 1990 .
أما قطاع الخدمات الاجتماعية المختلفة فتلك قصة أخرى لا تحكى لما فيها من الغرائب والعجائب حيث لا يرى من خلالها المُشاهد الغريب العراق إلا ذلك البلد المدمر المحطم الخرب كأنه بلد في بداية عهد الأحتلال العثماني ، إنها حقيقة مهزلة تدمع لها العيون وتُدمى لها القلوب المجروحة . أما في مجال الفساد المالي والإداري الذي كانت تمارسه أجهزة وشخصيات النظام السابق كانت تضرب أطنابه كل أجهزة ومرافق الدولة ومؤسساتها الرسمية المختلفة ، وسرقة المال العام كان مباحاً لرجالات النظام دون أن يكون شاملاً لكل موظفي الدولة ، والرشوة كانت فريضة يدفعها المواطن لقاء إنجاز أية معاملة رسمية له لدى دوائر الدولة الصدامية التي وفرت الحماية لسراق المال العام ووفرت الأمن للمواطن دون أن تعطيه الأمان في العيش الرغيد والمريح .
كل هذا حصل للعراق والعراقيين عشية دخول القوات الأمريكية المحتلة الى عاصمة الرشيد بغداد وهي تجوب شوارعها بآلياتها العسكرية الثقيلة وطائراتها تملأ الأجواء بأزيزها المرعب بحرية وأمان دون أن يعترضها أحداً من أزلام النظام الذين كانوا أقوياء قساة على أبناء شعبهم الذين أذلوهم وأهانوهم ، ولكن من دون أن يقولوا لجيش الأحتلال وهو يجوب شوارع عاصمتهم على عينك حاجب يا المحتل الغاصب الغريب ، وبعد أن أحتلت هذه القوات مطار بغداد الدولي وتقدمت صوب مركز بغداد والقصر الجمهوري لأسقاط الصنم في ساحة الفردوس كانت أبواق النظام من خلال وزير إعلامها المدعو محمد سعيد الصحاف يتحدث بلغة سمجة وهابطة عن الانتصارات الصدامية على قوات الأحتلال من العلوج على طريق المطار وفي ساحة جامع ام الطبول ويوعد الشعب المغلوب على أمره بالنصر المؤزر على يد قائد الضرورة عبدالله المؤمن قريباً ، يا للهول ويا للمهزلة الأعلامية السخيفة والرعناء التي كان الصحاف يحاول من خلالها تحقيق ما قاله وزير الأعلام الهتلري غوبلز  " اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرين " إلا أنه ولسوء حظه التعيس والعاثر لم يصدقه أحداً من العراقيين . خرج العراق والعراقيين من خضم هذا الصراع المرير مع النظام بعد سقوطه على يد القوات الأمريكية في التاسع من نيسان عام 2003 فرحين متأملين بزوغ فجر عصر جديد خالِ من الديكتاتورية والقمع والاضطهاد والمعتقلات والملاحقات الأمنية والكوارث والفقر والمرض والعوز وخالِ من كل مظاهر القهر والتخلف التي تركتها السنين العجاف على الواقع العراقي ، وكَبُر حلمهم مع الأيام بتأسيس دولة القانون والمؤسسات الدستورية وتناوب السلطة سلمياً من خلال الأنتخابات الديمقراطية الحرة النزيهة على أنقاض الدولة الصدامية الأستبدادية المنهارة ، إلا أن ذلك الحلم الجميل سرعان ما تلاشى وتبخر وغاب وراء الأفق البعيد واصبح مجرد حلم ينتظر التحقيق وتحويله الى واقع معاش . توالت الأيام وتوالت الحكومات في العصر الجديد بدءً بحكومة مجلس الحكم والسيد بريمر الى حكومة علاوي مروراً بحكومة الجعفري وانتهاءً بحكومة المالكي الأولى والثانية الى الحكومة الحالية برآسة الدكتور حيد العبادي أي عصر ما بعد الصدامية التي أذاقت العراقيين المُرّ الزعاف ، ويلاحظ المواطن العراقي المثقف والسياسي والبسيط أن كل شيء باقِ على حاله دون أن تَطالهُ يد التغيير والأصلاح بل اصبح أسوء مما كان عليه في زمن النظام السابق في الكثير من المجالات التي لها المساس المباشر