المحرر موضوع: رثاء الى زهرة توها تتفتح  (زيارة 1242 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باسـل شامايا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 619
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رثاء الى زهرة توها تتفتح
« في: 18:33 05/06/2018 »
رثاء الى زهرة توها تتفتح
باسل شامايا
   لقد كان صراعا محتدما بيني وبين يراعي  منذ ان هالني خبر رحيلك ايتها الفراشة الجميلة أنيت عن هذه  الدنيا ، باحثا في قاموس مفرداتي عن كلمات لعلها تعينني وتسعفني للكتابة عنك مجسدا من خلالها انطلاقاتك وضحكاتك ومحبتك اللامتناهية لكل الناس وبراءة الطفولة    المتجسدة فيك تلك البراءة التي تنطلقين وتغدقين بها على اهلك واقربائك ومعارفك ومحبيك ، فخنقتني العبرة ولم اتمكن ان اكتب سطرا واحدا مما كان يعشعش في مخيلتي فوضعت يراعي على وريقتي البيضاء واخذت اتصفح في صفحات الفيس بوك المزدحمة بصورك الجميلة ، فأوقفتني احدى تلك الصور التي كانت تحاكي الجمال رقة ، حينها سألت القدر اللعين عن الذنب الذي ارتكبته هذه الحمامة الوديعة التي اوقفتَ عندها نبض الحياة حتى راحت طموحاتها وتمنياتها ادراج الرياح .. رغم قناعتي التامة والثابتة بأن نهاية كل كائن حي هو الموت الا انني اختلف معه  بموت انيت  لأنه ارسل ملاكه بغتة ليخطف  هذه الفتاة الصغيرة ذي السبعة عشر ربيعا التي كانت تسير بثقة عالية الى مرافيء محبة الناس ، لكنه لم يدعها تكمل استحقاقاتها المشروعة بل تمكن من ايقاف تلك المشاعر والاحاسيس والأفكار وفعاليتها الجميلة في الحياة .. توقف الزمن حين توقف نبض انيت وتوقفت سعادة بديع وفداء حين انطفاء شمعة انيت وذبلت ابتسامة بشار حين رحلت انيت رحيلا ابديا .. زلزال رهيب أصاب هذه الاسرة المفجوعة حينما اغمضت انيت اغماضتها الاخيرة ، فيا جذل الطفولة يا أنيت ويا اقحوانة الطيب التي تتضرع عطرا ، اعلمي ايتها السوسنة الذابلة ان رحيلك جعل اباك وامك  يعانيان من انعدام  الراحة والسعادة والامل لانهما كانا يعملان ناكران ذاتهما ليجدانك قد كبر عودك واصبحت عروسا جميلة ، لكنك غادرت دون ان تحققي امنيتهما ودون ان  تقولي وداعا يا امي وداعا يا ابي وها هو يكتب اليك كلماته الاخيرة  مودعا اياك الى عالم الذكرى : ابنتي الحبيبة ومدللتي الصغيرة انيت ، اخاطبك وانت تحت الثرى واقول معاتبا لما فارقتيني هكذا على عجالة يا اعز من نفسي الا تعلمي انك كُنت النور الذي لم ارى جمال الدنيا الا فيك ، علام رحيلك المبكر يا زهرة اينعت في جنينة حياتي ،  لماذا لم تتأنى أيها الموت حتى ترتوي عائلة أنيت من اكتمال ريعان شبابها ، ها قد مضت ايام على رحيلك وكأنها سنين اشتقت اليك يا وحيدتي كما تشتاق الارض للمطر وكما تشتاق العصافير الى الشجر ، كم احس بألم غيابك عن الدار وكم تؤلمني الحسرة التي اجتاحت اضلعي حين غيابك عنا ، لما رحلت يا غاليتي قبل أوانك الا تعلمي انني بحاجة الى تلك الابتسامة الرقيقة التي كُنت تستقبلين بها نهاري المرهق فتكتنفني الراحة والطمأنينة بمجرد رؤيتك وانت بتلك الطلة الجميلة والتي كنت تملئين بها البيت فرح وطيبة وسرور .. اما الآن فبعد ان انطفأت شمعتك المنيرة بات كل شيء حزن واسى ووجوم ، لم نعد نسمع دفء صوتك وقهقهاتك وضحكاتك التي كانت تمدنا بالتفاؤل والأمل .. اكتب اليك في هذه اللحظات العصيبة بعد ان ووريت الثرى والحزن يؤطر مشاعري للفاجعة التي حلّت بنا ولمصابنا الجلل فقد كُنت يا قطعة من كبدي عيدا لأيامي وكلما كنت تكبرين وتترعرعين خلال عام يزداد حبي لك اعوام واعوام . ولكن ما حيلتي انطفأت شمعتك واصبح كل شيء امامي ظلام في ظلام ، ها انا اليوم وجها بائسا يائسا عاجزا لا اقوى على

