المحرر موضوع: مفهوم علم الاجتماع ميثم العقيلي  (زيارة 758 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الاخلاق الالهية

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 16
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تعريف علم الاجتماع:
عرف علم الاجتماع بتعاريف متعددة فتارة بأنه: دراسة العلاقة بين البناء الاقتصادي للمجتمع، والجوانب الأخلاقية، والقانونية والسياسية من بنائه العلوي.وأخرى: أنه عبارة عن دراسة صور الالتقاء الإنساني.وثالثة: بأنه دراسة الحياة المشتركة بين الناس.ورابعة: دراسة وصفية تفسيرية مقارنة للمجتمعات الإنسانية، كما تبدو في الزمان والمكان للتوصل إلى قوانين التطور التي تخضع لها هذه المجتمعات الإنسانية في تقدمها وتغيرها.
أقول: إن علم الاجتماع حافل بجملة من التعريفات التي يتفاوت تحديدها حسب الخلفية الفكرية التي ينتسب إليها علماء الاجتماع، بل يكاد ينفرد هذا العلم بصعوبة تعريفه لدرجة أن بعضهم يترك التعريف ليتحدث عن موضوعاته، وحتى هذا الجانب يظل خاضعاً لتفاوت ملحوظ بين علماء الاجتماع.ويمكن القول بأنه حتى في حالة الاتفاق على تحديد موضوعات هذا العلم، فإن التفاوت يلاحظ أيضاً من حيث الزاوية التي ينبغي أن يطرحها علم الاجتماع.يضاف إلى ذلك وجود صلة شديدة بين هذا العلم وبين علم النفس وبين أحد فروعه وهو علم النفس الاجتماعي من جانب وبينه وبين علم الأقوام أيضاً من جانب آخر، ثم بينه وبين العلوم الإنسانية الأخرى كالتاريخ، والسياسة، والاقتصاد، والقانون وغيرها على تفصيل آت. ومن جانب ثالث كل هذه التعقيدات تتواكب مع علم الاجتماع من حيث تعريفه وموضوعه ومهمته بالنحو الذي نحاول عرضه في المقام فنقول: إن الملاحظ على هذه التعاريف اختصاص هذا العلم بالوصفية خصوصاً آخرها أي أن علم الاجتماع هو علم وصفي يعنى بدراسة الظواهر الاجتماعية من خلال ما هو كائن المقابل للعلم المعياري أي ما ينبغي أن يكون, ومعه فتخرج بذلك الأحكام القيمية, وإن كان هناك ما يجمع بين معيارية العلم ووصفيته – كما يبدو من التعريف الثالث - بأن القيم هي نسبية من جانب بالقياس إلى اختلاف المجتمعات، كما أنه بالقياس إلى موقف الباحث الشخصي.وأما التعريفان الأوليان فيعبران عن معترك فكري كل يلحظ فيه فكرته حيث العلاقة بين البناء الاقتصادي للمجتمع، والجوانب الأخرى تارة, وأخرى بين صور الالتقاء الانساني المشوبة بالغموض والابهام.