بحياة المواطن وعم الفساد المالي والأداري كافة أجهزة الدولة العراقية  وصار سلوك وثقافة المسؤولين الكبار ، حيث إنتهى عهد أسود وظالم وأعدم صدام وسقط نظام حكمه الأستبدادي البغيض ، ولكن لم تنتهِ ولم تسقط ولم تعدم الصدامية في الحياة العراقية كنظام سياسي في إدارة شؤون الدولة العراقية لغاية اليوم ، بل هي باقية وتعمل بقوة بكل سماتها المعروفة للقاصي والداني كالفساد المالي والاداري والرشوة في أجهزة الدولة والصراع على السلطة وتصفية الخصوم السياسيين بالوسائل العنيفة والتصفية الجسدية من خلال الميليشيات المسلحة غير الشرعية التي تمتلكها أغلب الأحزاب السياسية الحاكمة تحت مسمياة مختلفة ، وشيوع المحسوبية والمنسوبية وغيرها من الخصوصيات في منح الأمتيازات والمناصب والوظائف بأقصى مستوياتها وبصورة مبتذلة ، وسيادة سياسات الأقصاء والتهميش والاستئثار بالسلطة والتمييز بين المواطنين على أساس نظام المحاصصة الطائفية والأثنية والهويات الخصوصية الفرعية وغياب مفهوم دولة المواطنة والهوية الوطنية ، وغيرها الكثير من هذه المظاهر المتخلفة والمرفوضة أخلاقياً ووطنياً وإنسانياً ، فكل الأحزاب والقوى السياسية التي قفزت على كراسي الحكم بعد سقوط النظام الصدامي باسناد ودعم المحتل لا تختلف عن بعضها البعض في شمولية أفكارها وأسلوب حكمها عن شمولية وأسلوب حزب النظام السابق ، حيث لم تتمكن هذه الأحزاب من خلال حكوماتها المتعاقبة أن تقدم شيئاً جديداً ومتميزاً للشعب والوطن أفضل مما قدمه النظام السابق ، بل إن كل ماحصل هو تكرار لصورة الماضي البشعة بألوان جديدة من القهر والبؤس والشقاء والحرمان . حيث فقد الشعب الأمن والأمان وشاع القتل على الهوية وضرب الأرهاب بكل أشكاله ومسمياته بأطنابه كل مناحي الحياة العراقية ، وتوسع الفساد المالي والاداري بشكل أوسع وأشمل مما كان عليه في زمن النظام السابق ، وشاعت الرشوة وارتفع مستواها وأساليبها لتشمل كل مستويات الدرجات الوظيفية بشكل غريب ومريب من دون أن يردعها رادع قانوني ولا وازع أخلاقي ، وتوسع الصراع على السلطة والكراسي وامتيازاتها بين القوى السياسية الحاكمة وإتخذ أوسع مدياته ، وأعتمد مختلف الأساليب بما فيها فبركة التهم بكل أنواعها ضد بعضها البعض والأغتيالات السياسية ، وبالمقابل زاد الشعب فقراً ومرضاً وعوزاً وبؤساً وشقاءً وقهراً وحرماناً ، وتفشت البطالة بين شرائح المجتمع المختلفة وبالأخص شبابه المتعلم وغير المتعلم وأصبح الكل يبحث عن لقمة العيش بكل السبل المتاحة ، مما جعله صيداً سهلاً لقوى الأرهاب والجريمة المنظمة ليقتنصه ويستخدمه في تنفيذ جرائمه وعملياته الأرهابية التي عمت في طول البلاد وعرضها ، بحيث أصبحت قطاعات واسعة من شرائح المجتمع العراقي مع الأسف الشديد تترحم علناً على النظام المقبور الذي أذاقهم السُم الزعاف ، يا للمفارقة الغريبة والعجيبة !!! إنه حقاً لأمر مضحك ومبكي في ذات الوقت !! . على خلفية هذا الواقع المأساوي الذي كان يعاني منه العراقيين نلاحظ نمو ظاهرة إشتداد التنافر والرفض بين الجماهير الشعبية من مختلف الشرائح الاجتماعية المتضررة وبين الأحزاب السياسية المستحوذة على السلطة والمتعاونين معهم ، حيث وصل رد الفعل الرافض للجماهير الشعبية لهذه الأحزاب الى حد المطالبة بابعادها وإقصائها عن إدارة الدولة وحكم البلاد لكونها أحزاب شمولية لا تختلف عن سابقاتها بنهجها