المحرر موضوع: الآشوريون وتحديات المرحلة، والخَيار المصيري قراءة وحلول (الجزء الأول)  (زيارة 3255 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامي هاويل

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 365
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الآشوريون وتحديات المرحلة، والخَيار المصيري
قراءة وحلول
(الجزء الأول)


سامي هاويل
سدني/ 26- 5- 2018


 
دروس وعبر لا يمكننا إغفالها، ليست مسطرة في كتب التاريخ نقرأها بتفاصيلها المعقدة أحياناً، بحيث تجعلنا نشكك في مصداقية بعضها، بل هي حقيقة ماثلة أمامنا، واكبتنا منذ سبعة وعشرين سنة، ولازالت تُغيّم علينا وتحيق بنا من كل صوب وحدب، تَبِعاتها وإفرازاتها لم تمزق نسيجنا القومي فحسب، بل هددت وجودنا كأمة بعِرقها وحقوقها وتضحياتها ومسيرتها وقضيتها، ووضعتها في مهب الريح.

  في خضم كل هذه المؤشرات الخطيرة والمعاناة الكبيرة التي تهدد كياننا وخصوصيتنا، لا زال الفرد الآشوري يقبع في شرنقته مترنحاً تحت عبىء الولاء  والعبودية للعشيرة والأفراد والمؤسسات، وبات جلده أثخن من أن تنبهه الوخزات القاتلة، وجمجمته أقوى من أن تخترقها الحقائق الصارخة التي تطرقها بشدة، لتوقضه من سبات التخدير الذي حقنه في جسمه المنتفعين القائمين على مقدرات الأمة الآشورية، إنها مأساة بحق وحقيقة، ومؤشر خطير جداً يقف على عتبة النخبة من القوميين ليتحركوا اليوم قبل فوات الأوان، لا يمكن أنتظار معجزة! فالمعجزات يصنعها الغيارى فقط، رغم أن واقعنا لا يحتاج الى صنع المعجزات، بل الى القليل من الحراك المنتظم لإعادة ترتيب البيت القومي.

قراءة:

  ساًعزف عن الولوج في بعض التفاصيل الدقيقة تجنباً للإطالة، لكون الخطوط العريضة ستفي بالغرض لمن يرغب أن يولي أهتماماً، مرحلة السبعة وعشرين سنة الماضية كافية لتضعنا أمام حقائق تُلاقي في طبيعتها ونتائجها مثيلاتها التي سبقتها.

  في ربيع عام 1991 كانت الأنطلاقة الأولى للعمل القومي الآشوري بشكل علني على الساحة في العراق منذ نكبة سميل، حيث كان الشعب الآشوري متعطش لهكذا فرصة لذا تفاعل معها بشكل سريع وفعال، لكن مصدر تفاعله كان عاطفته وليس فهمه وإدراكه لقضيته، وبما أن العمل كان يفتقر الى المشروع القومي الحقيقي، لذا أصبح محصوراً في رؤى  النخب من أبناء جيل النهضة القومية( إذا صح التعبير)  التي أفرزتها زيارة البطريرك الشهيد مار أيشاي شمعون وأعقبه زيارة الشهيد مالك ياقو في مطلع السبعينات من القرن الماضي. حيث برزت نشاطاتهم ( أي النخب القومية) في النادي الثقافي الآثوري في مجال الأدب والثقافة القومية وبعدها تكللت بتكتلات شبابية تمخضت عنها ولادة تيارات سياسية كالحزب الوطني الآشوري وغيره من التكتلات والتجمعات القومية، ولا شك بأن الحركة الديمقراطية الآشورية كانت أبرزها، وهي الوحيدة التي أخذت قرار الكفاح المسلح، وعلى إثر نشاطها البارز ألقت أجهزة الأمن القمعية القبض على أبرز قياداتها في الداخل ونال مؤسسيها يوسب ويوبرت ويوخنا أكليل الشهادة في 3-2-1985. فنالت رضى الشارع القومي وأستقطبت إليها غالبية الشعب الآشوري بكافة أطيافه الذي منحها ثقته الكاملة وولائه لها، ليس على أرض الوطن فحسب، لكن في عموم المهجر أيضا ليصل الأمر الى مبايعتها من قبل الأحزاب والمؤسسات الآشورية المهجرية، وذلك لعب دورا سلبياً جدا في أداء الحركة، كونهم بدلا من أن يلعبوا دور الداعم والرقيب لعملها قاموا بتأليهها وجعلها قبلتهم التي يحجون إليها مما عكس صورة ضعيفة لمؤسسات المهجر أمام قيادات الحركة وأثبتوا بذلك ( أي مؤسسات المهجر)  بأنهم يستمدون شرعيتهم من تقاربهم منها، مما جردهم من شرعية تقويم الأخطاء في أدائها على الساحة، وهكذا بدات تطفو على السطح إرهاصات وعثرات وأدَتَ العمل الجماعي القائد نحو الهدف الواحد.

