بدل السياسة والسياسيين...الم يحن الوقت لتقود كنيسة المشرق الاشورية رعاياها؟
الشماس جورج ايشو
هل اقحام الكنيسة نفسها في الامور السياسية امر مرفوض؟ يعتقد الكثير بانه من مصلحة الكنيسة عدم التدخل في الامور السياسية وذلك لم لها من مفاهيم معقدة لا تتلاءم مع التعاليم المسيحية. ففي وجهة نظر الكثير، ابتعاد الكنيسة عن السياسة يعني الحفاظ على قدسية الكنيسة من الفساد الذي يملأ عالم السياسة- على الرغم من وجود علاقات تاريخية متميزة بين الكنيسة والسياسة، وقد اعتبرت هذه العلاقة في الكثير من الاحيان شرطا أساسيا لبناء النظام الاجتماعي، الا انها تلاشت في عالمنا المعاصر.
لكن، في الحقيقة هذا الاعتقاد غير منصف ويعتبر حقيقة غير مكتملة. لماذا؟ ببساطة لانه لا يفرق
بين الانخراط في العالم السياسي وتحنِك الانسان نفسه في ايدولوجياته من اجل دوافع حزبية لها اجندات سياسية بعيدة عن الالتزامات الكنسيّة، وبين
استخدام السياسة كوسيلة مدنية من اجل المصلحة العامة. نعم. ليس من مصلحة الكنيسة ان تفرش السجادة الحمراء تحت اقدام اليساريين او اليمينيين وذلك لاستخدام منابرها من اجل الترويج لأجندتهم السياسية. لكن، في الوقت نفسه، من مصلحة الكنيسة ان تحمي ابناءها ومصالحها من الأجندات المناوئة التي تروج لها المنابر الاخرى. من حق الكنيسة ان تقف بوجه الاجندات التي تتعارض، ليس فقط التعاليم المسيحية، لكن ايضا التي تعكر مسيرتها الاجتماعية او المدنية ايضا.
كمسيحيون، مع وجود تركيز غير منقطع في تعاليمنا على الملكوت السماوي، والحياة الابدية، لا يعني البتة تجردنا من مسؤولية المواطنة وأن نكون غير مخلصين للسلطة والحكومة الدنيوية. اذ ليس هناك دلائل كتابية تمنع الكنيسة من استخدام السياسة في حياتها اليومية، على العكس، الكتاب المقدس واضح "اعطوا ما لقيصر" وايضا "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله." هذا يعني، ان الكنيسة (مرغمة) على ان
تتعامل مع السياسة وليس
في السياسة من اجل تيسير امورها وفق الشرائع الكتابية المقدسة. لكن، عليها اولاً ان تكون كنيسة مستقلة غير خاضعة لأي جهة سياسية.
ماذا نقصد من هذا؟ لو قمنا بالتركيز على الواقع الذي تعيشه كنيسة المشرق الاشورية بشطريها في العراق، فسوف نلاحظ انها امست كنيسة خاضعة- على الاقل في المجال السياسي- لكل ما يملى عليها من قبل البرلمانيين. تحديد المصير اصبح امرًا مرهونًا بيد السياسة والسياسيين، لم يعد باستطاعة الكنيسة ان تنقد أي فكرة او اجندة سياسية سواء ان كانت كردية، او شيعية، او سنية، وذلك بحجة التدخل السياسي. القرارات السياسية المصيرية اصبحت بيد المقاعد البرلمانية الخمس، لا دور بارز للكنيسة في الاليات التي تٌعتمد تحت قبة البرلمان لتحديد المصير... اصبح الكل من الجزء وليس العكس.. الممثلون البرلمانيون المسيحيون اصبحوا هم صناع القرار من غير الرجوع للكنيسة، بعكس ما نلتمسه لدى الكنائس الاخر، والتي ينصاع لها البرلمانيون كالكنيسة القبطية على سبيل المثال.
المشكلة.. لكن المشكلة اننا شعب متشتت ومنقسم على ذاته والاشياء التي تفرقنا اكثر من التي تجمعنا. الميول الحزبي، وما اكثرها، هي احدى المشاكل التي لها دور كبير وتأثير سلبي في مسيرة الكنيسة. لدينا اكليروس في الكنيسة لهم ميول حزبي عميق، وهذا الميول يدفعهم لان يرتبوا اوراقهم السياسية والدخول في تنافس حزبي ضد احزاب سياسية اشورية اخرى. اسباب كثيرة تدفعهم للقيام بهذه المنافسة اهمها: النزاع الاقليمي الدائر بين الاكراد والعرب. هذه المسألة كانت ولا تزال من العوائق الكبيرة امام امكانية صنع قرار ذاتي يروم الى تحديد مصيرنا في المنطقة بعيدًا عن الاجندات الخارجية. لكن مع كل الاسف، الكنيسة، سواء كان ذلك "ممنهجاً" أو تصرفاً "فرديّاً" فيها بعض الأيديولوجيات الحزبية التي من شانها تزرع الفتن بين ابناءها.
ما نتمناه.. على كنيسة المشرق الاشورية ان تفرض سلطتها على الجميع بشكل مستقل. ليس من مصلحة الكنيسة ان تعتمد على قرارات تُتخذ من قبل اشخاص بعيدين عن ثقافتها الاخلاقية. ليست الكنيسة مجبرة على ان تتحمل شيزوفرينية السياسيين. ليست مجبرة ان تدفع فاتورة الانقسام الحزبي بين هذا وذاك. عليها ان تحمي حقوق رعاياها مستندتًا على سلطتها الروحية والمدنية. نعم. هذا ما نتمناه.؛ ان تكون الكنيسة مستقلة في تفكيرها وان تُملي على السياسيين لغتها واضعتًا مصلحة شعبها الاشوري بمختلف انتمائه الكنسي فوق كل شيء؛ نعم وحدها الكنيسة تعرف ماذا تريده الرعية؛ ليست مجبرة ان تسلم مصيرها بيد اشخاص بعيدين عن تعاليمها المقدسة.
[/size]