وبأساليب عملها المخالفة للقانون والدستور وإستغلالها لثروات البلاد لصالحها وإثرائها على حساب سرقة المال العام في الوقت الذي عجزت من أن تقدم شيئاً ملموساً لجماهير الشعب المتضررة من سياسات النظام المقبور وأن تعطي لهم صورة مغايرة لتلك الصورة التي كان قد طبعها النظام السابق في مخيلتهم وأذهانهم والتي تعيش ظروف معاشية وخدمية مزرية ، أي بعبارة أخرى نستطيع القول أن هناك تناقض بين تطلعات وهموم وأحلام الجماهير العراقية التي تعيش حوالي 20 % منها حسب الأحصائيات الدولية تحت خط الفقر وبين ممارسات الأحزاب السياسية القابضة على دفة السلطة والموارد المالية للبلد والتي هي عاجزة من أن تقدم ما يلبي تلك التطلعات المستقبلية الشرعية للطبقات الفقيرة والكادحة من المجتمع العراقي حتى بأدنى مستوياتها والتي ولدتها الحروب العبثية للمرحلة الصدامية . هكذا تتوسع هوة التناقض والخلاف بين الطرفين يوماً بعد آخر مع مرور الزمن وإستمرار الوضع المزري من سيء الى أسوء ، بحيث بدأت بوادر الدعوات والمطالبات القوية والعلنية الملحة من داخل صفوف هذه الأحزاب لأجراء الأصلاح والتغيير في هيكلية وفكر ونهج وأسلوب وآليات عملها ، وأخذت هذه الدعوات والمطالبات تتوسع وتشتد وأصبحت تهدد بقاءها على ما هي عليه الآن إن لم تطالها يد التغيير والأصلاح الجذري لتصبح أحزاب قادرة ومؤهلة للعمل بين الجماهير وتستجيب لمطالبها المشروعة .
لذلك شاهدت الساحة العراقية ومنذ سقوط النظام السابق الكثير من حركات الانشقاق والتمزق والتفكك طالت معظم الأحزاب السياسية وظهرت على أثرها أحزاب وتيارات سياسية إصلاحية جديدة لها خطاب سياسي مستقل ومختلف عن ذلك الخطاب التقليدي الذي نشأت وتربت عليه ، واتخذ خطاب هذه الأحزاب والتيارات الجديدة طابعاً إصلاحياً وطنياً ديمقراطياً ومدنياً وحتى علمانياً الى حد ما بعد أن كان في السابق طابع الخطاب السياسي لها طابعاً قومياً عنصرياً أو دينياً مذهبياً طائفياً متعصباً راديكالياً
. وإرتفعت الدعوات والأصوات في الشارع العراقي الى المطالبة بفصل الدين عن السياسة حماية لمقدسات ونقاء وسمعة الدين من أي تلوث وتشويه وإساءة من أفعال السياسة الشنيعة من جهة ، وأن تكون الدولة مجرد مؤسسة خدمات توفر الحماية للوطن والشعب من أي عدوان خارجي على حدوده وسيادته وتقدم الخدمات المختلفة للمجتمع وتوفر فرص العمل والعيش الكريم لأبنائه لكي يعيشوا بعز وكرامة من جهة أخرى . وكذلك إرتفعت الأصوات المنادية بضرورة إعادة تشكيل الهوية الوطنية العراقية وترسيخها والتعامل مع المواطن في منح الحقوق وتوزيع الواجبات لأقامة العدل والمساواة بين أبناء الشعب الواحد على أساسها بدلاً من تمجيد وتكريس الهويات الخصوصية الفرعية الأخرى ، وكذلك دعت هذه الأصوات الوطنية الشريفة إلى أن تكون الدولة العراقية الجديدة دولة المواطنة ودولة القانون والمؤسسات الدستورية بدلاً من أن تكون دولة المكونات والجماعات والأحزاب والأشخاص أي دولة الخصوصيات القومية والدينية والمذهبية الطائفية ، وكذلك إرتفعت الأصوات وأطلقت الدعوات الى تأسيس حياة وثقافة الشراكة الوطنية الحقيقية في الوطن الواحد تتساوى فيه جميع أبناء مكونات الشعب العراقي في الحقوق والواجبات ويكون الحاكم الفيصل بينهم القانون والدستور على أساس المواطنة وليس على أي أساس آخر كالمحاصصة الطائفية السياسية والأثنية الشوفينية .
