المحرر موضوع: كابوس  (زيارة 2360 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كاظم حبيب

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1265
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
كابوس
« في: 23:13 18/06/2018 »

كابوس

                                         
يحيى علوان

 مُثقلاً بحنينِ لَقْلَقٍ إلى عِشٍ فوقَ مِئذنَةٍ .. يتدفَّأُ فيه بالأذان ،
يستيقظ "رأسه" من رماد النسيان ، لمّا ينامُ ،
لا يسقطُ في غواية الأحلامِ ..
يقطعُ تذكرةً لقدميه ، يتسكّعُ على شاطيءِ الذكرى ..
 في زمنٍ ما جادَ عليه بيدٍ تُرتِّقُ مِزَقَ أناه اللائب ..
مثل غجريٍّ ضالٍ في غاباتِ العصورِ ، يطاردُ فتاتَ خبزِ ذكرياته ، كي لا يضلّ الطريقَ
إلى "الكوما" الروحية ! وسطَ بُرَكٍ من الهراء الرقراق !! يروحُ عندها يحصي جراحه
، مثل لصٍّ يجلس ليُحصي غنائمه !
رجلاه تقودانه في شوارعَ مصدورةٍ بدخانِ عوادمِ السياراتِ والحافلات ...
في طرقاتٍ وأزقّةٍ ، عارياً إلاّ من اشواق "إبن زُريق" البغدادي ...
............................
منذُ زمنٍ أوغَلَ في البَعاد، ما عادَ يتذكره ،عرفَ الكهولةَ، وإنحناءةَ ظهرِ الطفولة ،
ظلَّ يحملُ رأسه بين كتِفيه ، وأيامه على ظهره ... 
يمشي فوقَ نفسه ،
جسَده أمسى ذِكرى زمانه، دروبه مستديرة ، مُلتَفَّةٌ على حالها ...
حُلمُه يقودُ خطاه ،
ما تبقى له من عمرٍ أمسى مثل صالة إنتظار فى محطة قطاراتٍ مهجورة ،
ترعى بها الريح ، يتربَّعُ فيها الصمتُ على مقاعد مُترَعةً بالغبار ...
يُقامرُ منذُ سنينَ من أجلِ "بيدرِ فَرَحٍ ليلةَ الحصاد"!
يتلهَّفُ لفرحةٍ ، كلهيبِ موقدٍ يلوحُ ، من خلف  الشباك ،
لتائهٍ في صحراء من الثلجِ ...
أحبَّ بلاداً رَحلَ عنها ، يُريد زيارَةَ أمسِه... ليُقوِّمَ ظهرَ ذاكرته المُقوَّس!
.........................
بضعُ خطواتٍ تفصله عن مكانٍ ظلَّ يؤجِّلُ العودة إليه دهراً،
قلبه يَنُطُّ مثلما كانَ في أوّل موعدٍ غراميٍّ ، 
ما عادَتْ له غيرَ عينٍ واحدة ، تركها مفتوحةً ترصدُ أحلامه العابرة ..
إرتدى نسيانه/ ذاكرته ، رَشَّ شيئاً من عطره الأثير،
خرج لايلوي على شيءٍ ، ولا يدري كيف يُريحُ الظلَّ من شمسِ الظهيرة ،
في سكونٍ فَرّت الأصواتُ منه ... وعافَه الصدى ،
مثلَ جرحٍ يَصدحُ بالأنين ...
..........................
متردداً أمسى أمام دهليز ذاكرةٍ تحرسُها "ليثي"* ، حين شَعرَ كأنَّ شفّاطةً رهيبةً شَفَطَتْه ،
لم يَقوَ على مقاومتها ... أرخى قواه مُتزحلقاً ...
أحسَّ بأنه خفيفٌ ، ربما لأنه تَرَكَ ظلَّه مُعلَّقاً على شماعة خلفَ باب الدار .. 
في نهاية الدهليز قومٌ بوجوهٍ من نحاس ، مُتماثلةٍ ، تفيضُ إبهاماً ..
لاتَشي بفرَحٍ  أو بحزنٍ ،
أيدٍ مبتورة تُصفِّقُ لصفاقةِ الوطن !
رهطٌ "بابليٌّ"، الكلُّ يصرخ .. ولا أحد يفهمُ الآخر ...
مدينةٌ مُسَوَّرةٌ بالطوف**والعَجاج ، والقمامة ...
ساعة "القُشلَة" ، وحدها تعملْ !
إرتعبَ ! حاوَلَ العودةَ من حيث إنتهى .. لمْ يفلح .
تحلَّقَ القومُ من حوله كأنه "تسومبي!" ،
صرخَ بهم :" أنا إبن هذه الأرضُ ، التي طَشَّتْ في الدُنى الحرفَ ،
وما جَنَتْ غير الحروب !!
جئتُ لـ ــ أكتبَ بدمٍ أسود ، حِبر الغراب ــ "
* نحن ، قاتَلنا ولم ننتصرْ... جرّبنا " الممكنات !"كلِّها ...
 لا ندري أنَفرحُ الآنَ أم نَحزن ؟!                                                       
ــ هذا سؤالٌ ساذجٌ ! أتنتظرونَ فَتْوَى بالحزنِ وأُخرى بالفرحِ ؟!
* ماذا تريدُ ، يا غريب ؟! فنحنُ لانملكُ إلاّ الوفاءَ وإجسادٍ من قمح وشمس !!
ــ جئتُ إذ طوَّحَ الحنينُ بي ،
  جئتُ لعلَّ شيئاً فيَّ يَنبُذُني .. أو لعلّي أصيرُغيري !
  قد جئتُ من قبلُ ، وربما من بعدُ ... لم يكنْ أحدٌ بأنتظاري،
  ولم أجد أحداً يُصدِّقُ ما أرى ...
فالكلُّ منشغلٌ بأعلان "براءة" الخطأ !
 أنا البعيدُ .. مَنْ أنتَ يا أنــا ؟!
في أيِّ سِركٍ تُراني ؟!
مَنْ خَلَطَ أوراقَ اللعبةِ علينا ، فلم نَعُدْ نعرفُ "الثُوّارَ" من"كِلِدّار" اليسارِ ؟!!
سأكُفُّ عن الكتابةِ كي لاتصلَ رسائلُ إستغاثتي إلى مَنْ لايهمه الأمر..!
وحين لن يسمعني أحد .. أروحُ أنتحبُ حتى لا أختنق ..!
............................
هذه أشباحكم تلعنُكم ...
نساؤكم حِلٌّ لغيركم ما دامَ في المحرابِ منافقٌ ، دجّالٌ يَؤُمُّكم !!
جئتُ لا لأُصلِحَ أيَّ معنىً خارجيٍّ أو إشتقاقيٍّ ،
بل كي أُرمِّمَ داخلي الخاوي إثرَ جفافٍ عاطفي ..
وأعرفُ أنَّ "العامّةَ" تموتُ بِبَهجةٍ مَجّانيةٍ ،
فلا يعطيهم الوطنُ غير الحق في الموتِ أيامَ  الحرب !
والذلَّ أيامَ السِلم لـ"بناءِ" الوطنِ من جديد !!
....................
* تَمهّلْ! لاتَتَورّطْ كثيراً بالعاطفةِ والحماسة !! قالوا ،                                                                 لَمْ نَرهنْ سوى طيبتنا، كي لا نتأخرَ عن " الزَفَّةِ" ونُرمى بسِهامِ "الأنعزالية"!
  فها نحن مَنْ نحنُ !
  لنا ما تبقّى لنا من الأمس ،
 علوُّ النجمِ عاليةٌ أرواحنا ،
 أَبيَّةٌ نفوسُنا كالطير طليقاً يُحلِّقُ أبعدَ من مدى الرصاص ..!   
 هكذا وُلِدنا كسائرِ الخلقِ سواسية ! 
 لنا ما لنا .. ولنا ما لغيرنا من سماء ، 
لَهُمْ ما لَهُمْ .. ولهم ما لنا من هواء ،       
لَهم دينهُم .. ولنا "ديننا"!
لنا ما لنا.. وليس لهم ما لنا من أيادٍ بيضٍ وجبَاهٍ ناصعةٍ !
لَهُمْ ما ليسَ لنا من السحتِ الحرام .. وما يندى له الجبين !
لنا تبتسمُ المرايا .. ولهُم الذُعرُ من صورهم فوقَ الماء !
........................
........................
ثمَّ أننا نحتكمُ إلى البرامج ، دونَ النوايا، التي لاتعرفها إلاّ الآلهة !

