المحرر موضوع: ألبصرة : ألضًرع المدرار " من وحي مدينة البصرة حتى نهاية القرن العشرين"  (زيارة 1729 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل يعقوب أفرام منصور

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 91
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
           ألبصرة : ألضًرع المدرار
   " من  وحي مدينة البصرة حتى نهاية القرن العشرين"

                                          يعقوب أفرام منصور
 ما أسخى ضَرعكِ يا بصرتي الفيحاء !
 ما أبهى نخلكِ يا بلدتي المِعطاء !
 في ظِلالهِ رقدتُ 
 وقرأتُ وحلمت وكتبتُ وعزفتُ
 على العودِ والكمان والناي
 من جُمّاره  أكلتُ، من تُموره جنيتُ
 من رحيق دِبسِه رُويتُ
 جذوعَه  صعدتُ، بسَعفِهِ لهَوتُ
بشوكهِ وُخِزتُ، فما باليتُ ولا عدلتُ
 بل علّمني الوخزُ الثبات
 أفادني القطفُ الأناة
 والتهمتُ أرطابَه  وتمراتَهُ
 ومنحتُ ما جنيتُ من لُبّهِ
 مَن شِئتُ من قريب وخليل
 أكلتُ من صنوفه فما شبعتُ
 غرفتُ عصيرَه بالفنجان فما اكتفيتُ
 ولبثتُ ظامئًا  إليه
 وسامكثُ جائعًا إلى جُمّارهِ ما بقيتُ .
                ***
 ما أزهى قدّكِ يا بصرتي الهيفاء !
  ما أسمى شأنكِ با بلدتي الغيداء !
  أمواجَ شطّكِ الزاهي كم ركبتُ !
  أنوارُ بدركِ البهيّ كم طلَت هامات النخيل
 والشراعُ الجميل يَميسُ مع النسيم العليل 
  بعدَ أويقات الأصيل !
  على الشاطئ كم وقفتُ !
  ففُتِنتُ وابتهجتُ، وهمومي سلوتُ
  وأصواتًا سمعتُ، وأنغامًا وعَيتُ
  وأشباحًا  رأيتُ للجاحظ والسندباد
  والأصمعي وشهرزاد
  ورابعة وبشّار
  وغيرهم أفذاذ وأخيار
  من ضرعكِ رضعوا وحِداءَكِ سمعوا !
  إلى أفنان دوحِكِ كم سعيتُ !
  وتحت جدائلها كم جلستُ !
  لتغريد العنادل كم طرِبتُ !
  بِنَوحِ المطوّقةِ كم شُجِيتُ !
               ***
  ما أنقى ضَرعكِ يا بصرتي الفيحاء !
  ما أحلى تينكِ يا بلدتي الشمّاء !
  حليبَه رضعتُ، لُبابَه مضغتُ
  مِن تُوتِكِ قطفتُ وسلِالي منه ملأتُ
  من سِدرِكِ جمعتُ النَبَق، وجيوبي به حشَوتُ
  لا حارسَ بزجرني، لا زارعَ ينهرني،
  كأنّي ربُّ البيت، كأني شيخُ الأرض !
                  ***
  ما أغنى ضَرعكِ يا بصرتي السمحاء !
  ما أعلى كعبكِ يا بلدتي الوضّاء !
  برغمِ الصروفِ والخطوب
   برغم الكلوم والحروب !
  نصفُ قرنٍ عدا مُذ بارحتُكِ
  لم أزل كالطفل عالقًا بِرِدائكِ
  أحنُّ  كالمفطوم إلى  صدرِكِ
  لأستقي المزيد من ضرعِكِ
  فهو حافلٌ ملآن، وانا جائعٌ إليهِ ، ظمآن
  رضع منه الأفذاذ  قبلاً فما شبعوا
  واليوم ينهل منه الأحفاذ  ولن يقنعوا !
                  ***
 أحنُّ من فرطِ حبّي أن تُطبق أهدابي
فوق ثراكِ المجيدِ، في ظلِّ نخلٍ تليدِ
قُربَ رميمِ جدودي.
                  ***
يا عروسَ الأمصار لن يغزوكِ " التتار "
مهما حرقتكِ النار، يا أحلى من جلّنار
على تاجٍ من نضار!
يا أبهى من فنار، تحفّهُ الأقمار
يا قِبلَةَ انتصار
على أعداءٍ وأشرار في عراق الفِخار.
      ***          ***     ***    ***
كل هذه المزايا وحلو الذكريات
ظلّت عالقة بحنايا الذاكرة والجَنان
حتى مُنسَلَخ قرن الثورات والحروب
بعدها، جُلّها  زال، قليلها ماثل
إذ بارحها طيّبون ، أمناء، قديرون
فبصرتي بعد الألفين إنكسفَ بهاؤها
وهبط شأنها، وطفا أردياؤها
وما عادت مدينة التعايش والتحابب
وباءُ الفساد والشَحناء عمّها
والتفسّخ مسخَ نفوسَ شبابها
والقصور ساد مرافق إدارتها
 من أناس غير مؤهّلين
لا يحملون إخلاصًا ونزاهة ومقدرة
يستنزفون دمها، يستدرّون ضَرعَهاا
هم بنوها ، وبنو جِلدتهم من حواليها !
ويتمادون في إهمالها وعدمِ تحسين أوضاعها
فما أظلمهم وأبعدهم  عن البِرّ بِضَرعِها المِدرار !