وظهرت هناك الشيء الكثير من مثل هذه المؤشرات في الحياة السياسية العراقية التي تدل على ضرورة وحتمية إجراء الأصلاح الجذري والتغيير الشامل في برامج وأفكار وأيديولوجيات ونهج وأهداف واساليب وآليات العمل والبنى التركيبية لهيكلية أحزاب المؤسسة السياسية العراقية وتحررها من قيود الجمود العقائدي وظاهرة تأليه وعبادة الفرد وتراكمات الماضي الذي تغير اليوم وتحول الى حاضر . لذا فإن هذه الأحزاب كل الأحزاب الكلاسيكية المشبعة بالفكر الشمولي الأقصائي الأستئثاري عليها أن تتغير لتتمكن أن تعيش في هذا الحاضر الجديد وتتحرر من قمقم الماضي المتخلف ، وإلا فإن مصيرها بشكلها وتكوينها الحالي سيكون التفكك والضمور والزوال ودخول متحف التاريخ ، أو أن تتحول الى دكاكين تجارية للقيادات المتنفذة وحاشيتهم من الأقارب والمقربين المنتفعين من المصفقين والمداهنين لهم ، أو أن تتحول إلى مجرد مقاهي اللهو يتجمع فيها المسنين من كوادرها ليستذكرون في جلساتهم ذكريات الماضي التي ذهبت أدراج الرياح ولن تعود لهم حتى في أحلام اليقضة
إن المثقفين من الكوادر الحزبية لهذه الأحزاب الكلاسيكية من ذوي النزعات الحرة ومن المتطلعين الى المستقبل المشرق والحريصين على مصالح الشعب والوطن بإمكانهم إذا نظروا بنظرة حيادية فاحصة لمجريات الأمور في العراق بشكل عام ، والى ما يجري داخل أحزابهم من تفكك وتشرذم وتمزق وتناقض بين القول والفعل وصراع الأفكار والرؤى بسبب تقاطع المصالح والصراع على المناصب وكراسي الحكم بين القيادات سوف يجدون أن المستقبل الذي سيؤول إليه مصير أحزابهم المتهاوية والآيلة الى الأنهيار والسقوط لا يبشر بالخير وإنما ينذر بالشؤم وبما لا يحمد عقباه من تداعيات وإنهيارات غير متوقعة وتجربة الأحزاب الأشتراكية والشيوعية في أوروبا الشرقية خير مثال حي على ذلك الأنهيار ، ومن هنا سيجدون أنفسهم أمام مسؤولية تاريخية تجاه شعبهم ووطنهم ، وإن الواجب تجاه جماهيرهم يلزمهم للقيام بعمل ما لأنقاذ ما يمكن إنقاذه حفظاً لماء وجوههم أمام مواجهة الجماهير وحكم التاريخ الذي لا يرحم المقصرين والمتخاذلين والمغفلين وخونة الأمة والوطن والشعب . وعليه فإن الأصلاح والتغيير الجذري سيكون خيارهم الوحيد والأوحد لأنهما قادمان لا محال شاءوا ذلك أم أبوا وليس أمامهم من خيار أو بديل أفضل ..
