المحرر موضوع: سبيل التعامل الديمقراطي بين الرأي والرأي الآخر!!  (زيارة 1011 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
سبيل التعامل الديمقراطي بين الرأي والرأي الآخر!!

صديقي العزيز

قرأت رسالتك الكريمة المليئة بالآلام والشجون والخشية على العراق القادم، التي تزيد كثيراً ما تزيد من ألام الجسد المنهك الذي نحمّله الكثير. لا شك في أن لك رأي، ولي رأي، وللآخر أو الآخرين رأي آخر، وليس هناك من يحكم على صواب هذا الرأي أو ذاك سوى الأيام. المنهج والتجربة والواقع يساعدان على التحليل السليم شريطة ممارسة المنهج التحليلي بشكل صائب، وكذلك القراءة السليمة للواقع والفهم المدقق للتجربة. وهي مسائل تختلف من واحد إلى آخر، ومن حزب إلى حزب، وعلى وفق الكثير من المؤشرات. يتعذب البعض لأن الآخر أو الآخرين لم يأخذوا برأيه ومارسوا رأيهم، وربما تنشأ عن ذلك كارثة. ولكن الآخر أو الآخرين، الذين لهم رأي آخر، ربما يفكرون بنفس الطريقة، وبالتالي، من هو الصحيح؟ لا يمكن البت بذلك سوى الواقع الحياتي التي يمكن ان يدلل على صواب أحد الرأيين أو يقع بين بين! 
غالباً ما كنت في حياتي السياسية والعامة أفكر بطريقة أشعر بأنها ضرورية بعد مرور 83 عاما من عمري وما يقرب من 70 عاما في الحركة الطلابية والوطنية والشيوعية. أفكر باني على صواب والآخر مخطئ، ولكن أضع مجالاً في ان يكون الآخر على صواب وانا المخطئ، ولو بقدر معين! أشعر بأن ليس هناك لونين فقط أسود وابيض، بل هناك أطياف لونية اخرى بينهما، وعليّٓ ان لا اعتقد بأن رأيي هو الأصوب دوماً، رغم وجود دلائل تشير الى صواب الرأي الذي أتبناه إزاء هذه القضية أو تلك، وليس دوماً. لقد مررنا بتجارب مريرة، ولكن الحياة ما تزال أكثر غنىً من تجاربنا الشخصية. ففيها الكثير من المفاجئات التي تجعلني لا أقطع بصواب رأيي، رغم قناعتي بصوابه!
كنت حين أُعتقل، أفكر كثيرا كيف سأواجه الجلادين وأساليبهم الوحشية في التعذيب اليومي؟ هل أنا قادر على الصمود أمام وحشية الجلادين؟ كنت لا أقبل باليقين، بل أقبل بالشك لأتغلب عليه بالصراع نحو الصمود. كان هذا في الخمسينيات من القرن العشرين، حيث كان التعذيب شرساً وموجعاً في أقبية التحقيقات الجنائية، وفي سجن بغداد وسجن بعقوبة، وكان هذا في الأمن العامة مع الجلادين البعثيين وأساليبهم الأكثر وحشية في التعذيب النفسي والجسدي في العام 1978. وأدركت في حينها وحتى الآن أهمية النظرة الشكية للأمور الإنسانية، وهي التي ساعدتني على الصمود والحفاظ على كرامتي وكرامة الحزب الذي أنتمي له والفكر الذي اقتنعت به وأحمله معي دوماً.
في سني النضال المديدة تعرفت أيضاً على بعض، وليس الكل، من كان واثقا من نفسه وسقط تحت وطأة الخوف حتى قبل التعذيب، رغم إعلانه الشجاعة التي كان يرغب في تحقيقها إنسانيا، وكان يطالبنا بالصمود ونحن في الطريق إلى سجن بعقوبة، ولكنه كان أول وآخر من وقع على البراءة من بيننا، نحن العشرة الذين تمّ نقلهم في العام 1958 إلى سجن بعقوبة وقبل ثورة تموز بعدة شهور. أنا واثق من الفكر الذي أحمله ومن رأيي، وأثق بنفسي، ولكن اترك للنفس البشرية، بضعفها وقوتها، ان تعيش الامتحان وتتغلب على الضعف وتعزز قدرتها على الثبات. يشعر الإنسان وهو بين أيدي الجلادين بالسرور، رغم أوجاع التعذيب، حين يرى الفشل والخزي في وجوه الجلادين بعد أن عجزوا عن كسر إرادة الإنسان المناضل!   
وضع العراق ليس عاديا، فهو مليء بالتعقيدات الكبيرة والمصاعب الجمة. لا يمكن ان نركن لرأي واحد وتحليل واحد أو تفسير واحد، بل لا بد من رؤية كل الاحتمالات الأخرى، وأن نستمع إلى كل الآراء، تلك التي نتفق معها أو نختلف، نؤيدها أو لا نرفضها، إذ من حق الآخر أو الآخرين أن يروا غير ما تراه أو أراه، خاصة وأنهم ليسوا أفراداً، بل هم حزبا سياسيا له نضاله المجيد وخبرته وقيادته ورأيه ومسؤوليته. لقد أبديت رأيك واوضحت تفاصيله وعواقبه، ولكنه لم يقنع جمهرة كبيرة من الآخرين أو الحزبيين، في حين هناك من أيد رأيك. فلنرى كيف تسير الأمور!
تعذيب النفس في مثل هذه الأحوال غير نافع، بل له عواقب سلبية. من جانبي التزم بالقاعدة الفقهية القائلة "رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ."!
لا أؤيد كتابة مقالات حادة لأنها توتر الأمور مع قوى لا نريد لها الأذى ولها رأيها. الحوار بيننا ضروري والسؤال هو: بعد ان حصل ما حصل، كيف نمنع وصول الأكثر وحشية وعدوانية الى دست الحكم ولاسيما رئيس الوزراء السابق، أو أحد المسؤولين عن المليشيات الطائفية المسلحة التي ساهمت بإغراق البلاد بالموت والفساد. يفترض، كما أرى، أن ندين النظام الطائفي المحاصصي، ندين إيران وكل من يقف معها، ندين كل القوى الأجنبية التي تتدخل بالشأن العراقي، ولاسيما الولايات المتحدة وقطر والسعودية، ونطالب بإقامة دولة ديمقراطية علمانية ومجتمع مدني ديمقراطي حديث، ونلح في ذلك ونفضح الفساد والفاسدين ونطالب بمحاكمتهم. علينا أن نعمل من أجل وحدة وتمتين وتعزيز وحدة القوى المدنية والديمقراطية والعلمانية لمواجهة أوضاع جديدة، ربما تحمل معها مفاجئات جديدة، وربما أكثر صعوبة مما هي عليه الآن.
كاظم حبيب
06/06/2018