وكيف كان فيمكن أن نعرف علم الاجتماع بأنه العلم الباحث في الاجتماع الإنساني ومحاولة اعطاء الحلول للمشكلات الاجتماعية طبقاً لتعاليم الإسلام الخالدة.ومعه فهنا عدة قيود يتضح من خلالها تعريف هذا العلم ونشأته وفرقه عن سائر العلوم مع انكشاف ما في التعاريف المتقدمة:
الأول: الاجتماع الانساني: فإن هذا القيد بمثابة الموضوع الذي تدور حوله مسائل هذا العلم وقضاياه على تفصيل آت, فإنه على الرغم من أن التفكير الاجتماعي قديم قدم الإنسان نفسه، فإنه لم يصبح موضوعاً لعلم إلا في فترة لاحقة, وكان أول من نبه إلى وجود هذا العلم، واستقلال موضوعه عن غيره، هو ابن خلدون, فقد صرح في عبارات واضحة في مقدمة تاريخه بأنه اكتشف علماً مستقلاً لم يتكلم فيه السابقون، وأسماه بـ(العمران البشري).قال: "وكأن هذا علم مستقل بنفسه، فإنه ذو موضوع، وهو العمران البشري، والاجتماع الإنساني، وذو مسائل، وهي بيان ما يلحقه من العوارض والأحوال لذاته، واحدة بعد أخرى، وهذا شأن كل علم من العلوم، وضعياً كان أو عقلياً ".ويقول أيضاً: "واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة، غريب النزعة، أعثر عليه البحث، وأدى إليه الغوص..ولعمري لم أقف على الكلام في منحاه لأحد من الخليقة، ما أدري: ألغفلتهم عن ذلك، وليس الظن بهم ؟ أو لعلمهم كتبوا في هذا الغرض، واستوفوه، ولم يصل إلينا ؟ ".كما أنه لم يكتف بذلك، بل دعا القادرين إلى استكمال ما نقص منه: "ولعل من يأتي بعدنا ممن يؤيده الله بفكر صحيح، وعلم مبين، يغوص من مسائله على أكثر مما كتبنا ". وإضافة إلى ذلك فإن مقدمته شملت على أقل تقدير سبعة من فروع علم الاجتماع المعاصر، ناقشها ابن خلدون في وضوح تام يفرز علم الاجتماع عن غيره من العلوم المختصة بدراسة.ولكن ابن خلدون هذا لم يخلفه خلف يتمم ما بدأ به، ويبني على ما أسس عليه وإنما بدأ من بعده توجه أكاديمي جديد نسبياً تطور في أوائل القرن التاسع عشر وظهر كما هو حالياً كصياغة علمية في أوائل القرن التاسع عشر كرد فعل على تحدي الحداثة الاكاديمية، فالعالم كان يتحول إلى كل متكامل ومترابط أكثر فأكثر في حين أصبحت حياة الأفراد أكثر فردية وانعزالاً يهتم بالقواعد والعمليات الاجتماعية التي تربط وتفصل الناس ليس فقط كأفراد، لكن كأعضاء جمعيات ومجموعات ومؤسسات.فقد نشأ علم الاجتماع المعاصر نشأة غربية مستقلة على يد أوجست كونت (1798-1857م) تلميذ سان سايمون, يليه في ذلك جوستاف لوبون 1841-1931م), ثم جبريل تارد (1843-1904م).حيث وضع الأول لهذا العلم اسم: "علم الاجتماع "، وقد دعى إلى الدراسة الوضعية للظواهر الاجتماعية، ووضع الفيزياء الاجتماعية على رأس العلوم قاطبة، وقد عني بعلم الاجتماع والفيزياء الاجتماعية ذلك العلم الذي يتخذ من الظواهر الاجتماعية موضوعاً لدراسته، باعتبار هذه الظواهر من روح الظواهر الفلكية، والطبيعية، والكيماوية والفسيولوجية نفسها، من حيث كونها موضوعاً للقوانين الطبيعية الثابتة ".ويعد هربرت سبنسر الإنجليزي الأب الثاني لعلم الاجتماع المعاصرين لكونت وقد أدرك إمكانية تأسيس علم الاجتماع، وأخرج مؤلفات متعددة في هذا العلم "كالاستاتيكا الاجتماعية، و "دراسة علم الاجتماع" و "مبادئ علم الاجتماع".وقد سيطرت عليه فكرة التطور الاجتماعي المستمر عبر الزمان، وهو من رواد الفكر التطوري.كما أن ماركس الذي يعد القائد الأول للحركة العمالية الثورية حيث قدم وجهات نظر وآراء تعد داخلة في علم الاجتماع بالمعنى الحديث، وقد أصبح أباً فيما بعد لعلم الاجتماع الماركسي، الذي تعد المادية التاريخية أساساً له.
