المحرر موضوع: حوار مع الراحل جميل قوجا قبل رحيله  (زيارة 849 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل باسـل شامايا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 619
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حوار مع الراحل
جميل قوجا قبل رحيله

باسل شامايا

كانت فرصة مؤاتية حينما حملت قلمي وأوراقي حاثا الخطى الى حيث منزل في بلدتي القوش العتيقة ، موغل في ذكريات الماضي الجميل ، مشيت اليه متلهفا لاجراء حوارا مع انسان في منتهى الرقة والانسانية ،  محبوب  لدى الجميع ، طيب المعشر متسامح ومتواضع وبهذه الصفات الحميدة يكسب اصدقائه و يفرض بها شخصيته على المجتمع بمختلف اطيافه وتلاوينه .. طالما اسعدتني صحبته واستمتعت بحواراته اللطيفة ، ورغم الفارق الزمني الذي بيننا كان عنصر الانسجام والتقارب في وجهات النظر تجمعنا في اغلب القضايا والأمور .    انه الاستاذ والمربي الفاضل جميل يوسف قوجا الذي جاء به الشوق والحنين متجدشما عناء الطريق من عينكاوا الى بلدته الحبيبة القوش رغم وضعه الصحي المتأزم الطريق ، هذه البلدة التي اشرقت فيها شمس ميلاده عام 1935 وفيها استنشق اولى نسمات الحياة .              في عام 1949 انهى دراسته الابتدائية بمدارسها وفي عام 1953 انهى دراسته الثانوية في احدى مدارس دهوك  ثم تخرج من دورة تربوية مدتها سنة واحدة وذلك في               1954 – 1955 وتعين بعد الدورة مباشرة في مدينة الموصل / قرية بيدا عام 1955 وبقي فيها سنتين ثم انتقل الى ناحية اتروش ثم باقوفة ثم نقل اداريا الى قضاء عقرة ومنها الى مدرسة خراب بيت التابعة لقضاء تلكيف ومن هناك الى مسقط رأسه القوش وبقي في مدرسة العزة الابتدائية للبنين سنة واحدة ولكن لم تتحقق امنيته في المكوث مزيدا من السنين بسبب اعتقاله من قبل السلطة الغاشمة عام 1963 وبقي في السجن ستة اشهر حينها صدر امر بفصله من وظيفته وبعد ثلاثة اشهر من اخلاء سبيله اعيد الى وظيفته في مدينة الناصرية وبقي في مدرسة الفرزدق سنة واحدة وسنتين في مدرسة الامام الباقر وكانت آخر محطة تعليمية له في بغداد ليكمل فيها خدمته التعليمية في مدارس زيد و قدوة وابن خلدون في كراج الامانة ، حتى احيل الى التقاعد عام 1983 وتفرغ للتدريس الخصوصي حيث كان متمكنا من اللغة العربية . وحول السنين التي قضاها في التعليم قال : كانت الدنيا لا تسعني من الفرح والسرور وانا امارس مهنة التعليم التي كنت اقدسها وكان دفاعي عن الطالب كبير في كل صغيرة وكبيرة ، لم اكن فقط معلما له بل كنتُ احسسه بأنني صديقه وزميله واحيانا كنت اعالج الكثير من مشاكل الطلبة  حتى الاجتماعية منها ،  كان يخصص بعضا من وقته للاهتمام بحديقة منزله في بغداد / حي الغدير حيث كان بنفسه يشرف على سقيها والاعتناء بمحتوياتها .. وكانت تلك الحديقة الزاهية بكل انواع الازهار مكانا يجد فيها هو واصدقائه ومعارفه الراحة والاطمئنان . في عام 1967 كانت قد سنحت له الفرصة لكي يدرّس في مدارس راهبات الكلدان  ( نجمة الصبح في المنصور – ومدرسة مريم العذراء  ) اضافة الى وظيفته كمعلم .وترك هناك ايضا بصماته التي ما زالت تذكر لحد يومنا هذا .                                                        اما مغادرته حياة العزوبية فقد كان في عام 1958 حين عقد قرانه في بلدته القوش وسط أهله وأقربائه وأصدقائه من السيدة اسيت جبو زرا  و تجسدت فرحته بحياته الجديدة حينما رزقه الله بثلاث بنات وولدين ( نديم ، نائل ، نضال ، نادية ، نهلة ) . في نهاية التسعينيات من القرن الماضي كان يقضي الكثير من وقته في نادي بابل الكلداني يمارس حقوقه وواجباته كعضو  بارز في لجانه الثقافية والاجتماعية والاعلامية .. ومن المهام والنشاطات الثقافية التي كان يقوم بها  :  ** رئيس تحرير مجلة صدى بابل التي كانت تصدرها اللجنة الثقافية لنادي بابل الكلداني . ** كان عضوا بارزا من الاعضاء الذين بادروا لتأسيس نادي بابل الكلداني في بداية السبعينيات حين اصدر قرار منح الحقوق االثقافية للناطقين بالسريانية .                              ** كان مشرفا لغويا على تدقيق مختلف المقالات المنشورة في مجلة النادي .                         ** كان عضوا في هيئة تحرير جريدة صوت القوش لسان حال نادي القوش العائلي كما كان      ايضا مشرفا لغويا ومسؤولا عن مراجعة المقالات قبل نشرها في الجريدة .                                ** كان ضالعا في قواعد اللغة العربية لذلك كان يشغل دائما مكانة الاشراف على عملية تدقيق   المقالات قبل نشرها .                                                                                            ** كتب الكثير من المقالات والخواطر التي نشرت في مجلة صدى بابل ومجلة بيرموس       ومجلة شراغا وجريدة صوت القوش .                                                                            في الآونة الأخيرة قضى فترة متنقلا بين بغداد والقوش  خصوصا في فصل الصيف هربا من جحيم حرارة الصيف حيث كان الاهالي يعانون من انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة لذلك كان يجد في القوش ملاذه الامن فيقوم بزياراته مع عائلته خصوصا في فصل الصيف وخلال وجوده في القوش كان لا يبخل على نادي القوش العائلي بعطاءاته و خدماته التي  اعتاد على تقديمها دون مقابل ، خصوصا في تنقيح جريدة صوت القوش ، وفي عام 2015 تدهورت حالته الصحية فنقل على اثر ذلك الى لبنان وبعد تشخيص مرضه ( ورم تحت اللسان ) اجريت  لهعملية  جراحية ناجحة انتشلته من ذلك الوضع الصحي ، ثم عاد ارض الوطن رعد رقاده 45 يوما تحت العناية المركزة والرعاية الصحية وبعد عودته لم تنقطع زيارات معارفه                                                                                                                                                                                                                   ومحبيه له للاطمئنان عليه . وفي آخر زيارتي له في عينكاوا قال : جزيل الشكر والامتنان لجريدة صوت القوش وللاخ والزميل باسل شامايا الذي عانى السفر من القوش الى عينكاوا من اجل اجراء هذا اللقاء ، واحب ان يختم حوارنا بارواء موقف صعب مرّ به في حياته  لا ينساه ابدا فقال : كان موقفا عصيبا كاد يودي بحياتي حينما كنت معلما في مدرسة خراب بيت وفي ذلك الوقت كانت قد بدأت حملة اغتيالات في الموصل عام (( 1961 – 1962))  ومن ضحايا تلك الحملة شاب في عنفوان شبابه ضخم كأنه مصارع نجى من عملية الاغتيال لكنه اصيب بخلل في عقله فجيء به الى قرية خراب بيت ليعالجه شيخ في تلك القرية اسمه (احمد) وعند حضورنا مساءا لتناول القهوة عند شيخ في القرية كان ذلك الشاب جالسا هناك فحصلت عنه وعن عائلته على بعض المعلومات وعرفت ما كان يعاني منه وكانت احدى طرق معالجته التي كان يلتجا اليها الشيخ ضربه ضربا مبرحا بالرغم من ضخامته وقوة بدنه كان يطلب النجدة من المعلمين الجالسين في مضيف الشيخ وفي ليلة الجمعة وكان زملائي المعلمين قد سافروا الى الموصل وبينما كنت منشغلا بتهيئة العشاء تفاجأت بدخول هذا الشاب الى غرفتي بعد ان فرّ من يد الشيخ قاصدا بيت المعلمين الذي كُنت ومجموعة من زملائي نسكن فيه ، حيث كان الشر يتطاير من عينيه ويتفوه ببعض الكلمات الجارحة فتسمرت في مكاني لكنني تذكرت قول الشاعر ( اذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظن ان الليث يبتسم ) وراحت دقات قلبي تتسارع خوفا من ذلك الوحش الذي كان يلتهبني بنظراته فلجأت الى اسلوب لا بد منه لأمتصاص ذلك الغضب فرحبت به قائلا : اهلا ومرحبا فقد جئت في الوقت المناسب فلقد اتفقت مع اخيك على خطة ننقذك من يد ذلك الشيخ الظالم وهو ينتظرنا الان في الوادي القريب من القرية فصدق كلامي وهدأ بعض الشيء ومن شدة فرحه قفز قفزة قوية وصل بها الى مكاني لكنه سقط ارضا وسقط فوقه  السرير والمنضدة  وكان سقوطه ذاك  فرصة سانحة لأنجو من بين مخالبه . وفي الاخير تمنى لجريدة صوت القوش التقدم والتألق في مهمتها الاعلامية والانسانية ودوام النجاح لمن يعمل تحت خيمتها .                                                 لقد كنت قد اجريت معه هذا اللقاء لكي انشره على صفحات جريدة صوت القوش العدد الجديد ( 37 ) لكن و للاسف الشديد قبل نشره وتحقيق رغبته جاءه ملاك الموت بزيارة خاطفة وخطف وسط عائلته مربينا العزيز ابا نديم وكانت امنيته ان يقرأ هذا الموضوع قبل نشره لكن يد المنون كانت اقوى فرحل الاستاذ تاركا بيننا ذكراه العطرة وقد تحققت امنيته حين جيء بجثمانه من عينكاوا الى القوش وتم تشييعه في بلدته وسط اهله واقربائه وزملائه واصدقائه والى جوار ابائه واجداده ووري الثرى وهناك رقد في مسكنه الابدي ، تعازينا ومواساتنا القلبية الى عائلة الراحل العزيز الاستاذ جميل قوجا ، نم قرير العين ايها المربي الفاضل لك الرحمة والحياة الابدية ولنا العزاء .