شيء الا الرثاء على بيتي الذي ذبلت فيه بسمة الحياة .. انها مشيئة الرب يا ابنتي فقد اختارك وانت في زيزفون شبابك لكي تكوني الى جواره مع القديسين والابرار وفي الاخير اقول وداعا يا غرسة زيتون وداعا وانت تغادرين الى دار البقاء ستبقى ذكراك خالدة في قلبي ومهجتي ودمي ما زال في حياتي نبضا .  هكذا عصفت فينا فاجعة أليمة اهتزت وتفاعلت بها مشاعر الناس فالحزن عصرَ الضلوع والقلب خفق ألما وكمدا وفي الصدر تكسرت العبرات والدموع ذُرفت حتى جفت المآقي ، لا احد يريد ان يموت فاننا ولدنا كي نعيش فيأخذ كل منا نصيبه من هذه الدنيا ان كان سعيدا او مهموما ،  ناجحا او العكس حتى تحين ساعة الرحيل فيرحل لكنه يكون قد خلّف ذكرى امتداده ليكملوا ما سار عليه ولكن كم كان قاس القدر الذي    رحلت اليه أنيت هذا القدر الذي لم يمنحها نصيبها من الحياة فرحلت ورحلت معها ابتسامة امها المفجوعة وسعادتها  وها هي ايضا تقول كلماتها الاخيرة لصغيرتها بعد ان ودعتها الى مثواها الاخير  : ابنتي ونور عيني أنيت ايتها الزهرة الفائحة عطرا اين انت يا صغيرتي فاننا لم نعتاد على فراقك لحظات فكيف بنا وقد مضى على غيابك ايام ، ايعقل ان اصدق انك رحلت رحيلا ابديا لا عودة فيه ، أيعقل أن اترك زهرتي للتراب هذه الزهرة التي سقيتها من ماء عيني وغذيتها من احشائي وداعبتها من نبضات قلبي ، آه يا أملا طالما انتظرت أن ينمو ويترعرع بين احضاني ، ترى من سيكفكف دموعي يا صغيرتي ومن سيعيد البسمة الى ايامي يا حمامتي ومن سيعيد الليّ وحيدتي يا فراشة الحب التي كانت تحوم بجناحيها في كل يوم وفي كل لحظة لتفرش السعادة على بيتنا  ، آه يا حبيبتي كم هو ثقيل هذا العبيء الذي خلفتيه لنا بغيابك ، كيف لي ان اصدق ان ذلك البدر الذي كان يتجسد بوجهك المضيء قد احتواه التراب ، لا اقول لك وداعا يا اعز من روحي ومهجتي ، ايتها الراحلة الى الديار الابدية لانك ستبقين قريبة مني من احساسي وحناني وشوقي ، فانك روحي ايعقل ان تغادر الروح جسدها ، ارقدي بسلام في نعيم المحبة ايتها العطر الندي الذي ووري الثرى . وختم رسالة العائلة الى الراحلة العزيزة أنيت شقيقها بشار الذي كانت له أنيت اختا وصديقة وحبيبة فقال وفي قلبه اسى وحزن وفي عينيه سيلا فائضا من الدموع : سلاما نديا مبتلا بالألم والحزن اليك يا اختاه ايتها الراحلة عني الى حيث لا حياة ولا امنيات ، لقد جاء رحيلك مبكرا فحُرمت من الاخت والصديقة التي كانت تواسيني همي وتشاركني  فرحي وسعادتي ؟ انني لم اصدق انك غادرت دون عودة ثانية بل ما زلت اعيش لحظات بانك ستعودين مرة اخرى لنعيد البسمة الى شفاه ابي وامي ، صدقيني يا اختي انني اشم رائحتك في كل غرفة وكل ركن من اركان البيت وفي كل مكان كنت فيه معي ، نعيش الوجع الكبير منذ انقطاع صوتك ومزاحك وضجيجك عن البيت ، ذكراك لم تغب عن قلبي وعيني ، ووجهك الباسم ما زال ماثلا امام ناظري ، فقدناك يا غاليتي الوحيدة وفي قلبي غصة وفي عيني بحر من الدموع .. اتعلمي في يوم تشييعك  كم كان محبوك وزملاؤك يحومون حول مثواك لعلهم يسمعون همسك يترنم بلحن تنتظره كلماتي لقد عاشوا حزنا  كبيرا تجسد بدموعهم التي ذرفوها مدرارا لقد غمرت مشاعر الاسى وجوههم ، ووفاءا لك وحدادا على رحيلك علقوا صورتك على واجهة مدرستك وراح زملاؤك يلقون عليك تحيتهم الاخيرة .. سنبقى نتذكرك يا اختي يا صاحبة أطيب قلب مطرز بالمحبة والطيبة فما مدى الحزن الشديد الذي راح يتغلغل في صدورهم وينعكس في وجوههم المكفهرة وقد احاطت هالة من الدموع كل العيون وداعا اختي ايها الغصن الندي الذي رقد بين وحشة الغربة الحالكة سنبقى نتذكرك ايتها الفتاة البشوشة الطيبة التي كُنت لا تبخلين بابتسامتك في وجه قريب او غريب .. وداعا يا من تسكنين في ثنايانا تتوجينها بكل جدارة وداعا وسلاما من

شقيقك الذي لن يكون هناك قلب في الدنيا اكثر احساسا بألم الفجيعة من قلبي وعظم مأساتي وداعا يا اغلى الناس .  وفي الختام سلاما لك من القوش وانت راقدة في ارض الغربة واعلمي ان هنا في بلدة اباؤك واجدادك من نزفت قلوبهم هما وألما على رحيلك تشكو القدر المشؤوم الذي راح يلهو بترتيب احداث حياتنا اكتب الى عائلتك حزينا وبقلب يؤطر مشاعري للمصاب الجلل الذي ألّم بذبول هذه القرنفلة الزاهية التي رحلت بغير اوانها وحملني ذلك الى ان اهنيء العزيزة أنيت لموقعها الذي اختارته مبكرا عوضكم الرب ايها الاحبة بحب العزي بشار مع مواساتي وتعازي اهلي وناسي من بلدتكم الحزينة القوش .