إن نظرة فاحصة الى واقع الشعارات والعناوين المطروحة والمرفوعة على الساحة السياسية العراقية عشية الأنتخابات البرلمانية القادمة بعد أيام  والتحضيرات التي تمهد لها القوى السياسية العراقية تجري المساعي لها من قبل القوى المنتفعة من الحكم اليوم بذرائع شتى ، ومقارنتها بما كانت عليه في الأنتخابات البرلمانية السابقة سوف نجد بوضوح وجلاء أن هناك في المركز وفي الأقليم أن هناك فروقات كمية ونوعية في طبيعة البرامج والأفكار والشعارات والأطروحات السياسية والخطاب السياسي للقوى والكتل السياسية المتنافسة وحتى في رمزية تسميات الكتل والقوائم الأنتخابية قد حصلت بشكل ملحوظ المعالم  وأن الفرز في الاتجاهات العامة لسياسات هذه القوى هو الآخر قد تجلت معالمه للعيان  ، ومؤشرات أفاق التطورات في المستقبل نحو الأصلاح والتغيير الجذري للنظام السياسي في العراق تكون هي السمة الغالبة لها وهي الأخرى واضحة وجلية . كل ذلك حصل بفعل استيعاب المثقفين الواعين من قيادات والكوادر المتقدمة للكتل والأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة للعناصر الفاعلة والمؤثرة والحاكمة في معادلة التناقض بين تطلعات الجماهير الشعبية وطموحاتها في مستقبل أفضل والعيش الكريم من جهة وبين أفكار ونهج وأساليب عمل أحزابها التي أصبحت بالية ومتخلفة وعاجزة عن مواكبة مستجدات ومتطلبات الحياة الجديدة وضرورة التفاعل معها بشكل إيجابي وعقلاني من أجل تلبية متطلبات الحياة الجديدة التي زادت سوءً بعد سقوط النظام الديكتاتوري من جهة ثانية .
كل هذه المؤشرات والأسباب والتطورات التاريخية الدراماتيكية التي حصلت في حياة العراق السياسية بعد سقوط النظام الصدامي وتحرير العراق من طغيان وهمجية داعش تضع الأحزاب السياسية أمام واقعها المزري بعد أن أثبتت التجربة العملية في إدارة الدولة أنها قد فقدت صلاحيتها للبقاء والأستمرار . عليه إذا أرادت فعلاً لنفسها البقاء والأستمرار في العمل في الساحة السياسية أن تجري إصلاحات وتغييرات جذرية في أفكارها ومنطلقاتها الفكرية والنظرية وأيديولوجياتها ونهجها السياسي وأساليب وآليات عملها وهياكلها التنظيمية بالشكل الذي يقربها أكثر من عمق الجماهير الشعبية وتطلعاتها وطموحاتها المستقبلية في الحياة الحرة الكريمة الخالية من الفقر والعوز والبطالة والقهر ، وأن تجعل من قياداتها أن تكون فعلاً قيادات جماعية وجماهيرية أكثر من أن تكون قيادات فردية إستبدادية ديكتاتورية تؤمن بنظرية تأليه وتقديس الفرد وتكريس نهج إختزال كيان الحزب السياسي في شخص الفرد القيادي الذي يقبع على رأس الهرم التنظيمي كما هو عليه الحال في الأحزاب الشمولية الحالية . 
جدلاً إن أنتجت الأصلاحات والتغييرات السياسية الشاملة في الأحزاب قيادات جماعية وجماهيرية تكون تلك القيادات وبالتالي أحزابها موضع ثقة واحترام وترحيب الجماهير الشعبية تثق بها وتعيد إختيارها عن قناعة وإيمان راسخين قادة ورواد لقيادة نضالهم السياسي من أجل إنجاز وبناء مجتمع العدل والمساواة وتكافوء الفرص والرخاء الاجتماعي والرفاه الأقتصادي ، عندها فقط تتحول الأحزاب الى أدوات ثورية فعالة للأصلاح والتغيير الاجتماعي لبناء دولة المواطنة المدنية الديمقراطية ، دولة القانون والمؤسسات الدستورية المدنية ، وبالتالي كل ذلك يفضي الى بناء المجتمع الديمقراطي المدني المنشود في العراق عراق كل العراقيين من دون تمييز
.