ــ الكلُّ ضد الفساد ، والجميع يريد مصلحة الناس والديمقراطية والشفافية ..إلخ!!
   مَنْ المسؤول إذاً ؟!
  هل أكونُ أنا المسؤول وعليَّ أنْ أعتذر؟!
  عنْ ماذا؟!
  عن الخراب العميم ، الذي طال كل شيء؟!
  عن ملايينِ القتلى والمسبيين واليتامى والمفقودين ؟!
   فقد صادروا الله ،
   قَتلوه في الكتب ، فوقَ المنابرِ، صيَّروه "سيافاً"في بلاطِ الحُكّام !   
  الكلُّ تَبرّأ ، فلا أثَرَ لِمَنْ غرزَ مخالبه في صدورنا  ونجا ..!
  أيكونُ الكذبُ الصفيقُ أعلى مراتب الحقيقة ؟!
 إذ غدت الأخيرةُ مؤجلةً إلى حياةٍ غير هذه ..
  والذكرياتُ إلى أَعمارٍ أخرى ..
  وما عادَ الإخلاصُ ذا نفعٍ ..!
  أيتحتَّمُ عليَّ الآنَ ، أَنْ أُحكِمَ بناءَ عبارتي [ أقولُ لمُغرضٍ قد يقراُها عمارتي ، أنا لا أملكُ
حتى حجارة واحدة في خربة بأيٍّ من بقاع العالم، ناهيك عن عمارة !] كي لا تُغضبَ "القومَ"؟!


  كمْ هيَ ساديةٌ همومُ الناس !!
 لذلك سأرسمُ وجه إيديت بياف فوقَ صخرِ الروح ، تُسلّيني ، تعويذةً كي لاتُغريني
الآفاقُ المُلبَّدةُ بالكآبةِ والرحيلِ من جديد ... 
.......................
.......................
أَفاقَ إذْ سقطَ عن السرير.. يلهثُ مُقطَّعَ الأنفاسِ .. يتصبَّبُ عَرَقَاً بارداً ...!!!                                                                                       
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ليثي إلهة النسيان في أساطير الأغريق .
** جدار من الطين والتبن ، لا تدخل الحجارة ولا الطابوق في قوامه .