المحرر موضوع: عراقيون مرّوا بموسكو (24) – لمى علي  (زيارة 1033 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل ضياء نافع

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 846
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
عراقيون مرّوا  بموسكو (24) – لمى علي
أ.د. ضياء نافع
تبلغ لمى علي (16) سنة من عمرها , وقد قضت نصفه في روسيا , اي (8) سنوات بالتمام والكمال , اربع سنوات منها في بطرسبورغ مع والدها ووالدتها , عندما كانا يدرسان في قسم الدراسات العليا في كليّة الآداب بجامعة بطرسبورغ , واربع سنوات اخرى في موسكو مع والدها , الذي يعمل في سفارة جمهورية العراق في موسكو الآن ( ونحن في اواسط عام 2018), ويقول والدها ضاحكا – فاذا طرحنا سنوات الطفولة , فان هذا يعني ان ( لمى عاشت معظم سنوات حياتها في روسيا ) , ومع ذلك وبالرغم من ذلك , فان لمى كانت ولا زالت عراقية أصيلة قلبا وقالبا , و شكلا ومضمونا, ولهذا فان الحديث معها يرتبط فعلا بخصائص وسمات سلسلة مقالاتي بعنوان – ( عراقيون مرّوا بموسكو) , الا ان لمى تتميّز عن جميع هؤلاء العراقيين , الذين كتبت عنهم , اذ اني تناولت في مقالاتي تلك اصدقائي وزملائي ومعارفي وطلابي في روسيا , ولكن لمى هي حالة  عراقية – روسيّة خاصة جدا , وقلّما تتكرر, فامها كانت طالبة عندي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد اثناء دراستها الاولية , ثم مشرفا لها في دراسة الماجستير , وابوها كذلك ,اي يمكن لي ان اقول , انها حفيدتي وانا جدّها , خصوصا وان فرق العمر بيني وبينها اكثر من ستين سنة , ومع ذلك , فقد أثارت هذه الحفيدة اهتمامي , وحفّزتني على كتابة هذه المقالة عنها , عندما رأيت في غرفتها مرّة كتاب احلام مستغانمي الموسوم – ( الاسود يليق بك ) , وتعجبت , اذ كيف يمكن لهذه الحفيدة ال ( زغيرونه ) ان تقرأ مستغانمي ؟ وتلك هي مأساة ال ( شيّاب) في عصرنا , وأنا بالطبع منهم , اذ اننا نعتقد ان الزمن قد توقف تقريبا, ولكنه واقعيا (يركض!) وبسرعة الى امام . وهكذا بدأنا الحديث أنا ولمى . سألتها متعجبا – هل قرأت الكتاب هذا؟ فأجابت وبثقة تحسد عليها – نعم , وانا متفقة معها في الآراء التي جاءت في الكتاب. ثم أضافت – لقد ناقشنا هذه الآراء مع زملائي وزميلاتي في الصف الرابع العام بالمدرسة العربية , ووصلنا الى قناعة بصحتها , رغم ملاحظات هنا وهناك . كنت مندهشا ومبتسما وسعيدا وانا استمع اليها , وسألتها عن تلك الملاحظات أل ( هنا وهناك ) هذه , فقالت , ان على الفتاة باختصار ان تبقى فتاة , ولا تحل محل الفتى . قلت لها , باني اؤيدها , ولكني حاولت ان اوضح لها بشكل غير مباشر ان تكون حذرة , اذ انها على مشارف الرجوع الى العراق , ويمكن الا يتقبلوا هناك رأسا هذه الافكار , ولكنها استطاعت بذكاء وسرعة ان تتفهم فكرتي , وقالت – نعم , نحن في المدرسة نتابع الاحداث في عالمنا العربي اول باول ونعرف ما يجري هناك , وكلنا ضد تلك الافكار التي تتحدث عن زواج الفتيات القاصرات او تعدد الزوجات ...الخ . كنت في اعماقي اريد ان اصفق لها , ولكني سألتها  بهدوء – هل ما تقوليه هو بتأثير من المجتمع الروسي , الذي تعيشين في وسطه وتتكلمين بلغته ؟ فابتسمت وقالت – واين اختلط انا مع المجتمع الروسي , فانا اداوم بالمدرسة العربية يوميا , وكل اصدقائي هم من التلاميذ العراقيين اوالعرب  هناك , واقضي العطلة اما في العراق واما مع الضيوف الذين يأتون الينا من العراق , ولا وقت لديّ للاختلاط بالمجتمع الروسي , ولا يوجد لديّ اصدقاء روس , اذ كل وقتي للدراسة او للقراءة او للاختلاط بزملائي العراقيين والعرب في المدرسة او لمتابعة التلفزيون او الكومبيوتر او شؤون البيت .
 طبيعة الحديث مع لمى شجعني ان اطرح عليها بعض الاسئلة الاخرى , اذ اني سألتها– هل تحبين قراءة الشعر العربي ؟ فأجابت رأسا – كلا . لقد اندهشت من جوابها الدقيق والحاسم , اذ اني كنت أظن انها ستتحدث عن نزار قباني مثلا , ولكنها حسمت الموضوع نهائيا , غير انها أضافت جملة غريبة وطريفة , اذ قالت – (الا اني عندما قرأت قصيدة (يا دجلة الخير) للجواهري في مناهج المدرسة , أصبح الجواهري بالنسبة لي شخصية اسطورية كبيرة جدا , وعندما ستسنح الفرصة , فاني ساحاول التعرّف عليه بشكل أوسع ) . أعجبني الصدق والدقة والوضوح في تفكيرها , وقلت لها مودعا – حاولي قبل رجوعك القريب الى العراق ان تزوري (بولشوي تياتر) و (المتحف التاريخي) في الساحة الحمراء, كي يبقى طعم موسكو طويلا في فمك.