وقد كانت هذه النشأة الغربية مرتبطة أشد الارتباط بظروف التحول الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والفكري التي كان يمر بها المجتمع الأوربي في ذلك الوقت، بحيث من المستطاع القول إن علم الاجتماع الغربي بكافة اتجاهاته وفروعه النظرية قد تطور استجابة للتطورات والمشكلات الاجتماعية في مرحلة الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد.وعلم الاجتماع الغربي هذا هو الذي كتب له الاتصال والاستمرار والسيطرة، كنظام فكري وعلمي بحكم ارتباطه بالحضارة المسيطرة.ومعه فقد أصبح عالمياً وفرض نفسه على الآخرين، كالحضارة الغربية تماماً. ويذكر بعض المؤرخين لعلم الاجتماع، أن له أربعة أصول فكرية، تتمثل في : "الفلسفة السياسية.وفلسفة التاريخ.والنظريات البيولوجية في التطور.والحركات التي قامت تنادي بالإصلاح الاجتماعي والسياسي".وكان التأثير الأكبر والأهم من قبل فلسفة التاريخ التي قدمت لعلم الاجتماع أفكار النمو والتقدم، ومفاهيم المراحل التاريخية، والأنماط الاجتماعية.ومن قبل المسح الاجتماعي أيضاً، الذي قدم لعلم الاجتماع إمكانية دراسة الشؤون الإنسانية بمناهج العلوم الطبيعية - فالظواهر الإنسانية أيضاً يمكن تصنيفها وقياسها - وإمكانية إصلاح المجتمع، حيث اهتمت المسوح الاجتماعية بمشكلة الفقر انطلاقاً من أنها مشكلة نتجت عن الجهل الإنساني أو الاستغلال.ومن ناحية أخرى، فلا يزال المسح الاجتماعي من أهم طرق البحث في علم الاجتماع.كما أن الحديث عن نشأة علم الاجتماع لا بد أن يتطرق إلى فلسفة التنوير العقلانية النقدية، التي أثارت كثيراً من مسائل علم الاجتماع، ثم بعد ذلك الموقف منها، هل هو: موقف المتقبل، كما هو الحال في علم الاجتماع الماركسي.أو موقف الرافض، كما هو الحال في علم الاجتماع المحافظ ؟ أو موقف الموفق بينها وبين غيرها من الأفكار المعارضة ؟ كما أن آثار الثورة الصناعية، والثورة الفرنسية، مهدت الطريق بشكل مباشر لتطور علم الاجتماع، حيث أفرزتا الكثير من لمشاكل التي تبحث عن حل.
القيد الثاني: المشكلات الاجتماعية: حيث تتناول هذه المشكلات والعوائق ذات الصبغة الاجتماعية عنصرين مهمين يتم بحثهما في هذا العلم:
أحدهما: ما يتصل بمطلق العلاقات والانحرافات الاجتماعية.
والآخر: يتصل بمطلق الظواهر التي تتطلب تخطيطاً اجتماعياً لتطويقها.
ولكل من هذين العنصرين دخل في الاجتماع الانساني بمعنى تجاوز ما هو فردي من حياة الناس، سواء أكان ذلك في ميدان العلاقات والتفاعل فيما بينهم، أم كان ذلك في ميدان الظواهر والسمات التي تبرز على سطح الحياة المشتركة بحيث تطبعهم بهذه السمة أو تلك. كما أن طرح هذين العنصرين يعتمد على طبيعة التصور السماوي الإسلامي حيال الإنسان ومجتمعاته المختلفة والمتباينة ومهمته العبادية الموكلة به, مع ضم ما يقابله من تصورات أرضية وضعية تختلف باختلاف الأفكار عند الباحثين والنقاد. وحيث أن الإسلام في نظرته إلى البناء أو الكيان الاجتماعي ينطلق تارة من تدخل السماء أو الوحي في تكييف البناءات أو الكيانات الاجتماعية، من حيث الخطوط العامة لها.وأخرى: من النشاط البشري من حيث الخطوط الفرعية له.أما الأول فيندرج ضمن عنصر العلاقات التي تنظم الاجتماع الانساني حيث تنشطر إلى علاقات مع السماء وعلاقات البشر فيما بينهم.والأولى لها صلة في تكييف الحياة الاجتماعية بما يواكبها من ظواهر ترتبط بعمليتي الثبات والتغير الاجتماعي, وهما عمليتان يعرض لهما علم الاجتماع الأرضي من حيث خضوع الظواهر الاجتماعية لقوانين ثابتة أو متغيرات بحسب الاتجاه الفكري الذي يصدر عن علماء الاجتماع، حيث يتفاوت نظراتهم حيال ما هو (ثابت) أو (متغير) من الظواهر وحيال إمكانية صوغ قوانين اجتماعية أو عدم إمكانية ذلك.