  الحركة من جانبها ولحاجتها الماسة لدعم المهجر الآشوري، وبالأعتماد على مواقف مؤسسات المهجر الضعيف، بدأت بالتغلغل في صفوفه بالصورة التي يخدمها كتنظيم، حيث بدأت تبرز تحالفات كان أولها بين الحركة الديمقراطية الآشورية والمنظمة الديمقراطية الآثورية وحزب بيت نهرين الديمقراطي/عراق المنشق من التيار الذي كان يقوده الدكتور سركون داديشو والذراع السياسي للأتحاد الآشوري العالمي، حيث تم توضيف هذا الأئتلاف لخدمة الحركة مادياً وجماهيرياً لحين أنتهاء فترة الأستفادة منه، ثم أُطلقت رصاصة الرحمة عليه لينتهي، وتنتهي معه آمال الكثيرين من الآشوريين التواقين لرؤية عمل جماعي حقيقي، ثم شهدت الفترة من بعده تجاذبات وتحالفات بين بعض الأطراف الآشورية، حيث بدت بعض التيارات الآشورية مهرولة لكسب رضا قيادة الحركة توقاً لكسب الشرعية في صراعها المؤسساتي المهجري مع بقية الأطراف الآشورية، بينما ظلت قيادة الحركة طيلة هذه السنين توضف من يتقارب معها لتحقيق غاياتها ومن ثم طرحه جانباً والأستعانة بغيره ممن كان ينتظر في الطابور.

  لقد قادت هذه الممارسات الى قتل آمال الفرد الآشوري في إمكانية إقامة جبهة قومية عريضة تحمل مشروعا قوميا يمكن أن يقود الى إعادة تفعيل القضية من جديد وطرحها بالشكل الذي يليق بها لاسيما على الساحة العراقية التي كانت ولازالت تشهد تغييراً كبيراً ، وإعادة ترتيب البيت القومي الآشوري بشكل عام وتفعيل قضيته بشكل أوسع تمهيداً لتدويلها بالأعتماد على الحق القومي الذي شرعته المواثيق الدولية وتدعمه معطيات المرحلة.

  لست هنا في معرض إلقاء اللوم على هذا الطرف أو ذاك، ولكنني أحاول الوقوف على بعض الحقائق لكشف مكامن الخلل والتي برأيي لا تحتاج الى الكثير من الجهد، حيث يمكننا أن نختصرها في شحة الوعي القومي في عموم الشعب الآشوري عدا قلة قليلة، وغياب الخطاب القومي الآشوري الشامل والكامل، والأستعانة بدلا عنه بخطابات وأجتهادات فردية تتفاوت بين مؤسسة وأخرى بحسب طبيعة وموقع عملها والتأثيرات الداخلية والخارجية عليها، مما أدى الى غياب الرؤى الرصينة لوضع المشروع القومي الآشوري الشامل، هكذا أستفحلت الصراعات بين مؤسساتنا القومية وتم تدمير الجسور بين بعضها لتصل الى درجة القطيعة التامة، ولم يسلم الفرد الآشوري لاسيما المتعاطف مع تلك التيارات حيث خاض ويخوض الكثير من الآشوريين صراعات مقيتة موالية لجهة ومعادية لأخرى مستعينين في بعض الأحيان بارخص اللألفاظ والأساليب التي لا تتلاقى مع الخُلق القومي والمباديء الأنسانية، وقد أفرز ذلك حالة من الإحباط الشديد في الشارع القومي، وإعطاء مساحة لا بأس بها لبعض الطائفيين والمنتفعين أستغلوها لترسيخ مفاهيم تؤدي الى تفعيل دور الصراع الطائفي وخوض غمار معركته تحت غطاء عملية أستحداث القوميات بالأعتماد على غياب الوعي القومي في الوسط الآشوري كما ذكرنا أعلاه، وتأثير دور رجال الدين وموقعهم على عواطف البسطاء، وضعف التيارات السياسية الآشورية العاملة. مما أرغم الأخيرة الى الرضوخ للواقع ومحاولة توضيفه لمصالحهم المؤسساتية، حتى وصلت بهم الأمور الى القفز من على كل الخطوط الحمراء بوضع مقدساتنا وثوابتنا القومية على طاولة التفاوض، بذريعة تحقيق الوحدة، وفي مقدمتها  "آشوريتنا" بدأً بالمؤتمر المشؤوم المنعقد في 22-10-2003، منذ ذلك التاريخ أمضى نجم القضية الآشورية بالأفول، وتم تغييبها من المسرح السياسي في العراق، وأنتقلت العدوى الى الجانب السوري فكانت المنظمة الديمقراطية الأثورية الرائدة في تسويق هذا المشروع كونها العضو البارز الى جانب الحركة الديمقراطية الآشورية في اللجنة التمهيدية لعقد المؤتمر المذكور، فيما تسارعت غالبية التنظيمات السياسية والمؤسسات القومية وكافة طوائفنا دون أستثناء الى هذا المهرجان المقيت ليشتركوا جميعهم في تبني ولادة المسخ الذي قادنا اليوم ليكون تمثيلنا ديني مسيحي لا قومي آشوري، هكذا بات الشعب الآشوري بندب حظه العاثر، بينما نحيب سياسيينا المقرف بات موضوع الساعة بعد أن سُحِبت من تحتهم مقاعدهم "المسيحية" عن طريق دُمى حليف البارحة وخصم اليوم.. يتبع في الجزء الثاني