خوشـــابا ســـولاقا
8 / آيار / 2018 م           


غير متصل هنري سـركيس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 976
    • مشاهدة الملف الشخصي

الاستاذ المهندس خوشابا سولاقا المحترم
تحية طيبة
استاذ العزيز ثقافتنا السائدة في الوطن تساعد عل خلق صراعات حزبية وسياسياة وصولا الى الدكتاتورية التي لا تتفعال مع المفاهيم الديمقراطية والتعددية، لاسيما في بعدها السياسي. لذلك نحن في الوطن يعاني من حالة فراغ السياسي في الشارع العراقي بعد ان فقدت الاحزاب الفكر والاسلوب والمنهج. وكما تعلمون بان الاحزاب السياسية بكل توجهاتها، تعتبر تنظيمات سياسية ، لانها تشكلت وتعمل على اساس سلمي فيما بينها في البلدان المتقدمة،ولكن هذا الشيء مع الاسف الشديد لا يوجد عندنا في الوطن، بل لنا احزاب انتهازية ارهابية خارجة عن العمل الاخلاقي هذا اولا. وثانيا  اهداف الاحزاب السياسية هي الحصول على تفويض من الشعب لتمثيل ارادته ديمقراطيا بموجب برامج وطنية تطرحها عليه للوصول على اساسها الى البرلمان والحكومة والتناوب عليها طبقا للارادة الجماهيرية، وايضا هذا الشيء لا يوجد لدينا في الساحة السياسية العراقية، بل لدينا احزاب من دون برامج كارتونية دكاكين للارتزاق ونهب ثروات الشعب، وتتصارع من اجل بقائها في السطلة الى الابد الابدين، ولا تتخلى عنها الا بسفك الدماء. وبالتالي رابي انا اعتقد ان المسار الحزبي في الوطن مترهل وغير جماهيري، ولا متمسك بالمبادىء التي يطرحها ومنتوجه الفشل الذي يعني عدم القدرة على التاثير او التغيير والاصلاح، وايضا عدم قدرتها على اعادة انتاج مضامينها الفكرية، وذلك وفقا لتغير الاوضاع والاحوال، الامر الذي جعل الافكار الحزبية اقرب الى ايقونات ذات وظيفة تزيينية غير قادرة على مقاربة واقعنا الاجتماعي،الامر الذي ادى الى تكلس وتنميط العقل الحزبي وجعله لا يرى الا من ثقب محدد. وختاما املنا كبير بقدرة الوعي للمواطن العراقي على تجاوز المازق الحزبي والمعرفي والسياسي الذي هو فيه، وايضا املنا كبير برؤية احزاب سياسية في الوطن المستقبلي، تكون جديرة بخدمة الوطن والشعب.اكتفي بهذا القدر وتقبل مروري مع فائق محبتي والرب يرعاك
اخوك ـ هنري

غير متصل خوشابا سولاقا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2340
    • مشاهدة الملف الشخصي
الى الأخ والصديق العزيز الأستاذ هنري سركيس المحترم
تقبلوا محبتنا الصادقة مع خالص تحياتنا الأخوية
شكراً جزيلاً على مروركم الكريم بمقالنا بهذه المداخلة القيمة بما أشرتم إلية من ملاحظات حول السياسة والأخلاق وعلاقتهما ببعضهما في الحياة بشكل عام وفي الحياة السياسية بشكل خاص ، حقيقة لا نريد أن نطيل في التعليق إلا باختصار شديد وكما يلي .... لقد قالوا في السياسة إنها فن الممكن ولكن أنا أقول إنها " فن الممكن بوسائل أخلاقية لتحقيق غايات نبيلة وشريفة " لأن تلك الغايات لا يمكن لها أن تعطي ثماراً طيبة للمجتمع عندما تتحقق بوسائل قذرة وغير نبيلة ، لأنه عندها تتحول السياسة الى أداة للجريمة الاجتماعية بكل أشكالها ويكون من يعتمدها مجرم يستحق الأعدام ....
 
               ودمتم والعائلة الكريمة بخير وسلام ...... محبكم أخوكم وصديقكم : خوشابا سولاقا - بغداد