المحرر موضوع: رثاء الى الخال المغترب نجيب وزي  (زيارة 1094 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باسـل شامايا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 619
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رثاء الى الخال المغترب
 نجيب وزي
                                                   
باسل شامايا                       
ايا ليت مداد قلمي يكفي لأتمكن من تجسيد ما في دواخلي من ألم وحزن .. ايا ليت ايامي تنسيني آلام فراق عزيز يفاجئنا برحيله المبكر الى دون عودة تاركا لمحبيه ذكرى وشجن .. ليس هناك اشد ايلاما واقسى خبرا على النفس من ان تتلقى نبأ وفاة عزيز عليك ..          هكذا صعقني قبل ايام خبر رحيل الخال والاخ والصديق العزيز نجيب وزي اثر صراعه المرير مع مرض عضال لم يمهله طويلا فغادرنا وهو في غربته بعيدا عن اخوته واحبته وبلده الذي كان يحبه حبا لا يضاهيه حب .. مهما كتبت ومهما سطرت من كلمات فانني سأبقى عاجزا عن تجسيد ما يحمله هذا الانسان الموغل في الطيبة والانسانية من خصال واخلاق ورقّة قلب  ، ففقدانك ايها الراحل العزيز الى عالم البقاء جلل فوجعنا به منذ ان طرقت مسامعنا هذا الخبر الاليم . يسعدني ويحزنني ان أرجع الى الماضي السحيق لثلاثة عقود واكثر كي اكتب ولو باختزال عن الراحل العزيز منذ ان كان يعمل ميكانيكيا في بغداد ومشرفا على مكائن جريدة طريق الشعب الصادرة في سبعينيات القرن المنصرم تغمره الفرحة والبهجة بعطائه الثر ومتجردا من الأنا والمصلحة الشخصية ، ونتيجة عمله واخلاصه وتفانيه تم ارساله في بداية عام 1977 الى المانيا الديمقراطية بدورة تدريبية لأكتساب معلومات جديدة يوظفها بعمله في العراق ، واغترب عن وطنه سنة وستة اشهر ثم عاد بعد اتمامه دورته التدريبية بتفوق ونجاح ليكمل مشواره بالرغم من انفجار الوضع السياسي في العراق وشروع سلطة البعث بملاحقة القوى الوطنية وفي مقدمتهم الشيوعيين وقد القي القبض عليه بحجة انه مطلوب لخدمة الاحتياط ، فاصدر حكما بحقه بالسجن لمدة سنتين ينفذها بعد ان يكمل خدمته الالزامية ولم تمض الا اشهر حتى اطلق سراحه وبسبب تدهور الوضع السياسي وتأزمه أكثر وملاحقة السلطة للقوى الديمقراطية والتقدمية وتعرضه شخصيا للكثير من المضايقات والملاحقات لكسر شوكته وثنيه عن مواصلة النضال في طريقه الذي آمن به منذ نعومة اظفاره غادر الوطن مكرها الى بلدان الشتات (المانيا ) باحثا هناك عن اسلوب اخر جديد لمقاومة السلطة الغاشمة من اجل خلاص الوطن من الدكتاتورية المقيتة ، وهناك عاش بقية العمر غريبا عن وطنه وأهله وناسه . وفي بداية الثمانينات اكمل حياته الاجتماعية حين اقترانه بابنة خالته  السيدة سهام حبيب قوجا التي انجبت له ولد وابنة باتا مصدر سعادته ورفاهه واسس عائلة صغيرة يجمع شملهم الحب والالفة والتعاون .  بالرغم من انشغاله بحياته العائلية وعمله ومصدر رزقه كان يتابع اوضاع بلده بشكل يومي من خلال اتصالاته وعلاقاته مع اخوته واصدقائه ورفاق دربه وفي الاخير تحققت امنيته حين انهيار النظام الدكتاتوري في العراق  وانتهاء تلك الفترة العصيبة التي جثمت الدكتاتورية اكثر من ثلاثين سنة  على صدر العراق .. وبسطوع شمس الحرية على الوطن بعد عام 2003  حقق امنيته بزيارة الوطن لمرتين والتقيت به في المرة الاولى ببغداد وبالثانية  في القوش وكنت حينها منشغلا بتصوير الفلم السينمائي  ( العودة )  بلغة السورث المحكية وكان يحضر التصوير وهو في منتهى الانشراح والفرح . اكثر من اربعين سنة عاش غريبا عن وطنه وعن اهله وعاداته وتقاليده لكنه بقي أمينا ووفيا وملتزما بها وبكل ما تركه في ارض آبائه وأجداده كالانتماء والعلاقات الاجتماعية وحبه للتراث والفلكلور ولم تغير الغربة من تلك المشاعر الجياشة شيء .. عاش صلبا قويا ملتزما تجاوز بطيبته وعطائه كل الحدود لأستلهام القيم والمباديء الانسانية النبيلة التي كانت ترافقه اينما حلّ ولم تثنه عن التواصل منذ ملاحقات الجناة ولا سجون الطغاة في العراق ولا صعاب وأوصاب الغربة في بلد الشتات واقتحم حياته ذلك المرض اللعين لكن الابتسامة والامل لم تفارقاه لحظة واحدة بل كان يواسي المقربين اليه ويقول أنا بخير وصحة جيدة ، عانى وتحمل وتألم وصبر من آلام المرض الخبيث دون ان يشكو اوجاعه الشديدة لأقرب ناسه ولم يتغير فيه شيء بل كان كما عرفناه وهو في عنفوانه وكنت حينما اتصل به للاطمئنان عليه كنت استغرب وأتفاجأ من كلامه ونبرة صوته وحين سؤالي عنه كان يقول وبنبرة كلامه تفاؤل وأمل : لا عليك ابن اختي فأنا على احسن حال وان ما اعاني منه  مجرد وعكة صحية ستزول قريبا ، علما انه كان يصارع الموت .. فما اصلبك وما اروعك ايها الراحل العزيز ، لقد كنتَ دائما ألقا في الحياة وستبقى هكذا مشرقا كضوء القمر وزاهيا كالقرنفل رغم تراب القبر الذي سيحتويك ، فالموت يا صاحبي ليس الا نهاية رحلة كل انسان في حياة الدنيا شاء ام ابى سيلاقي هذه الحقيقة يوما ، فلا الدمع يكفكف آلام الرحيل ولا وجع النفس تخفف لوعة الفقدان وفي ختام رثائي لا يسعني الا ان اقول لقد جاء رحيلك مبكرا ومؤلما يا عزيزي فقد غادرتنا ولكن تركت لنا ذكراك التي ستبقيك معنا وبيننا وستبقى الغائب الحاضر في اعماقنا مهما طال الزمن ، فلك الوفاء ايها الخال المسافر الى دون عودة ولنا الحزن والعزاء فقد كنتَ دوما قريبا مناّ رغم المسافات الشاسعة التي كانت تحول دون لقائنا وداعا يا من كانت ابتسامتك لا تنطفيء في وجه كل قريب وبعيد فنم قرير العين في نعيم المحبة والذكر الطيب .